خاص: كتبت- نشوى الحفني:
أثار الاعتداء الإسرائيلي بتفجير آلاف أجهزة (البيجرز) وأجهزة الاتصالات على مدار يومين في “لبنان” و”سورية”، والذي أسفر عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف، اهتمام وسائل الإعلام العالمية لمحاولة إزالة الغموض حوله.
وهو الأمر الذي دفع موقع (ديلى ميل) إلى السؤال هل يمكن تفخيخ أجهزة الهاتف المحمول والـ (لاب توب) في إطار “هجوم سيبراني متطور للغاية ؟” وسط قلق على مواقع التواصل الاجتماعي أن تكون الهواتف الذكية هي الهدف المقبل؛ وتُصبح مثل القنبلة الموقوتة في يد مليارات البشر.
ما هي أجهزة “البيجرز” ؟
و(البيجر) هو جهاز اتصالات لاسلكي يستقبل ويعرض رسائل أبجدية رقمية مشفرة مثل رقم الهاتف الذي يجب على الشخص الذي يحمل الجهاز الاتصال به، ويتم بث الرسائل بموجات راديو عبر تردد معين، وتم استخدام أجهزة النداء على نطاقٍ واسع في التسعينيات، ولا تزال تُستخدم من قبل بعض خدمات الطواريء وموظفي السلامة العامة.
يُعتقد على نطاقٍ واسع أن أجهزة النداء تم تفخيخها بواسطة أفراد من الاستخبارات الإسرائيلية بالمتفجرات في حين أكدت تقارير أن اختراقًا إلكترونيًا من قبل “إسرائيل” تسبب في ارتفاع درجة حرارة البطارية وحدث احتراق مفاجيء؛ (بدون استخدام متفجرات)، وهو ما يستبعده خبراء عسكريون ومتفجرات. بحسب مزاعم الموقع البريطاني.
الدكتور “لوكاس أوليغنيك”؛ زميل الأبحاث الزائر في قسم دراسات الحرب في كلية (كينغز لندن)، يصف النظرية التي تغمر وسائل التواصل الاجتماعي بأن اختراقًا إلكترونيًا تسبب في ارتفاع درجة حرارة البطارية واحتراقها – بدون أي متفجرات مزروعة – بأنها: “غير محتملة”.
ويزعم “د. أوليغنيك”، أن هذا السيناريو نادر للغاية وأنه: “ليس من الممكن أن تنفجر أي أجهزة إلكترونية على أساس شائع”، وأوضح أن أجهزة النداء الآلى مثل (البيجرز) أصبحت الآن تقنية: “متخصصة” لا تزال مفيدة في حالات الطواريء أو للحد من خطر التنصت أو التتبع، بينما أغلب الهواتف الذكية الحديثة مصممة بطرق تجعل العبث بها أمرًا صعبًا للغاية أو مستحيلاً تقريبًا”.
وأظهرت صور الانفجارات بقايا أجهزة النداء المنفجرة التي تحمل علامة (Gold Apollo)، وهي شركة تصنيع أجهزة (البيجرز) التايوانية، التي أكدت بدورها إنها رخصت علامتها التجارية لشركة في “بودابست”؛ تُدعى (BAC Consulting)، ولم تُشارك في إنتاج الأجهزة.
تلاعب بأجهزة الإرسال..
وقال “نيكولاس ريس”؛ الباحث في مجال الكمبيوتر بجامعة (نيويورك): “من الصعب أن نتخيل أن الشركة المصنعة كانت مشاركًا نشطًا”، بسبب التأثيرات المحتملة على أعمالهم، مستدركًا، أن “إسرائيل” تمكنت من الوصول بوضوح للأجهزة وزرعت المتفجرات ثم أعادت تغليفها.
وبالنسبة للهواتف الذكية؛ أكد “ريس”، أن تخريب أجهزة المحمول سيكون أكثر صعوبة، حيث ستكون هناك حاجة إلى مساحة كافية داخل الهاتف الذكي لزرع المتفجرات، وهو أمر غير مُرجّح لأنها صعب فتحها وإغلاقها بطريقة لا تؤثر على الهاتف أو لا يمكن اكتشافها وتتمتع شركة (Apple) بشكلٍ خاص بنظام قوي لإدارة سلاسل التوريد، يصعب اختراقه.
ويؤكد الخبراء أنه فى مكان ما على طول سلسلة التوريد؛ قبل أن يستلمها الحزب، تم زرع متفجرات وزنها نحو (03) غرامات وجهاز تفجير في أجهزة الاتصالات ما أدى إلى حدوث انفجارات متزامنة.
ويشرح “جوزيف غورنيت”؛ أستاذ الهندسة الكهربائية والحاسوبية في جامعة (نورث إيسترن)، أن أجهزة النداء تم التلاعب بها بحيث تنفجر عند تلقي رسالة معينة.
كما أضافوا متفجرات صغيرة بجوار البطارية؛ بحيث لا يكون رد الفعل مجرد انفجار البطارية، بل سيكون انفجار أجهزة النداء نفسها.
ويعتقد “إليغاه ماغنييه”؛ محلل للمخاطر السياسية فى “بروكسل”، أن أجهزة النداء المفخخة صممت بآلية تشغيل، ثم تم إرسال رسالة خطأ إلى الأجهزة لتهتز، ما دفع المستخدمين إلى الضغط على الأزرار لإسكاتها – ومن ثم انفجرت.
فيما يُجزم “ن. ر. غينزن جونز”؛ الخبير في الأسلحة العسكرية ومدير خدمات أبحاث التسلح في “أستراليا”، أن الأجهزة المتفجرة تم دمجها في أجهزة النداء في وقتٍ مبكر وليس أثناء النقل.
ووصف “هارغيندر سينغ لالي”؛ مدير مركز الأمن السيبراني بجامعة (وارويك)، الهجوم بأنه: “هجوم تجسس متطور غير مسّبوق له تداعيات خطيرة”.
تُشعل مخاوف حروب سلاسل توريد الأجهزة الإلكترونية..
وذكرت مجلة (بوليتيكو) الأميركية؛ أن تفجير أجهزة (البيجرز) في الشرق الأوسط قد تُشعل المخاوف من ما اسمته “حروب سلاسل توريد الأجهزة الإلكترونية”.
وأضافت المجلة؛ إن الهجمات على الأجهزة اللاسلكية المملوكة لـ (حزب الله)؛ في “لبنان وسورية”، تُزيد من المخاوف بشأن الطرق التي يمكن بها المسّاس بسلسلة توريد الإلكترونيات العالمية – والمخاطر التي تتعرض لها الشركات العاملة في البلدان المعادية.
وفي قلب هذه العملية شركة (B.A.C. Consulting)؛ ومقرها “بودابست”، بـ”المجر”، والتي تعمل ظاهريًا كمزود تكنولوجي شرعي، ولكن ورد أنها كانت شركة تُسيّطر عليها الحكومة الإسرائيلية سرًا، وفقًا لتقارير من صحيفة (نيويورك تايمز).
ولكن سواء تم العبث بالأجهزة أو اختراقها منذ البداية؛ حتى احتمال إدخال المتفجرات أثناء التصنيع أو النقل قد يدفع الشركات إلى إعادة النظر فيما إذا كانت خطوط التوريد ومرافقها آمنة.
وقال “بيل رينش”؛ المسؤول السابق في “وزارة التجارة” الأميركية، إن الهجوم من المُرجّح أن: “يخلق درجة من الذعر في القطاع الخاص”.
فيما أكدت الحكومة المجرية أن شركة (B.A.C. Consulting): “ليس لديها موقع تصنيع أو تشغيل في المجر”، وأن: “الأجهزة المشُّار إليها لم تكن في المجر قط”.
ويُضيف “دميتري ألبيروفيتش”؛ رئيس مركز الأبحاث الجيوسياسية فى “واشنطن”، أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كانت قادرة على تعديل عملية التصنيع للشحنات المحددة الموجهة إلى (حزب الله)، ما يُثير تساؤلات بشأن كيفية تمكن هذه المنتجات المعدلة من المرور عبر الحدود الدولية والوصول إلى (حزب الله) في “لبنان وسورية” دون اكتشافها – ما يكشف عن نقاط ضعف صارخة فى النموذج الحالي لشراء التكنولوجيا وتصنيعها.
تحول عالمي في ديناميات المعركة..
وقال الخبراء لمجلة (نيوزويك) الأميركية؛ إن العملية المنسُّقة تؤكد تحولاً عالميًا في ديناميات المعركة، حيث تُفسح التكتيكات التقليدية المجال بشكلٍ متزايد للتقنيات المتقدمة مثل الأجهزة المتفجرة، والطائرات دون طيار الانتحارية التي تعمل بـ”الذكاء الاصطناعي”، وغالبًا ما تستفيد من الإلكترونيات الاستهلاكية المتوفرة بسهولة عبر الإنترنت.
اتجاه نحو العمليات السيبرانية والسرية..
ومع تركيز الدول الآن؛ على شل الأنظمة الرقمية والإلكترونية لأعدائها بدل الاعتماد فقط على التكتيكات العسكرية التقليدية، قال المحلل في شؤون الدفاع؛ “حمزة عطار”، إن الحرب الحديثة تبتعد عن ساحات القتال التقليدية وتتجه نحو العمليات السيبرانية والسرية.
وأكد لـ (نيوزويك)؛ أن: “إسرائيل تحشر (حزب الله) في الزاوية، بحيث لا يستطيع حتى تأمين عملياته الخاصة. ورغم أن الحزب معروف بوعيه السيبراني، فإن هذا الوضع يرسل رسالة معاكسة إلى مؤيديه”. بحسب مزاعمه.
وأشار إلى أنه: “في لبنان، حيث تعني أزمة الكهرباء الاعتماد على الأجهزة التي تعمل بالبطاريات، بات الناس الآن أكثر حذرًا، من أي وقتٍ مضى”.
وأكد الضعف المتزايد في البُنى التحتية المدنية أمام الهجمات الإلكترونية المتطورة. وقال إن أي هجوم إلكتروني متقدم ومنسُّق على السيارات، أو الطائرات، يمكن أن يؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة في غضون ثوان، حيث تدمج هذه الأنظمة بشكل متزايد مع أدوات التحكم الرقمية التي يمكن اختراقها.
اختراق أجهزة طائرة..
وأضاف: “إذا نجح قراصنة في اختراق أجهزة طائرة، فإننا سنواجه كارثة عالمية، مع سقوط الطائرات من السماء. إنها فكرة مرعبة، لكني باعتباري باحثًا، توقعت ذلك منذ وقتٍ بعيد. ومع انتشار الأجهزة المحمولة والرقائق في كل مكان، فإن لدينا هجمات أكثر مما لدينا دفاعات”.
نقاط ضعف رئيسة في الحرب الحديثة !
ومع تعرض خطوط إمداد (حزب الله) للخطر والشكوك في معداته الإلكترونية؛ فإن هجوم هذا الأسبوع سلط الضوء على نقطة ضعف رئيسة في الحرب الحديثة، هي الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية الطويلة وغير المترابطة. ويعني هذا التعقيد المتزايد، أن المزيد من الكيانات تُشارك في سلاسل التوريد عبر المزيد من المواقع، ما يجعل الرقابة والمساءلة أكثر صعوبة.
إن العملية الاستخباراتية الأخيرة التي نفذتها “إسرائيل” ضد (حزب الله)، أحدث مثال على إعادة تشكيل التكنولوجيا المُسّيرة لساحة المعركة.
استخدام “الذكاء الاصطناعي”..
وفي 2020؛ استخدمت “إسرائيل” روبوتًا مدعومًا بـ”الذكاء الاصطناعي”، تتحكم فيه عن بُعد عبر الأقمار الاصطناعية، لاغتيال أكبر عالم نووي إيراني. كما استخدمت “إسرائيل” وحلفاؤها الحرب السيبرانية لعرقلة جهود التطور النووي الإيراني.
وكان تطوير هذه القوة القاتلة واضحًا على نحوٍ خاص في حرب “أوكرانيا” ضد “روسيا”، حيث وفرت ساحة اختبار حقيقية لتكنولوجيا المُسّيرات. وعمدت القوات الأوكرانية إلى استخدام المُسيّرات على نطاق واسع لتعويض التفوق الجوي الروسي، حيث استخدمت طائرات انتحارية دون طيار بحمولات من الثرمايت التي حولتها إلى قاذفات لهب. كما استخدمت “روسيا” أسطولها من الطائرات دون طيار على الخطوط الأمامية.
وعلى نحوٍ مماثل؛ في “غزة”، استخدمت (حماس) مُسيّراتها التي زودتها بها “إيران”، لإسقاط القنابل اليدوية على الدبابات الإسرائيلية، وتدميرها من أعلى بأقل التكاليف.