وكالات- كتابات:
أقر الباحث ورئيس برنامج الخليج في معهد أبحاث (الأمن القومي) في جامعة (تل أبيب)؛ “يوآل جوغنسكي”، بأن الزيارة المتوقعة للرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، إلى دول الخليج، في مقدمتها “السعودية وقطر والإمارات”، قد تُعدّ إنجازًا سياسيًا خارجيًا في ولايته الثانية من وجهة نظر “ترمب”، ولكنها تُثيّر مخاوف “إسرائيل”.
تطور مقلق لـ”إسرائيل”..
واعترف “جوغنسكي”؛ في تصريح لموقع القناة (12) الإسرائيلية، أن الزيارة تُعدّ تطورًا مقلقًا من وجهة نظر “إسرائيل”، ينطوي على: “إمكانية تراجع مكانتها الإقليمية وتآكل مكانتها في الوعي الأميركي كمركز مصلحة استراتيجية من الدرجة الأولى”.
وأوضح أن “ترمب” يعود للعمل بالنموذج نفسه الذي يميَّز علاقاته مع دول الخليج منذ فترته الأولى: دبلوماسية ذات منفعة متبادلة واضحة – اقتصادية، أمنية وتكنولوجية – دون طموح ليبرالي أو ديمقراطي.
وأكد أن: “العلاقات مع الخليج تُفهم لديه من خلال عدسة (صفقة): سلاح مقابل نفط، استثمارات مقابل رعاية أمنية، وصول إلى التكنولوجيا مقابل ولاء جيوسياسي”.
المصالح الاقتصادية أولًا..
وأشار إلى أن: “العنصر الاقتصادي يقف في أساس الزيارة”، لافتًا إلى أن “ترمب” يسّعى لعرض إنجازات اقتصادية ملموسة على الجمهور الأميركي؛ اتفاقيات بيع سلاح بقيمة عشرات، بل مئات المليارات من الدولارات، ووعود بالاستثمار في البُنية التحتية والتكنولوجيا الأميركية، وكذلك مبادرات للتعاون في مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي؛ (AI)، والابتكار الأمني.
بالنسبة إلى دول الخليج، وخصوصًا “السعودية”، يشرح “جوغنسكي” أن الزيارة تُمثّل خطوة تخدم: “رؤية 2030″، وهي مشروع ضخم للتحديث الاقتصادي والسياسي مدفوع برغبة في ترسيّخ الاستقرار السياسي على المدى الطويل وتقليص الاعتماد على عائدات النفط.
في المجال الأمني؛ رأى الكاتب أن دول الخليج تسعى لاستبدال التحالف التاريخي – القائم على مفهوم مرن: لـ”الالتزام الأميركي” – باتفاقيات رسمية ومُلزمة، بحسّب قوله.
وأوضح أن ذلك يهدف إلى: “محاولة ضمان أن تقف الولايات المتحدة إلى جانبها في حال وقوع مواجهة مع إيران، حتى لو أصبحت الكلفة السياسية لذلك في الساحة الأميركية أعلى”، مرجحًا أن تسَّفر الزيارة عن التزامات أمنية مؤقتة لا تتطلّب مصادقة “الكونغرس”.
المخاوف الإسرائيلية: النووي والتكنولوجيا..
وأقرّ بأنّ أحد: “المواضيع الأكثر حساسية المطروحة هو البرنامج السعودي للتعاون النووي مع الولايات المتحدة، فالسعودية تُطالب بالاعتراف بحقها في تخصّيب (اليورانيوم) داخل أراضيها، وهو مطلب يستّمد شرعيته من حقيقة أن إيران تفعل ذلك أيضًا”.
واعترف بأن منح ضوء أخضر أميركي لذلك قد يُشكل سابقة خطيرة، سواء من حيث المفاوضات مع “طهران” أو من حيث التحفيز لنشر تكنولوجيا نووية إضافية في الشرق الأوسط.
