خاص : كتبت – هانم التمساح :
فى كل مرة يخرج العراقيين لمحاربة الفساد والفقر يصدمون بوجود مصدات كابحة لزيادة الزخم الثوري والاحتجاجي لدى المتظاهرين؛ تتمثل في المؤسسات الدينية والزعامات العشائرية والأحزاب السياسية والثقافة السائدة، فكل طرف لديه مصلحة في عدم قلب الطاولة بالكامل على الفاسدين.. هو يسمح بالتعبير عن الاحتجاج، ولكن إلى درجة محددة وخط أحمر ثابت؛ أما عند تجاوز ذلك فالجميع يتوحد ضد المواطن المسكين المطالب بحقوقه.
تظاهرات الفقراء..
وبينما يتنازع الساسة فيما بينهم ويختلفون على نصيب كل منهم فى كعكة الوطن، فهذا موالي للأميركان وآخر كل ولاؤه لـ”إيران” وثالث لا يهمه إلا أن يسيطر على أكبر قدر من مقدرات الوطن، بين هذا وذاك يتجرع المواطن العراقي مرارة الفقر والبؤس والبطالة ونقصان الخدمات.. فلا مدارس ولا جامعات تليق بمستوى حضارة هذا البلد، كهرباء تنقطع معظم اليوم ولا تأتي إلا ساعات معدودة، ومياه ملوثة وأمراض منتشرة يقف أمامها المواطن الكادح ولا يكاد يسد رمق الحياة في وطن ثري غني بـ”النفط” والخيرات، كان في وقت من الأوقات من أغنى الدول العربية.
الفساد والبطالة والوضع الاقتصادي.. كلمات السر..
مقدمات طويلة وصمت أطول.. كانت كلها تُنبأ بهذا المشهد وكل هذا الغضب الهادر من جماهير الشعب، ورغم التحذيرات الكثيرة لحكومة “عبدالمهدي” بالتصدي للفساد، والتي كانت جزءً أصيلٍ منه، إلا أن الحكومة التي تجاهلت كل النصائح المقدمة لها، ولم تلتفت لآنين الشعب المطحون وتمادت في كبرها وقمعت المتظاهرين الذين خرجوا للتعبير عن غضبهم مما أشعل الموقف وأتاح الفرصة لمندسين ليردوا العنف بعنف مماثل وتتحول التظاهرات السلمية، التي كانت شرارتها أصحاب المؤهلات العليا الذين خرجوا يطالبون بحقهم في فرص العمل الذي تنص عليه كل الدساتير العالمية، وبغض النظر عن استغلال بعض الساسة للغضب الشعبي لتحقيق مآربه الخاصة؛ إلا أن جوهر التظاهرات كان في الأساس منبعها الشعب الفقير وكان هو قائدها ومحركها الأول، بالرغم من قيام أتباع “إيران” بالتشكيك في نوايا المتظاهرين واتهامهم بأنهم يعملون لصالح “الولايات المتحدة”. خاصة وأن المتظاهرين يهتفون ضد “إيران” وتدخلها السافر في الشأن العراقي ومحاولة الإستيلاء على الجيش وتفريغه من عناصره الوطنية، بحسب مشاركين في التظاهرات.
من جانبه؛ يؤكد “علي أكرم البياتي”، عضو الهيئة العليا المستقلة لحقوق الإنسان في “العراق”، أن الفساد الحكومي وزيادة نسبة البطالة ونقص الخدمات الأساسية؛ هو السبب الرئيس للتظاهرات.
تظاهرات بعيدة عن الطائفية تثبت فشل “المحاصصة”..
الفقر، الذي لم يفرق بين سُني أو شيعي أو كُردي؛ كان العامل الأكبر الذي وحد كل فقراء ومظلومي “العراق” تحت راية واحدة كلهم هتفوا ضد الحكومة وضد “إيران” معًا باعتبارهم السبب الأول في إذلال الشعب وإفقاره، باستثناء المستفيدين من نظام الفساد الذين دافعوا عنه بشراسة واتهموا المتظاهرين بالخيانة؛ بالرغم من إعتراف الرئيس بحقهم في تحسين أوضاعهم، إلا أن حكومة “عبدالمهدي” لا تزال تكابر وتستعمل القسوة مع المتظاهرين وتُحمل مسؤولية القتلى والمصابين على مشجب “المندسين” لتبرأ نفسها أمام المجتمع الدولي.
