خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في خطوة غير مسبوقة، دخل زعيم التيار الصدري في العراق، “مقتدى الصدر”، على خط الأزمات السياسية؛ وهو الأمر الذي فاجأ الجميع حيث غالبًا ما تم الإعتياد على تغريداته المهتمة بالشأن الاجتماعي الداخلي، إلا أنه هذه المرة غرد خارج السرب ليصدر تصريحات تتعلق بعلاقة بلده مع دول أخرى، فقد شدد على ضرورة ألا يزج “العراق” في أتون الصراعات الإقليمية والدولية الدائرة حاليًا، وخصوصًا بين “أميركا” و”إسرائيل” من جهة و”إيران” من جهة أخرى.
وأعرب “الصدر”، في بيان، عن قلقه من “تزايد” ما وصفها بـ”التدخلات” في الشأن العراقي.
وقال “الصدر”: “قلقي يتزايد يومًا بعد يوم وأنا أرى التدخلات في الشأن العراقي من كلا الطرفين تتعمق، وهناك من يعين على ذلك ويستعين، وفي نفس الوقت الذي أريد فيه مصلحة بلدي وشعبي بأن يبقى مستقلًا بعيدًا عن تدخلات الجميع، إلا إنني أريد أن أحافظ على علاقة طيبة مع الجارة إيران، بحيث لا تكون أرضي العراق منطلقًا للإعتداء عليها، ولا أن تكون سياستها سببًا في الإضرار بالعراق وشعبه”، مقترحًا 10 بنود، قال إنها تمثل حلولًا للخروج من عنق هذه المشكلة، بحسب وصفه.
ورأى أن “العراق بحاجة إلى الدعم؛ فهو المتضرر الأكبر من الإرهاب والمدافع الأعظم عن العالم أجمع في مواجهة أعتى الإرهابيين وأقذرهم”.
كما دعا إلى “انسحاب الفصائل العراقية المنتمية إلى، (الحشد)، وغيرهم، من سوريا، وعودتهم فورًا إلى العراق”. وطالب بـ”توقيع العراق وإيران اتفاقية ثنائية لاحترام السيادة بين البلدين”.
هدد بضرب السفارة الأميركية..
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ وإنما هدد بضرب سفارة “الولايات المتحدة”، في “بغداد”، في حال عدم التجاوب مع مطالبه بإبعاد “العراق” عن الصراع “الأميركي-الإيراني”.
وقال “الصدر” أن: “ضعف الحكومة وخلافاتها وفساد الكثيرين ممن فيها، أدى للاستناد على الطرفين، (أميركا وإيران)، بحيث لا يمكنها الاستغناء عنهما وعدم الميل لطرف على حساب الآخر، وهذا ما زاد الأمر تعقيدًا بحيث تشابكت الخيوط وضاع العراق وسط كل ذلك”.
رسالة لإبعاد العراق عن الصراعات..
تعليقًا على تصريحات “الصدر”، أعتقد “د. حيدر حميد”، رئيس مجلس خبراء دعم صناع القرار، في تصريح لـ (كتابات)، أن خروج السيد، “مقتدى الصدر”، عن صمته فيما يتعلق بالشأن السياسي وتوجهه مؤخرًا إلى تبني المشكلات الاجتماعية تشخيصًا وحلًا؛ جاء بسبب استشعاره خطورة الصراع “الأميركي-الإيراني” وانعكاس ذلك على “العراق”، فقد أراد أن يوصل رسالته إلى الشعب العراقي لإبعاده عنه؛ فظروف “العراق” لا تتحمل، بحسب وجهة نظره، وهي وجهة نظر غالبية القوى السياسة أن يكون “العراق” طرفًا في معادلة الصراع أو أن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين “أميركا” و”إيران”.
انعكاسات خطيرة..
كما عبر عن رفضه أن يكون “العراق” منطلقًا للإعتداء على الجارة “إيران”، في إشارة إلى الوجود الأميركي في “العراق” وتصريحات الرئيس الأميركي، “ترامب”، عندما أشار إلى أهمية قاعدة “عين الأسد” في مراقبة “إيران”، وللخروج من هذا المأزق قدم عشرة مقترحات أهمها ضرورة التحرك لنزع فتيل الأزمة ومنع حدوث مواجهة قريبة بين “إيران” و”أميركا” ستكون لها انعكاسات خطيرة داخل “العراق”، لاسيما في وجود قوى تدفع بهذا الإتجاه، كما ودعا بضرورة التحرك نحو “المملكة العربية السعودية” لإجراء مصالحة مع “إيران” ولإبعاد “العراق” عن مخاطر الصراع، داعيًا إلى سحب الفصائل المسلحة العراقية من “سوريا” لكي لا تعطي مبررًا للتحالف “الأميركي-الإسرائيلي” لجر “العراق” لأن يكون طرفًا في هذا الصراع.