وأكد أن: “ارتفاع طلب دول الخليج على التكنولوجيا المتقدمة – بما في ذلك الوصول إلى “الذكاء الاصطناعي”، وأنظمة السايبر وتكنولوجيا المراقبة المتقدمة – يخلق ضغطًا أميركيًا لموازنة الرغبة في تعزيز الشراكات الإقليمية مع الحفاظ على التفوق النوعي العسكري الإسرائيلي”.
وكشف أن: “هذا التوازن، الذي كان في الماضي تقريبًا من المحرمات في الخطاب الأمني الأميركي، يخضع اليوم للتآكل، ولم يعد يُنظر إليه كخط أحمر”.
“إسرائيل تفقد مكانتها في الساحة السياسية الأميركية”..
وأكّد أن التركيبة الإقليمية المتغيَّرة تنطوي على إشارات واضحة بأن “إسرائيل” تفقد مكانتها الخاصة في الساحة السياسية الأميركية، وتُصبّح أكثر غموضًا في الساحة “السياسية-الدبلوماسية”.
وأشار إلى أن موضوع التطبيع بين “إسرائيل” و”السعودية”، الذي نوقش على نطاق واسع في الإدارة السابقة، يكاد يكون غائبًا تمامًا عن جدول أعمال الزيارة الحالية.
وكشف أن: “السعودية نفسها طلبت عدم طرح الموضوع علنًا، في ظل استمرار الحرب في غزة وموقف حكومة إسرائيل الرافض لمناقشة أفق سياسي لحل الصراع (الإسرائيلي-الفلسطيني)، بحسّب تقارير”، مشيرًا إلى أن “السعودية” ترى في: “حل الدولتين” شرطًا مسبَّقًا لتطوير العلاقات مع “إسرائيل”. في ظل هذا الوضع – لا توجد صفقة، ولا يوجد مسّار.
وبحسّب قوله: “علاقة الولايات المتحدة مع قطر تعكس أيضًا الفروقات مع إسرائيل. قطر، التي تُعد هدفًا لانتقادات إسرائيل بسبب علاقاتها مع (حماس)، تتمتع اليوم بمكانة شريك استراتيجي في واشنطن، وهذه العلاقات تعمّقت بالفعل في فترة إدارة بايدن، ولا توجد أي إشارة إلى أن ترمب يعتزم تغيّيرها، بل العكس”.
تقلّص التأثير الإسرائيلي..
وأقرّ بأن “إسرائيل” أمام واقع استراتيجي جديد، يتمثل في تقليص تأثيرها في صياغة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وتراجع مكانتها كعنصر مفضل، معتبرًا أن التقارب “الأميركي-السعودي”، الذي لم يُعدّ مشروطًا بالتقارب مع “إسرائيل”، يُشيّر إلى ذلك.
وأضاف: “في حين تضع السعودية نفسها كلاعب مركزي في إدارة المصالح الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة في المنطقة، تبقى إسرائيل إلى حدٍ كبير كـ”أصل” ذي قيمة رمزية، لا يُترجم حاليًا إلى تأثير سياسي حقيقي”.
وتابع: “حتى سياسة إسرائيل تجاه إيران – التي تدعو إلى التحرك النشط تجاهها – تتعارض مع مصالح دول الخليج، التي ترغب في الحفاظ على الاستقرار، وليس في المواجهة”.
لحظة اختبار لـ”إسرائيل”..
وخلص إلى أن إبعاد “إسرائيل” عن المركز واضح، وتساءل: هل حكومة إسرائيل منتبهة لذلك؟ هل هناك استعداد دبلوماسي استراتيجي للتعامل مع هذا الاتجاه؟ وإن لم يكن – فإن الأمر يتعلق بتفويت خطير للفرصة.
وختم: “في منظومة تحالفات متغيرة، ما لا يتم دفعه – يُنسى. ما لا يُسمع صداه – يُقصى إلى الهامش”، مؤكداً أن “زيارة ترامب القريبة إلى دول الخليج قد تكون لحظة اختبار، ليس فقط للسياسة الخارجية الأميركية فحسب، بل أيضاً لقدرة “إسرائيل” على التكيّف مع واقع جيو-سياسي جديد لم تعد فيه اللاعب المركزي الوحيد في الساحة”.