في تحليل خطير وهام للقرار السعودي بخفض أسعار البترول في مواجهة سياسات الدول الكبرى، كتب رالف بيترز، المحلل الاستراتيجي وضابط المخابرات الحربية سابقاً، مقالاً تحليلياً نشرته صحيفة “نيويورك بوست” الأمريكية، تحت عنوان “حرب السعودية ضد إيران وروسيا”.
وقال في مستهل تحليله، إنّ سعر النفط هبط هذا الأسبوع إلى 60 دولارًا للبرميل، والغاز في محطة التعبئة المحلية وصل إلى 2.26 دولار للجالون، وهي أخبار جيدة تقريبًا لكل الأعمال والمستهلكين من الأفراد، لكنها أخبار سيئة لألد أعدائنا.
وأضاف أنه إذا بقي سعر البترول في الانخفاض خلال العام المقبل، سيؤثر على الحكومات المارقة، من الاتحاد الروسي إلى فنزويلا، والتي ستتدهور من آثاره الضارة المدمرة، في حين ستكون اقتصادات الغرب والصين هي الرابحة، فمع النفط الرخيص ربما تنتعش أسواق أوروبا.
وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية هي التي تقود الأسعار العالمية، حيث إنها المسيطرة على الأوبك.
وأضاف: “صحيح أن جزءًا من الإجراءات التي اتخذتها الرياض في صالح أمريكا الشمالية، إلا أن الدافع الأكبر هو كسر إرادة إيران”.
وأرجع “بيترز” السبب في ذلك إلى أن السعوديين يعتقدون أنهم لن يستطيعوا الاعتماد بعد الآن على احتواء الولايات المتحدة الأمريكية للبرنامج النووي، ومن ثم قرروا توقيع عقوبات من لدنّهم، مشيرًا إلى أن السعودية لن تبكي على العلاقات مع روسيا، حيث إنه ليس هناك حبا مفقودا بين السعوديين والروس، وإنما العكس، فالسعوديون يريدون رحيل نظام الأسد في سوريا، بينما تدافع موسكو عنه.
وأشار الكاتب إلى أن الإجراءات السعودية لها خاسرون ورابحون، في لعبة المصالح العالمية من وراء سياسات البترول. وتناول كل منهم على حدة على النحو التالي:
1-إيران
يرى الكاتب أن الخاسر الأكبر هو إيران، ورغم أن طهران تعلمت العيش مع العقوبات الغربية، لكن النفط هو شريان الحياة بالنسبة لها، ومن مصلحتها أن تبيع النفط ما بين 135 دولاراً و140 دولاراً للبرميل الواحد، حتى تستطيع استكمال مشاريعها النووية… فحظ سعيد للمرشد الأعلى!.
وأضاف أنّ هذا الإجراء سيدفع قادة إيران للرضوخ للضغوط وتقديم تنازلات أكبر فيما يتعلق بالأسلحة النووية، مؤكدًا أن هذه هي الفرصة الأخيرة للمفاوضات لتحقيق النتائج المأمولة.
2- روسيا
انهيار السعر لم يكن بذلك السوء في أي وقت مضى بالنسبة للرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، والذي يحتاج إلى وصول أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل لدعم اقتصاد الطوارئ في زمن الحرب، لاسيما وأن البترول والغاز يمثلان أكثر من ثلث ميزانية الدولة من الإيرادات كما أنها تمثل ثلثي حجم الصادرات الروسية.
وتراجع الأسعار سيؤدي إلى ضياع وعود بوتين بارتفاع مستويات المعيشة، لاسيما في ظل التكاليف الهائلة التي تتحملها حكومة روسيا في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا.
وأوجز الكاتب: “صحيح أن شعبية بوتين لازالت مرتفعة في الوقت الراهن، إلا أن تلك الشعبية مرهونة بتقدم الاقتصاد الروسي وانتعاشه، والذي سيتأثر بخفض أسعار النفط”.
3-العراق
العراق ليس لديه شيء آخر ليقدمه سوى البترول، وبغداد تحتاح تمويلاً كبيرًا لحربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ومن ثم فإن خفض الأسعار سيؤثر بالسلب على العراق ويؤدي إلى مزيد من الانهيار لاقتصادها.
وأشار الكاتب إلى أن السعودية لا تحب تنظيم الدولة الإسلامية، ولكنها أيضاً لا تتعاطف مع بغداد التي يسيطر عليها الشيعة وإيران.
4-الولايات المتحدة الأمريكية
رغم أن بعض اللاعبين في مجال الطاقة سيعانون من انخفاض الأسعار، وسنرى قريبًا موجة من اندماج الشركات، وأخبارًا عن انخفاض أسعار النفط الكبير للمستهلكين الأمريكيين والشركات التجارية، إلا أن الاقتصاد الأمريكي هو الرابح الأكبر.
