ترحيب خارجي ورفض داخلي واحتجاجات .. اتفاق “البرهان-حمدوك”: هل هو بداية حلحلة الأزمة السياسية في السودان أم إشتعالها ؟

ترحيب خارجي ورفض داخلي واحتجاجات .. اتفاق “البرهان-حمدوك”: هل هو بداية حلحلة الأزمة السياسية في السودان أم إشتعالها ؟

خاص : كتبت – نشوى الحفني :

في خطوة لاقت ترحابًا خارجيًا ورفضًا داخليًا، أعيد رئيس الوزراء السوداني، “عبدالله حمدوك”؛ إلى منصبه الأحد الماضي، وأّلغي قرار إعفائه بموجب “اتفاق سياسي” وقعه مع قائد الجيش السوداني، “عبدالفتاح البرهان”؛ في القصر الجمهوري، بـ”الخرطوم”، وتزامن مع ذلك إنطلاق احتجاجات رافضة للانقلاب؛ قُتل خلالها شاب بالرصاص التي هتف خلالها المحتجون ضد “حمدوك” أيضًا.

وأعلن “تجمع المهنيين السودانيين”، الذي لعب دورًا محوريًا في الانتفاضة، التي أسقطت “عمر البشير”، عام 2019، رفضه الاتفاق في بيان شديد اللهجة. وقال البيان إن: “اتفاق الخيانة الموقع اليوم؛ بين حمدوك والبرهان؛ مرفوض جملة وتفصيلًا، ولا يُخص سوى أطرافه، فهو مجرّد محاولة باطلة لشرعنة الانقلاب الأخير وسلطة المجلس العسكري”. واعتبر “تجمع المهنيين”؛ أن هذا الاتفاق يُعد: “انتحارًا سياسيًا”، لـ”عبدالله حمدوك”.

كما رفضت “قوى إعلان الحرية والتغيير”؛ وهي الكتلة المدنية الرئيسة التي قادت الاحتجاجات المناهضة لـ”عمر البشير”؛ ووقعت اتفاق تقاسم السلطة، في العام 2019، مع الجيش، اتفاق الأحد. وقالت في بيان: “نؤكد موقفنا الواضح والمُعلن سابقًا أنه لا مفاوضات ولا شراكة ولا شرعية للانقلاب”. كما طالبت المجموعة بمحاكمة قادة الانقلاب بتهمة تقويض شرعية العملية الانتقالية وقمع المتظاهرين وقتلهم.

وقال الدكتور “أمجد فريد الطيب”، الذي كان مساعدًا لرئيس ديوان، “حمدوك”، لـ (بي. بي. سي)؛ إنه يعتقد أيضًا أن الاتفاق لا قيمة له.

يرتكز على بنود الوثيقة الدستورية..

فيما أوضح مصدر مقرب من رئيس الحكومة المقالة، أن الاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه؛ يرتكز على بنود الإعلان أو الوثيقة الدستورية، التي تم التوصل إليها بين المكونين المدني والعسكري في البلاد؛ عام 2019.

كما شدد “حمدوك” لاحقًا بعيد التوقيع على أنه وافق على الاتفاق لوقف إراقة الدماء.

وقال لقناة (الجزيرة) القطرية؛ إن الاتفاق أعطاه الحرية الكاملة لتشكيل حكومته، وإجراء انتخابات؛ قبل تموز/يوليو من عام 2023، كما يسمح بالإفراج عن السجناء السياسيين.

ترحيب دولي..

ولقي الاتفاق ترحيبًا دوليًا وعربيًا، وكتب وزير الخارجية الأميركي، “آنتوني بلينكن”؛ عبر (تويتر)، مساء الأحد: “شجعتني التقارير التي تُفيد بأن المحادثات في الخرطوم ستؤدي إلى إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، وإعادة رئيس الوزراء، حمدوك، إلى منصبه، ورفع حالة الطواريء واستئناف التنسيق”.

وحث “بلينكن”؛ كافة الأطراف السودانية؛ على إجراء مزيد من المحادثات ومضاعفة الجهود لإكمال المهام الانتقالية المحورية بقيادة مدنية على الطريق إلى الديمقراطية في “السودان”.

وأضاف: “أكرر دعوتنا لقوات الأمن إلى الإمتناع عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين”.

كما رحبت دول “الترويكا”: (النرويج وبريطانيا والولايات المتحدة)؛ و”الاتحاد الأوروبي” و”سويسرا وكندا”، في بيان مشترك بالاتفاق على إعادة “حمدوك”؛ إلى منصبه رئيسًا للوزراء.

وقال البيان: “لقد تحمسنا بتجديد الإلتزام بالإعلان الدستوري لعام 2019؛ كأساس لعملية الانتقال نحو الديمقراطية، ونُرحب بالإفراج عن؛ الدكتور حمدوك، من الإقامة الجبرية، لكننا نُحث على الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين الآخرين، ليس فقط في الخرطوم، ولكن في جميع أنحاء البلاد. هذه كلها خطوات أولى حاسمة نحو استعادة الانتقال والنظام الدستوري وسيادة القانون في السودان”.

وعبر البيان عن أسف الموقعين عليه وإدانتهم: “للخسائر في الأرواح وأعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت، منذ 25 تشرين أول/أكتوبر”، ورحب: “بالإلتزام بالتحقيق في الوفيات والإصابات بين المتظاهرين”.

من جانبه؛ أشار مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، “جوزيب بوريل”؛ عبر (تويتر)؛ إلى أن إعادة “حمدوك” إلى منصبه تعتبر: “الخطوة الأولى لإعادة العملية الانتقالية إلى المسار الصحيح”.

ترحيب أممي..

رحبت البعثة الأممية بالسودان، (اليونيتامس)؛ بالاتفاق بين الجيش السوداني و”حمدوك”؛ وشددت على ضرورة حماية النظام الدستوري للحفاظ على الحريات الأساسية للعمل السياسي وحرية التعبير والتجمع السلمي.

الاتحاد الإفريقي..

ذكر رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، “موسى فكي”؛ أن الاتفاق السياسي الجديد في “السودان” يُمثل خطوة مهمة يمكن البناء عليها، ودعا المجتمع الدولي إلى تجديد تضامنه مع “السودان” لتعزيز السلم والتحضير الديمقراطي الجامع لانتخابات حرة وسليمة.

إيقاد ترحب..

رحبت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، (إيقاد)، وهي منظمة شبه إقليمية في إفريقيا، بالاتفاق السياسي في “السودان”، وأعربت عن الأمل بأن يؤدي ذلك إلى تشكيل حكومة شاملة، مؤكدة استعداد الهيئة للعمل مع الحكومة الجديدة في تنفيذ هذه الاتفاقية وفي جهودها لخدمة الشعب وبناء سودان ديمقراطي جديد.

‏الدول العربية تُرحب..

أشادت “الخارجية المصرية”: بـ”الحكمة والمسؤولية التي تحلت بها الأطراف السودانية في التوصل إلى توافق حول إنجاح الفترة الانتقالية بما يخدم مصالح السودان العليا”، معربة عن الأمل في أن يُمثل الاتفاق الجديد: “خطوة نحو تحقيق الاستقرار المستدام في السودان”.

ورحبت “الخارجية السعودية”؛ بما توصلت إليه أطراف المرحلة الانتقالية في “السودان”، مشددة على ثبات واستمرار موقف “السعودية” الداعم: لـ”كل ما من شأنه تحقيق السلام وصون الأمن والاستقرار والنماء في جمهورية السودان الشقيقة”.

ورحبت “الإمارات” بتوقيع الاتفاق السياسي في “السودان”؛ وأعربت عن: “أمنياتها بالتوفيق والسداد للمكونات السودانية في مسيرتها المقبلة لاستكمال المرحلة الانتقالية”، مؤكدة حرصها على تعميق وتوسيع آفاق التعاون مع “السودان”: و”وقوفها إلى جانب شعبه الشقيق من أجل تحقيق تطلعاته إلى الاستقرار والتنمية”.

كما أعربت “الكويت” عن ترحيبها بالاتفاق، مؤكدة: “استمرار دعم دولة الكويت لكل ما من شأنه الحفاظ على الأمن والاستقرار ويُحقق صالح جمهورية السودان الشقيقة”.

ورحبت “البحرين” بتوصل أطراف المرحلة الانتقالية في “السودان”؛ إلى: “اتفاق سياسي شامل يُرسخ مهام المرحلة الانتقالية المقبلة؛ ويُعزز وحدة الصف بين القوى والمكونات السياسية”، وأكدت تضامنها ودعمها الكامل لـ”السودان”؛ في كل ما من شأنه تحقيق تطلعات شعبها الشقيق في الاستقرار والسلام والتنمية.

بنود الاتفاق..

إلى ذلك؛ شملت بنود الاتفاق العمل على بناء جيش قومي موحد، فضلاً عن إعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام “البشير” مع مراجعة أدائها.

كذلك شددت على ضرورة البدء في حوار بين كافة القوى السياسية، لتأسيس المؤتمر الدستوري، فضلاً عن الإسراع في استكمال جميع مؤسسات الحكم الانتقالي.

ونصت أيضًا على تنفيذ “اتفاق سلام جوبا” واستكمال استحقاقاته، فضلاً عن ضمان انتقال السلطة لحكومة مدنية في موعدها.

تقديم التنازلات..

وتعليقًا على الاتفاق، قال الأستاذ المساعد في قسم التاريخ العام بكلية التاريخ في جامعة العلوم الإنسانية الحكومية الروسية، “سيرغي سيرغيتشيف”، لـ (كوميرسانت) الروسية: “من الواضح أن حمدوك قدم تنازلات مقابل عودته، بما في ذلك تمديد الفترة الانتقالية والتخلي عن المطالبة بنقل المؤسسات المملوكة للجيش إلى الولاية القضائية المدنية، وبشكل عام، الحد من سلطة الجيش. من حيث المبدأ، ليس لدى السلطات المدنية فرصة لمحاسبة الجيش وممارسة السلطة بشكل مستقل في البلاد”. كما أشار “سيرغيتشيف” إلى تنازلات من، “عبدالفتاح البرهان”، ليس للقوى المدنية، إنما لـ”واشنطن”. فـ”الجنرال؛ يخشى العقوبات ووقف التدفقات المالية”.

يُلبي بعض المطالب الدولية لكن طريق التحول الديمقراطي غير واضح !

وفي صحيفة (الغارديان) البريطانية، كتب “بيتر بومونت”؛ تحليلاً يتناول فيه الاتفاق السياسي في “السودان”؛ بين رئيس الوزراء، “عبدالله حمدوك”، وقائد الجيش “عبدالفتاح البرهان”، قائلاً إنه يترك البلد في أزمة مستمرة.

وتحت عنوان إطلاق سراح رئيس الوزراء السوداني، ليس سوى خطوة صغيرة في مسار حلّ الأزمة، أشار “بومونت” إلى أن الاتفاق يُلبي بعض المطالب الدولية، لكن الطريق إلى التحول الديمقراطي لا يزال غير واضح.

وحذر من أنه يترك العديد من المسائل الأكثر خطورة بشأن الانتقال السياسي في “السودان” دون حل.

وذكر الكاتب أن أهم مشاكل “السودان”؛ منذ الإطاحة بـ”عمر البشير”، عام 2019، كانت دور الجيش وقوات الأمن، والمساءلة عن الجرائم التي ارتكبت خلال حكم “البشير”، ومسألة كيفية بناء نظام شامل، والوصول إلى تسوية سياسية شاملة يمكنها أن تشمل مطالب حركات التمرد.

وقال إن سبب الأزمة الحالية الرئيس كان الجدول الزمني الانتقالي لما بعد حقبة “البشير”، الذي كان ينبغي أن يشهد استلام مدنيين للقيادة في “مجلس السيادة”، ما أدى بحسب الكاتب، إلى مخاوف في أوساط الدوائر العسكرية العليا من تقويض مصالحها السياسية والاقتصادية المستمرة منذ وقت طويل.

والأسوأ من ذلك، وفق ما ذكر “بومونت”، كان قلق الجيش من تحميل شخصيات بارزة – من بينهم “البرهان” – مسؤولية قتل المتظاهرين، عام 2019، خلال نهاية عهد “البشير” في السلطة، بالإضافة إلى جرائم أخرى ارتكبت في عهد “البشير”.

وأضاف أن الاتفاقية الموقعة تُجيب على القليل من هذه القضايا.

وتابع قائلاً إن موافقة “حمدوك” على اتفاقية ترضي الجيش، ستترك العديد من الأشخاص في المعسكر المؤيد للديمقراطية، في وضع إرتياب شديد من طموحات الجنرالات المستقبلية.

وختم “بومونت”؛ مشيرًا إلى رفض الكتلة المدنية الرئيسة، التي قادت الاحتجاجات ضد “البشير”، الاتفاقية الموقعة مع الجيش، وإلى استمرار الاحتجاجات في عدة مدن.

وقال إنه في ظلّ القليل من الوضوح، واستمرار الصراع بين جميع الأطراف، هناك احتمال ضئيل بأن تنتهي مشاكل “السودان”.

نجا السودان من محاولة التقسيم..

فيما أكد الدكتور “حامد فارس”؛ خبير العلاقات الدولية، أن اتفاق “السودان” هو تأسيس مرحلة جديدة في “السودان”؛ قائمة على تغليب المصلحة العليا للوطن، موضحًا أن هذا الاتفاق نجا به “السودان” من محاولة التقسيم والعبث بمقدرات الأمن ومحاولة جر “السودان” لعصور بائدة سابقة.

وأضاف خبير العلاقات الدولية، أن الاتفاق بين الفريق أول “عبدالفتاح البرهان”، ورئيس الوزراء السوداني، “عبدالله حمدوك”؛ هو اتفاق كبير تم بين مكونين كبيرين، سواء المكون المدني أو المكون العسكري.

ولفت خبير العلاقات الدولية، إلى أن هذا الاتفاق هو اتفاق لتأسيس مرحلة انتقالية يتم البناء عليها في المرحلة المقبلة لتكنيا لشباب وتهدئة الشارع السوداني وإجراء الانتخابات ورفع العبء عن المواطن السوداني.

سيؤدي إلى انشقاقات واضحة في صفوف قوى الثورة..

قال أستاذ التاريخ المصري، “أحمد الصاوي”؛ الخبير في الشأن الإفريقي؛ إن اتفاق المكون العسكري بـ”السودان” مع، “عبدالله حمدوك”، هو نتيجة مباشرة للاحتقان الذي رافق أحداث الـ 17 من تشرين ثان/نوفمبر.

وأضاف في حديث خاص لـ (RT)؛ إن الأوضاع كانت تتجه نحو نقطة اللاعودة تمامًا مثلما جرى في الهزيع الأخير من فترة حكم “البشير”.

وتابع: “خشية من اتجاه الشارع إلى مزيد من التصعيد؛ وجد البرهان نفسه مضطرًا للوصول إلى توافق ما مع، حمدوك، لاسيما وأن الضغوط الأممية والدولية كانت تتجه نحو ضرورة تمكين حمدوك من العودة لرئاسة الوزراء؛ ولم تتطرق لعودة تشكيلته الوزارية، ولكن ركزت فقط على مطلب الإفراج عن الوزراء مع الدعوة لسرعة تشكيل حكومة مدنية”.

وأشار إلى أنه لا يمكن إغفال عامل الضغط الدولي في صدور إعلان “البرهان-حمدوك”.

وقال: “لكن هذا الإعلان سيُنجم عنه انشقاقات واضحة في صفوف قوى الثورة التي أطاحت بحكم “البشير”.

وأوضح أن المكون العسكري في “السودان”؛ يسعى لاستبعاد: “قوى الحرية والتغيير” نهائيًا، ليس فقط من المشهد السياسي؛ بل ومن الوثيقة الدستورية ذاتها.

ولفت إلى أنه ومن ناحية أخرى ترى، “قوى الحرية والتغيير”؛ وإلى حد بعيد، “تجمع المهنيين”؛ أن “حمدوك” تسرّع في التوقيع دون عودة للتشاور مع حاضنته السياسية ليبدو كما لو كان طرفًا بذاته في الصراع السياسي.

وأشار إلى أنه أمر يُثير مخاوف جادة مع المساندة الكبيرة التي حظي بها “حمدوك” من “الولايات المتحدة” و”الأمم المتحدة”.

وبيّن أن الشكوك التي ولدتها قرارات “البرهان”؛ بشأن جدوى الاعتماد على حيادية المؤسسة العسكرية زادت منها كارثة سقوط قرابة الأربعين قتيلاً في قمع أمني يُعيد للذاكرة نهج حكومة “البشير”؛ ولم تُعد العودة الجزئية عن تلك القرارات بكافية أمام قوى الثورة.

يُذكر أنه منذ إعلان الجيش، يوم 25 تشرين أول/أكتوبر الماضي؛ فرض حالة الطواريء وحل الحكومة والمجلس السيادي السابق، توالت الدعوات الدولية والإقليمية من أجل إعادة البلاد إلى المسار الديمقراطي، والشراكة بين المكون العسكري والمدني، اللذين أدارا الحكم في البلاد، منذ العام 2019.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة