خاص : كتبت – نشوى الحفني :
بعد حادث “أرامكو” السعودية لفت انتباه الصحافة الأجنبية الدور الذي يلعبه الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، في استخدام الحادث، فما بين تهديد ووعيد وتراجع للحصول على مكاسب ومصالح، خاصة المادية منها، وعلاقة ذلك بـ”الاتفاق النووي” وما يمكن أن تؤول إليه الأمور بعد ذلك، وضعته الصحف في وضع التقييم الذي يمكن من خلاله الخروج بنتائج كارثية تغير صورته أمام المجتمع الدولي.
ففي افتتاحية صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية؛ التي كتبتها عن الأزمة في منطقة الخليج بعد ضرب المنشآت النفطية السعودية، قالت فيها إن: “ترامب أقحم نفسه في الحفرة مع إيران”، وأشارت فيها إلى التقارير التي تواردت، حتى يوم الإثنين، عن الجهة التي نفذت هجمات، يوم السبت، ضد “السعودية” ومكان إنطلاق الطائرات المُسيرة أوالصواريخ.
ورغم أن “الحوثيين” قد أعلنوا مسؤوليتهم عن الهجمات، إلا أن “الولايات المتحدة” قالت إن الطائرات لم تأتِ من “اليمن” ولا من “إيران”، ولكن بدون تقديم أدلة. وما هو مؤكد أن الغارات تمثل تصعيدًا حادًا في النزاع بمنطقة الخليج، ويبدو الرئيس، “دونالد ترامب”، الذي حفز المشكلة من خلال استراتيجية “أقصى ضغط”، قد فقد السيطرة عليها.
العقوبات استفزت إيران لزيادة أعمالها العدوانية..
ومن المعلوم أن “إيران” تقوم بأعمال عدوانية في منطقة الشرق الأوسط ومنذ سنوات، إلا أن قرار “ترامب” الخروج من الاتفاقية التي حدت من برنامجها النووي وممارسة عقوبات قاسية على “إيران”؛ استفزت الأخيرة بطريقة مبررة أو غير مبررة لزيادة أعمالها العدوانية.
وتقول الصحيفة الأميركية إن محاولات “الولايات المتحدة” منع “إيران” من بيع نفطها كانت بمثابة الضربة القوية لاقتصاد “الجمهورية الإسلامية”، وكان القرار الأميركي بحد ذاته “عمل حرب”.
وردت “إيران”، من خلال الهجوم، على ناقلات “النفط” في الخليج، وتحولت الآن إلى ضربات مذهلة للمصالح النفطية السعودية، والتي مهما كانت الجهة الفاعلة لها تحمل أصابع ودعم “إيران”. وتقول (واشنطن بوست) إن “ترامب”، وعلى خلاف الرؤساء السابقين، لا مجال أمامه للمناورة. ولا أحد يصدق تصريحاته حتى تلك القوية عن مسؤولية الإيرانيين.
يجب الرد ولكن ألا يكون عسكريًا !
وتقول الصحيفة إن الدول الأوروبية، التي إنضمت في الماضي إلى عمليات لتأمين منطقة الخليج، مترددة الآن من جر “ترامب” لها إلى حرب طويلة. ولا يريد حتى ألد أعداء “إيران” حربًا ضدها يقودها رئيس متقلب وغير مستقر، وألغى عملية عسكرية في الدقيقة الأخيرة.
وترى (الواشنطن بوست) أن الهجمات على المنشآت السعودية يجب ألا تمر بدون رد، ولكن الرد يجب ألا يكون عسكريًا.
وسيزيد “ترامب” من مشاكله الاستراتيجية لو قرر التعجل بالرد والتهور.
وعلى “الولايات المتحدة” العمل أولًا على تحديد المسؤول عن العملية وكيف تم تنفيذها ونشر نتائج التحقيق، خاصة أن الأهداف السعودية هي التي ضربت الآن، فالجيش الأميركي يمكنه التحرك بدون مشاورة “الكونغرس”.
