وكالات- كتابات:
قال قائد “القيادة المركزية الأميركية” السابق؛ الجنرال “كينيث ماكينزي”، إن أي تقيّيم لمستقبل الشرق الأوسط لابد أن يتعامل مع حقيقة أن “إيران”: “ستظل مُلتزمة بأهداف تُهدد المنطقة ومصالح الولايات المتحدة”، متحدثًا عن ما وصفها: بـ”الدروس المسُّتفادة” من اغتيال القائد السابق لـ (فيلق القدس) في (الحرس الثوري) الإيراني؛ “قاسم سليماني”، في “بغداد”.
وفي تقريرٍ مطول نشرته مجلة (ذا آتلانتك) الأميركية، تحدث “ماكينزي” عن كواليس اغتيال؛ الفريق “قاسم سليماني”، ومعلومات تنُشر لأول مرة عن هذه الغارة.
وأشار “ماكينزي” في التقرير، الذي تضمن معلومات منشورة في كتابه الجديد (نقطة الانصهار: القيادة العُليا والحرب في القرن الحادي والعشرين)، إلى السياسة الأميركية الحالية، التي اعتبر أنها: “لا تتماشى مع الحقيقة”، لافتًا إلى أن: “القدرات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط تراجعت بشكلٍ مطرد، ما شجع إيران، التي تَعزَز نفوذها مع تراجع الدعم الدولي لإسرائيل، كما أن رغبة واشنطن الواضحة في الانسّحاب من المنطقة أدت إلى تقويض علاقاتنا مع حلفائنا”.
كما لفت إلى نمو ترسانة “طهران” من الصواريخ (الباليستية)، وأنظمة الدفاع الجوي، وتحسّن تكنولوجيا الطائرات بدون طيار الخاصة بها.
اغتيال سليماني “درس” لإيران !
ومضى الجنرال الأميركي المتقاعد يقول؛ إن: “التاريخ الحديث يُظهر أن الوجود الأميركي القوي في الشرق الأوسط يؤدي إلى ردع إيران.. وبصّفتي قائدًا؛ (سابقًا)، للقيادة المركزية الأميركية، كنت أتحمل المسؤولية العملياتية المباشرة عن الضربة التي أدت إلى اغتيال (الجنرال الإيراني) قاسم سليماني، المسؤول عن مئات الضحايا من أفراد الخدمة الأميركية”.
ولفت إلى أن “طهران”: “كانت حينها قد بدأت في التشّكيك في إرادة الولايات المتحدة، وهو ما أثبتته الضربة التي استهدفت سليماني، إذ أجبر الهجوم، الذي وقع أوائل 2020، قادة طهران على إعادة النظر في تصّعيدهم الذي كان مستمرًا منذ أشهر ضد القوات الأميركية، وهو ما أدى إلى إنقاذ العديد من الأرواح”.
ووفقًا لـ”ماكينزي”؛ فإن: “الوضع في إيران تغيّر الآن، لكن ضربة سليماني تقُّدم درسًا لم يتم الإلتفات إليه، على الرُغم من أن طهران قد تبدو غير قابلة للتنبؤ بتصرفاتها في بعض الأحيان، فإنها تحترم القوة الأميركية وتسّتجيب للردع”.
واعتبر أنه: “عندما تنسّحب أميركا، فإن إيران تتقدم، وعندما نثُّبت وجودنا في المخاطر والاستعداد لكل الاحتمالات، فإنها تتراجع”، وأرى أن اغتيال “سليماني” يُعد: “دليلاً على هذه القاعدة التي ينبغي أن توجه سياستنا المستقبلية في الشرق الأوسط”.
صعود “سليماني” في “الحرس الثوري”..
وسّرد “ماكينزي” في التقرير؛ تفاصيل كواليس الضربة التي أدت إلى اغتيال “سليماني”، مشيرًا إلى أنه كان: “شخصية مركزية في العلاقات (الأميركية-الإيرانية) في التاريخ الحديث، فعلى مدى (30) عامًا، أصبح وجهًا لـ (الحرس الثوري) الإيراني”.
وأضاف “ماكينزي”؛ أن “سليماني”: “اكتّسب سُّمعة باعتباره رجلاً مسيُّطرًا في الحرب (العراقية-الإيرانية)، ما جعله يترقى إلى رتبة قائد فرقة، بينما كان لا يزال في العشرينات من عمره”، لافتًاً إلى أنه: “خرج من هذه الحرب بشعور مرير بالازدراء تجاه الولايات، التي ألقى باللائمة على مساعداتها للعراق في هزيمة بلاده”.
