خاص : كتب – سعد عبدالعزيز :
مع التصعيد الخطير في الأزمة الليبية، وقُرب التدخل العسكري التركي لدعم حكومة “طرابلس”، برئاسة “فايز السراج”، وصل أمس الإثنين، قائد الجيش الليبي، المشير “خليفة حفتر”، إلى “القاهرة” والتقى بالرئيس المصري، “عبدالفتاح السيسي”، لمناقشة تداعيات الصراع الليبي وجهود مكافحة الإرهاب والميليشيات المسلحة في محيط العاصمة الليبية.
وتؤكد “مصر” دائمًا دعمها للجيش الليبي، معتبرًة ذلك من صميم أمنها القومي. ولعل زيارة “حفتر”، أمس، لـ”القاهرة” تعكس مدى خطورة الأوضاع في “ليبيا”، كما تعكس إخفاق الجيش الليبي في اختراق العاصمة، “طرابلس”، تمهيدًا لبسط كامل السيطرة على الأراضي الليبية.
لماذا تأخر “حفتر” ؟
يتساءل بعض المحللين: لماذا تأخر قائد الجيش الليبي في تنفيذ مهمته وإخضاع باقي المدن الليبية لسيطرته ؟.. علمًا بأنه يحظى بدعم “مصر” وكثير من الدول الخليجية والأوروبية. فهل تراهن تلك الدول على الحصان الخاسر الذي أخفق عدة مرات في دخول العاصمة، “طرابلس” ؟
ومنذ إطلاقه عملية “تحرير طرابلس”، في الرابع من نيسان/أبريل الماضي، زار “حفتر”، “القاهرة”، ثلاث مرات، كان آخرها، في آب/أغسطس 2019، حيث التقى بالرئيس، “السيسي”، وطالبه بمزيد من الدعم للجيش الوطني الليبي في المحافل الدولية، وبخاصة فيما يتعلق برفع الحظر على تسليحه.
تدويل النزاع الليبي !
يرى موفد “الأمم المتحدة” إلى ليبيا، “غسان سلامة”، أن الاتفاقين اللذين وقعتهما “حكومة الوفاق” الليبية مع “أنقرة” أخيرًا يشكلان “تصعيدًا في النزاع” ويسهمان في “تسريع تدويله وتوسعه، لا سيما إلى المجال البحري”.
وقال “سلامة”، لصحيفة (لوموند) الفرنسية، إن الاتفاقات التي وقعتها “حكومة الوفاق” الليبية مع “تركيا”؛ “تُشكل تصعيدًا للنزاع عبر توسيعه إلى مناطق بعيدة عن ليبيا، لا سيما ما يتعلق بالخلاف بين اليونانيين والأتراك حول ترسيم الحدود البحرية، والذي يطرح مشاكل حادة”. وأضاف أن هذا الأمر أسهم في تسريع تدويل النزاع، وفي التصعيد العسكري بكل معنى الكلمة.
وأضاف “سلامة”: “إننا نرى أيضًا مرتزقة من جنسيات عدة، بينهم روس، يصلون لدعم قوات، حفتر، في طرابلس. وهناك حديث عن قوات عربية، على الأرجح قادمة من سوريا، قد تكون انتشرت في جبهة حكومة الوفاق”.
أنقرة تستعد لإرسال قوات لدعم “السراج”..
كانت الرئاسة التركية قد أحالت، أمس الإثنين، إلى البرلمان مذكرة تتيح لـ”أنقرة” نشر عسكريين في “ليبيا” لدعم حليفتها، “حكومة الوفاق الوطني”، المعترف بها من “الأمم المتحدة”، في مواجهة قوات، المشير “حفتر”، رجل الشرق القوي.
وتُعد تلك المذكرة، التي أحالها الرئيس، “رجب طيب إردوغان”، إلى البرلمان؛ بمثابة الخطوة الأولى التي تسبق عقد جلسة استثنائية لـ”مجلس النواب”، الخميس، لمناقشتها، وفق ما أفادت وكالة أنباء (الأناضول) الرسمية.
ويأتي ذلك في أعقاب اتفاق تعاون عسكري وأمني توصل إليه، “إردوغان”، ورئيس حكومة الوفاق، “السراج”، أواخر تشرين ثان/نوفمبر الماضي.
المعارضة التركية ترفض إرسال قوات إلى ليبيا..
أعلن رئيس “حزب الشعب الجمهوري” وزعيم المعارضة، “كمال قليغدار أوغلو”، رفضه إرسال قوات تركية إلى “ليبيا”، موضحًا أن نواب حزبه سيقفون ضد تمرير مذكرة إرسال قوات تركية إلى “ليبيا”.
ووجَّه “أوغلو” انتقادات لحكومة “إردوغان”، وقال: “إن هذه السياسات الخارجية ستجلب الضرر لتركيا وليس النفع. وكل عاقل يجب أن يدرك ذلك”. موضحًا أنه يُعارض قيام القوات المسلحة التركية بأي مهام على الأراضي الليبية، مشيرًا إلى أن نواب حزبه سيصوتون بـ”لا” داخل البرلمان على مذكرة إرسال قوات تركية إلى “ليبيا”.
الدوافع التركية للتدخل في ليبيا..
ترى الكاتبة، “سامية بن يحيى”، أن اهتمام “تركيا” بـ”ليبيا” ليس عارضًا جديدًا، فطالما أبدت “تركيا” نيتها في تطوير سياسة التأثير الإستراتيجي وتطوير قدراتها التنافسية، فبعد دخولها “الشرق الأوسط” من بوابة “سوريا”، تسعى الآن لدخول “المتوسط” من بوابة “ليبيا”.
ووفقًا لنص الاتفاقية العسكرية الأخيرة، التي تُعد دعمًا عسكريًا لحكومة “السراج”، يمكن لـ”طرابلس” أن تطلب المركبات والمعدات والأسلحة لاستخدامها في العمليات العسكرية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية الجديدة، طالما أنه كان هناك تعاون عسكري مستمر بين “طرابلس” و”أنقرة”.
وبحسب “بن يحيى”؛ فإن هناك عدة عوامل تدفع “تركيا” للتدخل في “ليبيا”، وأبرزها العامل الاقتصادي، حيث تقدم “ليبيا”، لـ”تركيا”، آفاقًا ضخمة فيما يتعلق بتطوير البنية التحتية وإعادة الإعمار. وهناك العامل العسكري، حيث ترغب “تركيا” في إظهار قدراتها العسكرية عن طريق بيع الأسلحة لما يسمى بـ”حكومة الوفاق الوطني”؛ المتمركزة في “طرابلس” والسعي نحو انشاء قاعدة عسكرية تركية في “ليبيا”.
إضافة إلى العامل الإيديولوجي، المتمثل في سعي “تركيا” لاسترجاع أمجاد الإمبراطورية العثمانية بوصفها دولة راعية للإسلام والمسلمين.
تهديد أمن مصر..
تضيف “بن يحيى”: لا شك أن التدخل التركي في “ليبيا” سيزيد من إرباك المشهد وزعزعة الإستقرار في “ليبيا” والمنطقة برمتها، ما يُشكل تهديدًا أمنيًا أكثر شراسة على دول الجوار التي حسمت موقفها من الدخول في تحالف مع أي طرف، ورفض أي تدخل غير دبلوماسي لحل الأزمة الليبية، وهو الموقف الذي تبنته كل من “تونس” و”الجزائر”؛ معتبرة أن التدخل الأجنبي هو أحد أكبر العقبات التي تحول دون حل الأزمة الليبية؛ وحرصها على تأمين حدود الدولتين في حال التصعيد مستقبلًا، أما “مصر” فقد عبرت على لسان رئيسها، “السيسي”، عن قدرتها على التدخل في “ليبيا”، لكنها لا تفعل ذلك.
وتُعد “مصر” منافسًا إقليميًا لـ”تركيا”؛ وواحدًا من الداعمين الرئيسيين للجيش الوطني الليبي الذي يقاتل القوات المتحالفة مع الحكومة المعترف بها دوليًا في “طرابلس”، لذلك كانت تحركات “تركيا”، حسب “مصر”، تهدف إلى محاصرة “مصر” وتقويض أمنها من خلال دعم حركة “الإخوان المسلمين” المحظورة.
ليبيا.. الطريق لعودة العثمانيين !
أما المحلل السياسي، “أمين الزاوي”، فيرى أن سلوك النظام التركي القائم اليوم، والمتمثل أساسًا في تصرفات زعيمه الأوحد ذي السلطة المطلقة، “رجب طيب إردوغان”، يكشف من دون شك عن “اللا مُصرّح به”، “النائم في اللا وعي التركي”، وهو الحلم في “استعادة زمن السبي والخراج والإنكشارية وزمن القراصنة والإعتداءات على سلامة البحرية العالمية، زمن الخلافة”.
مُضيفًا؛ أن “إردوغان” ينزل بشمال “إفريقيا” مهددًا وغازيًا وحالمًا بـ”خلافة عثمانية” جديدة؛ بعد أن سبقته المسلسلات التركية التي غزت الشاشات، وشوّهت وعي جيل كامل تاريخيًا واجتماعيًا وصنعت من تاريخ “عثماني-تركي” مليء بالدم والسبي والانتقام والقرصنة؛ تاريخًا من الأمجاد والانتصارات الدموية.