ومن المحتمل أن يواجه “ترامب” هناك ترددًا، ذلك أن ولي العهد السعودي عمل جهده لنشر عدم الاستقرار في المنطقة من خلال حملته الإجرامية لقصف “اليمن”، التي قتلت آلاف اليمنيين، ومنح “الحوثيين” المبرر للضرب. ومثل “ترامب”، فقد شن “محمد بن سلمان” الحرب؛ بدون تحديد الأهداف التي يريد تحقيقها ولم يستند إلى استراتيجية قوية، ويجد نفسه الآن يكافح للدفاع عن رصيد المملكة الاقتصادي، وهي التي ستتعرض لهجمات أخرى لو استمر القتال.
رغم اكتشافه الحفرة التي وقع فيها يناقض نفسه..
ويبدو أن “ترامب” قد اكتشف، في السابق، الحفرة التي أوقع نفسه فيها. ويبدو أنه رد بطريقة جيدة على العرض الفرنسي لترتيب قمة بينه والرئيس الإيراني. ولكن “ترامب” ناقض، يوم الأحد الماضي، نفسه، نافيًا أنه عرض مقابلة الرئيس، “حسن روحاني”، بدون شروط، مع أنه قال هذا علنًا. وهذه التصريحات غير المتناسقة تستفز التصعيد الإيراني وتترك “ترامب” معزولًا في مواجهة “طهران”.
استفزاز خطير ولحظة حرجة لـ”ترامب”..
فيما تساءلت صحيفة (نيويورك تايمز) عن معنى تهديدات الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، التي قال فيها إن اليد على الزناد، وإن “الولايات المتحدة” جاهزة للضرب، ولكن ماذا يعني كل هذا ؟
وسواء كانت الميليشيات الحوثية في “اليمن” أو الشيعية في “العراق”؛ هي التي نفذت الهجوم، فما حدث هو استفزاز خطير ضد “الولايات المتحدة” ولحظة حرجة للرئيس “ترامب”، الذي لم يُعد أمامه خيارات كثيرة، ولديه حلفاء أقل، وفريق للأمن القومي نضب من مسؤوليه، ومصداقية قليلة.
وتقول الصحيفة الأميركية إن السبب الذي دفع “إيران”، أو واحدة من جماعاتها الوكيلة، إلى ضرب “السعودية” غير معروف. وهناك تكهنات تتحدث عن محاولات المتشددين في النظام الإيراني إحباط أي لقاء بين الرئيس، “ترامب”، والإيراني، “حسن روحاني”. ومهما كان الحافز فإن الهجوم على مصدر دولي للطاقة يُعتبر تطورًا خطيرًا؛ منذ قرار الرئيس الخروج من “الاتفاقية النووية”، الموقعة عام 2015، وإعادة فرض العقوبات على “إيران”.
ومع أن “السعودية” هي الهدف، إلا أن التحدي كان للرئيس، “ترامب”. والسؤال المباشر هو عن الكيفية التي سيرد بها. فحتى الهجوم، كان الرئيس تحت إغراء فكرة لقاء “روحاني” أثناء اجتماعات “الجمعية العامة للأمم المتحدة”، في “نيويورك”، فلقاء عدو وجهًا لوجه؛ كما فعل مع الرئيس الكوري الشمالي، يعني اهتمامًا إعلاميًا يحبه “ترامب”.
وظل “ترامب” صامتًا طوال، يوم السبت الماضي، ثم كتب تغريدة قال فيها إن “الولايات المتحدة” جاهزة، ولكنه ينتظر الإستماع إلى تقييم “السعودية” والكيفية التي سيتم فيها التحرك.
وفي الوقت نفسه؛ اتهم “مايك بومبيو”، وزير الخارجية، “إيران”، بالقيام “بهجوم غير مسبوق على إمدادات الطاقة العالمية”، فيما أنكرت “إيران” ما وصفتها بـ”الاتهامات التي لا معنى لها وغير مفهومة”.
“ترامب” يبتعد عن الصراع ويحاول إتباع الدبلوماسية..
وتعلق (نيويورك تايمز) أن إشتراط “ترامب” رده بما ستقوله “السعودية”؛ أمر مثير للقلق، خاصة أن ولي عهدها، “محمد بن سلمان”، هو الذي ورط بلاده في الحرب المدمرة في “اليمن”؛ وقام بقتل وتقطيع معارض سعودي، في وقت تتعرض إمدادات “النفط” للخطر.
ولكن الرئيس لم يترك أمامه أي مجال للنصيحة التي تحمل مصداقية، فعادة ما رفض تقارير الاستخبارات وقام بعزل ثالث مستشار للأمن القومي، “جون بولتون”، ولم يعين مكانه رابعًا. ولم يمض على وزير دفاعه، “مارك إسبر”، سوى شهر في منصبه، وقام بتنفير وتهميش الحلفاء الرئيسيين، بما فيهم “ألمانيا” و”بريطانيا”؛ اللتان شجبتا الهجوم، ولم يتبق لديه أية وسيلة للضغط على “إيران”، ويواجه معارضة من المشرعين الجمهوريين لدعمه الحرب في “اليمن”.
ولو ترك الأمر لـ”ترامب” فهو يحب تجنب الصراع، فبعدما أسقطت “إيران” طائرة بدون طيار، في حزيران/يونيو 2019، رفض نقاش “بولتون” حول ضرورة توجيه ضربة عسكرية. وبدا يوم الإثنين الماضي؛ مترددًا أيضًا قائلًا: “يجب استنفاد الدبلوماسية حتى آخر 12 ثانية”. وهو تفكير منطقي من الرئيس الذي يجب أن يستنفد كل وسيلة دبلوماسية قبل القرار الأخير للتحرك أو السماح للسعودية بالانتقام.
واشنطن تواجه أزمة محاولة تفكيك ما بناه “أوباما”..
وتواجه “الولايات المتحدة” أزمة حقيقية؛ سببها أن “ترامب” كان يريد أن يفكك ما قام به سلفه، “باراك أوباما”، بتوقيع اتفاقية حصلت على دعم دولي واسع. ولم يترافق مع الانسحاب إستراتيجية سوى “العمل مع حلفائنا”، الذين عنى بهم “إسرائيل” و”السعودية”، وأمله بأن تذعن الحكومة الإيرانية وتقبل تحت الضغط بتوقيع “اتفاقية نووية” حسب شروطه.
وقاوم “ترامب” الضغوط من “الكونغرس” لوقف الدعم الأميركي للحملة السعودية في “اليمن”، ما يظهر أن “إيران” قد زادت من سقف المواجهة، وتتحدى “البيت الأبيض” بضرب حليفته.
وقد حان الوقت لكي يعود “ترامب” إلى “الكونغرس” ويستشيره، بالإضافة إلى الدول الصناعية الكبرى التي تعتمد على “نفط الشرق الأوسط”، وتحليل المعلومات الأمنية خارج دائرته الخاصة.
تضارب التصريحات..
كما رأت صحيفة (الإندبندنت) البريطانية، إنه رغم إعلان “الحوثيين” مسؤوليتهم عن الهجوم، إلا أنه سرعان ما وجهت إدارة الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، أصابع الاتهام إلى “إيران”، في حين نفت “طهران” هذه الاتهامات، مُحملة مسؤوليتها لحلفائها “الحوثيين”، ومؤكدة أن “الحوثيين” يخوضون حربًا ضد “التحالف العربي” في “اليمن”، ولديهم دوافع كافية لمهاجمة “السعودية”.
واتهم وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، “إيران”، بشن الهجمات، بلهجة يبدو أنها تُمهد الطريق لضربة انتقامية محتملة.
وحمل رحيل مستشار الأمن القومي السابق، “جون بولتون”، مؤخرًا؛ عن “البيت الأبيض”، مؤشرات إلى احتمالية إستبدال “ترامب” سياسة الضغط الأقصى على “إيران” بالدبلوماسية.
إلا أنه بعد أقل من أسبوع من رحيل “بولتون”، أستأنف الطرفان حرب الكلمات، وهدد “ترامب”، “إيران”، على (تويتر)؛ قائلاً إن: “الجيش الأميركي مسلح وجاهز”، فيما أكد قائد “الحرس الثوري” الإيراني أنهم “مستعدون للحرب”.
إجراء تجميلي للإدارة..
وفي السياق؛ رأى “جمال عبدي”، رئيس المجلس القومي الأميركي الإيراني، وهو منظمة شعبية في “واشنطن”، أن: “رحيل بولتون يمكن أن يكون فرصة لترامب لتغيير مساره، إلا أن الخطوة قد تكون مجرد إجراء تجميلي فقط للإدارة”.
وقال، لصحيفة (الإندبندنت)؛ إنه: “مع وجود أشخاص مثل مايك بومبيو في الإدارة وضعف قيادة ترامب، من الصعب أن نشهد أي تغيير في المسار”.
وأظهرت استطلاعات الرأي أن “الولايات المتحدة” لا تود خوض حرب أخرى في الشرق الأوسط، إذ أصبح الشعب الأميركي يدرك ثمن الحروب المرتفع، ويطالب قادته بإنهاء الحروب التي بدأوها بالفعل، وباستثناء تعليقات السيناتور، “ليندسي غراهام”، وبرنامج (فوكس أند فريندز)، لا تود الأغلبية العظمى في “واشنطن” اليوم خوض حرب جديدة.
وكانت فرصة الرد العسكري المحدود على “إيران”، بعد تدميرها طائرة أميركية مُسيرة، بمثابة اختبار لإرادة “ترامب” في خوض الحرب، لكنه بالفعل أظهر أنه لا يريد بدء الصراع، إلا أن هذا السلوك يتناقض مع خطابه العدواني، كما تحاول إدارته والمستشارون الذين أحاط نفسه بهم، دفعه إلى تنفيذ ضربات عسكرية محدودة، يمكن أن تتصاعد في النهاية إلى نقطة اللاعودة.
وفي حزيران/يونيو الماضي، كان “بومبيو”، أحد أكبر مستشاري “ترامب” الذين يدعمون توجيه ضربات محدودة ضد “إيران”، ويبدو أنه لا يزال يدعم الفكرة نفسها.
توقعات بنشوب حرب إقليمية..
وقال “ستيفن مايلز”، المدير التنفيذي لمنظمة “الفوز بلا حرب” في “واشنطن”: “عثرت إدارة ترامب على الشرق الأوسط ممتلئًا بالحطب، وقررت أن تصُب البنزين في كل مكان، والآن لن تشعل الشرارة مجرد حريق عادي، بل جحيمًا لا يمكن إحتواؤه”.
وعلى الرغم من أن “إيران” لا تملك القدرات العسكرية المساوية لـ”الولايات المتحدة” وحلفائها في الخليج العربي، إلا أن “طهران” كانت تستعد ليوم المواجهة هذا منذ فترة طويلة، إذ حدّث الإيرانيون أنظمتهم الدفاعية وعززوا نفوذهم من خلال عدة وكلاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لذلك من شأن الضربات المحدودة على “إيران” أن تتصاعد بسرعة إلى حرب إقليمية.
ورغم استعداد “طهران” للحرب، إلا أنها لا تود البدء فيها، إذ يقول “روح الله نخاي”، المراسل الدبلوماسي في صحيفة (الشرق) الإيرانية، إن: “إستراتيجية إيران هي مواصلة الضغط التدريجي على أوروبا لإجبارها على التحرك في الإتجاه الذي تريده، بينما تحتوي المتشددين الإيرانيين من أجل تجنب بدء الحرب”.
سيناريو العودة لخطة العمل الشاملة الأفضل..
وأوضح “نخاي”، لصحيفة (الإندبندنت)، أن: “القوات العسكرية الإيرانية لم تقم بأي عمل غير مبرر يمكن أن يضر بموقف إيران الدبلوماسي، وأن أفضل سيناريو هو أن يعود ترامب إلى خطة العمل الشاملة المشتركة ويستأنف المفاوضات، وإذا لم يحدث ذلك ستكون إيران قد حصلت على بعض الوقت وحاولت منع وقوع كارثة”.
ورأت الصحيفة البريطانية أنه: “طالما لم يكن ترامب على استعداد للتخلي عن سياسة الضغط الأقصى وحملة العقوبات المشددة على إيران، فقد لا يكون قادرًا على بدء دبلوماسية حقيقية مع طهران، وبذلك يكون ترامب قد حفر حفرة لنفسه لا يستطيع الخروج منها، وتتحول صورته التي يتباهى بها كصانع صفقات إلى داعٍ للحرب”.