خاص: كتبت- نشوى الحفني:
أطلق الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، تصريحات مُثيرة للجدل أغضبت الأوساط الإسرائيلية، حيث دعا الدول الإسلامية لتشكيل تحالف ضد ما وصفه بالتهديد التوسّعي المتزايد من جانب “إسرائيل”.
وأدلى “إردوغان” بهذه التصريحات بعد مقتل الناشطة؛ “عائشة نور إزغي إيغي”، التي تحمل الجنسيتين الأميركية والتركية، برصاص جيش الاحتلال خلال مشاركتها؛ الجمعة، في مسّيرة مناهضة للتوسّع الاستيطاني في “الضفة الغربية”، وبعد ثلاثة أيام من استقباله نظيره المصري؛ “عبدالفتاح السيسي”، في “أنقرة”، للمرة الأولى منذ توليه الرئاسة.
وقال “إردوغان”؛ خلال فعالية لجمعية المدارس الإسلامية بالقرب من “إسطنبول”، السبت: “الخطوة الوحيدة التي ستوقف الغطرسة والبلطجة الإسرائيلية والإرهاب الحكومي الإسرائيلي؛ هي تحالف الدول الإسلامية”.
ووقّع “إردوغان” و”السيسي” سلسلة اتفاقيات اقتصادية، وبحثا السياسة المتعلقة بالوضع في “غزة”.
وتطرقا أيضًا إلى الملف السوري، وهو ما أشار إليه “السيسي” وذكرته وسائل إعلام، حيث أعرب عن دعمه لمسّار التقارب بين “أنقرة” والنظام السوري.
وعلق وزير الخارجية في حكومة النظام السوري؛ “فيصل المقداد”، على دعوة الرئيس التركي، قائلاً في تصريح لقناة (روسيا اليوم)، معربًا عن أمله: “في تحقيق ما قاله إردوغان حول تشكيل محور تضامني (سوري-مصري-تركي) لمواجهة التهديدات”.
كما تحدث عن: “أهمية تراجع؛ إردوغان، عن سياسته المتبعة، لأنها تصب في مصلحة الطرفين لتوحيد الجهود”.
ومن جانب آخر؛ أعاد وزير خارجية النظام السوري التأكيد على قضية: “انسّحاب القوات التركية من سورية”.
وقال في هذا الصّدد؛ إن: “تركيا عليها الالتزام بمتطلبات التوصل إلى تعاون، وهو انسّحابها من الأراضي السورية”.
تأتي تصريحات “المقداد” في إطار مسّار تقارب “أنقرة-دمشق”؛ الذي بدأ في 28 من كانون أول/ديسمبر 2022، وضم: “تركيا وروسيا والنظام السوري” قبل انضمام “إيران”، إذ طرح النظام السوري شروطًا وصفها “الأسد”: بـ”الثوابت”، في آذار/مارس 2023، على رأسها الانسّحاب التركي من الأراضي السورية.
ورافق هذا الشرط تصريحات النظام قبل وبعد كل جولات المباحثات التي جرت في تلك الفترة، من المستويات الوزارية والاستخباراتية ولقاءي وزراء الدفاع، وممثلي الأطراف المفاوضة.
تحريض خطير..
بينما قال وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي؛ “يسرائيل كاتس”، إن الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”: “يدعو إلى تشكيل تحالف إسلامي ضدنا؛ مدعيًا أننا نُريد احتلال دول المنطقة بما في ذلك تركيا، وهذا كذب وتحريض خطير”.
وأشار “كاتس”؛ في تغريدة على حسابه بمنصة (إكس)، إلى أن: “إردوغان؛ لا يزال يرمي الشعب التركي في نار الكراهية والعنف من أجل أصدقائه في (حماس)، واليوم دعا الدول الإسلامية إلى تشكيل تحالف ضد إسرائيل، التي يزعم أنها تُريد احتلال تركيا ودول المنطقة”.
وأضاف “كاتس”: “بطبيعة الحال، هذا الاتهام كذب.. إنه مجرد بيان يهدف إلى تأجيج الوضع. إسرائيل تدافع عن حدودها ومواطنيها ليس فقط ضد (حماس)، بل وأيضًا ضد محور الشر الشيعي بقيادة إيران. لقد عمل إردوغان وجماعة الإخوان المسلمين مع إيران لسنوات لزعزعة استقرار الحكومات المعتدلة في الشرق الأوسط. سيكون من الأفضل لإردوغان أن يصمت ويخجل من نفسه”.
فرصة للتنسّيق..
تعليقًا على تلك الدعوة؛ قال مستشار مركز (الأهرام) للدراسات السياسية والاستراتيجية؛ الدكتور “حسن أبو طالب”، إن الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، ربما أراد القول إن هناك فرصة للتنسّيق مع الدول العربية والإسلامية لمواجهة التوسع الإسرائيلي بمعناه الاستيطاني والعدواني.
