خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
تُعتبر “الإمارات العربية المتحدة” واحدة من الدول الهامة في مجال التجارة والاقتصاد بمنطقة “غرب آسيا”، لأنها وجهة للكثير من الاستثمارات الأجنبية حول العالم.
وفي بداية العام الجاري؛ نشرت وكالة أنباء (بلومبيرغ) خبرًا مفاجئًا عن إدراج “الإمارات” على القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي؛ (FATF)، التي أبدت استياءها من المساعي الإماراتية في المواجهة ضد عمليات غسيل الأموال. وتنبه أهمية الخبر من إمكانية التأثير الكبير على تراجع الاستثمارات الأجنبية وإشتعال المنافسات التجارية بين: “الإمارات وقطر والسعودية”؛ بحسب “فريبا علي كرمي”؛ في تقرير له نشره مركز دراسات (جريان) الإيراني.
ووفق (بلومبيرغ)؛ قالت “كاترين بائر”؛ رئيس الهيئة الأميركية في “مجموعة العمل المالي” سابقًا: “لا شك أن الإدراج على القائمة الرمادية مكلف، وهو يعني أن الإمارات لم تتخذ الإجراءات الكافية لمكافحة هذه الظاهرة”.
المجالات..
تتشكل دولة “الإمارات العربية المتحدة”؛ من 07 إمارات ذات صلاحيات إدارية واقتصادية واسعة. والهيكل الفيدرالي للدولة أو بعبارة أخرى انعدام التنسيق ووحدة الرؤية الخاصة، بالإضافة إلى وجود منطقتين للعمل المالي الحر وأكثر من: 45 منطقة تجارة حرة؛ سهل مركزية “الإمارات” في مسار التجارة وتبادل السلع بمنطقة “غرب آسيا”، وجعلها مركز اقتصادي في المنطقة، لكنه جعل في الوقت نفسه من الرقابة والسيطرة على التدفقات المالية والتجارية على “الإمارات” مسألة بالغة الصعوبة.
هناك انشقاق ملحوظ في الإجراءات الرقابية داخل مناطق التجارة الحرة الإماراتية؛ حيث تستفيد هذه المناطق من نماذج ضريبية وجمركية واستيرادية خاصة. وتُمثل في الغالب بيئة مجازية لأنشطة المؤسسات غير المعروفة؛ مثل شركات التجارة العامة. وللأسف للسلطات الفيدرالية الإماراتية نظرة محدودة على مناطق العمل المالي والتجارة الحرة.
وقد منحت التسهيلات التجارية والمالية الإماراتية؛ بخلاف المزايا الأخرى، “الإمارات”، مكانة أفضل في المنافسات التجارية مع “السعودية وقطر”، وكشفت في الوقت نفسه عن الضرر الهائل في أجزاء واسعة من شبكة دور الصرافة والحوالات المالية وتحويل الأموال بدون ترخيص ومعظمها تعمل تحت غطاء الشركات التجارية العامة.
غسيل الأموال ودعم الإرهاب..
ويشتمل تقرير “مجموعة العمل المالي” على ملاحظات هامة تتعلق بغسيل الأموال باعتباره المشكلة الرئيسة أمام العلاقات مع دولة “الإمارات”، وكذلك مناقشة مسألة دعم الإرهاب وفيه:
– “الإمارات” باعتبارها مركز مالي دولي ومركز كبير للتجارة الإقليمية، تضم طيف هائل من المؤسسات المالية وعدد كبير من الشركات أو المهن غير المالية المعينة الناشطة في مجال تسهيل العمليات المالية والتجارية.
وبالنظر إلى نطاق الممارسات؛ (المالية، والاقتصادية، والتجارية)، التي شهدتها “الإمارات”، بالإضافة إلى هيكل الدولة: (07 إمارات، 02 منطقة للعمل المالي الحر، و45 منطقة تجارة حرة)، يُزيد من تعقيد تقييم مخاطر غسيل الأموال وتوفير الدعم المالي للإرهاب. والهيكل الرقابي المتناثر قد ينتهي إلى انعدام وحدة الرؤية الرقابية داخل هيكل الدولة.
