خاص : ترجمة – آية حسين علي :
في خطوة تكررت كثيرًا خلال ما سميت بثورات “الربيع العربي”، تلجأ الحكومات أمام الغضب الشعبي والحراك الذي لا يتوقف إلى تغيير بعض الأسماء في الحكومة أو الإطاحة برئيس الوزراء، وفي أغلب الأحيان تفشل الحكومات الجديدة في إرضاء الشعب أيضًا لأنها لا تأتي بأفكار وتوجهات مختلفة عن سابقيها وإنما يسعى الجميع إلى تغيير في الأسماء فقط من أجل إنهاء الثورة؛ وحينها يصعب عودة المتظاهرين إلى الميادين إلا بعد فترات كبيرة.
قد يصبح مصير رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، مشابهًا؛ إذ يسعى بعض القادة السياسيين إلى الإطاحة به من أجل الخروج من الأزمة السياسية وإنهاء الاحتجاجات الشعبية المستمرة، وأمام رفض “عبدالمهدي” لفكرة إجراء انتخابات مبكرة، ظهرت وجوه جديدة ركبت الموجة لم تكن مؤيدة للحراك منذ البداية، وأبرزها الزعيم الشيعي، “مقتدى الصدر”، الذي يسعى إلى الحصول على تأييد كتلة (فتح)، ثاني أكبر قوة في البرلمان، من أجل الإطاحة برئيس الوزراء الحالي، ويرغب الجميع في التوصل إلى شخصية توافقية ترضي “إيران” والثوار أيضًا، بحسب صحيفة (البايس) الإسبانية.
وأضافت الصحيفة أن الأوضاع المعيشية السيئة والفساد وتدخلات “إيران” في الشؤون الداخلية لـ”العراق”؛ كانت هي الأسباب الرئيسة لخروج الشباب إلى الشوارع، لكن المتظاهرون اليوم باتوا يطالبون برحيل الحكومة، وعمل مراجعة شاملة للنظام الذي أُسس على أعين “الولايات المتحدة”، بعد الإطاحة بالرئيس، “صدام حسين”، في 2003، إذ يتهمه العراقيون بأنه أدى إلى تأجيج الطائفية، ورغم أن الاحتلال الأميركي لـ”العراق” خلص شعبه من الديكتاتور، “صدام حسين”، إلا أنهم يشعرون اليوم بأنه لا يزال هناك طغاة أصغر في هيئة وزراء ونواب برلمانيين وآخرين لهم مناصب عليا.
“الصدر” الذي جاء بـ”عبدالمهدي” يعارضه..
في خطوة لاقت انتقادًا كبيرًا، صرح “الصدر”، موجهًا كلامه إلى “عبدالمهدي”: “بما أنك ترفض إجراء انتخابات مبكرة، فسوف أتعاون مع زعيم كتلة (فتح) في البرلمان، هادي العامري، من أجل الإطاحة بك، وتغيير اللجنة الانتخابية وقانون الانتخابات، والحصول على دعم من أجل تعديل الدستور”، ومن جانبه رد “العامري” قائلًا بأنه مستعد للتعاون مع “الصدر” من أجل مصلحة الشعب العراقي.
وكانت كتلة (سائرون)، القوة الأولى في البرلمان، قد فشلت في الحصول على عدد مقاعد يمكنها من تشكيل الحكومة، لذا اتفقت مع (فتح) من أجل تعيين شخصية توافقية بإشراف إيراني، ووقع الاختيار على “عبدالمهدي”، لكن الحراك الشعبي الذي لم يكن متوقعًا جعل مصير الحكومة و”إيران”، الداعمة لها، في الهواء.