وأشار قائد “القيادة المركزية الأميركية” السابق إلى؛ أن “سليماني”، الذي أصبح عام 1997 أو 1998، قائدًا لـ (فيلق القدس)، أصبح: “دوره مهمًا في تطوير هذه القوة”، لافتًا إلى أنه استخدم طلاقته في اللغة العربية لتوسيّع نفوذ “طهران” في المنطقة.
وتابع “ماكينزي”: “وبصفته قائدًا؛ فإنه كان لسليماني خط تواصل مباشر مع المرشد الإيراني، علي خامنئي، وقد أصبح بمثابة الابن له، وتمت ترقيته إلى رتبة لواء في عام 2011، وبحلول عام 2014 بات يُنظر إليه باعتباره بطلاً في البلاد”.
وأشار إلى أنه: “مع تزايد شهرة سليماني، تزايد غروره أيضًا، وأصبح دكتاتورًا، وبات يتصرف في جميع أنحاء المنطقة في كثير من الأحيان دون استشارة المؤسسات الاستخباراتية الإيرانية الأخرى، أو الجيش التقليدي للبلاد، أو حتى (الحرس الثوري) الإيراني الأكبر”.
وقال “ماكينزي” إن “سليماني”: “أيّد بذكاء عودة القوات الأميركية إلى العراق، ما دفع الولايات المتحدة إلى القيام بالمهمة الثقيلة المتمثلة في هزيمة تنظيم (داعش) هناك، ثم قام بإخراجنا من بغداد، وقتل أفراد القوات الأميركية وقوات التحالف”.
وأضاف: “كان يعتقد أنه شخص لا يمكن المسّاس به، عندما سُئل عن هذا في عام 2019، أجاب: ماذا سيفعلون، هل سيقتلونني ؟”.
“إسرائيل” حاولت مهاجمته ولكن دون جدوى..
وذكر “ماكينزي” أنه عندما انضم إلى “القيادة المركزية الأميركية” لأول مرة؛ كجنرال شاب، شاهد فشل إدارة “أوباما”، وإدارة الرئيس الأميركي السابق؛ “جورج بوش” قبل ذلك، في مواجهة الديناميكية التي جلبها “سليماني”.
وأضاف: “كما شاهدت أيضًا الإسرائيليين وهم يُحاولون مهاجمته دون جدوى، ولذلك عندما توليت منصب قائد “القوات المركزية”؛ في آذار/مارس 2019، كان من بين الخطوات الأولى التي قمت بها هو الاستفسار عما إذا كانت لدينا خطة لشّن ضربة وقتله في حال طلب منا الرئيس القيام بذلك، ولكن الإجابة كانت غير مُرضية”.
وتابع: “قمت بتوجيه قائد فرقة العمل المشتركة للعمليات الخاصة؛ التابعة للقيادة المركزية لتطوير خطط، وكانت هناك كيانات أخرى مهتمة بسليماني أيضًا، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية؛ (CIA)، والشركاء الإقليميين، إذ رأينا أدلة على أن بعضهم مارس ضغوطًا على البيت الأبيض للتحرك ضده”، مشيرًا إلى أنه ناقش: “العديد من الخطط، ولكن تمت تنحيتها جانبًا، وذلك إما لأنها لم تكن قابلة للتنفيذ من الناحية العملياتية، أو لأن تكلفتها السياسية كانت تبدو باهظة للغاية، لكنها تطورت في النهاية إلى خيارات مناسبة للاستخدام في حال تم توجيهنا من قبل البيت الأبيض للتحرك”.
وأضاف “ماكينزي”: “بعد مرور شهرين من فترة ولايتي كقائد للقوات المركزية الأميركية، واستمرارًا حتى منتصف كانون أول/ديسمبر 2019، تعرضت القواعد الأميركية في العراق للقصف (19) مرة بقذائف (الهاون) والصواريخ، وكان من الواضح أن سليماني هو مَن يقوم بتنسّيق هذه الهجمات”.
وأشار إلى أن هذه الضربات: “بلغت ذروتها في 27 كانون أول/ديسمبر، عندما تعرضت إحدى قواعدنا الجوية لنحو (30) صاروخًا، وأُصيب (04) من أفراد الخدمة الأميركية و(02) من أفراد الشرطة العراقية، وأودت بحياة مقاول أميركي، وفي حين أن الهجمات السابقة كانت تهدف إلى الإزعاج أو التحذير، فإن هذا الهجوم، الذي تم إطلاقه على منطقة مليئة بالأفراد في القاعدة العسكرية، كان يهدف إلى إحداث خسائر كبيرة، وكنت أعلم أنه يتعين علينا الرد”.
وأوضح “ماكينزي” أنه في وقتٍ مبكر من صباح اليوم التالي للهجوم، جاء العديد من كبار موظفي فريقه إلى مكتبه، لمراجعة مجموعة من الخيارات التي كانوا يعملون على التوصل إليها على مدى عدة أشهر.
وقال “ماكينزي”: “صحيح أن سُلطة تنفيذ أي هجوم لم تكن من الممكن أن تأتي إلا من خلال الرئيس الأميركي السابق؛ دونالد ترامب، عن طريق وزير الدفاع آنذاك؛ مارك إسبر، لكننا كنا نعلم أنهم يريدون منا أن نقدم لهم بعض الخيارات، وقد كان لدينا هدف في اليمن كنا نتطلع إليه منذ فترة وهو أحد قادة (فيلق القدس)، والذي كان له تاريخ طويل في تنسّيق العمليات ضد القوات الأميركية وقوات التحالف”.
كما شملت الأهداف المحتملة الأخرى: “سفينة جمع المعلومات الاستخبارية التي يقودها (الحرس الثوري) في جنوب البحر الأحمر؛ (سافيز)، بالإضافة إلى الدفاعات الجوية والبُنية التحتية النفطية في جنوب إيران”، وفق قوله.
استهداف 3 شخصيات..
وذكر “ماكينزي” أنه بعد مناقشة الخيارات جميعها، أخبر فريقه بأنهم سيوصون بأهداف داخل “العراق وسورية” فقط، حيث كانت “الولايات المتحدة” تُجري هناك بالفعل عمليات عسكرية، وذلك لتجنب توسّيع نطاق الصراع، إذ كان يرى أن الضربة قد تشمل (04) أهداف لوجستية واستهداف (03) شخصيات، اثنين منهم كانا من مسُّهلي عمليات (كتائب حزب الله)، أما الثالث فكان “سليماني”، لكنه لم يوصِ باتخاذ أي إجراء بشأن خيارات “اليمن” أو “البحر الأحمر” أو الجنوب الإيراني.
وأضاف: “بحلول منتصف الصباح، كنت أرسلت توصيّاتي إلى وزير الدفاع؛ إسبر، عبر رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق؛ مارك ميلي، وبحلول وقت متأخر من بعد الظهر، حصلنا على الموافقة لتنفيذ الخيار الذي كنت أفضله، وهو ضرب مجموعة متنوعة من الأهداف اللوجستية، ولكن ليس سليماني أو مسُّهلي عمليات (كتائب حزب الله)”.
وتابع: “كان من المقرر أن نشُّن الضربة في اليوم التالي الأحد، بعد أن يقدم إسبر وميلي إحاطة لترامب في مارالاغو، ولكن رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق أشار إلى أن الرئيس ترامب قد لا يعتقد أن هذه الهجمات ستكون كافية، وكنت أعرف كيف جرت تلك الاجتماعات، فقد شاركت في عدد قليل منها، وكانت لدي ثقة كاملة في ميلي، فهو كان بإمكانه أن يُحافظ على رأيه في خضم مثل هذه الإحاطات الرئاسية، والتي غالبًا ما كانت تتضمن الكثير من الآراء من العديد من الأشخاص، الذين لم يكن جميعهم على عِلم بالمخاطر الكاملة التي تنطوي عليها العملية، أو تلك التي قد تنشأ بعد إتمامها”.
تعديلات على الورقة النهائية..
وقال “ماكينزي” إنه كان يعرف أن “ترامب”: “كان لا يزال مهتمًا جدًا باستهداف سليماني، فقد قمت، السبت، بوضع تعديلاتي النهائية على ورقة حددت فيها ما يمكن أن يحدث في حال اخترنا شن ضربة لقتله”، معتبرًا أنه: “لم يكن هناك شك في أن سليماني كان هدفًا مشروعًا، وخسارته ستجعل اتخاذ القرار الإيراني أكثر صعوبة، والعملية ستكون مؤشرًا قويًا على إرادة الولايات المتحدة، التي كانت غائبة في تعاملاتنا مع طهران لسنوات عديدة”.
ولكن “ماكينزي” أكد أنه كان: “قلقًا للغاية” بشأن: “الطريقة التي قد ترد بها إيران، إذ أنه كان يمكن أن يكون للضربة تأثير رادع، أو أنها قد تؤدي إلى انتقام واسع النطاق، وبعد دراسة متأنية، رأيت أن طهران سترد، ولكن ربما ليس بعمل حربي، وهو الاحتمال الذي كان يقلقني لسنوات عديدة، لكن كان لا يزال لديهم الكثير من البدائل التي يمكنهم إيذاءنا من خلالها، وأرسلت الورقة إلى وزير الدفاع آنذاك عبر رئيس هيئة الأركان المشتركة، وصحيح أنني لم أوصي بعدم ضرب سليماني، لكنني ذكرت المخاطر التي تنطوي عليها العملية”.
ولفت “ماكينزي” إلى الضربات التي استهدفت (كتائب حزب الله)؛ بعد ظهر الأحد، وشملت العمليات: “ضرب خمسة مواقع في جميع أنحاء سورية والعراق خلال أربع دقائق تقريبًا، وقمنا، في مكان واحد على الأقل، بقصف اجتماع كان يضم أفرادًا من (كتائب حزب الله)، ما أسّفر عن مصرع العديد من القادة الرئيسيين، وبعد الضربة عندما ذهب إسبر وميلي إلى مارالاغو، قمنا بتزويدهما بتقييمات الأضرار وجميع التفاصيل الأخرى التي تمكنا من جمعها من الهجمات، وقمنا بإعداد عرض تقديمي بسيط من صفحة واحدة استخدمه ميلي لإحاطة الرئيس”.
ووفق “ماكينزي”، اتصل رئيس هيئة الأركان المشتركة ذلك المساء حاملاً معلومات بشأن هذه الإحاطة، وكما كان يُحذر “ميلي” سابقًا، فإن “ترامب” لم يكن راضيًا، وذلك لأنه: “أمر باستهداف سليماني في حال ذهب إلى العراق”.
وقال قائد القيادة المركزية الأميركية السابق: “كنت في مكتبي عندما نقل لي ميلي هذه الرسالة، وكان الموظفون يتواجدون حولي، لكني لم أقم بتفعيل مكبر الصوت في هاتفي، ولذلك لم يتمكن أي منهم من سماع ذلك، وقد تجمدت في مكاني لثانية أو ثانيتين، ثم طلبت منه أن يكرّر كلامه، ولكني تأكدت أنني كنت أسمع ما قاله بشكل صحيح”.
جلب “طهران” لطاولة المفاوضات..
وذكر “ماكينزي”؛ أن “ميلي” أخبره أيضًا أن “ترامب”: “وافق على توجيه ضربات إلى قائد (فيلق القدس) في اليمن، وعلى السفينة الإيرانية (سافيز) في البحر الأحمر”.
وكان المجتمعون يعتقدون أن هذه الضربات: “ستجلب إيران إلى طاولة المفاوضات”، ولكن “ماكينزي” قال إن: “رئيس هيئة الأركان المشتركة لم يكن يوافق على هذا الأمر، ولا أنا كذلك، فقد كنا نرى أن هذه الضربات قد تعُيد الردع، لكننا لم نرى أنها ستؤدي إلى خلق مسّار لمفاوضات أوسع نطاقًا”.
وبعد انتهاء المكالمة، اتصل “ماكينزي”:: بـ”أعضاء فريقه الذين لم يكونوا متواجدين لعقد اجتماع الساعة 7 مساءً”، وروى كيف كانت ردة فعلهم واندهاشهم بعدما أخبرهم بالتعليمات التي تلقاها، وقال: “كنا نعلم جميعًا ما يمكن أن تترتب على هذه القرارات، بما في ذلك احتمال أن العديد من أصدقائنا على الجانب الآخر من العالم سيضطرون إلى الذهاب إلى القتال، ولكن لم يكن لدينا الوقت للحديث حول الأمر”.
وأشار “ماكينزي” أنه كان بالإمكان القضاء على السفينة (سافيز)؛ والقائد الموجود في “اليمن” بسرعة، لكن “سليماني” اعتبر أنه كان: “هدفًا أكثر صعوبة”.
