تعديل النظام السياسي في “تونس” .. هل يقضي الدستور الجديد على مشاكل البلاد ؟

تعديل النظام السياسي في “تونس” .. هل يقضي الدستور الجديد على مشاكل البلاد ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

تسير الحياة السياسية في “تونس” نحو منحى آخر، حيث قال “وليد الحجام”، مستشار الرئيس التونسي، “قيس سعيد”، الخميس، إن هناك ميلاً لتعديل النظام السياسي في “تونس”؛ ربما عبر استفتاء، وإنه يُفترض تعليق الدستور وإصدار نظام مؤقت للسلطات.

وأمسك “سعيد” بسلطات الحكم جميعها؛ بعد أن عزل رئيس الوزراء وجمد أعمال البرلمان، في 25 تموز/يوليو الماضي؛ ضمن إجراءات استثنائية وصفها خصومه السياسيون: بـ”الانقلاب”، لكنه لم يُعين أي حكومة جديدة، حتى الآن، أو يُصدر أي إعلان أوسع عن خططه على الأمد الطويل.

وقال “الحجام”، في لقاء مع (سكاي نيوز عربية): “هناك ميل لتغيير النظام السياسي الذي لا يمكن أن يتواصل. تغيير النظام يعني تغيير الدستور عبر الاستفتاء ربما. الاستفتاء يستوجب وقتًا وإعدادًا لوجيستيًا”.

وأضاف أن ملامح خطة الرئيس التونسي، في مراحلها الأخيرة؛ ومن المتوقع الإعلان عنها رسميًا في وقت قريب.

تغييرات جذرية للنظام السياسي..

وكرر الرئيس “سعيد”، في أكثر من مناسبة؛ القول بأنه لن يعود إلى الوراء، في إشارة إلى عزمه المضي قدمًا في إجراء تغييرات جذرية للنظام السياسي وحل البرلمان؛ على ما يبدو.

وكان رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، “جمال مسلم”؛ قال لصحيفة (الصباح) المحلية؛ إن “سعيد” أخبرهم بأنه يعتزم تعيين رئيس للحكومة، هذا الأسبوع، في حين لم يخض “الحجام” في تفاصيل التغييرات التي يفكر فيها “سعيد”.

غير أنه من المتوقع، على نطاق واسع؛ تغيير نظام الحكم إلى النظام الرئاسي الذي يتقلص فيه دور البرلمان.

وتبنت “تونس” الديمقراطية بعد انتفاضة 2011، التي أنهت الحكم الاستبدادي وأطلقت ثورات “الربيع العربي”؛ في جميع أنحاء المنطقة.

وحثت القوى المحلية والدولية، على حدٍ سواء؛ “سعيد”، على الإسراع بتشكيل حكومة وإعلان خططه للخروج من الأزمة الدستورية.

وتواجه “تونس” مشكلات اقتصادية خطيرة وتهديدًا يلوح في الأفق بشأن المالية العامة، حيث كانت قد بدأت للتو محادثات مع “صندوق النقد الدولي”؛ بشأن برنامج قروض جديد، لكنه توقف منذ إطاحة، “سعيد”، برئيس الوزراء.

ولن يتسن لـ”تونس” الحصول على أي برنامج تمويلي من الصندوق؛ إلا بعد مفاوضات مع الحكومة المقبلة.

وستكون أمام الحكومة تحديات لخفض العجز المالي وسداد قروض خارجية ومواجهة تحديات اجتماعية عاجلة.

وحث سفراء “مجموعة الدول السبع”، هذا الأسبوع، “سعيد”؛ على تشكيل حكومة وإعادة “تونس” إلى النظام الدستوري الذي يلعب فيه البرلمان المنتخب دورًا بارزًا.

وبدوره؛ حث “اتحاد الشغل”، ذو التأثير القوي، الرئيس؛ على إعلان خططه للفترة المقبلة، بينما تشهد البلاد أوقاتًا حرجة بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

تصريحات غير مُلزمة رسميًا..

تعليقًا على ما أعلنه مستشار الرئيس، انتقد النائب المستقل، “حاتم المليكي”، في تصريح لـ (سبوتنيك) الروسية؛ الشكل الاتصالي، الذي اعتمده مستشار الرئيس، قائلاً: “هذه التصريحات غير مُلزمة من الناحية الرسمية، ولكنها خلقت في نفس الوقت ردة فعل قوية لدى الرأي العام”.

ويرى “المليكي”؛ أنه كان من الأنسب أن يُصدر رئيس الجمهورية بيانًا رسميًا يُفصح فيه عن توجهه ويوضح فيه النقاط المتعلقة بتغيير النظام والدستور أو أن يفوض شخصية تتحدث باسمه بشكل رسمي، عوض الاعتماد على أساليب مبهمة وعبارات من قبيل: “وجود نية أو ميل أو توجه”.

