خاص : ترجمة – محمد بناية :
لم يقدم “ذبيح الله مجاهد”، المتحدث باسم حركة “طالبان”، إجابة واضحة وصريحة على سؤال (بي. بي. سي)؛ بشأن ما إذا كانت الحركة تمتلك مكتبًا في مدينة “مشهد” الإيرانية من عدمه، واكتفى بالقول: “لدينا اتصالات دبلوماسية مع دول كثيرة”.
وقد نفى مسؤولان أمنيين سابقين، في مدينة “هرات” على الحدود مع “إيران”، في تصريحات إلى (بي. بي. سي) الفارسية، علمهما بوجود مثل هذا المكتب، لكن أحدهما أكد: “إقامة الكثير من قيادات طالبان في الولايات المتاخمة للحدود الإيرانية بمدينة مشهد؛ أو على الأقل تعيش أسر هذه القيادات في مشهد”.
وبحسب هذا المسؤول الأمني السابق: “تتردد قيادات طالبان بشكل مستمر على مدينة مشهد؛ ويحظون بالكثير من الإمكانيات هناك”.
مجلس “طالبان” في مشهد..
طرح المسؤولون في “أفغانستان” والغرب، خلال العقود الأخيرة، الإدعاءات بشأن الدعم الإيراني لـ”طالبان”، بدءً من الدعم بالأموال والأسلحة وحتى تدريب الميليشيات المحسوبة على هذه الحركة.
وكانت “إيران” تنفي قديمًا كل هذه الإدعاءات، لكن أتضح حاليًا أن “إيران” إرتبطت وتفاوضت منذ فترة غير معلومة مع حركة “طالبان”. هذا الموضوع الذي أكده مسؤولون إيرانيون، خلال الأسابيع الأخيرة، وإن أكدوا علم الحكومة الأفغانية بهذه المفاوضات. بحسب موقع (بي. بي. سي) الناطق بالفارسية.
وفي تموز/يوليو 2012؛ كتبت صحيفة (ووال استريت غورنال) الأميركية، على لسان مسؤولون من “أفغانستان” والغرب: “أجازت طهران لحركة طالبان فتح مكتب في مدينة زاهدان جنوب شرق إيران، في المقابل كذبت إيران هذه الأخبار”. وبعد ثلاث سنوات أكدت نفس الصحيفة الأميركية؛ على لسان مسؤول أجنبي، وجود مكتب للحركة في مدينة “مشهد”. وقال هذا المسؤول: “تواجدت طالبان، على الأقل منذ أوائل نيسان/أبريل 2014، في مشهد”. ومذ ذاك ظهر في بعض وسائل الإعلام والمحافل الغربية، بشكل طفيف، اسم “مكتب طالبان في مشهد”. وهو المكتب الذي قالت عنه (ووال استريت غورنال) أنه يضاعف قدرة ونفوذ “طالبان” سريعًا، حتى أن بعض الدبلوماسيين الغربيين يذكره باسم “مجلس طالبان في مشهد”.
التواجد في القيادة وميدان الحرب..
يطلق مسمى “المجلس”، في قاموس “طالبان”، على المؤسسات القيادية. فالقيادة المركزية للحركة تُعرف باسم، “مجلس كويته”، والذي يرأسه الملا، “هبت الله آخوندزاده”، القائد الفعلي.
لكن يقول “آنتونیو غیوستاتسي”، الكاتب والباحث الإيطالي المقيم في لندن: “هيكل قيادة طالبان يتكون على الأقل من أربع مجالس: مجلس پيشاور، ومجلس ميران شاه، ومجلس الشمال ومجلس مشهد”. فضلاً عن مجلس “الملا محمد رسول”، وهو أول قيادي طالباني أنشق عن “طالبان”، عام 2015، بعد وفاة الملا، “محمد عمر”.
والسيد “غیوستاتسي”، (والذي أجرى تحقيقات كثيرة حول هيكل طالبان)، من جملة الشخصيات التي أشارت مرارًا في كتباتها إلى “مجلس مشهد”. يقول في المقالات والتقارير التي دونها بموجب الدراسات: “مجلس مشهد مسؤول عمليات طالبان في ولايات غرب أفغانستان، وسيطر بنهاية 2017؛ على حوالي 10% من قوات الحركة”. واستنادًا إلى تصريحات هذا الباحث: “لا يعترف مجلس مشهد بقيادة مجلس كويته، ويحظى بدعم إيران والحرس الثوري”.
وتعتمد معظم دراسات، “آنتونیو غیوستاتسي”، (حسبما يرد في هامش مقالاته)، على الحوارات مع عناصر رفيعة المستوى في “طالبان”.
وفي تحقيق آخر نشرته مؤسسة “ستراتفور” البحثية الاستخباراتية والجيوسياسية الأميركية، آذار/مارس 2018، ورد اسم “مجلس مشهد”، وبصور تتشابه نسبيًا مع ما أورد “غیوستاتسي”، عن “مجلس مشهد”.
هل إيران محل إقامة “طالبان” ؟
قبل حوالي شهرين كشفت حركة “طالبان” عن اعتقال شخصين باسم الملا، “سخي داد”، و”عبدالمالک فتحي”، وبحسب المتحدث باسم الحركة، فقد قاموا بتزوير التوقيعات وقدما نفسيهما كمندوبين عن الحركة وسافرا إلى عدة دول بالمنطقة؛ وبينها “إيران”. ولم يبدى المسؤولون في “أفغانستان” و”إيران” أي رد فعل على هذا الخبر.
