خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
انتشرت السرقات العجيبة والغربية في المجتمع الإيراني على نطاقٍ واسع. وأغلب هذه السرقات تكون لأشياء تبدو بلا قيمة في الظاهر ولا تُمثل قيمة اقتصادية كبيرة بالنسبة للناس؛ من مثل سرقة معدية السيارات وأبواب الكراجات المنزلية وغيرها.
هذه السرقات تُثير تعجب المواطنين؛ ناهيك عن الشعور بعدم الأمن. إن سرقات أغطية البالوعات والصرف الصحي، وكابلات الكهرباء، ومقابض الأبواب، وغطاء إطار السيارة، ولوحات البلدية، ومطبات الشوارع الحديدية، بل وحتى الأشجار المزروعة حديثًا (!!).. ويقول البعض أن الظاهرة منتشرة حاليًا في “طهران” وبعض المحافظات الأخرى؛ بحسب تقرير “یگانه شـوق الشـعراء”، في صحيفة (آفتاب يزد) الإيرانية الإصلاحية.
ووفق التقارير لا يهدف من يقومون بمثل هذه السرقات إلى تحقيق أرباح اقتصادية، ولكن فقط توفير طعام العشاء، ولذلك يقضون النهار في القيام بهذه السرقات لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وهناك من يقول: إن من يقومون بهذه السرقات في حاجة إلى تلك المسروقات؛ مثلًا تجد شخصًا يُريد بناء منزله؛ لكنه لا يمتلك القدرة على شراء متطلبات البناء، ولذلك يلجأ إلى سرقة أشياء مثل مقابض الأبواب ومعديات السيارات.
على كل حال أيًا كان الهدف؛ تُهدد هذه السرقات حيوات المواطنين. من ناحية أخرى، نوعية المسروقات تتسبب في تضييع وقت المواطنين وتُعرقل أسلوب حيواتهم اليومية. لكن مثل هذه السرقات تؤشر إلى ارتفاع معدلات الفقر الشديد بين أبناء الشعب.
توفير متطلبات الحياة اليومية..
“عليرضا شريفي يزدي”؛ خبير علم النفس الاجتماعي: “قبل فترة كان أحد القيادات الشرطية قد أعلن أن نسبة: 50% من المقبوض عليهم العام الماضي؛ ليس لهم سوابق. وحين نواجه مثل هذه الظاهرة الكبيرة، فإن الرسالة الأساسية هي أن المشكلات الاقتصادية والمعيشية في إيران من أكبر دوافع هذه السرقات التي قد تتنوع بين السيارات، وخدمات البلدية، والمنازل، وقد تمتد إلى أموال وزارة الطاقة، والاتصالات وغيرها”.
مضيفًا: وقد يتعرض الكثيرون إلى تهديدات حقيقة بسبب هذه السرقات الصغيرة. ورغم انعدام قيمة هذه المسروقات، لكنهم على كل حال يبيعون هذه الأشياء بمبالغ بسيطة. وحين يكون الجزء الأكبر من السارقين بدون سوابق؛ فالطبيعي أن تكون السرقات بهذا النوع من البساطة. وكان الأمر يقتصر في السباق على معتادي الإجرام، لكن حاليًا يُقدم من يُعانون مشكلة في توفير متطلبات المعيشة اليومية على مثل هذه السرقات.
تأمين لقمة العيش..
يُعلق “أمير محمود حریرچي”؛ خبير علم الاجتماع، بالقول: “هذا الأسلوب يهدف إلى توفير لقمة العيش (!!)، وهذا جزء من الفقر المؤسف المنتشر في مجتمعنا ويُبرز من تحت اللباس والحجاب الذي تسعى القيادة إلى فرضه على الناس”.
لافتًا: نحن نتصور أن هذه السرقات لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، ولكن هذه السرقات بالنسبة لمن يحتاج توفير طعام العشاء تعني الاستمرار مدة يوم آخر على قيد الحياة. هذا النوع من السرقات ينطوي على مخاطر أقل بالنسبة للسارق، إذ تزداد فرص القبض على السارق في الجرائم الكبيرة. وفي الغالب يُقدم الشباب على هذه النوعية من السرقات، وكانوا قديمًا يسرقون غطاء إطار السيارة، لكن اكتسبت هذه السرقات تنوعًا كبيرًا بالوقت الحالي.
ومعلوم أن الفقر في أي مجتمع يُعبر عن نفسه بأشكال مختلفة، أحدها اتساع نطاق مثل هذه السرقات. والمؤكد أن انتشار هذه الظاهرة في المجتمع سيؤدي إلى تبعات كبيرة، ومن يقومون بهذه السرقات الصغيرة سوف يقومون مستقبلًا بسرقات أكبر.
وبالتالي ترتبط السرقات الصغيرة بالفقر، وقد ساهمت سهولة هذه السرقات في انتشارها. وبالنسبة لشخص محتاج فإن سرقة الأشجار المزروعة حديثًا قد تنطوي على جوانب حياتية حتى يتسنى له إشباع نفسه وأسرته.
أضرار منهجية..
بدوره؛ يقول “سعيد مدني”، الأستاذ الجامعي وخبير علم الاجتماع: “هذه الظاهرة تُثبت التراجع المجتمعي الشديد. يعني في الحقيقة وصل المجتمع إلى مرحلة من الإنهيار الاقتصادي، بحيث ينتشر مثل هذا النوع من السرقات على نطاق واسع. وبالعادة تُفضي هذه السرقات عن أضرار اجتماعية ممنهجة. على سبيل المثال من المحتمل أن يقوم المدمن بأي شيء للحصول على المخدرات. وعليه تكون هذه الجرائم ممنهجة، وحين ينهار الاقتصاد المجتمعي تنتشر الجرائم الصغيرة، ولذلك تنتشر في المجتمع الإيراني مثل هذه السرقات فقط لتلبية الاحتياجات اليومية. وحين يُعاين المجتمع من البطالة وانعدام المعايير، تختفي الأخلاق من المجتمع، ومن ثم لا يخجل الفرد من سرقة أدوات بلا قيمة”.