كتب – محمد بناية :
كان الإرهاب حتى وقت قريب عملية معقدة تحتاج إلى تخطيط واستعداد مسبق، وكان يتعين على الإرهابي الإلمام على الأقل بالفنون العسكرية، لكن الوضع الآن أصبح مختلفاً إذ يكفي الإرهابي لمهاجمة الأبرياء الحصول على رخصة قيادة وسيارة مستأجرة وسكين.
وبحسب الكاتب الصحافي “أحمد رأفت”، في صحيفة “كيهان لندن” الإيرانية، فالمرة الأولى التي استخدم فيها إرهابي مسلح شاحنة كبيرة للقيام بكارثة، كانت بتاريخ 14 تموز/يوليو في مدينة “نيس” الفرنسية، حيث دهس عدد من الأبرياء كانوا يحتفلون باليوم الوطني للجمهورية الفرنسية، ما أدى إلى وفاة 87 شخص وإصابة 302 آخرين. وكشفت التحريات أن الإرهابي تونسي الجنسية في الثلاثين من العمر واسمه “سلمان الهويج هلال”.
بعد ذلك تكرر الحادث في عدد من المدن الأوربية الأخرى. ففي الأسبوع الماضي فقط هاجم “عدنان” البالغ من العمر 33 عاماً، سيارة للدرك الفرنسي بالقرب من شارع الشانزلزيه. وقبل هذا الحادث بخمسة عشر ساعة دهست شاحنة المصلين بمسجد في منطقة “فينسبري بارك” بالعاصمة البريطانية وأسفر عن سقوط 7 قتلى و10 جرحى. وهذه المرة لم يكن قائد الشاحنة مسلم إرهابي، وإنما كان بريطاني مسيحي يُدعى “دارن اوسبورن” وهو أسم معروف لدى القيادات الشرطية. ولطالما اصطدم “دارن” البالغ من العمر 48 عاماً – من مواليد سنغابور – مراراً بالمسلمين في كارديف. وعند القبض عليه صرخ: “أريد قتل جميع المسلمين”.
الإرهاب أصبح ظاهرة بيتية يصعب السيطرة عليها..
هذا الأسلوب الذي اختاره الإرهابيون أثار قلق الكثيرين داخل الأجهزة الأمنية بالدول الأوربية. يقول خبير إيطالي – رفض الكشف عن اسمه لدواعي أمنية – في حوار مع الصحيفة الإيرانية، في مكافحة الإرهاب وعمل لسنوات كمستشار للأمم المتحدة: “كان الإرهاب ظاهرة معقدة ويحتاج إلى تنسيق وتدريب، واليوم تحول إلى ظاهرة بيتية يصعب السيطرة عليها ومواجهتها. إذ يكفي الحصول على رخصة قيادة وبطاقة ائتمان لاستئجار سيارة وقتل عدد من المارة الأبرياء بالشارع. ومن الواضح أنه لا يمكن مراقبة كل الحاصلين عن رخصة قيادة وبطاقة ائتمان”.
وقد دفع عدم التنسيق الإرهابيون في السنوات الأخيرة إلى القيام بعمليات إرهابية. يقول الخبير الإيطالي: “امكانية التعقب والنفوذ داخل الجماعات المتطرفة والتخريبية أمر شديد الصعوبة. ويندر دور الجماعات الإرهابية مثل “القاعدة” و”داعش” في العمليات الإرهابية الأخيرة. ويقتصر دورهم فقط على جذب المتطرفين عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن ثم تحفيزهم على القيام بعمليات إرهابية، وفي النهاية يعلنون مسؤوليتهم عن الحادث لكن دون أن يكون لهم أي دور في اختيار الهدف أو كيفية العمل أو حتى الإعداد”. وأردف: “كانت الجماعات الإرهابية تقوم في الماضي بتدريب من يختارون لعضويتها ثم تستخدمهم في عمليات خططت لها القيادات، لكن الوضع حالياً مختلف تماماً. إذ يتم تواصل الأفراد مع الجماعات الإرهابية عبر الشبكات الاجتماعية. ويقومون باقتراح العملية التي يريدون القيام بها وخططهم للعملية والاستعدادت، ويرسلون في بعض الحالات صوراً أو وصايا مصورة يعترفون خلالها بالمسؤولية عن العملية، بعدها يقومون بتنفيذ العملية بشكل فردي أو بصحبة مجموعة من الأفراد”.
جميع ملابساتها تصب في صالح الجماعات الإرهابية..
هذا الأسلوب يزيد من صعوبة تتبع الجماعات الإرهابية بحسب تصريحات الخبير الإيطالي لصحيفة “كيهان لندن”: “لأن الجماعات الإرهابية لن تضار في حال تم إلقاء القبض على هؤلاء الأفراد، لأن العلاقة من طرف واحد وبالتالي لن يكون بمقدور المقبوض عليهم إفشاء أسرار هذه الجماعات. من ناحية أخرى، تنعدم فرص العناصر الأمنية المعنية بمكافحة الإرهاب في منع هذه العمليات بسبب عدم التخطيط المسبق، لأنه لا يمكن مراقبة كل من لديهم ميول للتطرف أو لديهم احتمالات تطرف بشكل دائم”.
وحول العملية الأخيرة التي نفذها بريطاني مسيحي ضد المسلمين في منطقة “فينسبري بارك” يقول الخبير الإيطالي: “هذه عملية قام بها مسيحي ضد مجموعة من المسلمين مستخدماً أسلوب الإرهابيين الإسلاميين، وهذه الحرب المذهبية هي بالضبط ما تريده “داعش” و”القاعدة” والجماعات المشابهة”.