خاص : كتبت – هانم التمساح :
لم تستطع الحكومة العراقية أن تتحمل سماع أصوات الحناجر المدوية في شوارع “بغداد” ومدن عراقية أخرى، وأرادت أن تُخرس هذه الأصوات إما بالمنع أو حتى القتل، صوت الحقيقة الموجعة يكاد يصمهم ويعمي أبصارهم.. حتى أنهم يغلقون آذانهم وأبصارهم عن سماع أو قراءة وسائل الإعلام التي تنقل أصوات جماهير الشعب الغاضبة؛ ويحاولون تكميمها وأخراسها، تارة بالمنع وتارة بالقمع وخطف الصحافيين والإعلاميين وبحبسهم واخفائهم.. كأي مجرم يريد اخفاء معالم جريمته؛ وككل مستبد لا يقبل أن يرى حقيقة نفسه، وتارة ثالثة بقطع شبكة “الإنترنت”.. لم يقف الأمر عند هذا الحد من التعدى على حرية الإعلام والصحافة؛ بل وصل بهم الأمر لقصف بعض قنوات التليفزيون واقتحامها وتخريبها لمنع نقل أحداث التظاهرات.
إغلاق قنوات محلية وعربية..
وكشف رئيس “مرصد الحريات الصحافية” في العراق، “زياد العجيلي”، عن قرار الحكومة العراقية بإغلاق قنوات تليفزيونية محلية وعربية بسبب تغطيتها الاحتجاجات.
وقال “العجيلي”، فى تصريحات صحافية؛ إن: “الحكومة العراقية قررت إغلاق قنوات، (دجلة، الشرقية، NRT كردية، الرشيد، الفلوجة، هنا بغداد وقناة anb المحليات)”، مبينًا أن: “الإغلاق شمل مكاتب قنوات (العربية الحدث، الحرة)، لخرقها مواد لائحة قواعد الترخيص الإعلامي، حسبما ذكرته هيئة الإعلام”.
وأضاف أن: “الحكومة بدأت تنتهج سلوكًا ديكتاتوريًا في التعامل مع وسائل الإعلام، وما تفعله من تضييق لا يمكن إلا أن نسميه تكميمًا للأفواه، ووقوفًا ضد حرية الرأي والتعبير عنه”.
وأصدرت “هيئة الاتصالات والإعلام” العراقية بيانًا، الشهر الماضي، هددت فيه، وسائل الإعلام، التي وصفتها بـ”المحرضة على العنف”، بعقوبات إدارية وقانونية.
وطالبت الهيئة، وسائل الإعلام، مراعاة المسؤوليات في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد، وأن عليها تؤخي الدقة والمهنية في التعاطي مع أحداث التظاهرات ومناقشة أخبارها الواقعية وعدم نشر الأخبار المفبركة أو المنقولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، بحسب مزاعمها.
حرق واقتحام للمقرات ومنظمات دولية تدين..
من جهتها؛ استنكرت منظمة “سكاي لاين” الدولية الإعتداءات التي تعرّضت لها مقرات قنوات إعلامية عراقية وعربية في العاصمة العراقية، “بغداد”، على خلفية تغطيتها الإخبارية للمظاهرات والأحداث الراهنة.
ووفق الإفادات التي وصلت “سكاي لاين” الدولية، أحرق مسلّحون مقر قناة (دجلة) الفضائية، وهو الأمر الذي أدى إلى وقف بثها، بينما اقتحم مسلحون آخرون مقر قناة (NRT)، وقاموا بتحطيم محتوياتها والإعتداء على العاملين فيها.
وأعلنت قناة (الفرات) الفضائية المحلية تعرض مكتبها، وسط “بغداد”، لهجوم صاروخي بقذائف (هاون) من قِبل مسلحين، وهو ما أدى إلى إصابة أحد العاملين بجروح.
ووقع هجومٌ آخر على مكتب شركة بث فضائية متعاقدة مع قنوات عربية وأجنبية عديدة، إضافة إلى تعرض مكاتب قنوات (العربية) و(الحدث) إلى إعتداءٍ مماثل، إضافةً للإعتداء على مركزيْن للصحافة.
وكان مراسل قناة (العربية)، في “بغداد”، قد أفاد بأن مكتبه تلقى تهديدات قبل الاقتحام، وقال إن سيارات سوداء أقلّت أشخاصًا ملثمين، (ما يقارب 10 أشخاص)، يرتدون زيًا أسودًا اقتحموا المدخل الرئيس، وقاموا بالإعتداء على الكادر المتواجد في مكتب القناة، وضربوا الموظفين بالأسلحة، ثم قاموا بتحطيم المعدات والأجهزة المحمولة.
