خاص : كتبت – بوسي محمد :
بعد نصف قرن من الحكم، ودعت “سلطنة عُمان” واحدًا من أعمدتها، وهو السلطان “قابوس بن سعيد”، مساء أمس الأول، عن عمر يناهز 79 عامًا، قضى نصف قرن منها في الحكم. بعد معركة شرسة مع سرطان القولون. وعرف الراحل، الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب على والده، في 1970، بدوره في الوساطة الدولية، خاصة بين “إيران” والدول الغربية.
وقد أدى السيد “هيثم بن طارق السعيد”، اليمين الدستورية ليحل محل السلطان “قابوس بن سعيد”، وهو ابن عمه، خاصة أن السلطان الراحل كان غير متزوجًا وليس لديه أبناء ولا أشقاء.
ويُعتبر السلطان “قابوس بن سعيد” العُماني، أطول حاكم في العالم العربي من حيثُ المدة التي قضاها في الحكم، وله سمعة طيبة.
ولد السلطان “قابوس”، في 18 تشرين ثان/نوفمبر سنة 1940، في “صلالة”، في الجنوب، حيث تابع تعليمه المدرسي، إلى أن التحق بأكاديمية “ساندهيرست” العسكرية الملكية في “بريطانيا”، وهو في العشرين من عمره. وتخرج السلطان منها بعد عامين برتبة ملازم، ثم خدم في “ألمانيا”؛ ضمن فرقة عسكرية بريطانية لمدة عام.
لدى عودته إلى بلاده، سنة 1964، اصطدم السلطان بسياسة متشددة كان يعتمدها والده الرافض لأي تحديث، إلى أن تولى الحكم، في 23 تموز/يوليو 1970، بعدما انقلب على أبيه، ليطلق مرحلة من التحديث بدأت بتصدير “النفط”.
وأعلن “قابوس” نفسه سلطانًا لـ”عُمان”؛ بعدما كان لقب الحاكم “سلطان مسقط وعُمان”، وأصبح الحاكم الثامن في سلالة “آل بوسعيد”، منذ أن تولت الحكم في 1749، فقام فورًا بتغيير العلم والعُملة.
وجاء أداء ابن عمه، “هيثم بن طارق السعيد”، اليمين الدستورية كسلطان جديد، لينهي عقودًا من التكهنات حول من سيخلف الحاكم الشعبي.
قادة بريطانيا عن “قابوس” : زعيم حكيم ومحترم..
نعى قادة العالم السلطان الراحل بعبارات شجية تنم عن حزنهم على فقدانه، فقد أبدى، “بوريس غونسون”، رئيس وزراء بريطانيا، حزنه العميق لوفاة “قابوس”، ووصفه بأنه: “زعيم حكيم ومحترم بشكل استثنائي وسيُفتقده بشدة”.
وقال: “سأظل أتذكره لإخلاصه في تطوير عُمان إلى أمة مستقرة ومزدهرة، وكأب للأمة الذي سعى لتحسين حياة الشعب العُماني”.
وأضاف: “كان من دواعي سروري مقابلة صاحب الجلالة، السلطان قابوس بن سعيد، المعظم ودهشني إلتزامه بالسلام والتفاهم بين الأمم وبين الأديان. إنه يترك إرثًا عميقًا، ليس فقط في عُمان، ولكن في جميع أنحاء المنطقة أيضًا”.
وتابع: “المملكة المتحدة صديق فخور وشريك دائم لعُمان، وعزائنا وصلواتنا مع الشعب العُماني”.
ومن جانبه أعرب، وزير الخارجية البريطاني، “دومينيك راب”، عن حزنه على رحيل “قابوس”. ووصف حكم السلطان، الذي دام 50 عامًا، بأنه: “يحظى باحترام واسع”، وقال إنه عمل بجدٍ من أجل “تعزيز السلام والاستقرار في عُمان والمنطقة ككل”.
لم يكن لدى “قابوس” أطفال، وبعد البروتوكول، لم يتم تعيين خليفة له علنًا. لكن بموجب قانون 1996، الذي يُنص على أن الأسرة الحاكمة يجب أن تختار خليفة أو أن يأتي الاسم من مظروف مختوم تركه السلطان ويفتح إذا لم تتمكن العائلة المالكة من إتخاذ قرار. وقالت التقارير إن الأسرة عقدت على عجل مجلسًا، مساء الجمعة، لمناقشة الأمر.
وينص الدستور العُماني على ضرورة أن يكون السلطان عضوًا في العائلة المالكة، وأن يكون “ابنًا مسلمًا وناضجًا وعقلانيًا وابنًا شرعيًا للآباء المسلمين العمانيين”. ويعتقد أن هناك أكثر من 80 مرشحًا مؤهلًا للعرش.
السلطان “هيثم” يواجه تحديًا كبيرًا..
“هيثم بن طارق آل سعيد”، البالغ من العمر 65 عامًا، والذي تلقى تعليمه في “أكسفورد”، كان وزيرًا للتراث والثقافة، منذ منتصف التسعينيات، وكان يشغل من قبل عدة مناصب في “وزارة الخارجية”. تم تعيينه في عام 2013؛ لرئاسة لجنة التنمية في “سلطنة عُمان”، وعلى دراية واسعة بسياسة البلاط الملكي.
يأتي تعيينه بمثابة مفاجأة للعمانيين، الذين أفترضوا على نطاق واسع أن اسم نائب رئيس الوزراء، البالغ من العمر 65 عامًا، “أسد بن طارق السعيد”، كان في مظروف السلطان. كان “الأسد”، “ممثلًا خاصًا”، عن “قابوس”، حيث قام بالإلتزامات في الخارج؛ وقام بالعديد من المظاهر العامة نيابة عن السلطان الراحل.
وقالت “سينزيا بيانكو”، زميلة أبحاث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “سلكت الأسرة الطريق الأقل إثارة للجدل، مفضلة الوحدة بدلاً من النقاش المطول الذي كان يمكن أن يتسم بالتدخل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”.
وتابعت: “ستكون أكبر التحديات التي يواجهها، هيثم، هي الحصول على موافقة النخب الاقتصادية المحلية على الإصلاحات وتعاون وثقة العُمانيين العاديين”.
يبدو أن تعيين، “هيثم”، على حساب المرشحين الأصغر سنًا من ذوي الخلفيات العسكرية؛ يدل على الرغبة في الاستمرارية وليس التعطيل في السياسة الداخلية والخارجية.
يشعر المحللون بالقلق حيال الخلاف العائلي الملكي وتجدد التنافس القبلي وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة، في وقت تولى فيه الصقور الشباب السلطة في “المملكة العربية السعودية” و”الإمارات” المجاورة.
في خطاب متلفز، وعد “هيثم” بدعم سياسة “مسقط” للعلاقات الودية مع جميع الأمم. وقال: “سنواصل المساعدة في حل النزاعات سلميًا”.
يرث السلطان الجديد الموارد المالية المتوترة والبطالة المرتفعة في الدول المنتجة لـ”النفط” المثقلة بالديون، وكذلك مهمة تحقيق التوازن بين المصالح الجيوسياسية لجيرانه في الشرق الأوسط.
وذكرت وسائل إعلام حكومية أنه تم إعلان الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام في القطاعين العام والخاص. وقال بيان صادر عن القصر الملكي: “بحزن شديد وحزن عميق … ينعي الديوان الملكي صاحب الجلالة، السلطان قابوس بن سعيد، الذي توفي يوم الجمعة”. كما أعلنت دول الخليج المجاورة الحداد لمدة ثلاثة أيام.
مر موكب جنازة “قابوس” على طول طريق “مسقط” الرئيس؛ وسط إجراءات أمنية مشددة، حيث كان العُمانيون يقطعون الطريق الذي تصطف على جانبيه أشجار النخيل.
تم نقل النعش الملفوف بالعلم العُماني إلى “مسجد السلطان قابوس الكبير”، حيث التحق المئات بالصلوات. وقف “هيثم” في مواجهة النعش مع خنجر تقليدي منحني مربوط حتى وسطه. وتم دفن “قابوس” في مقبرة العائلة.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية، (أونا)، إن “قابوس” توفي بعد: “مسيرة حكيمة ومنتصرة غنية بالسخاء؛ أحتضنت سلطنة عُمان وأمتدت إلى العالم العربي والإسلامي والعالم بأسره وحققت سياسة متوازنة يحترمها العالم بأسره”.
سياسة تقارب مع إيران..
أعتمد السلطان “قابوس” سياسة تقارب مع “إيران”، الواقعة على الضفة الأخرى من “مضيق هرمز”، وذلك على النقيض من حكام عرب آخرين. وقد إتخذ موقفًا محايدًا خلال حرب “العراق” مع “إيران”، بين عامي 1980 و1988.
وأتاحت له علاقته القريبة من “إيران”؛ بأن يلعب دور الوسيط في الملف النووي، الأمر الذي تمخض عنه اتفاق مهم، في العام 2015، بين “طهران” و”واشنطن” في عهد، “باراك أوباما”، قبل أن ينسحب منه الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”.
وتوجهت الدول الغربية مرارًا إلى “مسقط”؛ لتطلب منها العمل كوسيط، ليس في النزاعات الإقليمية فحسب، لكن في القضايا الدولية أيضًا.