خاص : كتبت – هانم التمساح :
الخلاف في الرأي والمواقف تحت سقف قبة “البرلمان” أمر طبيعي ويُعد من صلب العمل النيابي وما يعطيه قوة وحيوية في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية، لكن أن يكون الخلاف بالصورة التي حدثت داخل “البرلمان العراقي”؛ وأن يصل الأمر إلى “العناد” ومحاولات ليَ الأذرع بين رئيس البرلمان، “محمد الحلبوسي”، ونائبه الأول، “حسن الكعبي”، بحيث يُنهي الأول الجلسة ويُعلن تأجيلها؛ بينما يرفض الثاني ويُصر على البقاء في مكانه وحوله مجموعة من مؤيدية، فضلًا عن تبادل الاتهامات بين أطراف برلمانية من خلال وسائل الإعلام، فإن هذا يعني انقسامًا حادًا وخطيرًا؛ وليس مجرد اختلاف آراء ومواقف برلمانية.
“الطائفية” تعصف بالبرلمان..
وتكشف الأحداث، التي شهدها “مجلس النواب”، الكثير من الدوافع الحقيقية التي تحركهم والمصالح الحزبية والفئوية التي تقف وراء مواقفهم، إلا أن الحقيقة الأكبر التي كشفتها هي؛ أن أيًا من الجالسين تحت قبة البرلمان ليس ممثلًا حقيقيًا للشعب، ولا تعنيهم مصالح “العراق”؛ إنما هم يهتمون لطائفيتهم ولأحزابهم، وهذا هو السبب الذي يجعل من يدعون أنهم ممثلون للشعب يتخوفون من الانتخابات المبكرة، لعلمهم “يقينًا” إنها ستُطيح بهم جميعًا، فالشعب الذي يدعي هؤلاء أنهم يمثلونه ليس منقسمًا كما هم منقسمون، بل وحده هدف واحد هو إزاحتهم وإزاحة فسادهم.
أزمة “علاوي” تؤجج الصراع بين “الحلبوسي” والصدربين..
وأخفق “مجلس النواب” العراقي، الخميس، في عقد جلسة مقررة لمنح الثقة لحكومة، “محمد توفيق علاوي”، وأجلت إلى، اليوم السبت، لعدم إكتمال النُصاب، وخلال الجلسة أحتدم الخلاف بين رئيس البرلمان، “محمد الحلبوسي”، ونائبه الأول، “حسن الكعبي”، حول رفع الجلسة.
وكانت جلسة، الخميس، مطلبًا أساسيًا من “علاوي”، ويدعمها الزعيم الشيعي، “مقتدى الصدر”، الذي هدد بتنظيم مظاهرات حول مبنى البرلمان، في “المنطقة الخضراء”، في حال عدم منح الثقة للحكومة، الأسبوع الماضي، ولكن تهديدات “الصدر” أكدت أنه لم يُعد ذا وزنًا، لا داخل البرلمان ولا في الشارع السياسي.
وكان “علاوي” قد إلتقى قادة الكتل السياسية ورئيس “مجلس النواب” ونائبه، وقدم قائمة جديدة بأسماء المرشحين لتولي المناصب الوزارية.
وبعد سلسلة من اللقاءات؛ دعا رئيس المجلس إلى عقد الجلسة، لكنه أعلن تأجيلها، الأمر الذي أثار غضب نائبه، “الكعبي”، الذي قرر إبقاء الجلسة رغم مغادرة الرئيس من أجل المضي في عملية التصويت على منح الثقة للحكومة الجديدة.
وينتمي “الكعبي” إلى كتلة (سائرون)، التي يتزعمها “الصدر”، والذي يدعم تعيين “علاوي” رئيسًا للوزراء.
بينما يرأس “الحلبوسي”، تحالف (القوى العراقية)، الذى يعترض على “علاوي”.
ولا تُعبر الخلافات بين الرجلين عن خلاف شخصي، بل هي إنعكاس لرفض وخلاف بين الكتل النيابية، (سُنية-شيعية-كُردية)، من جهة وبين “علاوي” من جهة أخرى.
أخطر أزمة دستورية في تاريخ العراق..
الخلافات التي باتت واضحة للجميع قد تتسبب في أخطر أزمة دستورية في تاريخ “العراق”. حيث حددت رئاسة “البرلمان العراقي” اجتماعين مختلفتين، في نفس الأسبوع؛ فيما يتعلق بآلية نيل الثقة لحكومة رئيس الوزراء المكلف، “محمد توفيق علاوي”؛ الأول دعا إليه النائب الأول لرئيس البرلمان، “حسن الكعبي”، (القيادي في التيار الصدري)، والثاني دعا إليه رئيس البرلمان، “محمد الحلبوسي”، (رئيس تحالف القوى العراقية)، لبحث آليات عقد الجلسة ومناقشة السير الذاتية للوزراء.
ويُعد هذا الأمر هو الأول من نوعه، منذ أول انتخابات برلمانية في “العراق”، عام 2005، حيث تجري الأمور دائمًا بالتوافق حتى سميت الديمقراطية المعمول بها في “العراق”، (الديمقراطية التوافقية). لكن الرئيس المكلف للحكومة، “محمد توفيق علاوي”، خرق هذه القاعدة حين أعلن عن نيته ترشيح أسماء وزراء مستقلين دون تدخل من قِبل الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية التي لم تستوعب، من جهتها، هذه الطريقة في الترشيح دون تدخلها بصيغة أو بأخرى. وحيث إنه لم يتبق من مدة التكليف سوى أسبوع واحد ويدخل البلد في أخطر أزماته الدستورية، فقد تكثفت اللقاءات بين كل الأطراف من أجل الخروج بصيغة ترضي كل الأطراف.
رئيس الوزراء المستقيل، “عادل عبدالمهدي”، بدوره، حذّر القوى السياسية من أن آخر يوم له في المنصب سيكون، 2 آذار/مارس المقبل، في حال لم يتم التصويت على حكومة “علاوي”. وفيما يُنص الدستور العراقي على أن السلطة التنفيذية تنتقل إلى رئيس الجمهورية إلى حين تشكيل حكومة جديدة أو اللجوء إلى حل البرلمان من قِبل الرئيس والدعوة لانتخابات جديدة خلال شهرين، فيما تؤكد مصادر قريبة الصلة برئاسة الجمهورية أن الرئيس، “برهم صالح”، لن يتسلم منصب رئيس الوزراء تحت أي ذريعة، وبالتالي فإن هذا الموقف يستدعي من الكتل السياسية أن تجد حلاً لصيغة مُرضية لتمرير الحكومة، وإلا فإن البلد سوف يدخل في أزمة خانقة؛ وهو ما اعتبره البعض محاولة من الرئيس، “صالح”، ليَ أذرع الجميع للقبول بـ”علاوي”، الذي رشحه. فيما تنفي المصادر ذاتها، الشائعات التي ترددت حول أن رئيس الجمهورية تدخل في تسمية أي من الوزراء سواء الكُرد أو غيرهم.
ومن الواضح أن “محمد توفيق علاوي” بدأ يتعامل بمرونة مع الكُرد، إذ أستحدث وزارة جديدة اسمها، “وزارة الدولة لشؤون الإقليم”، وبالرغم من ذلك تلقى حكومة “علاوي” رفضًا شديدًا من قِبل الأكراد.