وأضاف “أبو طالب”؛ خلال مشاركته في برنامج (مدار الغد)، أن العلاقات التركية مع الدول العربية في تحسُّنٍ ملحوظ، خصوصًا مع “مصر وسورية”، مشيرًا إلى أن الرغبة التركية لإنشاء تحالف مع الدول الإسلامية هي رغبة مشروعة؛ لكنها بحاجة إلى الكثير من العمل.
وأكد “أبو طالب”؛ أن الرئيس التركي يُريد مزيد من التنسّيق مع الدول العربية والإسلامية لوقف التهديدات الإسرائيلية، سواء على العلاقات الثنائية أو على الصعيد الدولي.
كما أكد أن التنسّيق الإسلامي أو فكرة تحالف إسلامي ضد “إسرائيل” لا يعني أنه لا يوجد موقف عربي موحد.
ولفت إلى أن دعوة “إردوغان” جاءت بعد زيارة الرئيس المصري لـ”تركيا”، وهو ما يشّي أن هناك رؤية تركية للتنسيّق مع الدول الإسلامية لمواجهة “إسرائيل”.
لن يكون تكتلاً عسكريًا..
من جانبه؛ قال أستاذ العلاقات الدولية؛ الدكتور “سمير صالحة”، إن “تركيا” لن تذهب وراء إنشاء تكتل عسكري للتحرك ضد “إسرائيل”.
وأضاف الدكتور “سمير صالحة”؛ أن دعوة الرئيس التركي لإنشاء تحالف إسلامي ضد “إسرائيل” أمر مهم، ولكنه يحتاج إلى تنسّيق بأكثر من اتجاه، وربما أراد توجيه رسالة للإسرائيليين، والأميركيين.
وأوضح الدكتور “سمير صالحة”؛ أن الدول العربية لم تُعد تتحمل كل هذا الدعم الخارجي لـ”إسرائيل”، ومواصلة العدوان على “قطاع غزة”، وإراقة دماء الآلاف من الأبرياء.
وأكد أن رسالة “إردوغان” مفادها بأنه يجب على الشعوب الإسلامية أن تتحرك للرد على “إسرائيل”.
تطلعات تركية لتعظيم دورها في الشرق الأوسط..
ورغم أنه ربط المسّار المتعلق ببلاده مع كل من “مصر وسورية”؛ مع ذاك المتعلق بهدف: “التحالف ضد إسرائيل” يذهب التقيّيم المتعلق بما دعا إليه باتجاه تداعيات الحرب في “غزة”، كما يُشير الباحث في الشأن التركي؛ “محمود علوش”.
ويوضح “علوش”؛ أن دعوة الرئيس التركي تعكس من جانب: “مقاربة تركيا للقضية الفلسطينية من منظور الحاجة إلى وحدة الموقف الإسلامي، في دعم الفلسطينيين في هذه الحرب”، بحسّب ما نقله موقع (الحرة).
ومن جانبٍ آخر: “تعكس تطلعات أنقرة إلى تعظيم دورها في الشرق الأوسط، من خلال تقوية علاقاتها مع القوى العربية الفاعلة في المنطقة”.
تصريحات دعائية..
في المقابل؛ يعتبر الباحث في الشؤون الإقليمية؛ “كرم سعيد”، أن: “دعوة الرئيس التركي أقرب إلى التصريحات الدعائية، في محاولة لإثبات موقف بعد سلسلة الانتقادات التي طالت طريقة التعاطي التركية مع تداعيات الحرب في غزة”.
ويقول “سعيد” إن الموقف التركي حيال “إسرائيل”: “لم يخرج؛ خلال الأشهر الماضية، عن إطار التصريحات والخطابات اللاذعة”.
ولا يسّتبعد “سعيد” أن تكون هناك أهداف أخرى وراء دعوة: “تشكيل التحالف الإسلامي” ضد “إسرائيل”.
ويُضيف أن: “الرئيس التركي؛ ربما يُحاول إثبات حسُّن النوايا في تقاربه مع محيطه الإقليمي، وإصلاح العلاقات مع القوى في المنطقة”.
اتخاذ قرارات وسياسات مشتركة..
مديرة مكتب صحيفة (ديلي صباح)؛ “ديلارا أصلان”، ترى أن توقيت إطلاق الدعوة: “له دلالة واضحة، إذ ارتفعت حصيلة الضحايا من المدنيين في غزة، وبدأ التصعيد الإقليمي يتبلور”.
وتريد “تركيا”، سواء من أجل الاستقرار والسلام أو من أجل أمن اقتصادها وتجارتها الإقليمية تجنب الحرب الإقليمية بأي ثمن، و”لهذا السبب تحثُ الدول الإسلامية على زيادة قدرتها على الردع”، وفق الصحفية في (ديلي صباح).
وتُضيف “أصلان” أنه: “من الممكن أن يتخذ مثل هذا التحالف قرارات وسياسات مشتركة مثل المقاطعة المشتركة على مستوى الدولة أو التحركات الدبلوماسية، أو حتى تهديد إسرائيل على نطاق أوسع لحملها على قبول وقف إطلاق النار الدائم”.
طرح سابق لأوانه..
من جهته؛ يرى مدير تحرير جريدة (الأهرام) المصرية؛ “أشرف العشري”، إن: “اقتراح إردوغان؛ فكرة تركية خالصة لم يتم التطرق إليها مع الجانب المصري”.
كما يقول إن: “الطرح سابق لأوانه؛ ولا يمكن بأي حال من الأحوال التعاطي معه، لأن بعض التفاصيل الخاصة بالعلاقات (المصرية-التركية) لم تصل حتى إلى درجة الكمال والتكامل”.
وسبق أن عبّر عن دعوة “إردوغان” ذاتها رئيس الوزراء التركي السابق؛ “نجم الدين أربكان”، وفق ما يُلفت إليه الباحث في الشأن التركي؛ “علوش”.
ويعتقد الباحث أن: “الظروف الإقليمية والإسلامية لا تبدو مناسبة لمثل هذا الطرح”.
ويقول إن: “الصراعات المنتشرة في المنطقة، والمنافسة على زعامة العالم الإسلامي والاضطرابات الجيوسياسية الكبيرة، كلها عوامل تجعل من فكرة التحالف الإسلامي غير قابلة للتطبيق”.
ويُضيف: “هناك إجماع في الموقف الإسلامي على دعم الفلسطينيين، لكن هذا الإجماع لا يصل إلى حد الانسجام في السياسات تجاه الصراع (الفلسطيني-الإسرائيلي)”، حسّب الباحث.
ويُشير إلى أنه: “توجد هوة كبيرة في هذه السياسات بشكلٍ يقوض أي فرص لسياسات إسلامية قادرة على التأثير في الصراع”.
العلاقة مع “سورية” و”مصر”..
وكانت الزيارة التي أجراها الرئيس المصري؛ “السيسي”، إلى “أنقرة”، الأولى من نوعها منذ (12) عامًا، وشّكلت مُجمل تفاصيلها حالة كبيرة على صعيد التقدم في العلاقة بين “أنقرة” و”القاهرة”.
وبينما تسّير “تركيا” الآن على طريق إعادة العلاقات مع “سورية”، لم تتضح الصورة المستقبلية للمحادثات حتى الآن، بسبب وجود الكثير من الملفات الشائكة والخلافية.
وبحسّب الباحث “علوش”: “لا يُعالج التقارب التركي مع مصر والعراق والخليج؛ ومحاولة إصلاح العلاقة مع سورية تمامًا، نقاط الضعف في العلاقات (التركية-العربية)”.
ويرى أن: “تركيا ستبقى؛ بالنسبة لهذه الدول، قوة إقليمية منافسة، وإن كانت تقدم نفسها كشريك جديد للمنطقة”.
لكن؛ وكما طبّعت “تركيا” علاقاتها مع “مصر”، فإنها تسيّر الآن في ذات الطريقة لإعادة العلاقات مع “سورية”، وفق الصحافية التركية؛ “أصلان”.
وتوضح أن: “كلا البلدين يتمتعان بموقع استراتيجي فيما يتعلق بالصراع (الإسرائيلي-الفلسطيني)”، وأن: “تركيا تعرف أن التعاون الوثيق مع كليهما أمر حيوي، وسوف يكون هذان البلدان لاعبين أساسيين في سيناريو التحالف الإسلامي المحتمل، الذي يُحاصر إسرائيل”.
إعادة صياغة سياستها الخارجية..
ويعتقد الباحث في الشؤون الإقليمية؛ “كرم سعيد”، أن: “التقارب (المصري-التركي)؛ ومحاولة إتمام مهمة تطبيّع العلاقات مع سورية، يأتي في إطار مسّاعي تركيا لإعادة صياغة سياستها الخارجية”.
ويُضيف أن: “التقارب يرتبط بهدف بناء نظام إقليمي جديد قادر على حماية المصالح التركية من جهة؛ وتحيّيد أخطار القوى غير العربية في الإقليم على مصالحها ومصالح الدول العربية، ومنها إسرائيل وإيران”.
“مصر” لديها رؤية خاصة..
أما مدير جريدة (الأهرام) المصرية؛ “أشرف العشري”، فيرى أن: “مصر غير معنية باقتراح إردوغان، لأن لديها خطة ورؤية خاصة في التعاطي مع المشهد وتطوراته في غزة، سواء بشكل وسيّط أو كدور مُدافع عن الأمن القومي”.
ويقول “العشري” إن: “القاهرة لا يمكن أن تُعلق آمالها على اقتراح هنا وهناك، بل تعتمد على حضور وزخم دبلوماسي وسياسي خاص بها”، فضلاً عن: “أوراق ضغط كثيرة فيما يتعلق باتفاق كامب ديفيد واحترام بروتوكولاته الأمنية”.