أمر مستبعد..
وأضاف “حيدر”؛ أنه على المستوى الرسمي تحاول الحكومة العراقية ألا تكون طرفًا في هذا الصراع، وألا يكون “العراق” محط تنازع “أميركي-إيراني”، كما وأعتقد أن حدوث حرب بين “أميركا” و”إيران” أمر مستبعد، في الوقت الحاضر، لاعتبارات عدة أهمها أن آثارها ستكون خطيرة على النظام السياسي في “إيران”، لاسيما في ظل اشتداد “العقوبات الأميركية” عليها وانعكاس ذلك على أوضاعها الاقتصادية، كما أن “أميركا” لا تريد حربًا مع “إيران” حاليًا بسبب قرب الانتخابات الأميركية، أعتقد أن طبيعة المواجهة بين “إيران” و”أميركا” ربما ستكون ساحتها في “لبنان” أو “سوريا”، من خلال قيام ضرب “إسرائيل” بضرب أذرع “إيران” هنالك، وأيضًا ربما تحصل بعض الاحتكاكات بين البحرية الإيرانية والأميركية في “الخليج العربي”، لاسيما بعد تصاعد التهديدات الإيرانية بغلق “مضيق هرمز”.
شخصت وجود صراع دولي إقليمي..
من جانبه؛ رأى مدير ملتقى بغداد للحوار الفكري والوطني، “هاشم الشماع”، في تعليقه لـ (كتابات)، أن رسالة السيد، “مقتدى الصدر”، إلى البرلمان باعتباره ممثل الشعب وسلطة تشريعية تتضمن نقاط عالية المضامين لحفظ سيادة وكرامة وأمن “العراق”؛ كما وأن الرسالة شخصت وجود صراع دولي إقليمي لتصفية الحسابات على الأرض العراقية، وهذا له جوانبه السلبية على البلد، فأراد السيد “الصدر” إبعاد “العراق” عن كل صراع إقليمي ودولي، وهذه الإرادة متطابقة مع الدستور العراقي لعام 2005؛ الذي ينص بحرمة الأراضي العراقية على أي عدوان على بلدان الجوار، والرسالة أيضًا لم تبتعد عن إحلال الأمن في “سوريا” و”اليمن” و”البحرين”، لأن هذه الحروب أيضًا تؤثر على “العراق” بسبب المكونات المتصارعة.
وأوضح “الشماع” أن الرسالة بمضمونها تاريخي؛ بقي أمر واحد هو مدى إستجابة البرلمان والحكومة العراقية وكيفية التعامل معها، خاصة وأنه حذر السفارة الأميركية في “بغداد” بأنها ستكون في مرمى المقاومة العراقية، والبعد الآخر كيف ستتعامل دول الجوار مع هذه الرسالة وكيف ستتعامل “واشنطن” و”تل أبيب” معها، حيث أن السيد “الصدر” قسم الصراع لـ (ثنائية الصراع)، ويقصد به الصراع الإيراني من جهة وتحالف “ترامب” و”نتانياهو” من جهة أخرى.
كما وأعتقد أن إرسال مثل هذه الرسالة، من قِبل السيد “مقتدى الصدر”، إلى البرلمان لتوفر معلومات لدية ورؤيته للمرحلة المقبلة من الصراع المذكور، كما وتحقق لديه تصور كامل عن حجم الضرر الذي سيلحق في “العراق”، ولهذا أراد أن ينأى بـ”بغداد” عن كل صراع، وحقيقة أن المنطقة لم تعد تتحمل الإلتهابات والصراعات، فإذا استمر الأمر كذلك ستتحول منطقة الشرق الأوسط عامة، ومنطقة الخليج خاصة، إلى دائرة الجغرافية المتحركة؛ وهذا التحرك سيكون وقوده الدم، وهذا ما يخشاه السيد “مقتدى الصدر”.
استبعاد تعرض الحكومة لأزمة..
وقال “أحمد محجوب الجبوري”، الباحث في العلاقات الدولية، إن تصريحات “مقتدى الصدر”، تمثل حجم القاعدة الشعبية التي يمثلها “الصدر” في “العراق”.
مضيفًا أن: “الصدر يشرف على كتلة نيابية مهمة داخل الحياة السياسية، ولذلك فهو يعبر عن قطاع كبير من الشعب العراقي، يرفض الزج بالبلاد في الصراع (الأميركي-الإيراني)”.