ويعتقد الخبير السياسي الأفغاني، “وحيد مـﮊده”، موظف وزارة الخارجية الأفغانية في حكومة “طالبان”، لو أن لـ”طالبان” مجلس أو مكتب في “إيران”، لما استطاع هذان الشخصان السفر إلى “إيران” كمندوبين عن الحركة وأن يتم التعرف عليهما.
وأكد السيد “مـﮊده” على إقامة عائلات بعض عناصر “طالبان” في “إيران”، ويقول: “مؤخرًا انتقل بعض مسؤولي الجماعة مع عائلاتهم من باكستان إلى إيران، ونجحت قوات الأمن الباكستانية في القبض على بعضهم في الطريق”.
وكما أسلفنا؛ فقد أشار تقرير “غیوستاتسي” لانتقال أسر عدد من قيادات “طالبان” إلى “إيران”. وأدعى أن الملا، “هبت الله”، قائد “طالبان”، فر إلى “إيران” عام 2017؛ وظل هناك فترة، وذلك بسبب تصاعد حدة الاختلافات داخل “مجلس كويته”.
لكن “وحيد مـﮊده”؛ وصف انتشار التقارير المتعلقة بوجود مكتب أو مجلس للحركة في “مشهد”، بعلم “بعض الشبكات الاستخباراتية”، وسعى لإثبات حصول “طالبان” على دعم أجنبي كبير: “هذه الشبكات الاستخباراتية، ببثها مثل هذه التقارير، تريد تفسير فشل الحكومة الأفغانية والعسكريين الأجانب في مواجهة طالبان”.
ووصف تقارير وسائل الإعلام الغربية، بشأن هيكل حركة “طالبان”، بـ”المضللة”، ويقول: “تشكيلات هذه الحركة يشبه إلى حد كبير هيكل القيادة في نظام الجمهورية الإيرانية. حيث الزعيم على رأس هرم السلطة وكلامه هو بمثابة فصل الخطاب، ثم اللجنة المركزية التي هي العضد التنفيذي ومجلس العلماء سواءً في السلطة القضائية لطالبان أو في مؤسسات الرقابة لا تعتبر قرارات اللجنة المركزية مخالفة للشرع”.
سوابق علاقات إيران و”طالبان”..
كتبت صحيفة (التايمز) البريطانية، بتاريخ 2 حزيران/يونيو 2018: “أفضل مقاتلي طالبان يتدربون في إيران”. وأوضحت الصحيفة، نقلاً عن أحد قيادات “طالبان”: “تلقينا حوالي 500 – 600 شخص من كافة المستويات التدريبية. تدريبات مثل التكتيكات القتالية، ومهارات القيادة، وإجتذاب العناصر، واستخدام الأسلحة وصناعة القنابل. كل المدربين هم من القوات الإيرانية الخاصة، وعلمونا بشكل جيد جدًا”.
في المقابل؛ نفت “السفارة الإيرانية” في “كابل”، هذا الموضوع. وفي السنوات الأخيرة طرحت وسائل الإعلام الغربية والمسؤولين في “أفغانستان” والغرب إدعاءات مشابهة ضد “إيران”. وهناك ما لا يقل عن خمس حالات تحدثت عن زيارة وفود رفيعة المستوى من “طالبان” لـ”إيران”.
وقد أكدت “إيران” واحدة من هذه الزيارة. وطُرح أحد أهم الإدعاءات بشأن علاقات حكومة “إيران” مع “طالبان”، بعد مقتل الملا، “أختر منصور”، القائد السابق للحركة على الأراضي الباكستانية بالقرب من الحدود الإيرانية.
آنذاك قالت “باكستان”: “أنها عثرت على جواز سفر في موقع الهجوم الجوي على سيارة الملا، منصور، يثبت أنه كان عائدًا من زيارة إلى إيران استغرقت شهرين”. والآن يقول المسؤولون الإيرانيون إنهم أجروا مفاوضات حارة مع “طالبان” قبل فترة؛ وبعلم الحكومة الأفغانية، والهدف المساهمة في ملف السلام بـ”أفغانستان”.
وفي مقالة بعنوان (معرفة تعقيدات ملف السلام في أفغانستان)؛ يقول “ويني كاورا”، مدير مركز أبحاث السلام والأزمات: “اهتمام إيران بحركة طالبان نابع عن سببين رئيسين: الخوف من نفوذ (داعش)، وإثارة التحديات بالنسبة للإدارة الأميركية”.
الصداقة مع عدو العدو !
تتشكل حركة “طالبان”، بشكل رئيس، من مقاتلي “الباشتو”، وقياداتها المذهبية في يد الملالي والطلبة المتطرفين من أهل السُنة. لكن “آنتونیو غیوستاتسي”؛ في مقالته (أفغانستان: هيكل وتشكيلات طالبان)، المنشور في آب/أغسطس 2017، يؤكد إنضمام مئات “الطاغيك” و”الأزبك” و”الهزاره” و”البلوش” إلى “طالبان”، ومعظمهم يتبع، من حيث التشكيل، “مجلس الشمال” و”مجلس مشهد”.
وكتب كذلك: “في مجلسي مشهد وكويته؛ يمكن رؤية عناصر شيعية، وهو بالأساس من طائفة الهزاره”.
وأكد “وحيد مـﮊده”؛ على حالات وجود مقاتلوا “الهزاره” في صفوف “طالبان”، لكنه يعتقد أن هذا الوجود تراجع وكان في كثير من المحالات مؤقت وتكتيكي. وأضاف: “تسبب الخوف من نفوذ العدو المشترك، (أي داعش)، ببعض المناطق الأفغانية في إصطفاف المقاتلين الشيعية والميليشيات العسكرية المتطرف السُنية بصف واحد.