خاص : ترجمة – محمد بناية :
تفصلنا ثلاثة عشر يوماً على العام الفارسي الجديد.. وهذه الفترة تستدعي بالنسبة لكل مواطن إيراني مجموعة من الأعمال؛ مثل تنظيف البيت والتخطيط للرحلات وعمليات الشراء.
وبالنسبة للكثير من سكان “طهران” يتبلور مفهوم “عيد النوروز” في التجول على فراش الباعة الجائلين حتى لو لم تكن لديهم حاجة ملحة للشراء. ويفرش الباعة الجائلون بضاعتهم، التي تتنوع بين الملابس وأدوات تزيين مائدة “النوروز”، في بعض شوارع العاصمة.
لكن الآن لو تذهب مجموعة إلى تقاطع طرق، “ولي عصر”، وهو الأهم بالنسبة للباعة الجائلين، سوف تشعر بالتغيير لأن عناصر الشرطة والبلدية قامت بتنظيم وتركيز الباعة في قمسين من التقاطع.
ندفع 30 مليون طومان ضرائب ولا نستطيع فتح محلاتنا !
للمزيد من التعرف على هذه الأجواء؛ تقول “سوسن نوري”، مراسلة صحيفة (المبادرة) الإيرانية: “صعدنا السلم الكهربائي في نفق تقاطع (ولي عصر)، وفي وسط السلم لفت إنتباهنا عدم وجود باعة جائلين، لا شيء عن نداءاتهم ولا عن تجمعات الناس حول بضاعاتهم. وما أن وصلنا إلى نهاية السلم لاحظنا وقوف رجلي شرطة عند المدخل، وسألناهم عن سبب اختفاء الباعة الجائلين.. فقالا: «جمعناهم قبل يومين وأنزلناهم في سويقة على مسافة كيلومترات».
فإتخذت قراري بالدردشة مع بعض أصحاب المحلات لاستطلاع آرائهم بشأن هذا التغيير الكبير في مجال أعمالهم. وكانت البداية مع “محمود”، صاحب محل أحذية رجالي والذي قال: “لم ننعم بالهدوء منذ سنوات بسبب الباعة الجائلين؛ وكنا نشهد يومياً الكثير من المشاحنات، والضوضاء التي كانوا يسببونها تزيد من صعوبة عملنا. لم يكن الناس يهتمون للمحلات بسبب وجود الباعة الجائلين، بينما ندفع ضرائب سنوياً بقيمة 30 مليون طومان تقريباً”. وأضاف، وهو يشير إلى مدخل المحل: “أخيراً نجحنا في فتح محلاتنا لساعات، بينما لم يكن هذا الأمر ممكناً قبل الآن، فقد كانوا يسلبوننا هدوءنا. وأنا أعلم أنهم مجبرين على هكذا عمل بسبب المشاكل المالية، لكن ما ذنبنا حتى نتحملهم أمام محلاتنا منذ سنوات”.
في السياق ذاته؛ علق “فرزاد”، بائع ملابس رجالي، على موضوع جمع الباعة الجائلين قائلاً: “تأثرت أعمالنا بشدة بسبب فراش الباعة الجائلين، لأن الناس تفضل الشراء منهم على المحلات”.
يقومون بتحصيل مبالغ يومية منا ولا يوجد بيع أو تنظيم !
تستطرد مراسل صحيفة (المبادرة): “بعد ذلك وصلنا إلى شارع نُصبت على مدخله سقالة كبيرة وعليها بانر يشير إلى مكان تسكين الباعة الجائلين. وعلى مدخل الشارع يوجد شخص يلبس عروسة لإرشاد الجماهير، لكن كان الشارع خالي تقريباً، رغم وجود الباعة الجائلين. دخلنا السويقة وكانت الأوضاع غير مواتية والأجواء لا تشجع الناس على الدخول”.
تقول البائعة، “مريم”: “نُقلنا قبل خمسة أيام إلى هنا، لكن مبيعاتنا تراجعت، وهم يحصّلون منا على 30 ألف طومان في الليلة”. وعن الإنتقال يقول البائع، “محمد رضا”، وهو يدخن سيجارة: “الساعة الآن تشارف على الثانية ظهراً وما بعت أي شيء حتى الآن، بينما لم يكن الوضع كذلك حين كنا نفرش بضاعتنا في الشارع, وهم يقومون بتحصيل مبالغ مالية منا كل ليلة مقابل المكان؛ فأين التنظيم ؟!.. فالتنظيم يعني الترتيب وليس تقليل المبيعات وتحصيل الأموال”.
وشكا البائع؛ “نويد” قائلاً: “قلما يأتي مشتري، وهذا أدي إلى تراجع المبيعات. وأعتقد لو أنهم وضعوا خطة أخرى بالنسبة لنا لكان أفضل. وربما يأخذ الناس وقتاً حتى يأتوننا في هذا المكان الجديد، وبالتالي فالأمر يتطلب الصبر، لكن مشكلاتنا الاقتصادية كثيرة وهذا الأمر يفاقم أوضاعنا الاقتصادية الصعبة”.
خرجنا من الشارع لاستطلاع رأي المواطنيين في القرار، وسألنا “مهشيد”، الذي بدا متحيراً عن سبب وجوده؛ فأجاب: “جئت لأشتري كعادة كل عام بنطال جينز. وتجارب السنوات الماضية أثبتت أن الشراء من الباعة الجائلين يكون بأسعار معقولة وخيارات متنوعة، وهذا سبب كثافة أعداد الباعة الجائلين بالأماكن المناسبة، لاسيما في الأيام القليلة قبل بداية العام الجديد”. فأعطيناه عنوان مقر الباعة الجائلين الجديد؛ وسألناه كيف لا يعرف بالقرار، فأجاب مبتسماً: “لم أرى شيئاً يرشدني إلى مكان الباعة الجائلين. ولكن بالتأكيد سوف أذهب إلى هناك حتى لا أعود إلى المنزل خالي اليدين”.