خاص – كتابات :
يصر الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، على إتخاذ خطوات من شأنها إشعال الغضب، ليس فقط في صفوف معارضيه ومن يرى فيهم أنهم أعداء لواشنطن، بل حتى حلفاء بلاده باتوا يتحسسون من تبعات ما يقدم عليه الرجل ويرفضون ما يرون فيه خطراً على الجميع.
مؤخراً، وتحديداً في الأسبوع الثاني من آذار/مارس من عام 2018، قرر “ترامب” فجأة فرض رسوم جمركية وضرائب مرتفعة للغاية على واردات بلاده من الحديد والصلب والألومنيوم من جميع البلاد باستثناء دولتين على الحدود؛ هما “كندا” شمالاً و”المكسيك” جنوباً، مخالفاً قواعد الرأسمالية وحرية التجارة !
تصعيد يفتح باب الثأر..
ما حذر منه الغرب أولاً رداً على قرار الرئيس الأميركي، هو الخوف من التصعيد المتبادل وإستحداث مصطلح “الثأر” في التعاملات التجارية الدولية؛ الذي قد يتحول إلى حرب عالمية حقيقية نتيجة تداعيات اقتصادية؛ لأن أحداً من الدول الكبرى وذات الثقل الاقتصادي لن تثق في أي تعاملات استثمارية محفوفة بالمخاطر ومقيدة بقرارات غير مدروسة.
«فرنسا».. لابد من الرد..
لقد قالت “فرنسا” على لسان وزير ماليتها، “برونو لو ماري”، إنها ستقيم جيداً مع شركائها الأوروبيين أثر قرار “ترامب”، “المؤسف”، والمتعلق بما فرضه من رسوم جمركية على معدنين يدخلان في أغلب الصناعات والقطاعات، وأن رداً على ذلك الإجراء لابد من إتخاذه !
“ألمانيا” هي الأخرى؛ وكبلد معني بالصناعات الثقيلة، قالت على لسان وزيرة اقتصادها، “بريغيته تسيبريز”، إن ما قرره “ترامب” سيمثل عبئاً غير عادي على الشركات والمجموعات الاستثمارية في أكبر اقتصاد بأوروبا، وهي هنا تعني بلدها في المقام الأول !
يخالف القواعد العالمية وإهانة للشركاء..
الوزيرة الألمانية وصفت قرارات الرئيس الأميركي بـ”العقابية”، وأنها لا تتماشى مع سياسات وقواعد وأصول حركة التجارة العالمية، إذ إنه بخطوة كهذه سيزيد من أسعار المستهلكين ويتسبب في خسائر كبيرة للشركات الألمانية الكبيرة، وربما توقف لعمل الشركات الصغيرة.
وفي سياق ما يؤكد أن الأوروبيين لن يظلوا في مقعد المشاهدين، بينت الوزيرة الألمانية أنه لابد من رد واضح على هذا الإجراء بالتنسيق مع المفوضية الأوروبية، لأن ما إتخذه “ترامب” من فرض رسوم تصل إلى 25% على “الصلب” و10% على “الألومنيوم”، يمثل إهانة لشركاء الولايات المتحدة الأميركية المقربين مثل “الاتحاد الأوروبي وألمانيا”.
إذا رفض الحوار ستمنع البضائع الأميركية من دخول أوروبا..
“مفوضية الاتحاد الأوروبي”؛ هي الأخرى أعلنت موقفها الرافض لجمارك “ترامب” على الحديد والصلب والألومنيوم، إذ قال “يركي كتاينن”، نائب رئيس المفوضية، إن أوروبا مستعدة للرد إذا فشل الحوار مع الإدارة الأميركية أولاً.
وألمح الرجل إلى أن مبدأ المعاملة بالمثل قد يتخذ مع واشنطن، وضرب مثالاً بفرض ضرائب باهظة في المستقبل على “زبدة الفستق” ومنتجات “الجينز” الأميركية لإعاقة وصولها إلى أوروبا وتكبيد تلك الشركات الأميركية خسائر قد لا يتحمل تبعاتها الاقتصاد والشركات الأميركية !
قائمة بعشرات المنتجات جاهزة للرد على «ترامب»..
لمن لا يعلم فإن أوروبا استعدت لتلك الخطوة الأميركية بعد أن وصلت لها أنباء عن نية “ترامب” فرض رسوم جمركية مرتفعة، ما دفعها لإعداد قائمة تضم العشرات من المنتجات الأميركية وعلى رأسها “السيارات والمواد الغذائية والملابس ومستحضرات التجميل” ومنتجات أخرى، لفرض جمارك وضرائب عليها تعوق وصولها إلى أوروبا؛ وبالتالي تتكدس في المخازن الأميركية، فهل يضطر الاتحاد الأوروبي إلى مثل هكذا خطوة أم يذعن “ترامب” إلى تلك التهديدات الأوروبية الصريحة ؟!
«بريطانيا» تطلب استثناء الحلفاء..
لقد انتقد وزير بريطانيا للتجارة الدولية، “ليام فوكس”، القرار الأميركي بقوله إن ذلك الإجراء يعد “أسلوب سيء” لإدارة الأعمال التجارية، وأن مثل هذه الإجراءات لم تنجح يوماً.
لكن على جانب آخر، كشف الوزير البريطاني عن زيارة عاجلة له إلى واشنطن للحديث مع المسؤولين الأميركيين حول ضرورة استثناء حلفاء أميركا من هذه الإجراءات !
«الصين» تحذر.. النظام العالمي لا يدار بعقلية الفرد الواحد..
إلى هنا انتهى موقف الحلفاء، لكن هناك موقف آخر من أشد الخصوم التجاريين لأميركا، إنها “الصين” التي أعلنت معارضتها القوية لتلك الرسوم الأميركية واعتبرتها خرقاً لقواعد النظام التجاري العالمي متعدد الأطراف الذي لا يدار بعقلية الفرد الواحد، وإنما هناك مصالح متبادلة لابد من احترامها !
بكين حذرت واشنطن من مغبة الاستخدام الخاطيء لسياسات تضر بالأمن القومي الأميركي ظناً منها أنها هكذا تحمي الاقتصاد الأميركي !
تركيا تحظر القطن الأميركي.. و«البرازيل» ستحمي مصالحها..
أما “تركيا”، فلم تجد غير الرد عبر التصريح بفرض رسوم مرتفعة على واردات “القطن” الأميركي وربما منتجات أخرى لفترة طويلة الأجل.
“البرازيل” كذلك، قالت في بيان قوي لوزارتي التجارة والخارجية إنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الإجراء الأميركي الذي يعيق صادراتها، وأنها ستتخذ كل ما من شأنه أن يحمي مصالحها الاقتصادية.
11 دولة ترد على «ترامب» بقرارات تسهل التجارة فيما بينها..
في المقابل فقد استبقت 11 دولة بينها “كندا واليابان وأستراليا، بروناي، تشيلي، ماليزيا، المكسيك، نيوزيلندا، بيرو، سنغافورة، وفيتنام”، قرار “ترامب” بفرض رسوم جمركية، بالتوقيع على اتفاق للتجارة في آسيا والمحيط الهاديء من دون إشراك الولايات المتحدة فيه؛ كنوع من المناورة في تلك الحرب التي بدأت في مواجهة واشنطن اقتصادياً بعد أن تأكد قرار الرئيس الأميركي بفرض الرسوم الجمركية.
ويهدف الاتفاق الذي يبدأ في السريان فور تصديق 6 من الدول الأعضاء إلى تقليص الرسوم الجمركية على تلك الدول التي تمثل ما يزيد عن 13% من الاقتصاد العالمي، بإجمالي ناتج محلي عشرة تريليونات دولار، فضلاً عن أنه يستهدف على الأقل، قبل نهاية عام 2018، سوق تضم 500 مليون شخص تقريباً، ما يجعله أحد أهم الاتفاقات التجارية الضخمة في العالم؛ وفقاً لإحصاءات تجارية من “كندا وشيلي” التي قد تؤثر على أميركا نفسها ودول أخرى.