“الصدر” يصفها بتظاهرات شعبية وليست تيارية..
وبالرغم من أن الزعيم الشيعي، “مقتدى الصدر”، معروف بقربه من “إيران” وكونه أكثر الداعمين لحكومة “عبدالمهدي”، إلا أنه لم يتنكر لهذه التظاهرات ووصفها بالتظاهرات الشعبية وليست تيارية أو طائفية، وقال، بتغريدة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي، (تويتر): “إذ أننا لا نريد ولا نرى من المصلحة تحول التظاهرات الشعبية إلى تظاهرات (تيارية)؛ وإلا لأمرنا ثوار الإصلاح بالتظاهر معهم، ولكننا نريد المحافظة على شعبيتها تمامًا، ونطالب بسلميتها ولو باسنادها باعتصامات سلمية أو إضراب عام يشترك به الشعب كافة، كما نرفض التعدي على المتظاهرين العُزل الذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا ولا عنفًا”.
“إياد علاوي” : ندعم مطالبهم المشروعة..
بدوره؛ قال رئيس الوزراء العراقي الأسبق، “إياد علاوي”، في مقطع فيديو نشره على صفحته بـ (فيس بوك): “التظاهر حق أصيل كفله القانون والدستور، ما دام في إطار السلمية وعدم التجاوز على الممتلكات العامة والخاصة، ضبط النفس وتفهم الطلبات المشروعة للمحتجين، أولوية وضرورة وطنية قصوى.. في الوقت الذي نُعبر فيه عن دعمنا الكامل للمطالب المشروعة وحق الاحتجاج السلمي، فإننا ندعو الحكومة والأجهزة الأمنية إلى حماية التظاهرات والمتظاهرين، والتعاطي بإيجابية معها”.
كارثة محققة حال استمرار التصعيد !
وتُعد تلك التظاهرات هي الأكبر والأقوى في “العراق”، منذ الاحتلال الأميركي 2003، بل والأكثر دموية، وبالرغم من مشروعية تلك التظاهرات وما يلتمس للمتظاهرين من أعذار، خاصة في ظل الحالة الاقتصادية المتردية والفساد الحكومي؛ إلا أن ثمة مخاوف من إنضمام مزيد من المندسين من أعضاء التنظيمات الإرهابية ومُشعلي الفتن، مما قد يزيد من تدمير البنية التحتية والمؤسسية ويزيد من الدموية والخسائر في الأرواح، وهو ما ينذر بكارثة محققة في حال استمرار الحكومة في عنادها وتعنتها واستمرت قوات الأمن في التعامل بعنف مع المتظاهرين.
إيران تطلب من رعاياها عدم التوجه إلى العراق..
“إيران”، التي كان لها نصيب الأسد من الانتقادات والهتافات المعادية؛ وتم إحراق أعلامها في عدة مناطق، حذرت رعاياها من زيارة “العراق”، خاصة مع ذكرى أربعينية الإمام “الحسين”، وكشفت “وزارة الخارجية الإيرانية” عن موقف “طهران” من الاحتجاجات التي تجتاح “العراق” منذ أيام.
وقالت “الخارجية الإيرانية”، في بيان لها: “لدينا ثقة بأن الحكومة العراقية ستعمل مع الأحزاب والمرجعيات على تهدئة الأوضاع”.
وحثت مواطنيها على تأخير زيارتهم إلى “العراق” حتى تستقر الظروف هناك.
وقالت: “تشدد وزارة الخارجية الإيرانية على أهمية المسيرة العظيمة لأربعين الأمام الحسين وضرورة إجراء هذه الفعالية العظيمة، وتحث المؤمنين الإيرانيين أتباع أهل البيت على تأخير زيارتهم إلى العراق حتى تستقر الظروف في البلاد، وأن يولوا اهتمامًا كبيرًا لتحذيرات المسؤولين السياسيين والأمنيين في العراق خلال زيارتهم”.
وأوضح البيان: “طهران على ثقة من أن الحكومة العراقية ستعمل، إلى جانب الأحزاب والشخصيات السياسية والمرجعية الدينية والزعماء الدينيين، على تهدئة الأجواء المشتعلة في المدن العراقية، وبغداد لن تسمح باستمرار بعض التحركات، (المظاهرات)، التي تضُر بالشعب العراقي ويتم استغلالها من بعض القوى الخارجية”.