– على “الإمارات” أن تُراعي؛ باعتبارها اقتصاد نقدي أنها في معرض الخطر الذاتي لغسيل الأموال وتوفير الدعم المالي للإرهاب.
– انفتاح القطاع المالي الإماراتي الكبير، وحجم الحوالات الهائل، والأموال النقدية في المعاملات، ونشاط تجارة الذهب والمعادن النفيسة والأحجار الكريمة، وكذلك عدد المقيمين الأجانب الكبير، والتقارب الجغرافي الإماراتي مع دول مضطربة بسبب الصراعات أو الإرهاب أو الواقعة تحت عقوبات “الأمم المتحدة”، يخلق أضرارًا ذاتية أخرى لإساءة استغلال غسيل الأموال وتوفير الدعم المالي للإرهاب.
التداعيات..
لطالما كانت “الإمارات”؛ على مدى العقدين الماضيين، واحدة من الدول التي تحظى باهتمام المؤسسات الدولية المعنية بمكافحة غسيل الأموال.
ورغم عدم إدراج “الإمارات” على “القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي”؛ (FATF)، لكن قد تتعرض بسبب حجم المبادلات والتعاملات التجارية مع العالم إلى أضرار اقتصادية؛ (حال احتدام المشكلة مع مجموعة العمل المالي)، قد تصل إلى خسارة مكانتها في التجارة العالمية؛ وكذلك دورها باعتبارها قوة اقتصادية في منطقة “غرب آسيا”، في المنافسات مع “قطر والسعودية”.
لقد سعت “الإمارات”؛ منذ العام 2008م، إلى التعامل بأساليب ملتوية مع ملف غسيل الأموال، وتمكنت بهذه الوسيلة من تحقيق مكاسب اقتصادية هائلة نتيجة التعامل مع الأطراف الفاعلة والشركاء الاقتصاديين مستغلة أجواء الاستثمارات الأجنبية السهلة، وإيجاد آليات وأجهزة مختلفة في مكتب المدعي العام و”البنك المركزي” وغيرها، من المؤسسات المعنية والتعامل مع هذه المشكلة بمبدأ الحد الأدنى.
والسيناريو الأول للقيام بإجراء حقيقي وقوي في إطار التعامل مع مشكلة غسيل الأموال وتوفير الدعم المالي للإرهابي وتلبية توقعات “مجموعة العمل المالي” يستلزم التغاضي عن جزئية المكاسبة المترتبة على التعامل مع الأطراف الفاعلة مثل التنظيمات الإرهابية؛ وكذلك الدول المعرضة للعقوبات الدولية، ومن جهة أخرى هناك حاجة للتخلص من انعدام التنسيق وخفض مستوى الاستقلال الإداري والاقتصادي للإمارات السبعة.
وهذا السيناريو قد يُشكل على الأقل عقبة هامة أمام خسارة “الإمارات” مكانتها في المنافسة مع “قطر والسعودية”. السيناريو الثاني يتضمن الاستمرار في الأساليب الملتوية الحالية؛ وهو ما قد يُفضي إلى إدراج “الإمارات” على قائمة مجموعة العمل المالي السوادء؛ وبالتالي سوف تواجه “الإمارات” أزمة شديدة في التبادل المالي والتجاري مع الدول المستهدفة بالغرب.
ورغم تراجع احتمالات إدارج “الإمارات” على هذه القائمة، إلا أن استمرار المشكلة مع؛ (FATF)، وغيرها من المؤسسات المعنية بمكافحة غسيل الأموال قد يتسبب في خسائر اقتصادية فادحة لـ”الإمارات”. من ناحية أخرى، هذا السيناريو يُهدد المزايا الإماراتية من مثل الاستفادة من المكاسب الضخمة نتيجة وجود الأطراف الاقتصادية الفاعلة.