صحيح أن الاستراتيجية السعودية ستضر الازدهار بصناعة الطاقة الأمريكية، مثل أعمال استخراج النفط الصخري في ولاية داكوتا الشمالية، إلا أنها لن تعرقل العمل، لاسيما وأن التأثير الكلي على الاقتصاد الأمريكي سيكون إيجابيًا.
ولعل أكبر فائدة هو أن خفض أسعار النفط سيفعل ما تفتقر إليه إدارة أوباما، وهو صفع ألد أعدائها (روسيا وإيران)، التي قد تضطر إلى التخلي عن أحلامها النووية والهيمنة على الشرق الأوسط.
وخلص الكاتب أنه يمكن القول بأن سياسة المملكة العربية السعودية، قد أنقذت سياسة الولايات المتحدة الخارجية الفاشلة.
5-الصين
الصين هي أكبر ثاني مستهلك للطاقة بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وتفتقر بشدة إلى احتياطي البترول، ومن ثم ستتمتع الصين حاليًا بتخفيض قيمته نصف تريليون دولار سنويًا على الصادرات، وبالتالي سينتعش اقتصادها بشدة من جراء الإجراء السعودي.
6-الهند
انخفاض تكاليف الطاقة والاستيراد جاءت بالنسبة لها في الوقت المناسب، حيث إن معدلات النمو مرتفعة، والتكاليف انخفضت بنسبة 60%، بينما تحتاج الهند أن تنفق على نطاق واسع لاستيراد ثلاثة أرباع النفط الذي تستهلكه.
انخفاض تكاليف الطاقة سيساعد نيودلهي على الحفاظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي، وإن كان بوتيرة أقل من العقد الماضي.
7-المكسيك
قبل عقد من الزمن، مثّل انهيار الأسعار دمارًا اقتصاديًا للمكسيك التي اعتمدت في ذلك الوقت على النفط كمصدر أساسي للدخل، ولكن التنويع، ورفع القيود والتعاقدات الذكية في الأسواق، ستجعل اقتصاد المكسيك لا يتأثر بانخفاض أسعار النفط.
ومع ذلك، إذا ظلت أسعار النفط في الانخفاض للسنوات المقبلة، سيعاني اقتصاد المكسيك، نظرًا لأن ثلث إيرادات الحكومة يأتي من مبيعات النفط، بينما تشكّل صادرات النفط حتى الآن 15% فقط من الصادرات.
8-كندا
الانخفاض الحاد في أسعار النفط تجعل استغلال قطران الرمال الكندية أقل جدوى، ولكن الاقتصاد المتنوع والقوي في كندا سيتجاوز تلك الأزمة، حيث إن فقدان صناعة واحدة هي كسب لصناعات أخرى.
9-فنزويلا
حتى قبل تحطم أسعار النفط، يواجه اقتصاد فنزويلا مشاكل، ونقص في العديد من السلع بما في ذلك ورق التواليت، والطحين والحليب والحفاضات، مع هروب رأس المال، والمحسوبية الحزبية، والرقابة غير المحكمة على الأسعار والفساد الهائل الذي يصادف دائمًا اليوتوبيا اليسارية.
كما أن نيكولاس مادورو وريث “الرؤية الشافيزية”، نسبة إلى الرئيس الراحل هوغو شافيز، يفتقر إلى الكفاءة مثل معلمه، وكذلك يفتقر إلى الكاريزما، وإذا بقيت أسعار النفط في الانخفاض، فإن الحكومة في كراكاس ستتراجع شعبيتها، ومن ثم ستضطر لإعادة بناء الاقتصاد مرة أخرى في عملية قد تستغرق عقودا.
10- البرازيل
مع أنشطة الاقتصاد المتنوعة يستطيع اقتصاد البرازيل مواجهة فقدان عائدات النفط، لكن الحكومة الاشتراكية الحالية منشغلة بمكافحة المخدرات والبرامج الاجتماعية لحماية الاقتصاد من آثار الفساد المستشري، في حين أن صناعة الطاقة في البلاد أصبحت في حالة من الفوضى.
البرازيل ستتجاوز الأزمة، ولكنها لن تزدهر، إذا ظلت أسعار النفط منخفضة.
11- نيجيريا
في ظل جهود الإصلاح المتعثرة، وهيجان حركة “بوكو حرام” في الشمال، تواجه نيجيريا الآن أزمة ميزانية تلوح في الأفق. نيجيريا هي أكبر تعداد سكان في أفريقيا، والنفط هو أنبوب الحياة لأن ثلاثة أرباع الإيرادات الحكومية وثلث الاقتصاد و90% من الصادرات تقوم على تدفق النفط، وانهيار الأسعار يمثل خبرًا مرعبًا بالنسبة لهذا البلد.