خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يعيش العالم أمام تغيرات مناخية قاتلة تُغير كافة المعادلات والموازين الكونية، حيث يقف العالم عاجزًا أمامها، فمن الفيضانات للحرائق وارتفاع درجات الحرارة، تعجز الدول الكبرى، بكافة إمكانياتها بل وبمساعدة نظيراتها؛ إلا أن ذلك لم يُنقذ الكثير.
وفيما تشهد بُلدان “البحر المتوسط” واحدًا من أكثر فصول الصيف حرارة على مدى التاريخ، حيث تجاوزت درجات الحرارة، في بعض الدول الأوروبية: 45 درجة مئوية، وتتناقل وسائل الإعلام تقارير يومية متعلقة بموجات استثنائية من الأمطار والفيضانات والسيول غير الطبيعية، في: “ألمانيا وبلجيكا والهند والصين”. وتضررت “القارة العجوز” من الفيضانات بشكل كبير، إذ أودت شراسة هطول الأمطار؛ بحياة أكثر من: 183 شخصًا، في التلال الخضراء بـ”أوروبا الغربية”، من بينهم: 156 ضحية، في “ألمانيا”، وحدها.
وفي “أميركا الشمالية”، اقتربت درجات الحرارة، في بعض المناطق؛ من الخمسين درجة مئوية، لتقتل مئات الأشخاص، وتشتعل حرائق الغابات بشكل مروع.
ونتجت موجة الحرارة، فوق الأجزاء الغربية من: “كندا والولايات المتحدة”؛ عن: “قبة” من الهواء الساخن عالي الضغط، ممتدة من “كاليفورنيا” إلى مناطق من القطب الشمالي.
وفي “تركيا” إشتعلت حرائق الغابات، التي لا تستطيع التحكم بها، حتى الآن، مع قدوم المساعدات إليها من دول عديدة.
توقعات بزيادة في العواصف الشديدة البطيئة الحركة..
توقع علماء جامعة “نيوكاسل” البريطانية؛ ومكتب الأرصاد الجوية، أن تؤدي التغيرات المناخية إلى زيادة كبيرة في العواصف الشديدة البطيئة الحركة، كالتي تسببت في فيضانات “ألمانيا” و”بلجيكا”.
ويُشير موقع (Phys.org)، إلى أن الخبراء استخدموا نماذج مناخية فائقة الدقة، سمحت لهم بتصميم المناخ فوق “أوروبا”، حيث يُعادل في النموذج طول كل جزء من الشبكة حوالي كيلومترين، ما يعطي تفاصيل دقيقة عن نظم العواصف.
وقد أتضح للباحثين، أنه في نهاية القرن الحالي، قد تزداد العواصف الشديدة البطيئة الحركة على الأرض بمقدار: 14 مرة أكثر؛ مقارنة بنتائج الدراسات السابقة. وأن العواصف البطيئة الحركة هي السبب في زيادة هطول الأمطار الغزيرة، ما يزيد خطر الفيضانات المفاجئة في “أوروبا”.
وتوصل الباحثون، إلى استنتاج يُفيد، بأن بطء انتشار هطول الأمطار الغزيرة، سيزداد بحلول نهاية القرن، وفقًا لسيناريو (RCP8.5)، (زيادة إنبعاث ثاني أكسيد الكربون على مدى القرن). ويمكن توقع عواقب وخيمة في جميع أنحاء “أوروبا”، إذا لم تحد البشرية من إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ووفقًا للخبراء، الإجراءات التي تتخذها الحكومات في جميع أنحاء العالم لتقليص إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بطيئة جدًا، في حين يزداد الإحترار العالمي بوتائر سريعة.
إعلان حالة الطواريء في المناخ..
إلى ذلك، نشر علماء من سبع دول تقريرًا عن تقييمهم للتغيرات المناخية في العالم، خلال العام الماضي، حيث تُشير جميع المؤشرات الرئيسة إلى أن الأوضاع أصبحت حرجة جدًا.
ونشر الباحثون تقييمهم للتغيرات المناخية، في مجلة (BioScience)، التي نشرت، عام 2019؛ إعلانًا عن حالة الطواريء في المناخ، وقعها أكثر من: 11 ألف عالم، من 153 دولة. والآن عشية صدور تقرير مجموعة الخبراء الدولية عن التغيرات المناخية، (IPCC) ـ بادر علماء من “الولايات المتحدة وأسترليا وبريطانيا وفرنسا وهولندا وبنغلاديش وألمانيا”؛ إلى تحديثه.