وأغلقت السلطات الإيرانية، في وقت سابق، معبري “خسروي” و”جذابة” الحدوديين مع “العراق”، بسبب تطور الأوضاع الأمنية.
وقال قائد حرس الحدود الإيرانية، “قاسم رضائي”، إنه: “تم إغلاق منفذي خسروي وجذابة الحدوديين مع العراق لدواعٍ أمنية”، وذلك حسب وكالة (مهر) الإيرانية.
لماذا لا تحقق التظاهرات في العراق التغيير الحقيقي ؟
التجارب السابقة تشير إلى أن التظاهرات في “العراق” لم تحقق مطالبها بالرغم من مشروعية تلك التظاهرات وصدق المتظاهرين، فقد تكررت التظاهرات قبيل إسقاط حكومات سابقة، لكنه كانت تتم تغيير الوجوه فقط ويظل الفساد كما هو يستشري ويتوسع، وفي هذا الصدد يفسر الدكتور “أحمد الميالي”، أستاذ العلوم السياسية في جامعة “بغداد”، ذلك بغياب الإنسجام في المطالب، مبينًا: “أن هنالك من يصادر ثمرة الاحتجاجات أو يستغلها. كما أن غايات الاحتجاجات مطلبية حول الخدمات أو قضايا فئوية لا تنشد الإصلاح الحقيقي والجذري لبُنية الحقل السياسي والإداري والقانوني الذي يتطلب إلغاء المحاصصة وإنجاز ثورة تشريعية وإلغاء آلاف القوانين والتشريعات من النظام السابق وإنهاء البيروقراطية والروتين وصعود الكفاءات المستقلة”.
مطالب حقيقية دون قيادة أو تجانس !
الغضب العاصف الذي إجتاح 10 محافظات عراقية؛ بالرغم من صدق مطالبه، إلا أن المتابع له يجد أنها مطالب مناطقية وسلوك احتجاجي غير متجانس؛ وموقف السلطة والأحزاب حاليًا منه لا يعدو كونه في واقع الأمر سوى إرجاء لانفجار أزمات أكبر.
علاوة على إفتقار المتظاهرين إلى وجود قيادة ملهمة يقفون خلفها وتستطيع توحيد صفوفهم؛ وعدم تمتع العراقيين بميزة سيادة القانون، مما جعل الجميع يستسهل خرق القانون سواء كانت مؤسسات دولة أم مواطنين، وهذا ساعد على تمييع حقوق المتظاهرين وعدم احترامها من جهة، ومن جهة أخرى تم استغلال الوضع من أطراف عدة لإنتهاك حقوقهم وخرق القانون باسم تطبيق القانون.
هذا بالإضافة إلى غياب الإلتزام الأخلاقي بدولة المواطنة وآليات الديمقراطية لدى النخبة السياسية، وهذا نلمس تجلياته في عدم الإقرار بالفشل وتحمل المسؤولية من أي سياسي تربع على سدة السلطة في “العراق”.
التدخل الخارجي أيضًا كان ولازال عامل مؤثر في إفشال الحراك الثوري في “العراق” بقصد إبقاء العراقيين بعيدين عن التطور وأخذ مكانهم المرموق تحت الشمس.
ومن كل ما تقدم؛ يمكن اكتشاف أسباب عجز المظاهرات عن تحقيق أهدافها، وبحث العراقيين عن معجزة لتغيير الأوضاع تأتي بنبوءة إلهية أو إرادة خارجية أو انقلاب عسكري داخلي.
الحل !
قادة التظاهرات لا يستعينون بمستشارين قانونيين كي يتخذوا الطرق السليمة بالمطالبة وهي محاسبة الحكومة قضائيًا عن أي تقصير.
كما أنه لإنتزاع حقوقهم؛ من المفترض أن يخرجوا من أجل مطالب موحدة تختبر الحكومة؛ إما تنفيذها فينتهي التظاهر أو رفضها وتجاهلها فيتجه المتظاهرون إلى التصعيد باعتصام وعصيان مدني شامل، كما يجب أن يتخلى بعض قادة التظاهرات عن الإنغلاق على أنفسهم؛ عكس التظاهرات في العالم، التي تحاول أن تكسب أكبر عدد من الشرائح.