خاص : كتبت – نشوى الحفني :
وسط ترقب عالمي، وقعت “أوكرانيا” و”روسيا”، أمس الجمعة؛ في “إسطنبول”، اتفاقين منفصلين مع “تركيا” و”الأمم المتحدة” بشأن تصدير الحبوب والمنتجات الزراعية عبر “البحر الأسود”.
ووقع وزيران من “روسيا” و”أوكرانيا” الاتفاق بشكل منفصل وتجنبا بحرص الجلوس على طاولة واحدة أو التصافح خلال المراسم.
وفي مستهل المراسم، قال “غوتيريش”: “أشكر تركيا على تسهيلها هذا الاتفاق لتصدير الحبوب الأوكرانية.. بالنسبة لممثلي أوكرانيا وروسيا لقد تجاوزتم عقبات ووضعتم خلافاتكم جانبًا لاتخاذ هذه المبادرة التي ستخدم مصلحة الجميع، وذلك بتفضيل رفاهية الإنسانية”.
وأضاف: “نقل الحبوب لأسواق العالم سيُقلل الضغط على الأسعار التي ارتفعت وتُمثل كابوسًا لعدد من الدول”.
وتابع: “هذه المبادرة التي وقعنا عليها تفتح طريقًا لأن يكون هناك تصدير من 03 موانيء مهمة في البحر الأسود، وهي: أوديسا وتشورنومورسك ويوزني”.
وشدد على أن: “هذا الاتفاق ينبغي أن يُطبق كليًا لأن العالم بحاجة إليه لمواجهة أزمة الغذاء العالمية”.
فرح تركي بالمساهمة في نجاح الاتفاق..
من جهته؛ عبّر الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، عن اعتزازه: بـ”مساهمة بلاده في هذا الاتفاق”، مضيفًا: “اتفقت الأطراف من إفريقيا إلى آسيا وأميركا.. كلنا سنعمل معًا لتجنب شبح المجاعة، الذي يواجه الملايين، وذلك بضمان إمدادات الغذاء والمواد الزراعية، هذا مهم جدًا”.
وتابع: “نأمل أن تنتهي هذه الحرب على طاولة التفاوض؛ ونتمنى أن يقودنا اتفاق الحبوب لإنهاء الحرب”.
وذكر أن: “الحرب لم تنتهِ وقلنا منذ البداية أنه لا منتصر في الحرب والعالم سيُعاني من ذلك”، مٌشيرًا إلى أن: “الخاسر الأكبر من الحرب في أوكرانيا هو السلام في العالم.. ونؤكد أن دعم المجتمع الدولي مهم جدًا في تطبيق هذا الاتفاق”.
مركز مشترك للتنسيق والقيادة بـ”إسطنبول”..
وبموجب الاتفاق؛ سيتم إنشاء مركز مشترك للتنسيق والقيادة مقره “إسطنبول” للإشراف على سير العمليات وحل الخلافات.
ويشارك في المقر الطرفان المتحاربان ومسؤولون من “تركيا” و”الأمم المتحدة”.
ويعتقد مسؤولوا “الأمم المتحدة” أن إنشاء المركز سيستغرق من ثلاثة إلى أربعة أسابيع. ما يعني أن شحنات الحبوب قد لا تبدأ بالتدفق بأقصى سرعة قبل النصف الثاني من آب/أغسطس، إذ زُرعت ألغام في مناطق محيطة بالمرافيء الأوكرانية الرئيسة المطلة على “البحر الأسود” بهدف درء هجوم برمائي روسي.
وقال مسؤولوا “الأمم المتحدة”، إن الأطراف الأربعة متفقة على أنه سيكون من الصعب جدًا إجراء عمليات تفتيش السفن، التي تُطالب بها “روسيا”، في أعالي البحار.
وعوضًا عن ذلك ستُشرف الأطراف الأربعة على تفتيش السفن في أحد المرافيء التركية لدى عودتها إلى “أوكرانيا”، وسيكون ذلك على الأرجح في “إسطنبول”.
ولم يُعرف بعد على وجه التحديد من سيُسمح له بالصعود على متن السفن الأوكرانية.
ويقول مسؤولون إن الأطراف اتفقت بسرعة على أن نزع الألغام من المنطقة سيستغرق وقتًا طويلاً لا يسمح بزوال خطر تفشي المجاعة في عدد من أكثر مناطق العالم فقرًا.
ممرات آمنة لتفادي حقول الألغام..
ويرى المسؤولون أن الاتفاق يضمن قيادة الأوكرانيين سفنهم في ممرات آمنة تتفادى حقول الألغام المعروفة.
وستواكب سفن أوكرانية شحنات الحبوب من وإلى المياه الإقليمية الأوكرانية.