ويلاحظ الباحثون؛ مقارنة بعام 2019، زيادة غير مسبوقة في الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغير المناخ، بما فيها الفيضانات المدمرة وموجات الحر القياسية والعواصف العنيفة وحرائق الغابات. ووفقًا لهم كان عام 2020؛ ثاني أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق، وأن السنوات الخمس، بعد عام 2015، كانت الأكثر سخونة في التاريخ.
ويضيف الباحثون، سجل في نيسان/أبريل عام 2021؛ أعلى تركيز لغاز “ثاني أكسيد الكربون” في الغلاف الجوي للأرض، بلغ: 416 جزءًا في المليون. وأن تركيز ثلاثة غازات الإحتباس الحراري الرئيسة: (ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النتروز)؛ كان في عام 2020 قياسيًا، ولم يتغير في عام 2021.
تجاوز النقطة الحرجة..
ويقول كبير الباحثين، البروفيسور “وليم ريبل”: “تزداد الأدلة على اقترابنا أو أننا تجاوزنا النقطة الحرجة في عناصر مهمة من النظام الأرضي، مثل الشعاب المرجانية وغابات الآمازون المطيرة والصفائح الجليدية في غرب أنتاركتيكا وغرينلاند”.
ويدعو الباحثون إلى اتخاذ تدابير عاجلة لتخفيض إنبعاث غازات الإحتباس الحراري، وخاصة “الميثان”؛ وإنشاء احتياطيات مناخية إستراتيجية لتخزين “الكربون”، وتحديد سُعر لاستخدام “الكربون”، واتخاذ إجراءات فعالة لحماية التنوع البيولوجي.
ويقول “ريبل”: “علينا التوقف عن النظر إلى حالات المناخ الطارئة كمشكلة منفصلة. لأن الإحترار العالمي، ليس العلامة الوحيدة للتوترات في النظام الأرضي. لذلك يجب أن تكون سياسة مكافحة التغيرات المناخية وغيرها، موجهة للقضاء على السبب الأساس – الاستغلال المفرط لكوكب الأرض من قبل البشر”.
الأزمة تتزايد بسبب استمرار الضغط على الأرض..
ويُشير الباحثون، إلى أن تدهور المؤشرات المناخية سنة بعد أخرى؛ مرتبط باستمرار البشر في استغلال الأرض بلا رحمة. وكان لجائحة (كوفيد-19)، التي تسببت في تخفيض الإنتاج، دورًا إيجابيًا بسيطًا، ولكن مؤقتًا.
ويضيف الباحث “كريستوفور وولف”، من جامعة “أوريغون”، ما دامت البشرية مستمرة في الضغط على النظام الأرضي، فإن التدابير المتخذة ستعمل فقط على توزيع هذا الضغط. ولكن بالتوقف عن استغلال الموارد الطبيعية، يمكننا تقليل مخاطر انتقال الأمراض الحيوانية المنشأ وحماية مخزونات “الكربون” والحفاظ على التنوع البيولوجي.
خفض إنبعاثات الغازات الدفيئة بحلول 2050..
ومع تزايد الكوارث الطبيعية، أعلنت “الأمم المتحدة” عن إطلاق حملة: (أعملوا الآن)، الرامية للحد من ظاهرة الإحتباس الحراري والعناية بكوكب الأرض.
وأشارت الحملة إلى أنه من أجل الحفاظ على مناخ صالح للعيش، يجب خفض إنبعاثات الغازات الدفيئة إلى “صفر”، بحلول عام 2050.
وبيّنت أن التغييرات الكبيرة يجب أن تتم في هذا المجال من جانب الحكومات والشركات، لافتة إلى أن الانتقال إلى اقتصاد منخفض “الكربون”؛ غير ممكن دون مشاركة المواطنين، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة.
وأضافت الحملة: “يمكن لكل فرد منا المساعدة في الحد من ظاهرة الإحتباس الحراري والعناية بكوكبنا، من خلال تغيير عاداتنا واتخاذ خيارات ذات تأثيرات أقل ضررًا على البيئة، ولدينا القدرة على مواجهة تحديات المناخ وبناء عالم أكثر استدامة”.
آثار مخيفة للتغيرات المناخية..
وفي تقرير عن تأثير التغيرات المناخية على البشرية، قالت وكالة (فرانس برس)، إن نحو: 166 مليون شخص في “إفريقيا وأميركا الوسطى”، احتاجوا إلى المساعدة بين عامي: 2015 و2019، بسبب حالات الطواريء الغذائية المرتبطة بتغير المناخ.
كذلك؛ فإن هناك ما بين: 08 و80 مليون شخص، أكثر عرضة لخطر المجاعة، بحلول عام 2050.
وفيما يتعلق بسوء التغذية، فهناك نحو: 1.4 مليون طفل؛ سيعانون من التقزم الشديد في “إفريقيا”، بسبب المناخ في 2050.
وانخفضت المحاصيل الزراعية بنسبة تتراوح بين: 04 و10 في المئة، على الصعيد العالمي، خلال الثلاثين سنة الفائتة.
وتراجعت كميات صيد الأسماك في المناطق الإستوائية بمعدل يتراوح بين: 40 و70 في المئة، بظل ارتفاع الإنبعاثات.
وهناك: 2.25 مليار شخص إضافي؛ معرضون لخطر الإصابة بحمى “الضنك”، في “آسيا وإفريقيا وأوروبا”، في ظل سيناريوهات الإنبعاثات العالية المفزعة.
زيادة معدل الهجرة الداخلية..
وبالنسبة لتأثير التغير المناخي على الهجرة الداخلية، فسيزيد معدلها بين عامي: 2020 و2050، إلى: 06 أضعاف النسبة الحالية.
كما سيكون للإحتباس الحراري آثار مرعبة على: “الإجهاد المائي”، إذ سيتأثر: 122 مليون شخص، في “أميركا الوسطى”، و28 مليونًا في “البرازيل”، و31 مليونًا في بقية “أميركا الجنوبية”.
وفي حدث نادر، أودت الفيضانات، التي ضربت “أوروبا” وأجزاء من “ألمانيا”؛ بعد هطول أمطار غريزة، بأكثر من: 150 شخصًا حتى الآن.
وأوضح عالم المناخ ونائب الرئيس السابق لهيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة، “جان غوزيل”، أن: “الكتل الهوائية المحملة بنسبة كبيرة من الماء، بقيت في مكانها في الأجواء أربعة أيام بسبب درجات الحرارة المنخفضة، فكانت النتيجة هطول أمطار غزيرة، بين: 14 و15 تموز/يوليو، وصل منسوبها إلى ما بين: 100 و150 مليمترًا، أو ما يعادل شهرين من الأمطار”.
ورغم أن المنطقة معتادة على هطول أمطار غزيرة، كانت هذه الهطولات: “استثنائية، من حيث كمية المياه التي تدفقت وشدتها”، وفق ما علق عالم الموارد المائية في جامعة بوتسدام، “كاي شروتر”.
لا يمكن ربطها بيقين بتغير المناخ..
ويحتدم النقاش حول هذه المسألة، فقد ربط سياسيون أوروبيون بين هذه العواصف الشديدة وتغير المناخ، إلا أن “شروتر”؛ أوضح أنه: “في الوقت الحالي، لا يمكننا أن نقول على وجه اليقين أن هذا الحدث مرتبط بتغير المناخ، لكن هذه الظواهر المناخية القصوى أصبحت أكثر تواترًا وأكثر احتمالاً، بسبب ارتفاع درجات الحرارة”.
ويؤدي ارتفاع درجة حرارة الكوكب؛ إلى زيادة نسبة تبخر الماء من المحيطات والأنهر، مما يتسبب في دخول كميات أكبر من المياه إلى الغلاف الجوي.
ويمكن لهذه الظاهرة أن تزيد من احتمالات هطول أمطار غزيرة وعنيفة، وفق “شروتر”.
وتُحذر “هيئة المناخ”، التابعة لـ”الأمم المتحدة”، من احتمال زيادة حدوث ظواهر مناخية: “قصوى”؛ بسبب تغير المناخ في السنوات المقبلة.
نتائج تدميرية على “مستقبل العالم” !
كما نشرت مجلة أكاديمية أميركية مختصة بمراقبة المناخ، نتائج دراسة استهدفت التغيرات المناخية والبيئية الطارئة على الكرة الأرضية، وتأثيراتها المباشرة الآنية والمستقبلية.
وصدمت مجلة (Nature Climate Change)، المتابعين؛ بشأن درجة حرارة الطقس العالمي، خلال عام 2100، والتطورات التي ستطرأ على المناخ والبيئة الطبيعية، منذ الآن، وحتى ذلك الوقت.
وحذرت المجلة، الدول والمؤسسات الصناعية والأفراد؛ من الاستمرار في السلوكيات غير المسؤولة التي ينتهجونها راهنًا، التي ستكون ذات نتائج تدميرية على: “مستقبل العالم”، حسب تعبيرها، وفي فترة أقصر من كل ما هو متوقع.
المجلة الأكاديمية الأميركية المختصة بمراقبة المناخ، (Nature Climate Change)؛ والتي تملك سلسلة من مراصد التتبع والمراقبة في الكثير من أنحاء العالم، قالت في الدراسة، التي أشرف عليها العالم البيئي، “إيريك فيشر”، إن مجمل الأحداث الاستثنائية التي صارت في مختلف البيئات العالمية هي: “استجابة طبيعية لارتفاع درجة الأرض، التي تتجاوز كل: 10 سنوات، كل التوقعات التي كانت مرصودة لها من قبل”.
وذكر العالم الشهير الذي أعد الدراسة، بمساعدة أكثر من 20 خبيرًا عالميًا، أن الهامش بين كل عقد وآخر سيكبر خلال العقود المقبلة، وتاليًا ستكون الأحوال الجوية الصادمة أضعاف ما تشهده الكرة الأرضية راهنًا.
وحسب أفضل التوقعات، كما حددها العالم الأميركي، وفيما لو إلتزمت مختلف بلدان العالم بالتحذيرات التي يصدرها العلماء، بالذات في مجال الإنبعاثات الكربونية والاهتمام بالبيئة الطبيعية وترشيد الاستخدام المفرط للموارد، فإن طقس العالم سيكون بعد: 08 عقود من الآن، أي خلال العام: 2100، أحر من الآن بثلاثة درجات مئوية على الأقل.
الدراسة التفصيلية، أدرجت مجموعة ضخمة من النتائج التي قد يفزرها مثل هذا الرقم، الذي يبدو للوهلة الأولى صغيرًا وعاديًا، ويمكن التعامل معه.
لكنه فعليًا، سيساهم بذوبان نصف الثلوج التي تغطي القطبين: الجنوبي والشمالي، من الأرض، مما يعني ارتفاع مستويات البحر وغرق المزيد من المدن البحرية حول العالم.
إنقراض زراعي وحيواني..
كذلك سيدفع لأن تزداد نسب التصحر وإقتلاع المساحات الخضراء من المناطق الجبلية واختفاء المزيد من الأجناس الزراعية والحيوانية من على كوكب الأرض، بالذات التي لا تستطيع مغادرة بيتها المحلية، مثل: “الأفيال والسنوريات والغزلان البرية”.
الدراسة العملية المذكورة أضيفت لمجموعة من المعلومات والمعطيات الواضحة، التي كانت نفس المجلة الأكاديمية قد أعلنتها قبل شهر واحد من الآن، وأشرف عليها كل من: “بيتر فون غاثين” و”ريغل كيفي” و”إنغو وولتمان”، التي قالت إن مساحات شاسعة من الكرة الأرضية، بالذات من المناطق والمدن الساحلية، ستختفي بسبب هذه التحولات المناخية.
كما ذكرت بما يمكن أن يكون عليه وضع الكرة الأرضية من هذه الناحية، خلال عام 2100.
اختفاء 650 ألف كيلو متر مربع بالغرق..
البحث العلمي الذي نشرته المجلة؛ قال إن جميع مناطق الأرض التي لا يزيد ارتفاعها عن: 02 متر من فوق متوسط مستوى سطح البحر؛ ستكون بحكم الأرض الغارقة في البحر، وأن تلك المساحة تُقدر بحدود: 650 ألف كيلومتر مربع، أي ضعف مساحة دولة “ألمانيا”، وأنها ستختفي من المساحة المسكونة من العالم في ذلك التاريخ.
الدراسة التفصيلية قالت إن سكان هذه المناطق يقدرون راهنًا؛ بحوالي: 267 مليون نسمة، يسكن: 72 بالمئة منهم في المناطق الإفريقية والآسيوية الأكثر فقرًا على مستوى العالم.
وأضافت أن أخذ الزيادات السكانية بالحسبان إلى ذلك الوقت، سيعني أن التغيير المناخي سيتبب بتشرد: 410 مليون نسمة من سكان تلك المناطق، التي ستختفي خلال ذلك الوقت، مشيرة إلى أن مجمل الشريط الساحلي القريب من تلك المناطق، سيكون عرضة لفيضانات ساحلية مدمرة خلال ذلك التاريخ.
هدوء مناخي نتيجة اتخاذ سياسات شديدة الحزم..
توقعات الدراستين قالت؛ إن الكرة الأرضية ربما تشهد هدوءًا مناخيًا، خلال الفترة الممتدة: 2040 – 2060، جراء اتخاذ سياسات شديدة الحزم من الدول والهيئات الدولية، لكن ارتفاع درجات الحرارة خلال تلك الفترة؛ سيستمر بوتيرة أقل مما هي عليه في أوقات سابقة، إلى أن تصل الأحوال إلى مستوى يكون فيه ارتفاع درجة الحرارة مسؤولاً عن ظواهر هي بحد ذاتها ستساعد على مزيد من الارتفاع في درجات الحرارة، بالذات ظاهرتي التصحر والقضاء على البيئات الخضراء.