خاص – كتابات :
تصحيح مسار.. أم انتهاز لفرصة قد لا تأتي كثيراً لإبعاد شخصية ذات منصب كبير.. ولربما هي خطوة لامتصاص غضب الضباط وأسرهم بعد حادث هو الأعنف؛ استهدف زملاءهم وذويهم، راح ضحيته 11 ضابطاً من ضباط النخبة في مصر بينهم 6 من الأمن الوطني أو ما يعرف بأمن الدولة، الذي كان قديماً يصطلح عليه “البوليس السياسي” في مصر، المسؤول الأول عن جمع المعلومات والاستخبارات الداخلية، فضلاً عن اختطاف ضابط آخر لم يعرف له أثر، إلى لحظة كتابة هذه السطور، وفق الرواية الرسمية للأمن المصري !
قرارات صدرت وقت إنشغال المصريين بمباراة كرة قدم..
خرجت القرارت بعد اجتماع عقده الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” مع رئيس المخابرات العامة الوزير “خالد فوزي” ووزير الداخلية اللواء “مجدي عبد الغفار” ووزير الدفاع الفريق “صدقي صبحي” ومساعده “محمد فريد حجازي”؛ الذي رُقي إلى رئيس للأركان، وغاب عنه صهر “السيسي” رئيس الأركان “محمود حجازي”، بالتزامن مع مباراة كرة قدم ذات جماهيرية عالية عند المصريين أبطالها الأهلي المصري والوداد المغربي.. أقيمت مساء السبت الثامن والعشرين من تشرين أول/أكتوبر 2017، وانتهت بنتيجة مخيبة لآمال المصريين على عكس توقعاتهم وما حشدوا له بتعادل بهدف لكل منهما على أرض مصر.
الإطاحة برئيس جهاز الأمن الوطني لها ما يُبررها لكن ما الدافع وراء إبعاد رئيس الأركان ؟!
لكن على الجانب الآخر.. هناك أيضاً من خُيب أمله في الاحتفاظ بمنصب، قلما يتغير كثيراً في الدول العربية، فها هو وزير الداخلية المصري يطيح بأحد أبرز مساعديه رئيس جهاز الأمن الوطني اللواء “محمد شعراوي” ويبعده إلى أمن المنافذ، ومعه مدير أمن الجيزة – أكبر محافظة مصرية ذات حدود شاسعة – تمتد إلى ليبيا، والذي أبعده هو الآخر إلى إدارة الوثائق !
وفي ذات المساء أعلن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية في مصر عن أن الرئيس “عبد الفتاح السيسي” قرر تعيين رئيس أركان الجيش المصري “محمود حجازي” – صِهر “السيسي” – في منصب مستشار الرئيس للتخطيط الإستراتيجى وإدارة الأزمات، وتعيين بدلاً منه الفريق “محمد فريد حجازي” كرئيس للأركان، وهو أحد أهم المناصب المسؤولة مباشرة عن تسليح ومتابعة قوات الجيش ميدانياً !
فهل هي مجرد تغييرات محدودة في المناصب، وفق ما يردد الإعلام المصري ؟.. أم لتلك القرارت أبعاد أخرى خاصة أنها تمس أعلى مناصب في الجيش والشرطة.. يتسائل المصريون !
سيناريوهات عدة تداولها المصريون..
سيناريوهات عدة طرحها المصريون للنقاش، أبرزها أن القرارات المتعلقة بقيادات الشرطة وجهاز الأمن الوطني – جرت الإطاحة برئيس الجهاز العام ورئيسه لمحافظة الجيزة ومدير الأمن ومدير العمليات بقوات الأمن المركزي – تأتي رداً على عملية استهداف الرتل الأمني في الكيلو 135 طريق الواحات التابع لمحافظة الجيزة، والذي يبعد عن مدينة الإنتاج الإعلامي بنحو ساعة ونصف وبعمق 25 كيلو متراً في الصحراء، في الـ 20 من تشرين أول/أكتوبر 2017.
فضلاً عن أن القرار صدر من “السيسي” نفسه، وكأنه يبعث برسالة للضباط الغاضبين لموت زملائهم أنه يغضب لغضبهم وأنه في ظهرهم لمواصلة التصدي لما أسماه هو “الإرهاب المحتمل”، منذ توليه السلطة بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق “محمد مرسي”، المحسوب على جماعة “الإخوان المسلمين” في الثالث من تموز/يوليو من العام 2013.
استباق مقطع فيديو للضابط المُختطف وقطع الطريق على إحباط الضباط !
هناك طرح آخر.. يقول إن “السيسي” أراد استباق أي مقطع فيديو قد يظهر على مواقع “السوشيال ميديا” للضابط المختطف من قبل عناصر مسلحة في “عملية طريق الواحات”، وهو يلوم قياداته التي أرسلته دون دعم، أو يُجبر تحت تهديد السلاح على الحديث عن أشياء لا يرغب في نشرها تمس الأمن؛ وقد تؤدي إلى حالة إحباط بين الضباط وأسرهم، فقرر الرئيس المصري أن يقطع الطريق على مثل هكذا إحباط !
تكرار الهجمات واستدراج القوات إلى كمائن مميتة..
خاصة وأن هجوم الواحات أعاد طرح أسئلة متعددة بشأن تكرار الهجمات وعمليات استدراج القوى الأمنية المصرية إلى كمائن مميتة، فضلاً عن تساؤلات الشارع المصري حول جدوى التفويض الشعبي الذي طلبه “السيسي” في بداية عهده لمواجهة أي إرهاب محتمل.
والمؤكد أن الأوضاع تجاوزت مرحلة “الاحتمالات” بكثير، كما باتت استراتيجيات المواجهة التي تتبعها السلطات محل تساؤل بشأن قدرتها على وقف الهجمات.
إبعاد “حجازي” مثار جدل بين المصريين..
لكن الأكثر إثارة في قرارات، السبت، هو نقل “السيسي” لرئيس أركانه “محمود حجازي”، ووضعه في منصب “شرفي” كمستشار للرئيس وإبعاده عن أهم منصب له صلاحيات واسعة في تحريك الجيوش والتواصل مع الغرب والأميركان !
فما الذي دفع الرئيس المصري إلى اتخاذ مثل هكذا خطوة، التي غطت في آثارها تغييرات قيادات الشرطة ؟
ربط المصريون ونشطاء سياسيون معارضون للسيسي هذا التغيير بعودة “حجازي” من اجتماع رؤساء أركان جيوش الدول المحاربة للإرهاب في واشنطن، بدعوة رسمية من رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، وأن أمراً ما قد تورط فيه “حجازي” ما اضطر الرئيس المصري إلى إزاحته من هذا المنصب.
فيما ذهب البعض إلى القول إن إشادة خاصة بـ”حجازي” وتقرب أميركي إليه أزعج “السيسي”، فقرر إبعاده عن المشهد العسكري ووضعه في منصب “شرفي” لا يُحاسب فيه إذا ما وقع خطأ في سير عمليات الجيش أو صفقات تسليحه؛ حفاظاً على صلة النسب التي تجمعهما !
ورأي آخر يقول إن الرجل ربما أخطأ في تقديم حسابات دقيقة في الملف الليبي المسؤول عنه، وربما أساء تقدير الموقف الأمني على الحدود بين مصر وليبيا وفي الداخل الليبي !
في النهاية هل هي تغييرات الضرورة.. أم تراها لعبة الكراسي الموسيقية لا أكثر ولا أقل ؟.. إذ لا يبقى أحد في منصبه طويلاً كي لا يصنع لنفسه أنصاراً ينازعون الرئيس صلاحياته، خاصة مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة لفترة ثانية في حزيران/يونيو 2018 ؟