تقدمه “اعتماد” الإيرانية .. تحليل اجتماعي لواقعة المطار !

تقدمه “اعتماد” الإيرانية .. تحليل اجتماعي لواقعة المطار !

خاص: ترجمة- د. محمد بناية:

أنا أرجع بالعادة الكتابة عن المشاكل الاجتماعية، لكن لا مفر عن مناقشة القضايا السياسية لأنها هامة ومصيرية. بحسّب تقرير “عباس عبدي”؛ المنشور بصحيفة (اعتماد) الإيرانية.

وقد تسبب نشر خبرين هامين على مدار الأيام الماضية، في تهيئة الفرصة لمناقشة القضايا الاجتماعية؛ وإن كانت نتائجها في النهاية سياسية. الأول: احتجاز عصابة من رجلين وامرأة، أسرة بالكامل مكونة من (09) أفراد في منزلهم مدة (29) شهرًا بمدينة “رشت”؛ مركز محافظة “جيلان” شمالي “إيران”.

والثاني: فيديو سيدة في “مطار مهر آباد”، حيث انتزعت سيدة إيرانية عمامة رجل دين وارتدائها كغطاء للرأس.

خبر غير مقبول..

وبالنسبة للحادثة الأولى؛ فإن أهم ما يمكن قوله: كيف حدث ذلك ؟ ولماذا يُنشر الخبر الآن ؟.. وأنا لم أقصد القول إن تفاصيل الخبر الرسمي غير صحيحة ومغايرة للواقع، لكن القبول بالخبر بهذا القدر من التفاصيل، لا يمكن أن يكون معقولًا إذ يرفضه العقل السليم.

وإن كان صحيحًا فإننا بصدد مجتمع ضعيف وعاجز بشدة، بحيث يقع هذا الحادث المثير للعجب. وعليه لماذا هذا الخبر غير مقبول ؟.. ببساطة لأننا لا نملك نظام إعلامي مستقل، يمكن أن يمدّنا بأخبار بهذا الشأن. والإعلام الرسمي وإن محترمًا لكن كي يكون مقبولًا من منظور المخاطب يجب أن يقترن بتقارير موثوقة.

والتقارير التي ينشرها صحافيون مستقلون، تبحث في جميع جوانب الواقعة وتجيب على كل الأسئلة الممكنة. لكن نتيجة عدم توفر هذه التقارير يتعذر قبول الرواية الرسمية حتى إشعار آخر. لأن الروايات الرسمية وتفاصيلها يُلفها الكثير من الغموض، وإزالته تتطلب تقديم توضيحات وتحاليل مفصلة، وفي حال كانت الرواية صحيحة فالنتيجة أننا نواجه اضطراب اجتماعي وإداري حاد، لم يكن متصورًا بالنسبة لنا.

عدم وجود وسائل إعلام مستقلة..

وانعدام وسائل الإعلام الموثوقة والمستقلة وإمكانية الوصول بحرية إلى المعلومات سبب أزمات عميقة. لكن الحادث الثاني أكثر وضوحًا وكذلك أبعاده.

وفي البداية علينا أن نرى الفيديو عن كيفية تعامل سيدة مع رجل دين، ذلك الفيديو الذي صوره مواطنون، إذ أن الفيديو الرسمي من كاميرات المطار يوضح أن المرأة كانت تجلس قبل مرحلة خطف العمامة، والشجار مع زوجها وتلقي صفعة قوية، إلى جوار رجل الدين، الذي غادرها دون أن حوارات، ثم بعد تخطي أجزاء من الفيديو، تظهر المرأة وهي تخطب عمامة رجل الدين وتستعملها كغطاء للرأس.

والرواية الأولية دارت حول مسألة الحجاب ولباس الناس، لكن الفيديو الكامل يثبَّت عدم ارتباط المسألة على الأقل بالحجاب، أو وجود شيء في الفيديو لم يُرى. الملاحظة الأخرى أن رجل الدين بدا خارج القضية تمامًا. لكن ما أسباب سلوك هذه السيدة ؟.. قيل إنها مشكلة نفسية.

وعلى فرض ذلك، لماذا انتزعت عمامة رجل الدين؟ لماذا لم تستخدم وشاحها هي ؟ أو لماذا لم ترفع وشاح أحد آخر ؟ أو لماذا تريد بالأساس أن تضع شيئًا على رأسها ؟

قضية الحجاب..

الطريف في القصة أن رجل الدين كان صامتًا تمامًا وتنحي عن السيدة دون إبداء أي رد فعل، وحتى بعد انتزعت عمامته لم يسعى لاستعادتها، وكذلك طريقة تعامل الناس أو الرأي العام وحتى نظام الإعلام الرسمي. ولدحض الرواية غير الرسمية، نشر موقع (رواديد) الفيديو؛ (غير كامل بالطبع)، وذلك ليثبتوا عدم تورط رجل الدين في القصة.

لكن انتهى الأمر سريعًا بالتصالح وعدم الشكوى ؟ إذ يندرج جزء من تصرفات المرأة على الأقل تحت بند الجرائم العامة. وحتى لو كانت بالفعل تعاني اضطرابًا نفسيًا، فلا بد أن تضطلع المحكمة بتوضيح ذلك، لكن كيف تم حل كل شيء فجأة ؟

لذلك فالرواية الأولية غير الرسمية أكثر توقعًا، وهي أن القضية كانت تتعلق بالحجاب، وربما ترتبط برجل الدين الذي ظهر في الفيديو، لكن الرواية الرسمية أثبتها الفيديو؛ والتي من المرجح أن تكون صحيحة، تنطوي على أبعاد مهمة عن الواقع الاجتماعي في “إيران” ومكانة رجال الدين.

ذلك أن عصيبة المرأة أو وجود مشكلة نفسية قضية، لكن كيفية تعاملها مع رجل الدين قضية أخرى هامة تتطلب إجابة. وهذا حال ومستقبل فئة كانت في مرحلة ما بالصفوف الأولى للمظاهرات. وكما كانت تميزهم في الثورة هو قوة تلك الحركة السياسية، فقد تحولوا الآن إلى نقطة ضعفها. وهذه السلوكيات هى إجابة اجتماعية على السياسات الرسمية ومنها دوريات الأخلاق. وتصوروا للحظة أن رجل الدين لم يتمكن من السيطرة على نفسه، ربما كانت الرواية الرسمية لتكون مجبرة على تبنى نهج آخر، ولدار الحديث عن تورط أيادي أجنبية. فهل نتعامل بهذا الضعف في التعامل مع قضايا ومشاكل تطبيق السياسات الرسمية بما في ذلك تعليق قانون الحجاب؟ لا يمكن حتى الاقتراب من ذلك، ناهيك عن تنفيذه ومواصلته.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة