20 أبريل، 2024 6:29 ص
Search
Close this search box.

تصعيد إثيوبيا سياحيا بالتوازي مع سد النهضة .. لماذا الآن ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

في الثلاثين من تشرين أول/أكتوبر عام 2016، عرضت صحيفة “الديلي ميل” البريطانية عبر موقعها الإلكتروني تقريراً أكدت فيه أن إثيوبيا تحتل الوجهة العاشرة ضمن أفضل دول العالم للسفر في 2017 وذلك وفقاً لمؤشر “لونلي بلانيت”.. أهم مواقع التصنيفات للسياحة والسفر في العالم.

قبلها بعام في 2015 فاجأت قناة الـ”سي. إن. إن” الأميركية والعديد من مواقع السياحة العالمية مشاهديها باختيار “المجلس الأوروبي للسياحة والتجارة” إثيوبيا من بين 31 وجهة كأفضل وجهة للسياحة للعام 2015.

اهتمام دولي
إذاً هناك حالة من التصعيد الخاص لإثيوبيا، ويكفي أن تمدحها الـ”سي. إن. إن” في تقرير لها قائلة: “إذا كنت تتوقع أن تكون إسبانيا أو تايلند أو إيطاليا، هي الفائزة بجائرة أفضل وجهة سياحية في العالم لهذا العام، فقد تحتاج ربما إلى التفكير من جديد، وذلك لأن البلد الفائز لهذا العام من الصعب أن يخطر على بال أحد”.

متابعة: “إنها إثيوبيا، البلاد التي حظيت بالكثير من المديح بسبب طبيعتها الخلابة ومواقعها التاريخية العريقة، ما جعل المجلس الأوروبي للسياحة والتجارة يختارها من بين 31 وجهة كأفضل وجهة للسياحة للعام 2015”.

التقارير تؤكد على أنه في عام 2014 فقط – رغم الإضطرابات السياسية والأمنية التي تشهدها مناطق كثيرة في افريقيا – زار إثيوبيا 600 ألف سائح بقصد الإستمتاع بمناظرها الطبيعية ومواقعها التاريخية، التي أُدرجت تسعة منها ضمن قائمة التراث العالمي التابعة “لليونيسكو”.

وعنون تقرير آخر لـ”هافينجتون بوست”، بنسخته العربية في 31 آذار/مارس عام 2016 بـ”هل رأيت اثيوبيا بهذا الجمال من قبل؟.. فكر بها كوجهة سياحية هذا الصيف!”.

الـ”سي. إن. إن” الأميركية، فندت أسبابها لترشيح إثيوبيا كأهم وجهة سياحية على الإطلاق في أفريقيا وذلك بتقرير نشر في 25 أكتوبر/تشرين أول عام 2016.

تقول أهم وسيلة إعلام أميركية، إنه منذ خمسينيات القرن الماضي، سعت إثيوبيا إلى أن تكون بمثابة “أحدث مغامرة أفريقية” لجذب السياح، طبعاً هنا التقرير يعطي بعداً تاريخياً ويؤصل إلى أن إثيوبيا مقصد سياحي منذ عقود ولو بشكل غير مباشر.

وأنه يستمر سعي تلك الدولة الواقعة في شرقي أفريقيا حتى يومنا الحالي إلى أن تكون الوجهة الأولى للمغامرات الأفريقية، بكلّ ما تتمتع به من طبيعة وثقافية.

نصوص جاذبة
استخدمت التقارير العالمية المنشورة حول إثيوبيا ألفاظاً جاذبة ومشوقة وداعمة لزيارة هذا البلد الأفريقي، كـ”إلتقط أنفاسك في جولة بين جبال سيميان الإثيوبية.. مناظر خلابة وحيوانات نادرة”.

لماذ إثيوبيا؟.. إن من صنفها كوجهة سياحية أولى في أفريقيا يقول عنها إنها تتميز بعمارتها وكنائسها التي أدرجت ضمن لائحة المواقع التراثية العالمية التابعة لليونيسكو.

ومن جهة ثانية، حكمت البلاد سلسلة من الإمبراطوريات والممالك التي تركت إرثاً من القصور والقلاع والقبور، مثل قلعة “جوندار” ومسلّة “أكسوم” الحجرية.

ومن بحيرة “تانا” ونهر النيل مرورواً بجبال جيرلتا ووصولاً إلى صحراء الدناكل ذات المشاهد التي لا تذكر سوى بالفضاء الخارجي ووادي “أومو” الأخضر، ما من حدود لتنوّع التضاريس في إثيوبيا.

ومن ضمن الأسباب أيضاً التي رشحت إثيوبيا كأفضل وجهة وفق أهم التقارير السياحية وأشهرها ما يتعلق بـعشاق الحيوانات، إذ توضح تمتع إثيوبيا بثروة حيوانية مميزة، مثل الحمار الوحشي والزرافات، وغيرها من الحيوانات النادرة مثل القرد أبو قلادة والذئب الحبشي.

ولم يفت التقارير الحديث عن البنية التحتية المرحبة بالسياحة، إذ تشهد العاصمة أديس أبابا ثورة عمرانية تتضمن توسيع مطار “بول” الدولي، إلى جانب عدد من الفنادق الفاخرة، فضلاَ عن مبادرات لتحديث خطوط القطار الداخلية والشوارع الرئيسية.

الصين على الخط
ولا يفوتنا هنا ما تعهدت به كل من إثيوبيا والصين في آب/أغسطس عام 2016، بالتعاون في تنمية قطاع السياحة بالدولة الواقعة بشرق افريقيا واهتمام الصين البالغ بإثيوبيا.

بدورها، تقول وكالة “رويترز” إن إثيوبيا تطمح إلى زيادة عدد السائحين لأكثر من 2.5 مليون زائر بحلول عام 2020، ليصبح قطاع السياحة من دعائم اقتصادها كأحد الاقتصادات الأسرع نمواً في أفريقيا.

وتتوقع أديس أبابا، مدعومة بإنفاق ضخم على البنية التحتية وتوسع في قطاعي الخدمات والزراعة، نمواً اقتصادياً سنوياً بنحو 11% على مدى السنوات القليلة المقبلة.

ويبين التقرير أنه رغم إفتقاد إثيوبيا الشواطئ المحفوفة بالنخيل ومتنزهات السفاري لجارتيها كينيا وتنزانيا، فإن إثيوبيا الواقعة في منطقة القرن الأفريقي تباهي بتضاريسها الرائعة وماضيها الإمبراطوري الساحر.

ويقول وزير الثقافة والسياحة الإثيوبي “أمين عبد القادر”، إن عدد الزائرين زاد عشرة بالمئة سنوياً على الأقل على مدى السنوات العشر الأخيرة من قاعدة منخفضة جداً. وجاء إلى البلاد ما يزيد على 750 ألف سائح في السنة المالية 2014 – 2015، وهو ما حقق إيرادات قدرها 2.9 مليار دولار.

ويتابع بقوله إن هناك طلب كبير من حيث الحجوزات وخطط الاستثمار، وإن بلاده تهدف لإستقبال ما يزيد على 2.5 مليون زائر خلال أربع سنوات، وإن قطاع السياحة سيدر استثماراً أجنبياً مباشراً وعملة صعبة، ويخلق فرص عمل، إضافة إلى مساهمته في بناء الصورة الذهنية.

وتعمل بضع سلاسل فندقية عالمية بالفعل في إثيوبيا، من بينها “شيراتون، وراديسون، وجولدن تيوليب”، بينما تقول “بست ويسترن انترناشونال” الأميركية و”أكور” الفرنسية و”رامادا”: إنها تعكف على مشروعات جديدة.

ووقعت “هيلتون وورلدوايد هولدنجز” إتفاقية إدارة لفتح أول فندق لها في إثيوبيا منذ أكثر من 20 عاماً، بينما كشف في العاصمة أيضاً عن أول شقق فندقية تحمل العلامة التجارية “ماريوت” بأفريقيا جنوبي الصحراء.

وتعد إثيوبيا بلدًا متنوعًا من الناحية البيئية، بدءاً من الصحاري على طول الحدود الشرقية إلى الغابات الإستوائية في الجنوب، وتعد بحيرة “تانا” في الشمال هي منبع النيل الأزرق. كما أن لديها عدداً كبيراً من الحيوانات الغريبة المتوطنة مثل: الوعل والذئب الإثيوبي (أو سايمن الثعلب).

وتكمن معظم المدن الرئيسية والمواقع السياحية في إثيوبيا في إرتفاع مماثل لأديس أبابا، ولها مناخ مماثل.

كما حلت إثيوبيا كوجهة عاشرة بأفضل دول العالم للسفر الاقتصادي في 2014، وذلك بحسب أهم موقع في العالم للسياحة والسفر “لونلي بلانيت”.

تركيا على الأرض
يقول السفير التركي لدى إثيوبيا “فاتح أولوصوي”، إن بلاده تتطلع إلى جذب مستثمرين أتراك في مجالات صناعة الضيافة والفندقة والسياحة في إثيوبيا، بحسب ما ذكرت قناة “تي. آر. تي” التركية في أيلول/سبتمبر 2016.

ولفت “أولوصوي” في تصريحات على هامش افتتاح معرض الفنادق والضيافة والاستثمار الأفريقي في أديس أبابا، أن الرئيس الاثيوبي “ملاتو تشومي”، أثنى على مشاركة الشركات التركية في معرض الفنادق والضيافة الأفريقي وشجع المستثمرين الأتراك للاستثمار في إثيوبيا.

وأصبحت إثيوبيا وجهة للعديد من المستثمرين الأتراك، وفق السفير الذي أكد أن سفارة بلاده، تعمل وفق خطة طموحة لجذب المزيد من الاستثمارات التركية في مختلف المجالات.

وأكد الرئيس الإثيوبي ملاتو تشومي في كلمة له خلال افتتاح المعرض، أن صناعة الضيافة أصبحت تلعب دوراً كبيرًا في نمو قطاع السياحة.

وقال إن حكومة بلاده تعطي الأولوية لقطاع التصنيع وتطوير صناعة السياحة، مشيراً إلى رغبة بلاده في الإستفادة من الخبرات الأجنبية المشاركة لتطوير صناعة السياحة والضيافة في البلاد.

وشاركت في المعرض عدد من الشركات العالمية والأفريقية المتخصصة في مجالات الضيافة وخدمات الفنادق، من الصين، والهند، وتركيا، وأمريكا، واليابان ، ودول أفريقية.

وتحت عنوان إثيوبيا قد تصبح أهم وجهة سياحية في أفريقيا، فندت قناة “المنار” اللبنانية في أواخر تموز/يوليو عام 2016 ما تتميز به إثيوبيا من مظاهر حضارية تناولتها تقارير لونلي بلانيت والديلي ميل والسي إن إن.

بيت القصيد
التصعيد السياحي لإثيوبيا يأتي بالتزامن مع دعم غير محدود من الصين وإيطاليا وإسرائيل والسعودية – مؤخرا – والإمارات وتركيا، للدولة الإفريقية في مجالات ومشروعات كثيرة وأهمها ما تقوم بتشييده على النيل وهو سد النهضة، الذي تتخوف مصر منه بشدة وتقول دائماً إنه سيأخذ من حصتها المائية ما يؤثر على مساحة الأراضي المنزرعة في بلد مصب النيل ويتسبب في مشكلات غذائية وأزمات اقتصادية تزيد الطين بلة.

الربيع العربي
التصعيد والاهتمام بإثيوبيا بدا واضحاً التركيز عليه، بل والإسراع فيه منذ إنتفاضات وما سمي بـ”ثورات الربيع العربي”، في مصر وليبيا وتونس عام 2011، بل إن البعض ذهب للقول إن إثيوبيا استغلت إنشغال مصر في مشكلاتها وعثراتها السياسية والأمنية وانطلقت في تشييد السد الذي طالما تحفظت على بنائه مصر لإضراره بمصالحها المائية، وفق ما تؤكده القاهرة دائماً وأن إتفاقية 1926 تتضمن إقرار دول حوض النيل بحصة مصر المكتسبة من مياه‏ النيل، وان لمصر الحق في الإعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده.

الإتفاقية كانت بين مصر وبريطانيا (التي كانت تمثل كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا) لتنظيم إستفادة مصر من بحيرة فيكتوريا، وتم تخصيص نسبة 7.7٪ من التدفق للسودان و92.3٪ لمصر.

المعروف أن الذي حدد الموقع النهائي لسد النهضة الكبير الإثيوبي مكتب الولايات المتحدة للإستصلاح، إحدى إدارات الخارجية الأميركية، خلال عملية مسح للنيل الأزرق أجريت بين عامي 1956 و1964 دون الرجوع إلى مصر حسب إتفاقية 1929، لكن طوال عقود من الزمن لم “تجرؤ” إثيوبيا على البدء الفعلي بتنفيذ المشروع ومع إقتراب نهاية نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، واستهدافه قبلها بحملات إعلامية داخلية وخارجية، قامت الحكومة الإثيوبية بعملية مسح لموقع السد في تشرين أول/أكتوبر 2009 وآب/أغسطس 2010، وفي تشرين ثان/نوفمبر 2010، تم الإنتهاء من تصميم السد.

هل للأمر علاقة بمصر؟
المفاجأة كانت في 30 آذار/مارس 2011 عندما أعلنت إثيوبيا عن المشروع بعد نحو شهر ونصف الشهر من إسقاط الرئيس المصري الأسبق مبارك، بثورة سلمية لم يتعرض لها الجيش أطاحت به في 18 يوماً فقط وأدخلت القاهرة دوامة لم تتح لها الإنشغال ومتابعة ما يدور خارج قطرها، وبعد يوم واحد من الإعلان عن المشروع، تم منح عقد قيمته 4.8 مليار دولار دون تقديم عطاءات تنافسية للشركة الإيطالية Salini Costruttori

وعلى الفور تتابعت الأحداث.. ففي 2 نيسان/أبريل 2011، وضع رئيس وزراء إثيوبيا السابق “ملس زيناوي” حجر الأساس للسد، وقد تم إنشاء كسارة للصخور جنباً إلى جنب مع مهبط للطائرات الصغيرة للنقل السريع.

وفي 15 من نفس الشهر، أعاد مجلس الوزراء الاثيوبى تسمية السد بـ”سد النهضة الإثيوبي الكبير”، إذ كان في البداية يطلق عليه “مشروع X”، وبعد الإعلان عن عقود المشروع سمى بـ”سد الألفية”.

في آيار/مايو 2011، أعلنت إثيوبيا انها سوف تتقاسم مخططات السد مع مصر حتى يمكن دراسة مدى تأثير السد على المصب.

وفي آذار/مارس 2012، أعلنت الحكومة الإثيوبية عن ترقية لتصميم محطة توليد كهرباءالسد، وزيادتها من 5250 ميجاوات إلى 6000 ميجاوات.. وتقول التقارير إنه من المتوقع ان يكون أول مولدين جاهزة للعمل بعد 44 شهراً من البناء.

وكما ذكرنا، تعارض مصر (التي تقع على مصب النهر) إقامة هذا السد مؤكدة على أنه سيقلل من كمية المياه التي تحصل عليها من النيل.

برر زيناوي (رئيس وزراء إثيوبيا السابق) – بناء على دراسة لم يكشف عنها – أن السد لن يقلل توافر المياه للمصب، وانه أيضاً ينظم المياه لأغراض الري، ومن المقرر أن يكتمل في تموز/يوليو عام 2017.

واستمرت جولات الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” من أجل التأكيد على ضرورة متابعة بناء السد وعدم مساسه بحصة مصر المائية، لكن يبدو الأمر دون جدوى، فإثيوبيا لم تلتفت لطلب مصر واستمرت في بنائه.

الاهتمام بإثيوبيا سياحياً وترويجياً، سار في خط متوازي مع البدء في بناء سد النهضة ومنحه قوة دعم دولية لا تستطيع معها مصر التفكير في التصدي له أو حتى إيقافه وتعطيله.. وكذلك الدعم الترويجي لإثيوبيا يعطيها قوة اقتصادية ومعنوية كبرى بل وثقل سياسي ومكانة على الأرض، فهل هناك ارتباط بين الترويج السياحي العالمي لهذه الدولة الإفريقية وتنفيذ مشروع سد النهضة الذي يتحكم في مقدرات المياه لدولة بحجم مصر؟

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب