21 ديسمبر، 2024 8:47 م

تناقضات “خامنئي” و”روحاني” بشأن العراق ولبنان .. خلافات أم تكتيك ؟

تناقضات “خامنئي” و”روحاني” بشأن العراق ولبنان .. خلافات أم تكتيك ؟

خاص : كتبت – هانم التمساح :

مع كل أمر يتعلق بالسياسة الخارجية لـ”إيران” تطفو على السطح تناقضات بين المرجعيتين، السياسية والدينية، منذ تولى “حسن روحاني”، منصب رئيس الجمهورية الإسلامية.. تصريحان متناقضان لم تفصلهما سوى ساعات، أحدهما من المرشد الإيراني والآخر من مكتب الرئاسة، يحملان الشيء وعكسه، في تناقض واضح لموقف “طهران” من الاحتجاجات التي يشهدها كل من “لبنان” و”العراق”.

تضارب تصريحات “خامنئي” و”روحاني”..

ففي الوقت الذي أعربت به الرئاسة الإيرانية عن رفضها التدخل الخارجي في شؤون البلدين، كانت تصريحات المرشد الأعلى تنم عن تدخل صارخ في قضايا محلية لبنانية وعراقية، خاصة بعد خروج مظاهرات حاشدة في البلدين ضد الطبقة السياسية والمليشيات التي تدعمها “إيران”، مرددتا هتافات ضد “خامنئي” ذاته.

فقد دعا المرشد الأعلى، آية الله “علي خامنئي”، المتظاهرين في “العراق” و”لبنان”، إلى التحرك “ضمن الهيكليات والأطر القانونية”، مشيرًا إلى مشروعية مطالبهم.

وبحسب وكالة  الأنباء الإيرانية؛ قال “خامنئي” في كلمة بثت القناة التليفزيونية الإيرانية جزءًا منها، إن الناس في “العراق” و”لبنان” لديها “مطالب مشروعة”، لكن “لا يمكن تلبيتها إلا في إطار الآليات القانونية”، مضيفًا أن: “على المخلصين والحريصين في العراق ولبنان أن يضعوا علاج إنعدام الأمن في أولياتهم”، حيث إن “أكبر ضربة يمكن أن يوجهها الأعداء لبلد ما هو تقويض أمنه”.

وجاءت  تصريحات “خامنئي”، التي تكشف تغلغلًا إيرانيًا في شؤون البلدين، بعد ساعات قليلة مما قاله، “محمود واعظي”، مدير مكتب الرئيس، “حسن روحاني”، الذي طالب بـ”وقف تدخل القوى الأجنبية” في “العراق” و”لبنان”.

وتتناقض تصريحات مدير مكتب “روحاني” مع حقيقة النفوذ الإيراني الكبير في البلدين، الذي يعتبر “تدخلًا أجنبيًا” ندد به المتظاهرون في “العراق” و”لبنان”، إلا إذا كان “روحاني” يقصد أن التدخل الأجنبي محرم على الدول الأخرى حلال فقط على “إيران” !.

تصريحات أعقبت إعتداء “حزب الله” و”الحشد الشعبي” على المتظاهرين..

ويأتي حديث المسؤولين الإيرانيين بعد يوم من إعتداء عناصر من مليشيات “حزب الله” الموالية لـ”إيران”، على متظاهرين سلميين في وسط العاصمة اللبنانية، “بيروت”، حيث أحرقوا خيامهم وأصابوا عددًا منهم بجروح، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يعتدي فيها أنصار هذه المليشيات على المتظاهرين، إذ سبق أن هاجموهم قبل أيام. كما تأتي أيضًا عقب المجزرة التي إرتكبها “الحشد الشعبي”، ذراع “إيران”، بحق متظاهري “كربلاء”.

وكان تقرير سابق لـ (رويترز)، قد أكد على أن قناصة تابعين لمليشيات مدعومة من “إيران”، كانوا وراء قتل عشرات المحتجين في شوارع “بغداد”، قبل أيام.

وتُشكل الاحتجاجات، التي خرجت أساسًا ضد الفساد وفشل النخبة الحاكمة في “العراق” و”لبنان”، تحديًا لـ”إيران” التي تدعم عن كثب كلتا الحكومتين والمليشيات المسلحة.

وبحسب وكالة (أسوشيتد برس)، فقد لعبت “إيران” دورًا محوريًا في قمع الاحتجاجات في “العراق”، التي راح ضحيتها العشرات من العراقيين.

قمع تظاهرات العمال والفلاحين بإيران على نهج قمع تظاهرات العراق..