ويأتي موقف “الصدر” من التظاهرات معقدًا، خاصة أنه أنضم للحراك بعدما أُحرقت عدة مقرات تابعة لمجموعات مرتبطة بكتلة (فتح)، وهو ما ربطه محللون بالرغبة في تصفية حسابات بين المتظاهرين والداعمين لـ”الصدر”، ورغم أن الزعيم الشيعي شارك في المظاهرات إلا أنه لم يرسل المؤيدين له إلى الميادين، وأشارت (البايس) إلى أن تغير موقف “الصدر” جاء بسبب رغبته في الخروج من الدائرة الحمراء التي وضعت كل التيارات السياسية فيها منذ بداية الثورة، بهدف الحفاظ على نفوذه.
وأشار دبلوماسي أوروبي إلى أنه؛ رغم أن “الصدر” أعلن دعمه للمتظاهرين، طالبًا استقالة “عبدالمهدي” وإجراء انتخابات جديدة، إلا أن موقفه هذا لا يعتبر كافيًا لأن إتخاذ هذه الخطوات يتطلب موافقة كتلتي، (فتح) و(سائرون)، بينما لا ترغب (فتح) و”إيران” في الذهاب إلى صناديق الإقتراع.
“التحرير” يسُطر تاريخ العراق..
بينما كثرت التحليلات بشأن ما يتفق عليه قادة الكتل الأساسية في البرلمان مع الداعمين لهم من الإيراني، وبينما ينتظر الشعب العراقي والعالم الحل السياسي للمشكلات التي دفعت الملايين إلى الخروج لا يزال عداد الموتى في زيادة كما يتنامى الشعور برفض التدخل الإيراني في صفوف المتظاهرين لأن أغلبيتهم يحملون مرتزقة إيرانيين مسؤولية قمع المظاهرات.
ويرى الباحث والكاتب الكُردي، “هيوا عثمان”، أنه إذا كانت الحكومة قد استجابت للمطالب التي أعلنها المتظاهرون، خلال الأيام الأولى من تشرين أول/أكتوبر الماضي، لما وصل المشهد إلى هذه النقطة، لكن العنف والقمع ضد المتظاهرين تسبب في إثارة الروح المعنوية والمظاهرات تزايدت، وأضاف أن الشباب الغاضي يرى جميع الوعود التي ساقتها الحكومة متأخرة وشحيحة.
ورغم مرور شهر كامل ووقوع مئات القتلى وآلاف الجرحى؛ إلا أن الأشخاص الذين يتجمعون في “ميدان التحرير” بالعاصمة العراقية، “بغداد”، وعدد من المدن الواقعة جنوبي البلاد يشعرون بأنهم أقوياء، لذا فإن الشباب الغاضب تحدى المدة التي حددتها الحكومة لإخلاء الشوارع وحظر التجول، بل تحول “التحرير” إلى عيد للعراقيين يشعر كل من يذهب إليه للتظاهر بأنه يشارك في كتابة تاريخ بلاده.
علامة استفهام على البرلمان..
يُعد البرلمان أيضًا أحد أسباب الغضب الشعبي؛ إذ يتقاضى نوابه، البالغ عددهم 329 شخصًا، رواتب ومعاشات مرتفعة للغاية، لذا يطالب الشباب وكبار السن بحله، وتشكيل حكومة انتقالية بإشراف أممي، بالإضافة إلى مطالبات بعمل تعديلات على الدستور، وشن قانون جديد للانتخابات؛ بحيث يصبح نظام الحكم رئاسيًا وتقليص عدد نواب البرلمان.
من بين المطالب أيضًا القضاء على الفساد الحكومي، وتخصيص أرباح “النفط” لقطاع التعليم والصحة والخدمات الأساسية من كهرباء ومياه صالحة للشرب.
ويرى المحلل السياسي العراقي، “هشان الهاشمي”، أن المشكلة تكمن في عدم وجود قائد للثورة، وهو الأمر الذي لم يحدث في الثورات التي اندلعت في عدة بلدان عام 2011، وتمكنت الحكومات في كثير من الأحيان من إستمالة زعماء الثورة، أو التوصل معهم لتسويات، بينما في غياب عقل مدبر للثورة يستحيل حدوث ذلك، خاصة أن الشباب العراقي بات متعبًا من الوعود الكاذبة التي يطلقها المسؤولون.