خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
لطالما تعرض الشرق الأوسط باعتباره أحد المناطق الجيوسياسية العالمية حساسية وتوترًا، لتطورات وتغيَّرات في معادلات القوة. بحسّب “سيد علي نجات”؛ طالب دكتوراه في دراسات الشرق الأوسط بجامعة (طهران)، في تحليله المنشور على موقع “مؤسسة الدراسات المستقبلية في العالم الإسلامي” الإيرانية.
وخلال الأعوام الأخيرة؛ طُرح التعاون العسكري المصري مع القوى الشرقية؛ لا سيّما “الصين وروسيا” كأحد العوامل الرئيسة في إعادة تعريف هذه المعادلات. وهذا التعاون في السلاح والمناورات العسكرية المشتركة والتبادل التكنولوجي الدفاعي، لا يؤثر فقط على توزان القوة بالمنطقة، وإنما يقترن بتداعيات ملفته بالنسبة للكيان الصهيوني؛ العدو التقليدي لـ”مصر”.
التعاون العسكري المصري مع “الصين وروسيا”..
“مصر”؛ باعتبارها إحدى القوى الكلاسيكية في الشرق الأوسط، تمتلك خبرات طويلة من التعاون العسكري مع القوى الكبرى.
ومالت في الفترة: (1950-1960م) تجاه “الاتحاد السوفياتي”، وحصلت على معدات عسكرية كبيرة.
وبعد توقّيع “اتفاقية كامب ديفيد”؛ في العام 1978م، ازداد التقارب المصري مع “الولايات المتحدة” وتحولت “القاهرة” إلى أحد الحاصلين الأساسيين على المساعدات العسكرية الأميركية.
مع هذا طرأت؛ خلال العقد الأخير، تغييَّرات على السياسة الخارجية المصرية نتيجة التطورات السياسية الداخلية، وتبنّت “القاهرة” سياسة التنويع واتجهت للتعاون مع القوى الشرقية؛ وبخاصة “الصين وروسيا”.
وطورت “الصين”؛ باعتبارها لاعب حديث بالشرق الأوسط، من التعاون العسكري مع “مصر”، التي هي أحد المشتَّرين للمُسيّرات الصينية المتطورة طراز (Wing Loong II)، وتتعاون مع “الصين” في إنتاج السلاح والتبادل التكنولوجي، وهو ما ساعدها في الحصول على تكنولوجيا متطورة قد تكون مقيَّدة من قبل الغرب.
كما أن استثمارات “الصين” في البُنية التحتية المصرية، مثل المشاريع المينائية بالقرب من “قناة السويس”، تُعزّز الجانب الاستراتيجي لهذه العلاقات.
وتجري حاليًا مفاوضات متقدمة بين مسؤولين مصريين وصينيين بغرض تطوير التعاون العسكري؛ بحيث يشمل اتفاقيات السلاح، والمناورات المشتركة، وتبادل الخبرات في مجال التكنولوجيا الدفاعية. وتهدف “مصر” إلى تنويع مصادر السلاح وتطوير قدراتها العسكرية.
“روسيا” بدورها تحولت؛ في الأعوام الأخيرة، إلى شريكًا عسكريًا أساسيًا للدولة المصرية. ووقّعت اتفاقيات كثيرة بين “القاهرة” و”موسكو” شملت شراء أسلحة متطورة، مثل مقاتلات (سوخو-35)، وأنظمة الدفاع الصاروخية (إس-300) ومروحيات هجومية طراز (كاموف-52).
فضلًا عن ما تعكسه تلك المناورات العسكرية المشتركة؛ مثل: (سهم الصداقة) بـ”البحر المتوسط”، عُمق التعاون بين الجانبين. وهذه المناورات لا تُساعد في تقوية القدرات العسكرية المصرية فقط؛ ولكن تحمل رسالة سياسية إلى جميع الأطراف بالمنطقة، ومنها “تل أبيب”.
تأثير التعاون العسكري المصري مع الشرق على “تل أبيب”..
خلال الأعوام الأخيرة؛ اتخذت “مصر” خطوات كبيرة لتعزيز قُدراتها الدفاعية والهجومية، خاصة في مجال الدفاع الجوي والصواريخ.
ويمتلك هذا البلد تاريخًا طويلًا في تطوير صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وتسّعى الآن إلى تحديث ترسانتها الصاروخية باستخدام تقنيات أكثر تطورًا، الأمر الذي يُمثّل تحديًا استراتيجيًا خطيرًا للكيان الإسرائيلي، الذي يعتمد على التفوق الجوي وصواريخ (كروز) بعيدة المدى.
ومؤخرًا؛ قام الجيش المصري بحركات غير مسبّوقة في صحراء “سيناء”، خاصة على محور (فيلادلفيا) ومناطق قريبة من حدود “فلسطين” المحتلة، شملت دخول الدبابات والمعدات العسكرية الثقيلة بأعداد كبيرة، لأول مرة منذ توقّيع اتفاقية (كامب ديفيد)، وهو ما يعكس تغيرًا في نهج “القاهرة” وتوجّيه رسالة واضحة لـ”تل أبيب”.
من بين الإجراءات المصرية المهمة أيضًا؛ نشر نظام الدفاع الجوي المتقدم (S-300VM)؛ (أنتي 2500)، على مقربة من الأراضي المحتلة. وهو أحد أقوى أنظمة الدفاع الجوي في المنطقة، بقُدرة على استهداف الطائرات المعادية على مسافة تصل إلى: (300) كم.
وقد رفض المسؤولون المصريون طلبات “أميركية-إسرائيلية” للتراجع عن هذه المواقف، مع التأكيد على أن هذه الإجراءات تهدف لضمان الأمن القومي.
بالتالي أصبح تعزيز القدرات الصاروخية والدفاعية المصرية مصدّر قلق للحسابات الأمنية الإسرائيلية.
ورُغم خروج “مصر” من قائمة التهديدات المباشرة للكيان الإسرائيلي بالتوقّيع على (كامب ديفيد)؛ إلا أن تطوير البُنية الصاروخية المصرية قد يُغيّر المعادلات، خاصة إذا اتجهت “القاهرة” لمزيد من الاستقلال العسكري أو التعاون الاستراتيجي مع قوى مثل “الصين وروسيا”. إذ يمكن للتحول العسكري المصري أن يُغيّر المعادلات الاستراتيجية في الشرق الأوسط جذريًا.
فلقد جعلت النشاطات العسكرية المصرية، إلى جانب تصاعد التوترات الإقليمية، القدرات الصاروخية المصرية محور اهتمام الأوساط الأمنية الإسرائيلية. وقد زاد من هذه المخاوف، احتمالات تقارب “مصر” العسكري مع “الصين وروسيا وإيران وتركيا”.
القدرات الصاروخية المصرية الصاعدة والقلق الإسرائيلي..
من عناصر القلق الإسرائيلي الرئيسة؛ مدى الصواريخ المصرية وموقعها الجغرافي. ذلك أن تقارب المسافة بين “مصر” و”تل أبيب”؛ (حوالي 400 كم)، يعني أن بمقدور الصواريخ الباليستية متوسطة المدى استهداف مواقع حيوية داخل “إسرائيل”.
هذا التهديد؛ مع تقدم التكنولوجيا الصاروخية المصرية، قد يخلق مستوى جديدًا من الردع. ورغم أن القدرات الصاروخية المصرية لا تُمثّل تهديدًا فعليًا بالوقت الحالي، إلا أن إمكانية تطوير صواريخ بعيدة المدى جعلتها مصدر قلق استراتيجي للكيان الإسرائيلي، الذي يُحاول مواجهة هذا التهديد المُحتّمل عبر التفوق الجوي وأنظمة الدفاع المتطورة والدعم الدولي.
وبشكلٍ عام؛ للتعاون العسكري المصري مع الشرق عدة تداعيات على “إسرائيل”، تشمل:
01 – قد يُشّكل تعزيز القدرات العسكرية المصرية عبر أسلحة روسية وصينية متَّقدمة؛ تهديدًا محتملًا للتفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة.
ورغم عدم نية “مصر” للمواجهة المباشرة مع “إسرائيل”، حاليًا، إلا أن تعزيز قوتها العسكرية قد يُصبّح عامل ردع في العلاقات الثنائية.
02 – التعاون المصري مع “الصين وروسيا” جزء من اتجاه إقليمي أوسع لتعزيز النفوذ الشرقي مقابل الغربي، مما قد يُغيّر التوازن التقليدي لصالح “إسرائيل” وحلفائها الغربيين.
“إسرائيل”؛ المعتَّمدة على الدعم الأميركي غير المشّروط، قد تواجه تحديات جديدة مع “مصر” أكثر استقلالية واتجاهها نحو الشرق.
03 – يتعلق الأمر بالتنافس على النفوذ في “إفريقيا والبحر المتوسط”. تُمثل “مصر”، كبوابة لـ”إفريقيا” وبلد مطِل على “المتوسط”، دورًا محوريًا في الصراعات.