تصعيد خطير وتوصيات بضرورة حماية الإعلاميين..
وقالت منظمة “سكاي لاين” الدولية إن ال‘عتداءات على المكاتب الصحافية، هو تصعيد خطير ضد الصحافة من خلال استخدام الأسلحة والإعتداءات الجسدية، وتأتي استغلالًا للأوضاع التي يعيشها “العراق”، على وقع التظاهرات الشعبية المتواصلة منذ أيام.
وأوضحت المنظمة؛ أن هنالك من يحاول منع التغطية الإعلامية وفضح الإنتهاكات بحق المتظاهرين.
ونوهت “سكاي لاين” على أن الهجمات ضد الصحافة هي منسقة ومحاولة لمنع التغطية الصحافية والتغطية على الإنتهاكات المروعة لحقوق الإنسان.
وتُتابع “سكاي لاين” الدولية الهجمات ضد الصحافة بقلق بالغ، خصوصًا أنها أتت بعد أيامٍ من قطع خدمات “الإنترنت” وحجب مواقع التواصل الاجتماعي عن جميع أنحاء “العراق”، وتؤكد المنظمة أن هذه الإعتداءات تأتي في سياق حجب المعلومات عن المواطنين العراقيين وعن الجمهور حول العالم.
ويحتل “العراق” المرتبة 156 في القائمة المكونة من 180 دولة، لمؤشر “حرية الصحافة” لعام 2019، بينما يفتقر “العراق” إلى قوانين تحمي حقوق الصحافيين وتوفر الحصانة لهم.
وحثّت “سكاي لاين” الدولية، السلطات العراقية، حماية الصحافيين وجميع العاملين في الحقل الإعلامي بمختلف إنتمائاتهم ومنع الإعتداء عليهم، مبينةً أن الحكومة تتحمّل كامل المسؤولية عن سلامتهم وأمنهم.
تراجع بعض القنوات عن نقل الأحداث عقب تهديدات !
الإعتداء الذي وقع بالجملة على المؤسسات، دفع البعض منها، وخصوصًا التي تبنت نقل أحدات التظاهرات على مدى الأيام السابقة، إلى تغيير سياستها وقامت ببث مواد إعلامية تخص الحكومة وأمتنعت عن نقل أخبار المتظاهرين وما يحدث في “بغداد” حتى الساعة، ومنها قناة (الشرقية)، و(سامراء) وإذاعة (دجلة).
ويقول بعض العاملين، في هذه المؤسسات؛ إن إداراتهم تعرضت إلى الضغط والتهديد بقطع البث، ما أضطرهم إلى إيقاف نشر أخبار التظاهرات وصورها.
وتداول الناشطون، في “البصرة”، على مواقع التواصل الاجتماعي؛ مقتل مصورة حرة تدعى، “سارة”، وزوجها، وعُثر عليهما مقتولين داخل المنزل.
وكانت القوات الأمنية قد منعت المراسلين في الميدان من التصوير بهواتفهم النقالة، وأعاقت وصول سيارات النقل المباشر للقنوات التليفزيونية إلى ساحة الاعتصامات.
القنوات الرسمية ببغائية منحازة للحكومة..
ويرى كثير من المتابعين أن القنوات الرسمية العراقية قامت بشيطنة المتظاهرين، وتصوير الاحتجاجات على أنها تمرد وتخريب من خلال الصور والفواصل التي تم بثها، متضمنة الإعتداء على القوات الأمنية، لكنها لم تُظهر الجانب الآخر؛ وهو العنف الذي طال المتظاهرين، وبهذا لم تكن “أمينة في نقل المعلومة وفقدت حياديتها”.
يُذكر أن (شبكة الإعلام العراقي) تأسست بعد غزو “العراق”، عام 2003، وتم استبدال “وزارة الإعلام” بالشبكة لتكون ممولة من الدولة، لكنها لا تعبر عن مزاج السلطة محاكاة لـ”هيئة الإذاعة البريطانية”، (BBC).
وتصل الميزانية المالية للشبكة حوالي “70 مليون دولار، ويبلغ عدد العاملين فيها أكثر من 5000 موظف”، بحسب العضو السابق في مجلس أمناء الشبكة الصحافي، “هيوا عثمان”.