وأشار إلى أنه: “في أواخر الخريف، قمنا بتطوير خيارات لضربه في كل من سورية والعراق، ولكننا كنا نفضل خطة دمشق؛ لأن توجيه ضربة ضده في بغداد قد يؤدي إلى تأجيج غضب الميليشيات الشيعية هناك، وربما يؤدي إلى رد فعل عسكري وسياسي قوي، لكن بدا في ذلك الوقت أنه سيتم تجاوز هذه المخاوف، التي كنت أعلم أن رئيس هيئة الأركان المشتركة كان يشُّاركني فيها”.
وتابع قائلاً: “كان شكل الاستهداف الذي كنا نسّعى إليه يتكون من ثلاث خطوات: العثور على الهدف وترتيب العملية وإنهائها”.
دخول “سليماني” شوارع “بغداد”..
ولفت قائد “القيادة المركزية الأميركية” السابق، إلى أن المقترحات الخاصة بالإعداد لعملية اغتيال “سليماني” وإتمامها: “كانت قد قطعت شوطًا طويلًا بالفعل، وكنا نعلم في هذه المرحلة أنه عندما يصل الجنرال الإيراني إلى العراق، فإن طائرته عادةً ما تهبط في مطار بغداد الدولي، ثم يتم نقله بسرعة إلى مكان بعيد”.
وأضاف: “لحسُّن الحظ، كانت حركة المرور خفيفة في كثير من الأحيان على طريق الوصول إلى المطار، وهو طريق يعرفه الجنود والطيارين ومشاة البحرية باسم (الطريق الإيرلندي)، خلال حرب العراق، حيث سقط عدد كبير من القوات الأميركية وقوات التحالف على هذا الطريق بسبب سليماني وأتباعه، ولكن الجزء الخاص بالإعداد للعملية كان قد أصبح معقدًا عندما خرج سليماني من (الطريق الإيرلندي)، ودخل شوارع بغداد المزدحمة”.
وأشار إلى أن: “ضرب سليماني في اللحظات التي كانت تعقب نزوله من الطائرة كان من المرجح أن يؤدي إلى تقليل الأضرار الجانبية، إذ كان من الممكن أن نستخدم طائرة مُسّيرة من طراز (MQ-9) مسلحة بصواريخ (هيلفاير) لمهاجمة سيارته وسيارة التأمين المرافقة له، ولكن كما هو الحال دائمًا، فإنه عادةً ما يكون هناك قيود كبيرة”.
وتابع: “لم تكن طائرات (MQ-9) ستتمكن من البقاء فوق المطار لفترة طويلة، ولذلك كان علينا أن نعرف موعد وصوله بشكلٍ دقيق، وكنا نفضل تنفيذ العملية ليلاً، حتى لا يكون هناك سُحب تحجب الرؤية، لكننا كنا إلى حد ما مرتبطين بجدول سليماني نفسه”.
وقال “ماكينزي” أنه: “كانت لدينا معلومات تشُّير إلى أنه سيٌّسافر جوًا من طهران إلى بغداد الثلاثاء 31 كانون أول/ديسمبر، وبعد الكثير من المناقشات، قررنا ضرب سليماني أولاً، ثم، في غضون دقائق، القائد العسكري الآخر في اليمن، حتى لا يمكن تحذير الجنرال الإيراني، وقررنا تأجيل تنفيذ عملية السفينة (سافيز) حتى وقت لاحق، والتي لم أكن متحمسًا لإغراقها، ولُحسُّن الحظ، لم نكن مضطرين إلى ذلك”.
ترقب لتحركات “سليماني”..
وعقب الغارات التي استهدفت (كتائب حزب الله)، بدأت الاحتجاجات في الظهور أمام السفارة الأميركية في “بغداد”، وأشار “ماكينزي” إلى أنه أمر القوات الأميركية بمزيد من التأمين، مع نشر طائرات حربية من طراز (AH-64)؛ في سماء المنطقة في استعراض للقوة.
وأضاف: “حينها ازداد قلقي بشأن ما يمكن أن يحدث بعد شن ضربة لقتل سليماني، فهل سيُحفز ذلك الحشود على محاولة اقتحام السفارة ؟ وكيف ستبدو علاقتنا مع الحكومة العراقية في أعقاب مثل هذا الهجوم ؟”.