ومن حيث المحتوى، قال “المليكي”: “هذه المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن خارطة طريق تتضمن الخروج عن الدستور، وهو ما يُحيل إلى تعارض تام مع ما صرّح به رئيس الجمهورية، بداية من تاريخ 25 تموز/يوليو حتى أيلول/سبتمبر، وتأكيده المستمر على إلتزامه بالدستور والعمل ضمن نصوصه”.

وتساءل “المليكي”؛ ما إذا كان مستشار الرئيس، “وليد الحجام”؛ قد صرّح بما ما قاله من تلقاء نفسه أم بناءً على معطيات من داخل “قصر قرطاج” ؟.. وعن السبب الذي يقف وراء التغير الجذري في موقف رئيس الدولة من إلتزامه المطلق بالدستور إلى إمكانية الخروج عنه.

وأضاف: “هل اكتشف اليوم، الرئيس؛ أن دستور 2014؛ أصبح عائقًا، وأنه يستوجب التغيير وإصدار تنظيم آخر ؟.. إن هذا الأمر يطرح إشكالاً كبيرًا على مستوى التوجه وعلى مستوى إلتزامات رئيس الجمهورية”.

أبواب مبهمة تستوجب التوضيح..

ولفت النائب المستقل، “حاتم المليكي”، إلى أن تصريحات “الحجام” فتحت العديد من الأبواب المبهمة، التي تستوجب التوضيح العاجل.

وأوضح أن تعليق الدستور يعني بالضرورة إنهاء كل الشرعيات المنبثقة عنه، بما في ذلك شرعية البرلمان؛ وكذلك شرعية رئيس الجمهورية.

وبيّن أن هذه المرحلة تستوجب حلّ البرلمان وأن يُسلّم رئيس الجمهورية السلطة وقتيًا لشخصية يقع الاتفاق عليها؛ كرئيس المجلس الأعلى للقضاء أو رئيس المحكمة الإدارية، على غرار ما حدث في التجربة المصرية، عندما وقع إيقاف العمل بالدستور.

وتابع: “عند إنهاء كل الشرعيات وتسليم السلطة، في مرحلة انتقالية؛ يجب معرفة آجال وتواريخ إجراء الانتخابات لتجديد الشرعية”.

مجازفة خطيرة..

واعتبر “المليكي”؛ أن أي محاولة للخروج عن الدستور وتعليقه برمته وإنهاء شرعية مؤسسات الدولة في المرحلة الحالية، هي مجازفة خطيرة جدًا، أولاً لأنها ستخلق أزمة شرعيات في البلاد وتناحر داخل مؤسسات الدولة، وثانيًا لأنه سيكون من الصعب جدًا على الحكومة العمل في ظل إلغاء الشرعيات ومواصلة الإصلاحات، وخاصة المفاوضات المالية مع “صندوق النقد الدولي” والجهات المانحة.

ولهذه الأسباب، دعا “المليكي”، رئيس الدولة؛ إلى عدم التهور وعدم الخروج عن الشرعية الحالية، وبناء عملية إصلاح المسار في إطار الإلتزام بالدستور.

واقترح “المليكي” أن يقع استفتاء الشعب حول نقطة واحدة؛ وهي تغيير النظام السياسي، وعلى ضوء تلك الإجابة يقع تعديل الفصول، في دستور 2014، بما يستجيب لنتائج الاستفتاء.

وبيّن أن الدستور الحالي لا يتضمن مشاكل في جميع فصوله، وإنما فقط في بعض الفصول التي تتضمن إشكاليات عملية في السلطة التنفيذية على مستوى العلاقة بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، والتي تهم الفصول من (77) إلى (101).

لن تنتهي مشاكل “تونس” بتغيير الدستور !

من جهته؛ انتقد رئيس الكتلة الديمقراطية، “نعمان العش”، توجّه مستشار الرئيس نحو وسيلة إعلام أجنبية، عوض التوجه إلى الشعب التونسي مباشرة؛ في مخالفة للبروتوكول المعتمد في “تونس”، قائلاً: “هل أصبحنا اليوم نستقي أخبار بلادنا ورئاستنا وشأننا الداخلي من الخارج ؟”.

موضحًا أن وصف المستشار الرئاسي، دستور 2014، بأنه عائق في الدولة التونسية؛ هو أمر مخالف للصواب، مضيفًا: “واهم من يعتقد أن مشاكل تونس ستنتهي بتغيير الدستور”.

واعتبر أن، دستور 2014، تضمّن العديد من المكاسب الجيدة على صعيد الحقوق والحريات والحوكمة المحلية وتنظيم الهيئات الدستورية وغيرها، باستثناء بعض الإشكاليات المتعلقة بتنظيم السلطة.

وأضاف أن تعديل الدستور لا يمكن أن يتم بشكل أحادي، من خلال لجنة يتم تركيزها في قصر الرئاسة، وإنما عن طريق تنظيم استشارة وحوار تُشارك فيه أكثر ما يمكن من الأطياف التونسية.

وتابع: “من الضروري أن تُشارك أغلب الحساسيات وأطياف المجتمع في كتابة الدساتير من أجل أن تكون ممثلة فيها؛ وأن تدلوا بدلوها في المسائل التي تهم جميع الأطياف المكونة للشعب التونسي، وليس فقط رئيس الجمهورية من خلال تنسيقياته التي شكلت حزبًا سياسيًا موازيًا غير معلن؛ وغير متحصل على تأشيرة نشاط رسمية”.

ولفت “العش” إلى أن تنقيح الدستور أو تغييره يتطلب المرور بالبرلمان، سواء الحالي أو القادم المنتخب؛ حتى يكون التعديل من داخل الدستور نفسه، مع وجوب إرساء المحكمة الدستورية.

وقال “العش”: “ليس هناك وصفة سحرية لدستور يكون أفضل ما أخرج للناس، كل دستور يتضمن صعوبات وإشكاليات؛ ربما تكتشف من خلال الممارسة، ثم إن النظام الرئاسي في مجمله هو نظام تعتمده أغلب الدول الدكتاتورية”.

ويرى “العش” أنه ليس من الوجاهة استفتاء الشعب في هذه المسائل المعقدة، الذي قد يجد نفسه عاجزًا عن فك رموز الدستور، التي يصعب أحيانًا على التقنيين وأساتذة القانون فهمها ويختلفون في تأويلها.

وأضاف: “ربما سيقع التصويت على الشخص وليس على الدستور في حد ذاته، وأن يصوّت الناس على دستور، قيس سعيد، وليس على دستور تونس”.

الدستور معبأ بالألغام..

بينما قال “باسل ترجمان”، الباحث التونسي في شؤون الجماعات المتطرفة، إن الإشكال الحقيقي اليوم في “تونس”؛ هو في وجود دستور يساهم بشكل كبير في تعطيل وعرقلة الحياة السياسية، وهذا الدستور صُنع من أجل أن يكون معبأ بالألغام لمنع تحقيق أي تطور أو تقدم، مؤكدًا أن هذا الدستور كان أحد أسباب الفشل الحقيقي في “تونس”.

وأضاف “ترجمان” أن تصريحات مستشار الرئيس التونسي، هو مطلب يتفق عليه كثير من أبناء الشعب التونسي بضرورة تغيير هذا الدستور وتغيير شكل المنظومة السياسية الحالية.

وأوضح الباحث التونسي أن هناك توجه حقيقي في “تونس” من أجل أن يكون هناك رأي للشعب في شكل نظامه السياسي القادم؛ وفي شكل منظومة الحكم.

ولفت “ترجمان” إلى أن المطلوب اليوم هو التغيير الحقيقي الذي ينطلق من القاعدة إلى القمة؛ من أجل أن يكون هناك نظام سياسي سوي يتماشى مع متطلبات الشعب التونسي.

تحتاج لنظام واضح يمسك زمام الأمور داخليًا وخارجيًا..

قال المحلل السياسي التونسي، “فاضل الطياشي”: “إن الدعوة لتغيير النظام السياسي في تونس؛ والذي جاء به دستور 2014، ليست جديدة، فمنذ سنوات والجميع يُطالب بتغيير هذا النظام الذي لم يتماشى مع الحالة التونسية، بل وزاد من تدهور الأوضاع الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي، فاليوم وبعد أن أعلن رئيس الجمهورية، قيس سعيد، جملةً من الإغراءات والتعديلات، يوم 25 تموز/يوليو الماضي، بدأ التفكير بشكل جدي في تغيير النظام السياسي التونسي؛ وسيتم ذلك عبر تعديل الدستور، وكذلك أغلب فصول الدستور من أجل التوجه نحو نظام سياسي جديد يكون واضح؛ إما نظام رئاسي كامل أو نظام برلماني كامل، لأن النظام الحالي هو شبه برلماني يعطي بعض الصلاحيات لرئيس الجمهورية، وبعض الصلاحيات لرئيس الحكومة، ويتسبب في تشتت داخل البرلمان وغير ذلك من الأمور، لذلك تونس في حاجة لنظام واضح يُمسك بزمام الأمور داخليًا وخارجيًا”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة