وكالات- كتابات:
تباينت ردود الفعل على قرار “المحكمة الجنائية الدولية”؛ إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي؛ “بنيامين نتانياهو”، ووزير دفاعه السابق؛ “يوآف غالانت”، ففي الوقت الذي أكدت فيه دول التزامها بقرار المحكمة، أعربت أخرى عن رفضها له، ومن أبرزها: “المجر”، كونها أعلنت تحدي القرار رُغم أنها من البلدان التي صادقت على “نظام روما” الذي أنشأ المحكمة.
وتعدَّ “المجر” أول بلد من بين: (124) دولة صادقت على “نظام روما” الذي أنشأ “المحكمة الجنائية الدولية”، التي تتحدى مذكرات الاعتقال، حيث أعلن رئيس حكومتها؛ “فيكتور أوربان”، الجمعة، أنه سيدعو “نتانياهو” لزيارة العاصمة؛ “بودابست”.
وكانت المحكمة قد أصدرت، الخميس، مذكرات توقيف بحق “نتانياهو” و”غالانت”، بتهمة ارتكاب “جرائم حرب”.
ويُثير رد “المجر” على القرار، تساؤلات بشأن مواقف الدول الأخرى الموقعة على “نظام روما”، وما قد يحدث إذا رفضت تنفيذ قرارات “الجنائية الدولية”.
وفي هذا الصدّد، قال رئيس مؤسسة (JUSTICIA) الحقوقية في “بيروت”، المحامي “بول مرقص”، إن الدول الموقّعة على “نظام روما”: “ستكون مُلزمة بتطبيق أوامر المحكمة”، مضيفًا أن دولًا أخرى مثل: “الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند”: “غير مُلزمة بتطبيق القرار؛ لأنها أساسًا غير موقّعة على نظام روما”.
وأوضح أن: “العديد من الدول لن تمتّثل لقرارات التوقيف لاعتبارات سياسية، وهو موقف لن تترتب عليه أية نتائج قانونية مباشرة، سوى أنها ستُظهر كأنها لا تفي بالتزاماتها الدولية”.
ومن الدول التي أبرمت “نظام روما”؛ الذي أسس “المحكمة الجنائية الدولية”، نحو: (33) دولة إفريقية، و(19) دولة من الشرق الأوسط، و(28) دولة من “أميركا اللاتينية”، و(25) دولة أوروبية وسواها من الدول الغربية.
يُذكر أن “نتانياهو” علّق على القرار في بيان صادر عن مكتبه، بالقول إنه: “معادٍ للسامية؛ ويمكن مقارنته بمحاكمة دريفوس، وسينتهي بالطريقة نفسها”، في إشارة إلى قضية النقيب اليهودي الفرنسي؛ “ألفرد دريفوس”، الذي اتهم بالتجسس والخيانة وتم إرساله إلى السجن في نهاية القرن التاسع عشر في “فرنسا”، قبل أن تتم تبرئة ساحته بعد بضع سنوات.
أما “غالانت”؛ فاعتبر أن قرار المحكمة: “سابقة خطيرة تُشجع الإرهاب”، وكتب على منصة (إكس) أن هذا القرار: “يضع دولة إسرائيل وقادة (حماس) المجرمين في المرتبة نفسها؛ ويشَّرع بذلك قتل الأطفال واغتصاب النساء وخطف المسنين من أسرتهم”.
وأضاف أن القرار: “يخلق سابقة خطيرة ضد الحق في الدفاع عن النفس؛ وخوض حرب أخلاقية، ويشجع الإرهاب القاتل”.
تبعات عدم الامتثال..
هناك سوابق واجهتها “المحكمة الجنائية الدولية”؛ بخصوص عدم امتثال الدول الأعضاء لمذكرات توقيف، وبالتحديد التي كانت قد صُدرت ضد الرئيس السوداني السابق؛ “عمر البشير”، حينما استقبله “الأردن” في السنوات التي سبقت الإطاحة به.
واستقبل “الأردن”؛ “البشير”، في آذار/مارس 2017، للمشاركة في قمة عربية على أراضيه، وحينها قررت المحكمة إحالة “الأردن” إلى “مجلس الأمن الدولي” للنظر في الأمر، لكن بعد عامين، وبالتحديد في آيار/مايو 2019، تراجعت عن قرار الإحالة.
وقالت دائرة الاستئناف في “المحكمة الجنائية الدولية”، إنه كان يتعين على “الأردن” إلقاء القبض على “البشير”؛ لكن عدم القيام بذلك لا يسوّغ إحالة المملكة إلى “مجلس الأمن الدولي”، وفق (رويترز).
وواصل “مرقص”: “على الرُغم من أن أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة لا تضمن تنفيذها، فإنها قد تحد بشكلٍ كبير من قدرة؛ نتانياهو، على السفر إلى الدول الأعضاء في المحكمة”.
لكنه في النهاية أوضح؛ أن الإحالة إلى الدول الأطراف الموقّعة على “اتفاق روما” لتأسيس “المحكمة الجنائية الدولية”، أو “مجلس الأمن”، لم يتأثر به “الأردن” وتم التراجع عنه، وقال: “لا أرى أن الدول الممتنعة عن تنفيذ مذكرات التوقيف ستواجه عقوبات دولية”.
ماذا عن التحليق في الأجواء ؟
وحول عدم تنفيذ الدول أيضًا لأمر الاعتقال، أو السماح بعبور طائرة “نتانياهو” عبر أجوائها، قال القاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية؛ “جيفري نايس”، إن التحليق في الأجواء: “ليس من السهل التعامل معه”.
وأوضح أن: “أي دولة مُلزمة لأي سبب من الأسباب باعتقال هؤلاء ولا تفعل ذلك، فإنها ستواجه تداعيات ضمن نظامها السياسي، وستخضع لردود فعل شعبية”.
وأشار إلى أن: “المشاعر المتعاطفة مع الفلسطينيين قوية جدًا، ومعظم الحكومات قد تخسّر دعم الشعب إذا لم تحترم أمر التوقيف”.
وتخوض “إسرائيل” حربًا في “قطاع غزة”؛ منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، بعد الهجوم الذي شنته حركة (حماس) الفلسطينية وأسفر عن مقتل نحو: (1200) شخص.
ومنذ ذلك الحين، يُشن الاحتلال الإسرائيلي “حرب إبادة”؛ كما وصفتها هيئات قضائية دولية، ضد الفلسطينيين بـ”قطاع غزة” و”الضفة الغربية” بحجة تصفية حركة (حماس) المقاومة، أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من: (44) ألف شخص، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وفق السلطات الصحية في القطاع.
قرار المحكمة..
أصدرت المحكمة، وفق بيان: “بالإجماع، قرارين يرفضان الطعون المقدمة من دولة إسرائيل بموجب المادتين (18) و(19) من نظام روما الأساس (النظام الأساس). كما أصدرت أوامر قبض بحق: بنيامين نتانياهو ويوآف غالانت”.
وكانت “إسرائيل” قد تقدمت؛ في 26 أيلول/سبتمبر الماضي، طلبين، يتضمن الأول طعنًا في اختصاص المحكمة، حيث رفضت الدائرة التمهيدية طلب “إسرائيل”؛ الذي زعم أن المحكمة تفتقر إلى الاختصاص بشأن الوضع في دولة “فلسطين”، وخاصة على مواطني “إسرائيل”، بناءً على المادة (19/ 2) من النظام الأساس.
وأكدت المحكمة أن قبول “إسرائيل” لاختصاص المحكمة ليس شرطًا ضروريًا، حيث: “يمكن للمحكمة ممارسة اختصاصها على أساس الولاية الإقليمية لدولة فلسطين”.
وأشارت إلى إمكانية تقديم طعون مستقبلية بشأن اختصاص المحكمة أو مقبولية أي قضية محددة.
وأوضح البيان أنه تم تصنيف أوامر القبض على أنها: “سرية” لحماية الشهود وضمان سير التحقيقات. ومع ذلك، “تم الإفصاح عن بعض المعلومات بسبب استمرار السلوكيات المماثلة ولإبلاغ الضحايا وعائلاتهم بوجود الأوامر”.
وحسّب البيان، فإن المحكمة: “وجدت أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن نتانياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن الجرائم التالية: “جريمة الحرب باستخدام التجويع كأسلوب في الحرب، والجرائم ضد الإنسانية: القتل، الاضطهاد، والأفعال اللاإنسانية الأخرى، وجريمة الحرب المتمثلة في توجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين”
وربطت تلك الجرائم بأنشطة الحكومة الإسرائيلية والقوات المسلحة ضد المدنيين في “غزة”، واعتبرت المحكمة أن القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء، أدت إلى تجويع السكان المدنيين في “غزة” وتعريضهم للمعاناة الشديدة، وفق البيان.
كما أشارت المحكمة إلى أن: “القرارات المتعلقة بالسماح بالمساعدات الإنسانية كانت مشروطة وضئيلة، ولم تستوفِ التزامات إسرائيل بموجب القانون الإنساني الدولي”.
وكانت “السلطة الفلسطينية” قد قدمت؛ في الأول من كانون ثان/يناير 2015، إعلانًا بقبول اختصاص المحكمة منذ 13 حزيران/يونيو 2014، وفي 02 كانون ثان/يناير 2015، انضمت إلى “نظام روما” الأساس، ودخل النظام حيز التنفيذ بالنسبة لها في 01 نيسان/إبريل 2015.
وفي 03 آذار/مارس 2021، أعلن الادعاء العام فتح تحقيق في الوضع في “فلسطين”؛ بعد قرار الدائرة التمهيدية الأولى، بأن اختصاص المحكمة يمتد إلى “غزة والضفة الغربية”، بما في ذلك “القدس الشرقية”.
كما أوضحت المحكمة في بيان منفصل، أنها أصدرت مذكرة اعتقال بحق “الضيف”، بعدما: “وجدت أسبابًا معقولة بأنه ارتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في أراضي دولة إسرائيل ودولة فلسطين على الأقل منذ 07 تشرين أول/أكتوبر 2023″.
وسبق أن أعلنت” إسرائيل” مقتل؛ “الضيف”، خلال عملياتها في “قطاع غزة”، لكن (حماس) لم تؤكد أو تنفِ هذا الأمر.