وتابع قائلاً: “شعرت أن مجلس الأمن القومي الأميركي، والذي يضم وزيري الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي كان يعمل استنادًا على وجهة نظر مفادها أن إيران لن تشُّن رد انتقامي على الولايات المتحدة، حتى أن ميلي قال لي: الجماعات الشيعية المسلحة ستُصاب بالهلع، لكنني لا أعتقد أن إيران ستفعل أي شيء مباشر ضدنا، وهو الرأي الذي كنت أختلف معه، وقد تفهم رئيس هيئة الأركان أسبابي، وهو أمر يُحسب له، ثم تأكد من أننا سنكون مستعدون في حال إذا قامت طهران بذلك”.
وأشار إلى أنه ذهب بعدها إلى مقر “القيادة المركزية” في وقت مبكر من 31 كانون أول/ديسمبر، لافتًا إلى أن ذلك اليوم: “هو الذي كنا نأمل في شن الضربة فيه”، ولكن: “النهار انقضى ونحن ننتظر ظهور علامات على تحرك سليماني، وكانت هناك شاشتان ضخمتان معلقتان على الحائط، أظهرت إحداهما سلسلة دوّارة من الصور بالأبيض والأسود من مّسيُرات (MQ-9)، فيما أظهرت الأخرى مئات الطائرات، بما في ذلك الطائرات المدنية، التي كانت تُعبّر سماء العراق وإيران”.
طائرة مدنية.. لن نستهدفها..
ومضى “ماكينزي” قائلاً: “أخيرًا غادر سليماني منزله، واستقل طائرة في طهران، لكننا لم نكن متأكدين مما إذا كانت الطائرة مُستأجرة أم تجارية، وأقلعت الطائرة في حوالي الساعة 9:45 صباحًا بالتوقيت الشرقي في رحلة مدتها ساعتين إلى بغداد، وكنا مسّتعدين لوصوله، إذ كانت طائراتنا تحلق في السماء وفي مواقع جيدة، ولكن عندما اقتربت طائرته من بغداد، فإنها لم تهبط، وكنت في اجتماع عبر الهاتف مع ميلي وإسبر، بينما شاهدنا طائرته وهي تمر عبر المدينة على ارتفاع (30) ألف قدم”.
وأضاف: “حينها سألني أحد موظفي (البنتاغون): هل يمكنك إسقاط هذا اللعين ؟، ودون أن اتخذ قرار بشأن تنفيذ هذا الطلب، اتصلت بقائد القوات الجوية المتواجد في قطر، وسألته إذا أعطيتك أمرًا بإسقاط هذه الطائرة، هل يمكنك تنفيذ العملية ؟ واستجابت القوات هناك بسرعة، وقمنا بنقل مقاتلتين إلى موقع خلف طائرة سليماني، وفي هذه المرحلة كان لدينا خيار إنهاء المهمة إذا طُلب منا ذلك، وقد عملنا بشكل محموم لتحديد ما إذا كانت الطائرة مُستأجرة أم تجارية”.
ولفت “ماكينزي” إلى أن القيادة المركزية تبّين لها فيما بعد أن هذه الطائرة كانت متجهة إلى “دمشق”، في رحلة مدنية، مما يعني أنه من المحتمل أن يكون على متنها: “(50) شخصًا بريئًا على الأقل”.
وقال: “حينها نصحت ميلي على الفور بأنه لا ينبغي لنا قصف الطائرة، فحتى سليماني نفسه لم يكن يسّتحق هذه الخسارة في الأرواح، وقد اتفقنا أنا وهو بسرعة على عدم الانخراط في هذه العملية، وتراجعت مقاتلاتنا، وبدأت طائرة سليماني في الهبوط في دمشق، كما قمنا بسّحب طائراتنا من مهمتنا في اليمن، وأخذنا جميعًا نفسًّا عميقًا، وأعدنا النظر في خياراتنا، وقلت للموظفين والقادة في الساعة 10:48 صباحًا إن تعليمات الرئيس ستظل كما هي، ولكننا سنقوم بالعملية عندما تسّنح لنا الفرصة للقيام بذلك”.
عودة “سليماني” من دمشق إلى بغداد..
وكشف “ماكينزي” عن وجود: “مؤشرات على أن سليماني سيُّسافر من دمشق عائدًا إلى بغداد خلال الـ (36) ساعة المقبلة”، لتظهر: “فرصة أخرى لاستهدافه”.
وقال: “جاء يوم رأس السنة الجديدة، وكان لدي التزام بحضور مباراة في تامبا (في فلوريدا)، وجاءت معي فرق الأمن والاتصالات، وكانت السماء صافية، وتمنيّت أن تكون كذلك في بغداد أيضًا، وسارت المباراة بشكل جيد، وقبل نهاية الشوط الأول، تلقيت مكالمة من إسبر، وقضيت معظم الشوط الثاني، وأنا جالسًا متكئًا على قدمي في المرحاض للتحدث مع إسبر وميلي عبر هاتف آمن، بينما كان مساعد الاتصالات الخاص بي يقف خارج الباب، حاملاً نقطة اتصال واي-فاي في الهواء، وأخبرتهما أن أحدث معلوماتنا الاستخباراتية تشير إلى أن سليماني سيغادر دمشق قريباً، في وقت مبكر من اليوم التالي، وأنه سيتوجه إلى بغداد.. كانت هذه الليلة مرهقة”.
وفي اليوم التالي، ذهب ماكينزي إلى مقر القيادة المركزية، وكشف عن “تصاعد التوتر فيما بعد؛ بسبب تأخر رحلة سليماني إلى العراق”.
ولكن بعد مرور بضع ساعات “بدأت التحركات”، وفق ما ذكر القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية، مشيراً إلى أن “سليماني ذهب إلى الطائرة في دمشق، وأقلعت الرحلة التي يتم تشغيلها تجارياً بشكل منتظم من دمشق الساعة 3:30 بعد الظهر بالتوقيت الشرقي، واتصلت برئيس هيئة الأركان المشتركة، وكان هو ووزيرا الدفاع والخارجية الأميركيين يقومون بمراقبة العملية من غرفة اجتماعات آمنة في البنتاجون”.
وأضاف: “سرعان ما ظهرت الطائرة على أنظمة التتبع لدينا، وشاهدتها وهي تتجه شرقاً، وبينما كنت أتذكر خيبة أملنا قبل أيام قليلة قمت بمراقبة ارتفاع الطائرة عن كثب، ولحُسن الحظ، بدأت الطائرة في الهبوط فوق بغداد، وهبطت الساعة 4:35 مساءً، قبل وقت قصير من منتصف الليل بالتوقيت المحلي”.
أضرب عندما تسّنح الفرصة..
وذكر “ماكينزي” أجواء تلك الليلة الغائمة، ما جعل مسيرة “MQ-9” مضطرة للطيران على ارتفاع منخفض للتمكن من الرؤية، مما يعني أنه كان عليها البقاء على مسافة بعيدة لتجنب سماع صوتها أو رؤيتها.
وتابع قائلاً: “ثم شاهدنا السلالم، وهي تُرفع إلى باب المقصورة الأمامي، وفي الساعة 4:40 مساءً، تأكدنا أن سليماني كان يخرج من الطائرة بنفسه، واتصل بي قائد فرقة العمل المشتركة حينها وقال: سيدي، الأمور ستحدث الآن بسرعة كبيرة، إذا كانت هناك أي نية لوقف العملية فعلينا أن نتخذ هذا القرار الآن، ولكن كنت قد تلقيت الأوامر بالفعل، فقلت له ببساطة: قم بالضربة حينما تسنح لك الفرصة”.
وذكر ماكينزي كيف شاهد سليماني وهو يركب سيارة، ويبتعد عن الطائرة مع سيارة التأمين الأخرى، مضيفاً: “بدأوا في الدخول في منحدرات وأماكن وقوف السيارات والشوارع المختلفة للوصول إلى الطريق الأيرلندي، وكانت الساعة في ذلك الوقت 4:42 مساءً، وكان قد مضى وقت طويل على تمريري تفويض شن الضربة إلى قائد قوة العمل المشتركة، والذي بدوره قام بتمريره أيضاً إلى الفريق الذي سيطلق الأسلحة، وقد علمتنا التجارب الصعبة السابقة، أن تفويض هذه السُلطة إلى أدنى مستوى ممكن في أقرب وقت ممكن يسمح لأولئك الذين لديهم أفضل معرفة بالوضع بالتصرف بسرعة، دون الرجوع إلى المقر الرئيسي للقيادة”.
ومضى قائلاً: “ثم زادت سرعة السيارتين، وكانت عيون الجميع حينها ملتصقة بالشاشات الكبيرة، ولم يكن أحداً يتحدث قط، ثم فجأة، ظهر وميض كبير من اللون الأبيض عبر الشاشة، وتطايرت قطع من سيارة سليماني في الهواء، وبعد ثانية أو ثانيتين، تم ضرب السيارة الأخرى”.
وأشار إلى أنه “لم يكن هناك أجواء فرح أو تحية بالأيدي بيننا، بل ساد الصمت المكان، بينما كنا نشاهد النيران، وهي تشتعل في السيارتين، وبعد دقيقة واحدة، هاجمنا مرة أخرى، وأسقطنا ثمانية أسلحة أخرى، فعلى الرغم من أنه كان يبدو أن العملية كانت ناجحة، فإننا لم نكن نتمكن من تأكيد ذلك بعد”.
ولفت ماكينزي إلى العملية الأخرى في اليمن، حيث تم تنفيذ ضربة مماثلة على منزل اعتقدت القوات الأميركية أن قائداً في فيلق القدس كان يتواجد فيه، ولكنهم عرفوا لاحقاً أنه لم يتم القضاء عليه في هذه العملية.
نجاح عملية اغتيال “سليماني”..
وكشف ماكينزي كيف عرفوا في وقت لاحق أنهم تمكنوا من اغتيال سليماني، وقال: “كنت في منزلي في حوالي الساعة التاسعة مساءً عندما بدأت التقارير الإخبارية الأولى في الظهور، وعندها فقط أصبح لدي الوقت للتفكير فيما حدث، فقد تم اتخاذ قرار اغتيال سليماني من قبل ترمب، الذي كان يتلقى معلومات من مستشاريه مفادها أن إيران لن تشن ضربة انتقامية رداً على العملية، وهو الرأي الذي لم يشاركه فيه أحد في القيادة المركزية، أو في مجتمع الاستخبارات الأميركي، ولكن هذا لا يعني أن الضربة كانت غير مُبرَرة، بل يعني أننا لم نكن متفائلين بشأن عواقبها”.
ولكن ماكينزي اعترف أنه في النهاية كان قرار ترمب “صحيحاً”، مضيفاً: “ففي حال لم يكن قد تم القضاء على سليماني، لكان من الممكن فقدان المزيد من أرواح وسط القوات الأميركية وقوات التحالف والعراقيين كنتيجة مباشرة لقيادته، إذ كنت أعتقد أنه من المحتمل حدوث المزيد من الهجمات في المستقبل القريب، ولذا فإن خطر التقاعس عن العمل كان أكبر من خطر التحرك وشن الضربة”.
وأشار إلى أن إيران “كانت تشكك في قدرتنا على إظهار مثل هذا الحزم، إذ أننا لم نقم بذلك مطلقاً خلال إدارتين على الأقل، وذلك لأسباب وجيهة، ولكن حينها ولأول مرة منذ سنوات عديدة، رأت طهران القوة الحقيقية للولايات المتحدة، ولذا كان عليها أن تعيد حساباتها”.
نقطة تحول..
وأشار ماكينزي إلى استمرار الهجمات “ذات النطاق الصغير” ضد القوات الأميركية بعد اغتيال سليماني، “لا سيما تلك التي لا يمكن نسبها مباشرةً إلى إيران”، ولكنه قال إن “التوجيهات العملياتية لكل من القوات الإيرانية ووكلائها قد تغيرت، والتي تمثلت في تجنب شن الهجمات الكبرى على القوات الأميركية، وهو ما كان بمثابة نقطة تحول في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران”.
وأضاف: “أظهرت عملية اغتيال سليماني لإيران شكلاً من أشكال التصميم الذي كان غائباً منذ فترة طويلة عن السياسة الأميركية، وهو الأمر الذي تكرر مرة أخرى في الشهر الماضي، عندما هاجمت طهران إسرائيل، حيث واجه تدخل الولايات المتحدة العدوان الإيراني”.
واختتم ماكينزي بالقول إنه “إذا كنا نخطط للبقاء في الشرق الأوسط، فإنه يتعين علينا أن نكون مستعدين لإظهار نفس التصميم، بالرغم من أن خطر التصعيد يبدو وشيكاً، فإنه يمكن السيطرة عليه، فقد كان رفض الاعتراف بهذا الخطر هو الذي أدى إلى تعثر سياستنا لفترة طويلة، والدروس المُستفادة من ضربة سليماني تبدو واضحة، ويجب ألا ننساها، وهي أن الإيرانيين سيحترمون قوتنا، وسيستغلون ضعفنا”.