خاص: كتبت- نشوى الحفني:
منذ أن سقط الرئيس السوري؛ “بشار الأسد”، وبدا المشهد شديد التعقيد بسبب تعدَّد الأطراف المتصارعة وتداخل المصالح، سواء على المستوى الدولي، وعلى المستوى الداخلي خاصة ما يتعلق بالجانب الكُردي في شمال “سورية”، حيث تسببت الأحداث المتسارعة على الأرض، إلى تخوف الكُرد من إقصائهم وحرمانهم من حقوقهم القومية التي يُطالبون بها ويسعون لتحقيقها.
ويسيَّطر الكُرد على مناطق واسعة من شمال وشرق “سورية” منذ أكثر من عقد، ويُعتبر المقاتلون الأكراد الحليف الأبرز لـ”الولايات المتحدة الأميركية” في محاربة تنظيم (داعش)، حيث اعتقلوا على مدار سنوات أكثر من: (09) آلاف عنصر من مقاتلي التنظيم، إلا أن “تركيا” لطالما اعتبرت أن المقاتلين الأكراد متحالفون مع حزب (العمال الكُردستاني)؛ الذي تصنَّفه كمنظمة إرهابية.
وصرح الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، أن “أنقرة” تتوقع أن تسحب الدول الأجنبية دعمها للمقاتلين الأكراد في “سورية” بعد الإطاحة بنظام؛ “بشار الأسد”، مضيفًا: “لم يُعدّ هناك أي سبب يدعو القوى الأجنبية لدعم مقاتلي (وحدات حماية الشعب) الكُردي”.
وفي المقابل، تحت الضغط العسكري الذي تُمارسه “تركيا” على مناطق الكُرد، والهجمات المتكررة على منطقتي “منبج” و”عين العربي”؛ (كوباني)، أعلن قائد قوات سورية الديمقراطية؛ “مظلوم عبدي”، استعدادهم لإقامة منطقة منزوعة السلاح في مدينة “كوباني”؛ شمالي البلاد، وذلك لطمأنة “تركيا”، مؤكدًا أن قواته ليست امتدادًا لحزب (العمال الكُردستاني)، وأن (قسد) مستَّعدة لإخراج المقاتلين غير السوريين فور التوصل إلى هدنة.
ومع كل تلك التطورات يتساءل المحللون عن مصير المشروع الكُردي في المنطقة، وتسليم “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق “سورية”؛ جميع أراضيها للسلطات السورية الجديدة، أم تدخل (قسد) في حربٍ مع “تركيا” ؟ وموقف كُرد “العراق” من تلك الأحداث ؟
فرصة ذهبية لإقامة إقليم..
في تعليقه؛ يرى عضو (الاتحاد الوطني الكُردستاني)؛ “أحمد الهركي”، أن: “الظروف مهيأة لإقامة إقليم كُردي في سورية”، موضحًا أن: “الكُرد السوريين يمتلكون دعمًا قويًّا من الإدارة الأميركية، التي تُعتبر داعمة رئيسة لقوات سورية الديمقراطية؛ (قسد)، وهي جزء من (التحالف الدولي) لمحاربة تنظيم (داعش)”.
وأضاف “الهركي”؛ لـ (إرم نيوز)، أن: “الوقت الحالي يمُثل فرصة ذهبية لإقامة إقليم كُردستان سورية، بهدف الحفاظ على الهوية القومية للكُرد، مع ضمان تمثيل سياسي مناسب ومشاركة في إدارة الحكم داخل دمشق، على غِرار ما حدث في العراق”.
ولا يندفع “إقليم كُردستان”؛ بشكلٍ رسمي، نحو دعم “قوات سورية الديمقراطية” لإنشاء إقليم مستقل؛ بسبب التعقيدات التي تشهدها المنطقة، والتشابك الحاصل، كما أن الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) الحاكم، يتمتع بعلاقات جيدة مع “أنقرة”، التي تُعارض هذا المسّار.
لا تتجه نحو إدارة ذاتية..
ويرى المحلل السياسي الكُردي؛ “هفال مريوان”، أن: “ما يحصل في سورية مختلف تمامًا عن العراق، والحديث عن إقليم كُردي هناك، مرهون بالظروف وتطورات الأحداث، وقبول الولايات المتحدة بذلك، وإقناع تركيا، بهذه الخطوة”.
وأضاف “مريوان”؛ لـ (إرم نيوز)، أن: “الأحداث منذ التغيّير في سورية، لا تتجه نحو إدارة ذاتية مستقلة، حيث هاجمت فصائل المعارضة السورية، مناطق نفوذ (قسد)، وهذا يوحي بوجود رغبة تركية بالسيّطرة على هذه المناطق، عبر الفصائل التابعة لها”، مشيرًا إلى أن: “التدخل الأميركي ودعمه إقليمًا كُرديًّا مرهون بجُملة عوامل ربما لا تتوفر حاليًّا”.
وبيّن أن: “أبرز هذه العوامل تتضمن التوافق الإقليمي والدولي حول مستقبل الكُرد في سورية، وإمكانية التوصل إلى تفاهمات مع تركيا، بالإضافة إلى قدرة الكُرد على تقديم نموذج سياسي وإداري مستقر ومقبول دوليًّا”.
الحوار والتفاهم..
وعندما سقط نظام “بشار الأسد”، أبدى الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) الحاكم في “أربيل”، موقفًا محايدًا، حيث قال زعيم الحزب؛ “مسعود بارزاني”، في بيان: “نأمل أن تؤدي هذه المستَّجدات والتغيّيرات في سورية إلى اتخاذ الحوار والتفاهم أساسًا لحل القضايا الخلافية، وأن لا يُمارس أي سلوك ينُتج عنه تعميق الخلافات القومية والطائفية بين مكونات سورية”.
ومع الخلافات الحادة؛ والتي تصل أحيانًا إلى المواجهة بين الحزب (الديمقراطي الكُردستاني) وحزب (العمال)، فإن “أربيل” بقيت محافظة على مسافة وصلة معقولة مع “قوات سورية الديمقراطية”، وذلك لاعتبارات قومية دون الانغماس فيها بشكلٍ كبير، مراعاة لعلاقتها الوثيقة مع “تركيا”.
إقناع الأتراك بالحُكم الذاتي..
بينما؛ أكد مدير مركز (تاسك) للدراسات والبحوث؛ “عثمان علي”، أنه: “من الأفضل لقوات سورية الديمقراطية الآن الابتعاد عن حزب (العمال)، بصورة رسمية وعملية، ويشَّكلون إطارًا آخر، لإقناع الأتراك بمسألة الحكم الذاتي رسميًّا”.
مضيفًا أن: “الأمر الآخر الذي يتوجب على (قسد) فعله، هو التخلي عن المناطق العربية التي سيّطروا عليها، وتقديم قائمة مطالب ناعمة ومقبولة، ضمن الوضع الحالي، والابتعاد عن الشعارات المثُيرة لقلق الأتراك، وعدم الانخداع بالدعم الأميركي، باعتبار أن الولايات المتحدة وأوروبا لطالما استعملت الورقة الكُردية لتحقيق مصالحهما”.
نزع سلاح القوات الكُردية..
وكانت وزيرة الخارجية الألمانية؛ “أنالينا بيربوك”، صرحت لوسائل الإعلام، إنه يجب نزع سلاح القوات الكُردية ودمجها في هيكل الأمن الوطني السوري، بينما قالت “باربرا ليف”؛ كبيرة الدبلوماسيين الأميركيين المعنية بالشرق الأوسط، إن “الولايات المتحدة” تعمل على انتقال محَّكم لـ”قوات سورية الديمقراطية” المدعومة من “الولايات المتحدة”؛ في الشمال السوري.
وكان “مظلوم عبدي” قد صرح؛ قبل أيام لصحيفة (نيويورك تايمز)، قائلًا إنه اضطر إلى تحويل المقاتلين الذين كانوا يحرسون سجون (داعش)، من أجل القتال ضد المسلحين المدعومين من “تركيا”، ما يهدَّد بالانفلات الأمني المحتمل للمنطقة، وعجز الجانب الكُردي عن السيّطرة على الأرض.
وفي الوقت ذاته؛ صرح وزير الدفاع السوري الجديد في الحكومة المؤقتة؛ “مرهف أبو قصرة”، أن الحكومة السورية الجديدة ليس لديها أي مشكلة مع الكُرد في “سورية”، لكن مشكلتها مع “قوات سورية الديمقراطية”؛ التي يجب أن تنضم للقوات السورية وتسَّلم كامل المناطق التي تسيَّطر عليها.
هجمات تركية..
وشنّت الفصائل الموالية لـ”أنقرة”؛ هذا الأسبوع، هجومًا ضد “مجلس منبج العسكري”؛ التابع لـ (قوات سوريا الديمقراطية)، أسفر عن مقتل نحو: (220) عنصرًا من الطرفين. وأعلن “عبدي”، الأربعاء، التوصل إلى هدنة برعاية أميركية. وقال في بيان: “هدفنا هو وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية والدخول في عملية سياسية من أجل مستقبل البلاد”.
ويقول الخبير في الشأن الكُردي؛ “موتلو غيفير أوغلو”، لوكالة (فرانس برس): “يواجه الأكراد السوريون تحديات كبرى، أبرزها الأعمال العدائية التركية المستمرة تجاههم”.
ويرى “غيفير أوغلو”؛ أن: “كل الهجمات والتهديدات التركية ضد الأكراد هي محاولة مباشرة أو غير مباشرة لتقويض الإدارة الذاتية الكُردية وتوسيّع السيطرة التركية في شمال سورية”.
وقد تصطدم مسّاعي “أنقرة” بمعارضة حلفائها الغربيين؛ إذا ما عزمت على القضاء على “الإدارة الذاتية” الكُردية وتجريد الأكراد من مكتسّباتهم.
دعم “واشنطن”..
ويرى موقع (24) الإماراتي؛ أنه في أفضل سيناريو للأكراد، وفق مسؤولين وخبراء، هو أن يتلقى هؤلاء دعمًا كافيًا من “الولايات المتحدة” لحماية الأراضي التي يسيَّطرون عليها في شمال شرق “سورية”. ويمكن أن يمنحهم ذلك رافعة في مواجهة الحكومة الجديدة في “دمشق”؛ كي يستمروا في ممارسة حكمٍ ذاتي كامل، وهي مسألة طالما طمح إليها أكراد “سورية”.
وفي أسوأ الأحوال، من الممكن أن يواجه الأكراد نزاعًا ملتهبًا مع المقاتلين المدعومين من “تركيا”، وأن يكونوا مجبورين على التنازل عن بعض الأراضي الغنية بـ”النفط”، في حين أنه إذا ما قرر الرئيس الأميركي المنتخب؛ “دونالد ترمب”، سّحب القوات الأميركية، فإن الأكراد سيفتقدون إلى مساعدة برية حيوية.
وتقول الخبيرة في الشأن السوري لدى مركز (الدراسات الاستراتيجية والدولية) في واشنطن؛ “ناتاشا هول”: “هناك حاجة إلى نوعٍ من وقف النار واتفاق سلام بين الأتراك والأكراد، يمكن الجانبان أن يتفقا عليهما”.