خاص : ترجمة – لميس السيد :
بعد فترات من التخبط داخل الإدارة الأميركية تجاه السياسة في “سوريا”، وبعد نقد شديد طال الرئيس، “دونالد ترامب”، تجاه سياسته في ذلك الملف المُعقد، من الإنصاف أن نقول أن أفضل سبيل للحل في “سوريا” هو سيطرة نظام الرئيس، “بشار الأسد”، على منطقة الشمال، وفقًا لتقرير أعدته مجلة (فورين بوليسي).
على الرغم من إرتكاب “الأسد” جرائم عديدة ضد شعبه؛ وعلى الرغم من أنه يجب أن يخضع للمحاكمة أمام “المحكمة الجنائية الدولية”، إلا أن العالم من الصعب إبقاءه مثاليًا دائمًا.
أسباب عجز واشنطن عن دعم الأكراد..
يبدأ ذلك المسار المقترح للحل في “سوريا”، من وجوب الإعتراف بأن الدعم الأميركي لميليشيات الأكراد كان مشروط ومرتبط بالقضاء على تنظيم (داعش) الإرهابي، لذا يجب أن تفصل الإدارة الأميركية بين فكرة الدعم غير المشروط وفكرة الإعتمادية على قوات الأكراد في توقيت ما من أجل مهمة غير محددة.
تقول المجلة الأميركية أن مهمة دعم الأكراد تستعصى على “واشنطن” بسبب عدم وجود دولة كُردية مستقلة ولا يوجد احتمال في أي وقت قريب لنشأتها، لأن “واشنطن” تدرك جيدًا أن محاولة استقلال “كُردستان” عن المناطق الكُردية في “سوريا” و”العراق” و”إيران” و”تركيا” ستشعل حربًا إقليمية كبيرة، لذا كان لا بد أن تستمر “قوات سوريا الديمقراطية”، الخاضعة لإدارة الأكراد، تحت سلطة إحدى القوى الإقليمية القائمة.
وتعتبر ثاني الأسباب التي تمنع “الولايات المتحدة” من الاستمرار في دعم الأكراد، هو اعتبار “تركيا” أن “قوات سوريا الديمقراطية” تهديد خطير، وستستمر “أنقرة” في محاولات القضاء عليه كلما أتيحت الفرصة. ثالثًا، ضعف قوات النظام السوري التابعة لـ”الأسد”، جعله يلجأ للاستعانة بـ”روسيا” و”إيران” للسيطرة على الأوضاع.
فوائد “الأسد”..
عند هذه النقطة، فإن السماح لـ”الأسد” باستعادة السيطرة على “سوريا” كلها؛ سيؤدي إلى حل عدد من المشاكل المحيرة، فهو بذلك سوف يعالج مخاوف “تركيا” من الحكم الذاتي الكُردي. وحالما يستعيد “الأسد” السيطرة الكاملة، يصبح تنظيم (داعش) مشكلته الوحيدة، وليس “الولايات المتحدة”. لكن الأكيد أنه كلما وطد “الأسد” دعائم الأمن في “سوريا”، كلما كان بحاجة إلى دعم روسي أو إيراني أقل.
يؤكد الوضع الحالي، على مدى تفتت سياسة “الولايات المتحدة” في السنوات الأخيرة في “سوريا”، حيث كان ينبغي على “الولايات المتحدة” التأكيد على الحل الدبلوماسي أثناء تواجد قواتها على الأرض في “سوريا”، لكن الجهود الدبلوماسية الأميركية كانت متقلبة وتعثرت منذ البداية.
في عهد الرئيس السابق، “باراك أوباما”، رفضت “الولايات المتحدة” السماح لـ”إيران” بالمشاركة في محادثات “جنيف” الأولية، مما يضمن عدم مشاركتها في أي محادثات أخرى متعلقة بـ”سوريا” في العالم، لكن في الحقيقة إن “واشنطن” الآن أصبحت هي الطرف غير القادر على المشاركة في محادثات “سوريا” في المفاوضات الحالية بين “روسيا” و”تركيا” و”إيران”، في “كازاخستان”.
الحل في سوريا..
يتطلب الحل، في “سوريا”، بذل جهد دبلوماسي جاد من “الولايات المتحدة” أن تعمل مع كل طرف من الأطراف المعنية الأخرى، لكن “واشنطن” لا تعمل مع “روسيا” لأنها غاضبة من “أوكرانيا”؛ ولن تتحدث مع “الأسد” لأنه مجرم حرب؛ ولن تتعامل مع “إيران” لأنها لا تزال تأمل في أن يؤدي “الضغط الأقصى” إلى إنهيار النظام الديني أو إقناعها بتغيير سلوكها في ملف امتلاك النووي وسلوكها الإقليمي.
في غضون ذلك، يتعين عليها إرسال المزيد من القوات إلى “المملكة العربية السعودية”؛ لأن حملة الضغط القصوى، التي قام بها “ترامب”، زادت من خطر الحرب، مما يبدد تعهد الرئيس بتخفيض الوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
خلاصة القول، من وجهة نظر (فورين بوليسي)؛ إن الحل للوضع في “سوريا” هو الإعتراف بفوز “الأسد”، والعمل مع الأطراف المعنية الأخرى لتحقيق الاستقرار في الوضع هناك، خاصة أن “الأسد” لا يريد استمرار تدخل “موسكو” أو “طهران” بوجود دائم في بلاده؛ لذلك من المحتمل أن ينخفض نفوذهما عندما يعيد تشكيل سلطته.
والأهم من ذلك، تبدو “روسيا” و”إيران” وكأنهما فائزان في “سوريا”، لأن السبب الرئيس وراء ذلك هو أنهما أتبعتا إستراتيجية أكثر ذكاءً منذ البداية، حيث كان لـ”روسيا” و”إيران” هدف واضح ومحدود وقابل للتنفيذ؛ وهو إبقاء “الأسد” في السلطة.
على النقيض من ذلك، كانت لـ”الولايات المتحدة” أهداف طموحة وغير واقعية: “أرادت التخلص من “الأسد”، وهزيمة (داعش)، ومنع الجهاديين من الوصول إلى السلطة، وتمكين الديمقراطيين الليبراليين السوريين من السلطة. كانت هذه الأهداف معقدة ومتناقضة، لذا لم تستطع “الولايات المتحدة” التخلص من “الأسد” دون فتح الباب أمام تنظيم (داعش) أو فروع تنظيم (القاعدة) المختلفة، علاوة على أنه لم يكن هناك أي ليبراليين سوريين موثوق بهم وذوي كفاءة يمكنهم الإعتماد عليهم.