وتعهد الطرفان عدم مهاجمة السفن أثناء مغادرتها أو عودتها.
وسيُنظر في أي هجمات أو خلافات في مركز القيادة والتحكم في “إسطنبول”.
وتسري الاتفاقية مدة: 120 يومًا ويمكن تمديدها تلقائيًا من دون الحاجة إلى مزيد من المفاوضات.
ويشمل الاتفاق المرافيء الأوكرانية المُطلة على “البحر الأسود” في “أوديسا” وموقعين مجاورين.
ويعتقد المسؤولون أن فترة: 120 يومًا ستكون كافية لإتمام إجراءات شحن: 25 مليون طن من “القمح” والحبوب الأخرى العالقة في مرافيء أوكرانية.
وأفاد دبلوماسي فضل عدم الكشف عن هويته؛ بأن “واشنطن” وعدت أخيرًا بضمانات لتتمكن شركات نقل من أن تؤمن لـ”روسيا” سفنًا ذات حمولة كبيرة بهدف تصدير حبوبها وأسمدتها من دون أن تؤثر العقوبات على هذا الأمر.
تحذير أميركي ومطلب أوروبي..
تعليقًا على الاتفاق؛ قالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة؛ “ليندا توماس-غرينفيلد”: “سنُحاسب روسيا في حال أخلت باتفاق تصدير الحبوب”، مضيفة: “اتفاق تصدير الحبوب سيُقلل من الضرر الذي تسببت به موسكو”.
من جهته؛ طالب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي؛ “غوزيب بوريل”: “بتنفيذ سريع لاتفاق إسطنبول بشأن تصدير الحبوب”.
وأضاف “بوريل” أن “الاتحاد الأوروبي” مُلتزم بالاستمرار في المساعدة في تصدير الحبوب من “أوكرانيا”، قائلاً: “أدى الغزو الروسي غير الشرعي لأوكرانيا إلى ترك الملايين مُعّرضين للجوع”.
وشكر “ميشيل” و”بوريل”؛ “الأمم المتحدة” و”تركيا”، على عملهما في التوسط من أجل إبرام الاتفاق.
وأشاد رئيس المجلس الأوروبي؛ “شارل ميشيل”، باتفاق السماح بتصدير ملايين الأطنان من الحبوب من “أوكرانيا”.
وقال عبر موقع (تويتر): “يمكن أن يُفيد هذه الاتفاق ملايين الأشخاص حول العالم.. إن تنفيذ الاتفاق بدقة له الأهمية القصوى الآن كي ينجح هذا الأمر”.
عقبات في طريق التنفيذ..
وبينما رحبت شركات شحن وتجار حبوب بإبرام الاتفاق بين “روسيا” و”أوكرانيا”، إلا أنهم حذروا من عقبات قد تُعرقل تنفيذها، تتعلق بسلامة السفن وبحارتها، وكذلك التأمين على شحنات الحبوب بمبالغ معقولة لتغطية تكاليف النقل.
وقالت صحيفة (الغارديان) البريطانية؛ إن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية تنفيذ الاتفاق لنقل ملايين الأطنان من الحبوب من الموانيء الأوكرانية المُحاصرة المطلة على “البحر الأسود”، إذ من بين العقبات التي تعترض طريق تنفيذ الاتفاق العثور على سفن وأطقم لقيادتها تقبل القيام بهذه المهمة الخطرة.
وأوضحت الصحيفة أن الخطوة الأولى الضرورية لتنفيذ اتفاق نقل الحبوب من موانيء “أوكرانيا” هي تطهير السواحل الأوكرانية من الألغام، أو على الأقل تطهير ممر بطول عدة كيلومترات، وقد صدرت عن الحكومة الأوكرانية تصريحات متضاربة حول الفترة الزمنية اللازمة لتطهير الساحل الأوكراني على “البحر الأسود” أو جزء منه، وتراوحت التقديرات بين: 10 أيام وعدة أشهر.
تحتاج لأسطول مكون من 400 سفينة..
بعد ذلك؛ ستكون هناك حاجة إلى أسطول ضخم مكون من: 400 سفينة شحن مصممة لنقل المحاصيل الزراعية عبر القارات، تتسع كل منها لحمولة قد تبلغ: 50 ألف طن، لنقل نحو: 20 مليون طن من الحبوب عالقة في الصوامع الأوكرانية.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن خبراء في مجال الشحن؛ أن العثور على سفن من النوعية المطلوبة وتوجيهها إلى “البحر الأسود” قد يستغرق أسبوعين، بافتراض العثور عليها في مياه قريبة مثل “البحر المتوسط”.
ومنذ اندلاع الحرب “الروسية-الأوكرانية”، علقت أكثر من: 100 سفينة في موانيء “أوكرانيا”، يُعتقد أن معظمها سفن شحن عملاقة.
وقال الأمين العام لغرفة الشحن الدولية؛ “جاي بلاتن”، إن هذه السفن العالقة في الموانيء الأوكرانية قد لا تتمكن من الإبحار على الفور بعد توقيع الاتفاق “الروسي-الأوكراني”، مشيرًا إلى ضرورة التأكد من سلامتها وصلاحيتها للإبحار بعد توقفها لأشهر متتالية، كما يلزم التأكد من اكتمال وجهوزية أطقم السفن لأن الكثير من أفرادها قد غادروها في خضم الحرب.
وكان نحو: 2000 بحار على متن السفن الراسية في موانيء “أوكرانيا” عندما بدأت الحرب، وعملت نقابات واتحادات العاملين في صناعة النقل البحري على إعادتهم إلى أوطانهم خلال الأشهر القليلة الماضية، تاركين وراءهم طواقم ناقصة يبلغ مجموع أفرادها: 450 بحارًا فقط.
ومن غير الواضح ما إذا كانت “أوكرانيا” ستكون قادرة على توفير أعداد كافية من البحارة الذين لم يجر تجنيدهم في الحرب، فقبل الحرب كان الروس والأوكرانيون يُمثلون حوالي خُمس أفراد طواقم السفن العالقة في الموانيء الأوكرانية.
“تأمين حرب”..
وبعد توفير السفن والطواقم، سيحتاج مالكو السفن إلى الحصول على “تأمين حرب” مناسب لتغطية السفينة وطاقمها، والذي سيُكلف بلا شك نفقات أكبر من تكاليف التأمين في الظروف العادية.
كل ذلك يتطلب وقتًا طويلًا لإعداده، ومن المفترض أن يبدأ المزارعون الأوكرانيون حصاد محاصيلهم الربيعية قريبًا، وهناك حاجة إلى توفير مساحة داخل صوامع الحبوب في البلاد، الممتلئة عن آخرها بالحبوب المخزنة والعالقة بسبب الحرب.
وفي أثناء الحصار المفروض على موانيء “أوكرانيا” على “البحر الأسود”، عمل المسؤولون الحكوميون والمنتجون الزراعيون على زيادة مستويات صادرات الحبوب باستخدام الطرق والسكك الحديدية والنقل النهري، وسجلت تلك الصادرات رقمًا قياسيًا جديدًا بلغ: 2.3 مليون طن؛ في حزيران/يونيو، وفقًا لـ”مجلس الحبوب الدولي”، ومع ذلك، فإن هذا لا يُمثل سوى ثُلث الكمية التي كان يتم تصديرها شهريًا عن طريق البحر قبل الحرب.
ولتأمين مساحة كافية في صوامع الحبوب الخاصة بها للحصاد الجديد، تحتاج “أوكرانيا” إلى إفراغ: 07 ملايين طن من الحبوب شهريًا من مخازنها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
اهتمام بالاتفاق أكثر من تنفيذه..
ويرى الخبير الاقتصادي الأردني؛ “د. حسام عايش”، أن الأطراف المشاركة كانت مهتمة بالاتفاق أكثر من تنفيذه، لأن “روسيا” و”أوكرانيا” والدول الأوروبية و”الولايات المتحدة”؛ جميعهم يرغبون بتبرئة أنفسهم من التأثيرات على الاقتصاد العالمي والبذات الغذاء.
واعتبر “عايش”؛ في حديث لموقع (24) الإماراتي، أن العوائق اللوجستية الموجودة كالألغام وعملية تفتيش السفن قد تُطيح بالاتفاق، بالإضافة إلى عدم وجود ما يضمن استمراريته أو البناء عليه أو أن يكون إستراتيجية التقاء بين الأطراف لمرحلة مقبلة من التفاهم على ما يحدث على الأرض.
ويُشير الخبير الاقتصادي إلى أن هذه الحرب أظهرت الغذاء كسلاح جديد تم استخدامه، موضحًا أن هذا قد يكون جزءًا من إستراتيجيات عالمية جديدة كأمن الطاقة والصناعة وغيرها.
وسادت مخاوف من إنهيار الاتفاق بعدما توقع الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، أن تكون الحبوب الروسية مشمولة بالاتفاق في ظل “العقوبات الغربية”، إلا أن “الولايات المتحدة” أكدت أن الأسمدة و”السلع الزراعية” الروسية لا تخضع لقيود تجارية. كما استثنى “الاتحاد الأوروبي”؛ الأربعاء، “القمح” والأسمدة الروسية.