وأوضح “الجبوري” أن: “الصدر لم يذهب نحو التأزيم بقدر ما يوجه تصريحات إستباقية، لإبعاد العراق عن محور الأزمة الحالية في الشرق الأوسط، مستبعدًا تعرض الحكومة العراقية لأي أزمة، بسبب تصريحات الصدر، كونها تدرج تحت بند حرية الرأي والتعبير المنصوص عليها في الدستور العراقي”.
وحول عدم مطالبة بيان “الصدر” بإخراج القوات الأميركية من “العراق”، تحدث بأن “الصدر” طالب القوات الأميركية مرارًا بالخروج من “العراق”، مضيفًا: “لكن في هذه المرحلة تحديدًا يبدو أن الصدر يرى الوجود الأميركي في المنطقة كلها أصبح واقعًا؛ وليس العراق فقط”.
وتابع: “لذلك يسعى لتنظيم هذا الوجود، بأن لا يكون العراق في محور الأزمة الحالية”.
رسائل عداء متبادلة..
يُذكر أن بيان “الصدر” جاء ردًا على ما قامت به كل من “الولايات المتحدة”، ممثلة بسفارتها في “بغداد”، من جهةٍ، والقوى العراقية الصديقة أو المقربة من “إيران”، من جهة أخرى، بتبادل رسائل عداء خلال الأيام الثلاثة الماضية، تكشف عن حجم التوتر الذي يطبع العلاقات بين “واشنطن” و”طهران”، واحتمال تفجره داخل الأراضي العراقية في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة.
جاءت الرسالة الأميركية الأولى ضد “إيران”، على شكل منشور نشرته سفارة “واشنطن” على موقعها الموثق في (فيس بوك)، هاجمت فيه بشدة المرشد الإيراني، “علي خامنئي”، واتهمته بالفساد، وزعمت أنه يمتلك ثروة تقدر بـ 200 مليار دولار. وذكرت السفارة، في منشورها، أن: “الفساد يستشري في جميع مفاصل النظام الإيراني، بدءًا من القمة”.
وأضافت أن: “ممتلكات مرشد النظام، علي خامنئي، وحده تقدر بـ 200 مليار دولار، بينما يرزح كثير من أبناء الشعب تحت وطأة الفقر بسبب الوضع الاقتصادي المزري الذي وصلت إليه إيران، بعد أربعين عامًا من حكم الملالي”.
العراق ساحة تمرير الرسائل بين الطرفين..
عن حرب التصريحات المتبادلة، يقول أستاذ العلوم السياسية في “جامعة الكوفة”، “إياد العنبر”، إن: “حرب الرسائل بين أميركا وإيران باتت تتخذ لغة التصعيد، ويبدو أن العراق هو الساحة التي يتم من خلال تمرير الرسائل بين الطرفين”.
ورأى “العنبر” أن “مشكلة العراق أنه غير قادر على فك إرتباطه مع إيران. وفي الوقت ذاته لا يمكنه التخلي عن الدعم الأميركي. ووفق هذه المعادلة الصعبة، تحاول إيران أن تكون رسائلها للأميركيين من خلال الجماعات والشخصيات التي ترتبط معها مباشرة”.
ويلاحظ “العنبر” أن: “الحكومة العراقية تلتزم الصمت، وتكتفي بالتصريحات التي تعبر عن عدم وجود رؤية أو موقف حقيقي لإدارة الأزمة، أكثر من كونها مواقف دبلوماسية”.
أوان اللعب الخشن..
فيما أعرب السياسي ورئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية، “عدنان السراج”، عن خشيته من “لحظة صدام محتملة وقريبة بين أميركا وإيران داخل الأراضي العراقية”، قائلًا: “أتصور أن لحظة اللعب الخشن لا تدفع أميركا بإتجاهها فقط، إنما إيران كذلك، وقد رأينا كيف رفعت من خطابها وتهديداتها في الخليج ومضيق هرمز”.
إلا أن “السراج”، ورغم التصريحات العدائية المتبادلة بين “طهران” و”واشنطن”، يعتقد أن “السياسة الأميركية لا تميل إلى التصادم المباشر مع إيران، لأنها تعتقد أن العقوبات الشديدة قادرة على تركيعها في النهاية”.
ويرى أن منشورات السفارة الأميركية “موجهة للعراقيين بالدرجة الأولى، وتعني أنها مهتمة بمحاربة النفوذ الإيراني في العراق، لذلك نرى أن عراقيين هم من ردوا على تلك المنشورات، وليس إيران”.