نفس النهج الذي تستخدمه الدولة الدينية الإيرانية مع “العراق” و”لبنان” الآن؛ قمعت به الشعب الإيراني وتظاهراته، خلال العامين الماضيين، حيث استمرت الاحتجاجات التي إجتاحت جميع أنحاء “إيران”، في كانون أول/ديسمبر 2017 – كانون ثان/يناير 2018، إلى فصلي الربيع والصيف. ومن آذار/مارس إلى أيار/مايو، انتشرت الاحتجاجات في مناطق مختلفة من “الجمهورية الإسلامية”. وكان أحد الاحتجاجات الواسعة النطاق، احتجاج سائقي الشاحنات في جميع مقاطعات “جمهورية إيران الإسلامية”. في حين أعرب المزارعون الإيرانيون عن استيائهم من الوضع الاقتصادي الحالي. وكل هذه الاحتجاجات تم تناولها ليس فقط من قِبل قوى المعارضة على شبكات التواصل الاجتماعي، إنما أيضًا من قِبل وسائل الإعلام الإيرانية المحسوبة على المجموعة المحافظة داخل النخبة الإيرانية.

وأبرزت هتاف كثير من الإيرانيين، بـ”الموت لخامنئي”، في أكبر هجمات علنية يتعرض لها “خامنئي”، منذ وصوله للسلطة، المظاهرات بدأت بشكاوى بشأن ارتفاع أسعار المعيشة، لكنها سرعان ما ظهرت فيها شعارات سياسية ودعوات لتغيير النظام وإنهاء حكم رجال الدين الشيعة. إلا أن السياسيين الإصلاحيين الإيرانيين اتهموا متشددي النظام بالوقوف خلف أول مسيرة احتجاجية، في 28 كانون أول/ديسمبر 2017، من أجل تقويض “روحاني” وبرنامجه الإصلاحي، ثم تلت تلك المظاهرة موجة احتجاجات في عشرات من البلدات والمدن في أنحاء “إيران”

وقتها أيضًا كانت تصريحات “خامنئي” تتناقض مع إعتراف “روحاني” بأن الاستياء والسخط بين الإيرانيين أشتعل جراء الفجوة بين الشباب وقادة بلادهم، بينما وصف “خامنئي”، التظاهرات الإيرانية، بأنها مدعومة من “أميركا” و”إسرائيل” و”السعودية”، تمامًا كما حدث بـ”العراق” !

تناقض بشأن العلاقة مع أميركا..

منذ تولى “روحاني” رئاسة “إيران”؛ بدت التناقضات واضحة بين فريقين من أبناء “الثورة الإسلامية”، وقال الرئيس الإيراني، “حسن روحاني”، 2015، إن علاقات بلاده مع “الولايات المتحدة” تحسنت، وأنه ليس هناك مانع أمام تواجد الشركات الأميركية في “إيران”، مناقضًا بذلك مواقف إيرانية تندد بالتعاون مع “الولايات المتحدة” وتعتبر “أميركا”، (الشيطان الأكبر). ولكن يبدو أن الغلبة كانت لمعكسر المحافظين، حيث سرعان ما غير “روحاني” مواقفه من “الولايات المتحدة”، بعدما تناقض ما قاله الزعيم الأعلى الإيراني إن “طهران” لن تفاوض “الولايات المتحدة” في أي قضية بعد “الاتفاق النووي”، الذي أبرمته مع القوى العالمية الست.

وسرعان ما أعلن “روحاني” أن شعار: “الموت لأميركا”، الذي يردده الإيرانيون، ما هو إلا “شعار” للتذكير بالأزمات المتعددة، منذ 35 عامًا، بين “طهران” و”واشنطن”؛ وهو ليس إعلان حرب ضد الشعب الأميركي.

وأعتبر الرئيس الإيراني أن هذا الشعار، الذي يردده المصلون الإيرانيون باستمرار خلال صلاة الجمعة، ما هو إلا ردة فعل سياسية على سياسة “الولايات المتحدة” ضد “إيران”.

تناقض أم تكتيك ؟

التناقض المثير، الذي يطفو على السطح في تصريحات أقطاب السلطة والحكم في “إيران”، بين الرئيس “روحاني” وأخرى لرئيس “الحرس الثوري” وثالثة يدلي بها المرشد الأعلى، “خامنئي”، وتظهر تصريحات “طهران” أن كلًا منهم يحكم بطريقته؛ ويجعلنا نتساءل: هل هي خلافات أو تكامل للأدوار ؟

فالرئيس الإيراني، ومن بعده وزير خارجيته، في إستراتيجيتهما الدبلوماسية يحاولان تلميع صورة “إيران” عند الغرب وأمام الرأي العام؛ بالحديث عن الوسطية والإعتدال وعدم التدخل في دول الجوار، مبديان استعداد “طهران” للتفاعل مع العالم كدولة طبيعية.

لكن هذه التصريحات تلحقها دومًا تصريحات أخرى عكسية تمامًا يدلي فيها قادة في “الحرس الثوري”، الذين يعبرون عن فكر المرشد الأعلى؛ وهي تصريحات تحمل تهديدات لدول المنطقة وأعترافات بدعم مليشيات في “اليمن والعراق ولبنان والبحرين وسوريا”، فمن يستمع لتصريحات الرئيس، “روحاني”، وقائد “الحرس الثوري”؛ فإن أول إنطباع أنهما لا يتبعان لنظام واحد.

وهل تدفع هذه التناقضات إلى صدام حتمي بين مؤسسة الرئاسة والجيش، مع وجود دولة عميقة يحكمها ويقرر فيها المرشد الأعلى على أساس ما يسمى نقل “الثورة الإيرانية” للخارج ليبقى التناقض سيد الموقف في تصريحات المسؤولين الإيرانيين ؟

وما نفي المتحدث باسم “الخارجية الإيرانية”، في بداية مؤتمر صحافي له؛ عن إرسال الرئيس، “روحاني”، أي رسالة لـ”الكويت” تتعلق بـ”اليمن”، وعودته في نهاية المؤتمر الصحافي؛ للإعتذار، ويؤكد إرسالها، إلا مشهدًا من الشد والجذب والتناقض داخل الطبقة الحاكمة في “إيران”، الذي يؤشر على صراع داخلي يشبه النار تحت الرماد.

وبينما تتصاعد التوترات مع “الولايات المتحدة”، نأى المرشد الإيراني الأعلى، “علي خامنئي”، بنفسه عن “الاتفاق النووي”؛ قائلًا إن رئيس البلاد ووزير الخارجية لم يتصرفا كما كان يرغب بالنسبة لتطبيق الاتفاق.

وأضاف “خامنئي”، في تعليقات نشرها موقعه الرسمي على الإنترنت: “إلى حد ما، لم أقتنع بالطريقة التي طبق بها الاتفاق النووي. في كثير من الأحيان، ذكرت الرئيس ووزير الخارجية” بذلك.

وتابع: “لا أثق كثيرًا في الوسيلة التي دخل بها الاتفاق النووي حيز التنفيذ.. وأبلغنا مرارًا الرئيس ووزير الخارجية وأرسلنا لهم إخطارًا”.

وتُعد تصريحات “خامنئي” الأولى التي يلقي فيها باللوم على الرئيس، “حسن روحاني”، ووزير الخارجية، “محمد جواد ظريف”، بالاسم، في مخاوفه بالنسبة للاتفاق.

كما أن رفض “خامنئي”، ضمنًا، الدعوات الأخيرة لتغيير الدستور، والتي تمثلت في مطالب “حسن روحاني”، لتوسيع صلاحياته. ونفي “خامنئي” تسبب في المشكلات الداخلية، وذلك تعليقًا على سؤال لأحد أنصاره حول ما إذا كانت المشكلات الداخلية تعود إلى هيكل النظام السياسي أو إلى المسؤولين الإيرانيين.

وأبدى “خامنئي” معارضته للمطالب التي تطالب بإعادة النظام البرلماني لانتخاب الحكومة وإلغاء النظام الرئاسي في “إيران”. وقال إن: “بعض المرات يرتكب المسؤولون أخطاء تسبب شرخًا كبيرًا في المجتمع”، “مما يتسبب في ظهور مثل تلك المطالب”.

وينظر إلى “روحاني” و”ظريف” باعتبارهما من المؤيدين الرئيسيين لـ”الاتفاق النووي”، داخل النظام السياسي الإيراني.

و”خامنئي” هو صاحب أعلى سلطة في “إيران”، وتعكس تصريحاته ضغطًا داخليًا يواجهه “روحاني” و”ظريف” الآن، وسط توترات مع “الولايات المتحدة”.

وبينما تصارع الدول على تحديد إيديولوجياتها؛ تحتفل “إيران” بمرور (40) عامًا على قيام “الثورة الإيرانية”، وبمرور (30) عامًا على جلوس “علي خامنئي” على قمة السلطة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة