25 أبريل، 2024 10:41 ص
Search
Close this search box.

“تهجير السينما” .. من بلاد الثورات العربية !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتب – عمر رياض :

طال مفهوم “التهجير” – إخلاء السكان من بلدة بسبب الكوارث والحروب إخلاءً قسرياً – نمط آخر من السكان وهم أهل منطقة “السينما”.

امتد “التصحر” لمساحات من الإبداع والعمل, أصبح “التهجير القسري”، أو هذا التعريف – الجغرافي السكاني – ينطبق تماماً على العاملين بمنطقة ليست جغرافية، بل منطقة خيالية تماماً، ترشدها خرائط الأفكار والتقنيات التي يبتكرها أهلها والتي قد تكون شديدة التعقيد، تتطلب سنوات من الدراسة والعمل لوصف واقع بسيط.

يصف صناع السينما تلك المنطقة الآن بـ”المغلقة”، خاصة على سكانها من المستقلين الغير خاضعين لمعايير تجارية، حتى وإن كان حلمهم الوصول إلى كافة “شرائح الجماهير”.

للزمن أثر في مسار حركة “السينما المستقلة” القصير نسبياً والقوي فعلياً، إذا ما ربط بنقطة إنطلاق الثورات.

من هنا سنجد عدد من الحواجز والمتاريس التي كانت سبب في توقف وحصار مسار “الحالمون” عند جيلين مختلفين من السنيمائيين, يحكي كل منهم بطريقته عن الصحراء التي امتدت لتلك المنطقة.

سلمى الطرزي”: عن العمل المكتمل لجيلين من الإخراج المستقل..

تقول المخرجة التسجيلية “سلمى الطرزي”, في البداية: “أن العمل المكتمل وما يمكن تحقيقه من خلال مشروع أو عمل سينمائي مستقل, خلال عشرين سنة عاصرتهم, ليس كما يتصوره الجمهور، الذي يمثل الغالبية العظمى من رواد السينما، حيث يصنع هذا اللقاء بين العمل والجمهور التجاري عدد كبير من العوامل”.

وقبل أن نخوض في الشرح, يمكن أن نشير إلى أنه لا يوجد “طاقة” لدينا، الآن يوجد إنهاك وإحباط رهيب.

منذ عشر سنوات لم يكن هناك أماكن للعرض مثل سينما “زاوية” – السينما الوحيدة تقريباً التي تعرض أفلام للمستقلين مقابل تذكرة ذات سعر أقل نسبياً في مصر – كان معظمنا يقوم بالعرض في المهرجانات أو مراكز ثقافية أو “مركز الإبداع”، أو إختيار مثل العرض في سينما “زاوية”، وهذا شئ إيجابي، لكن ليس بالبساطة التي يبدو عليها لأنه هناك أشياء ليس لها علاقة بالممارسة المهنية.

لكي أعيش كنت من الممكن أن أعمل بـ”الإعلانات”، لكن عمل السوق يفرض عليك أن تعمل 24 ساعة، وهو ما يسبب ضغط ويقلل مساحة الرفاهية لعمل فيلم.

التضييق الأمني للتصوير في الشارع, وقت حكم “مبارك”، كنت أستطيع التحايل عليه أو يحدث أن يتركك الأمن بعد توقيفك، وهذا استمر حتى عام 2013، بعد ذلك اصبحنا نخشى من النزول إلى الشارع بالموبايل، لأن احتمال اتهامك في قضية اصبح أكبر.

قبل الأمن, يمكن أن نجد “المواطنون الشرفاء” – المصطلح الذي أطلق على المجموعات المتمسكة بافكار الأنظمة القديمة ما قبل الثورات في البلدان العربية – ضمن العقبات، بسبب وجود التعصب والبارانويا الوطنية، سواء نزلت للعمل كمنتجة أو مخرجة, أغلب المضايقات كانت من الموطنين الشرفاء.

اليوم أصبح لدي رعب حقيقي من نزولي بكاميرا.. في عام 2011 كان لدي موقف، أما الآن إن لم أنجح في إستخراج تصريح أمني لا يمكنني المغامرة.

هي دائرة مغلقة.. لذلك نحن نشعر بتبعات ما يحدث، لأن الوضع أصبح أشرس، حتى لو أصبح معك تصريح فهناك “مواطن شريف” سيذهب بك لقسم الشرطة من منطلق انه يحمي سمعة البلد مثلاً.

لكي لا يقبض عليَ لابد أن أستخرج تصريح من “وزارة الداخلية”, وهذا لا يستخرج إلا بعد تصريح من “الرقابة”, والأخير لا يستخرج إلا بتصريح آخر من “نقابة المهن السينمائية”، وهذا يعني انك لو لم تكن عضو “نقابي” فلن تسخرج التصريح، فماذا لو قلنا أن هناك طالب يريد عمل فيلم ومعه كاميرا بعشرين ألف جنيه فماذا يعمل ؟!

لقد أغلق العمل أمام أي ممارسة مستقلة عن “النظام”، فتفاجأ انه هناك دعم من “وزارة الثقافة”، لكن تجد “رقابة داخلية” لكي تحصل على المنحة, وبالتالي لن تحصل عليها لفيلم ضد افكاره.

يعتبر “اقتصاد الفيلم” وتمويله من الحواجز الكبيرة امام العمل المستقل, وهو ما يدفع بعض الفنانين للعمل وفق خطة التمويل, “صفر تكلفة”, كما يسمونها وهي ان تدعم مجموعة مشتركة في العمل من مصروفاتها الشخصي تلكفة الفيلم, وهذا تحد كبير.

“أزمة تمويل العمل أزمة مزدوجة”, كما تقر بذلك المخرجة “سلمى”، مستطردة بأنها أزمة مزدوجة سواء من الأفراد أو كان تمويل أجنبي، منذ كانون ثان/يناير 2011 كنا مصدر إغراء  للتمويل, باعتبارنا بلاد ثورات, لكن الآن لم نعد كذلك.

أضف لذلك القوانين الداخلية الخاصة بالتمويل, التي فرضت وتشمل فن صناعة السينما، وهي ما دفعت, ليس بالأفراد فقط بل بالمؤسسات المستقلة, إلى الإغلاق.

فيلمي الأخير: “اللي يحب ربنا يرفع إيده لفوق” فيلم تسجيلي.. وهو فيلم تجاري رغماً عن  أفكار السوق لكن في نهاية المطاف عرضت في سينما صغيرة، وشاهده العدد القليل نفسه الذي يشاهد الأفلام المستقلة، ونجحنا فقط في أن نعرض في عدد قليل من السينمات التجارية لأسباب منها توقيت العروض, مثل الإمتحانات للطلبة وهم شريحة هامة من الجمهور، وكانت أيضاً هذه هي شركة التوزيع الوحيدة التي تدعمنا.

هناك قصد من النظام الحاكم أن تظل “هاوٍ”، بمعنى انه يريدك أن تعرض على شاشة في الشارع ثم يسجنك بقوانينه، أو يفرض عليك دعم مشروط مرتبط بأفكاره أو يقوم بتأديبك.

وأخيراً تقول “سلمى” بأنها لا يمكن ان تعمم هذه الأسباب على كافة بلدان الثورات الأخرى, فتونس والمغرب وسوريا ترتبط بتفاصليها, لكنها ترى أن “هناك ايضاً حصار كوني”.

“ندى حسن”: في فن الفيديو التهجير قد يطيح بالصورة..

لا تصنف السينمائية “ندى حسن” نفسها كمصورة بشكل خاص.. تقول: “أنا فقط editor (معد صورة), video artist (فنان فيديو) أكثر”.. تقوم “ندى” بتصوير ما تحتاج إليه فقط بإتقان ثم تقوم بالعمل عليه بتقنية الفيديو، وهو العمل الحقيقي الذي يبدأ بعد وضع المادة على الجهاز.

تقول: “فن الفيديو هذه الفترة  تعامل مع  وسيط الفيديو لتحريك الصور كوسيلة بصرية خالصة قد تعبر عن سرديات ذاتية، أحاول أن أحصل على صور من أرشيف على الانترنت أو صور صنعتها، وأعمل عليها كي اسرد منها شئ آخر، توقيتات مراحل العملية هي التي تقودني، الصورة نفسها بألوانها.. كأني أتعامل مع لوحة سوداء من الورق وبعض الألوان”.

روح أخرى مثل “الباب الخلفي” لنفس عالم الصورة، بنفس اقتراب الفنان التشكيلي.

التعريفات أو التصنيفات توترني قليلاً في عالم السينما, لانها تضعنا في إطار وهمي ينكسر  طول الوقت أثناء الممارسة, وهذا جزء أصيل في العمل المستقل. فالسينما أصلاً صور متحركة.

فن الفيديو أو “الفيديو آرت” والسينما, هي فنون بصرية متحركة في إطار زمني واقعي ووهمي.. ويمكن أن تجد الإثنين في “الكلاسيكي” وفي “التجريبي”.. في جولة تصنيفات كثيرة لكن خطلت ببعضها لا تؤخذ أثناء الممارسة الحرة, بمعنى انه يمكنني أن استخدم في “الفيديو آرت” لغة بصرية كلاسيكية.

يعتمد “الفيديو آرت” على المنح الإنتاجية والتعليمية, التي أصبحت محاصرة في بلدان الثورات.

عن إنتاج هذا الفن النوعي الخاص جداً تقول “ندى”: “أنا أنتظر اليوم الفرصة كي أسافر للتعلم مع أشخاص يتمتعون بالفكر الحر أكثر، الأشخاص قبل المؤسسات صراحة، لأننا هنا لدينا مشكلة في الشخص المستقل ذاته، أشعر انهم غير قادرين أو لم يكتشفوا هذه المنطقة من الفنون البصرية وغير قادرين على التحرر من قالب الفيلم الروائي/التسجيلي بشكله المعتاد القديم, وأقصى طموح هنا, والآن بالذات، هو عمل شئ شبيه وليس متفرد لخوفهم من البعد عن المنطقة الآمنة”.

وبرغم ذلك لم نعدم وجود الفنانين المتميزين محلياً بقدر تميز العالميين في الخارج، مثل “مايا دارين وجاي ميدن وجنى أولسون ومها مأمون ومحمد علام ومحمد عبد الكريم”.

“يوسف طارق”: الصوت في السينما لم يتطور منذ زمن بعيد..

“يوسف طارق” أخر جيل من خريجى معهد السينما, وتخصص في مجال هندسة الصوت في السينما والدراما التليفزيونية، يقول إن مجاله هو تسجيل الحوار أثناء التصوير “كما يشمل المرحلة التي تسبقها مرحلة المكساج”، ويتم فيها مزج جميع الاصوات مع بعضها مثل الحوار والمؤثرات الصوتية والموسيقية بعد إعدادها.

ويقول “يوسف” أن الإبداع في هذا المجال, داخل مصر قد توقف عند تلك المراحل، رغم أن التقنيات والخيال قد تخطى ذلك بكثير.

فالابداع في تسجيل الصوت, رغم انه “تقني فني” أكثر, لكن يمكن القول انه هناك مساحة منسية من الإبداع تكمن في “المكساج” أو عملية مزج الاصوات وخلق الاصوات من مصادر وعوامل آخرى, وهذا كان طموحنا.

مثل فيلم Jurassic park “حديقة الديناصورات”, كي يقوم “الماكسير” بعمل صوت ديناصور قام بتسجيل صوت “الفيل” وسجل صوت “سحلية” وسجل صوت “أسد”, ثم قام بالمزج بين الثلاث أصوات وبالإعداد أصبح “صوت الديناصور” يسمع لأول مرة، وهذا إبداع.

أفلام الخيال العلمي والحركة, المساحة الإبداعية فيها أوسع، لأن الفنان عليه أن يخلق اصوات لا توجد في ذاكرة البشر, مثل فيلم “كرييتيف” الذي صنعت فيه أصوات الفضاء تحت سطح المياه في الحقيقة.

طبعاً كلنا نعلم أن السينما بدأت صامتة في البداية, وكانت أول قاعة عرض وأول فيلم عن طريق الأخوان “لومير” في فرنسا، وكان عبارة عن مشهد من قطار قادم في مواجهة الجمهور.

وأستعان البعض بفرقة لعزف الموسيقى بجانب شاشة العرض في بعض الأفلام، التطور والإبداع هنا لا يتوقف.

وعن الإنتاج واحتكار السوق, الوضع الذي كان الجميع يطمح إلى تغييره ضمن تغيير وإصلاح كافة مناحي المجتمع، يقول “يوسف”: “الإنتاج عموماً الآن, في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة, صعب، حتى أصبح إنتاج الفيلم القصير مكلف جداً نظراً للعمل دون أي مقابل مادي، ويعتمد على انه يضمن المشاركة الدولية في المهرجانات وحصد جوائز كعائد مادي, لكن بعد الإنتهاء من الفيلم وتسجيله وفوزه بالمسابقة”.

لذلك يتجه “المستقلين” إلى فكرة الحصول على تمويل خارجي, وتعتبر أفضل الحلول بالنسبة لإنتاج الفيلم, لكن هذا أصبح صعب جداً اليوم أيضاً ويتطلب أن يكون السيناريو جاهز أو تكون هناك معالجة للسيناريو.

لذا إمكانية بناء استوديو لمجال واحد من السينما خاص بالصوت اصبحت إمكانية مستحيلة، على عكس ما يحدث في أوروبا أو أميركا التي صنعت استوديوهات تسمى “فولي” خاصة بالصوت فقط.

وبالنسبة للفيلم التجاري أيضاً لا يوجد سوى جهة واحدة تستطيع تمويل الأفلام, وهي للاسف تحتكر معظم قاعات العرض ولا تسمح لأحد منافستها.

هذه أسباب تدفع للإحباط والهجرة, سواء إلى الخارج أو تهجير الفنانين من منطقتهم وتوقف إنتاجهم طبعاً، لأن الظرف والمناخ السياسي الذي يفرض عليك العمل مقيد أو لا عمل من الأساس, بالإضافة إلى إغلاق مساحة حرية التعبير ونقد السلطة, وهو ما رأيناه فيما حدث مع فيلم “أيام المدينة”, الذي كان من المفترض أن يعرض داخل “مهرجان القاهرة السينمائي الدولي” وتم منع عرضه بسبب سياسي وليس لإخلال في نظام المسابقة أو تعارضه مع المسابقة, رغم أن الفيلم كان مرحب به من قبل لجنة المشاهدة.

قس على ذلك كلما حدث تشديد في الروتين أو القمع وصولاً للحروب، وأنا قابلت مخرجين من سوريا اتجهوا لأوروبا طبعاً.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب