خاص : ترجمة – سعد عبدالعزيز :
يبدو أن الشرق الأوسط قد دخل بالفعل مرحلة جديدة من الصراع “الأميركي-الإيراني”، بعد اغتيال قائد (فيلق القدس)، “قاسم سليماني”، بطائرة مُسيرة أميركية في “بغداد”.
وسارع المسؤولون في “تل أبيب” بالترحيب بتلك العملية، بينما أخذ المحللون الإسرائيليون يدلون بآراء متباينة ومتعددة مُحذِّرين من الانتقام الإيراني ردًا على اغتيال “سليماني”.
الاغتيال لن يوقف النشاط الإيراني !
يرى المحلل الإسرائيلي، “رون بن يشاي”، إن اغتيال “قاسم سليماني” لن يمنع “إيران” من مواصلة نشاطها التخريبي في الشرق الأوسط؛ ولن يُنهي تطلعاتها التوسعية في المنطقة، بل إن ذلك النشاط سيستمر، وسيحتدم الصراع مع “الولايات المتحدة” وحلفائها في المنطقة، جرَّاء عملية الاغتيال التي جرت في العاصمة العراقية، “بغداد”. ولكن على الرغم من الخطاب الناري الصادر عن “طهران”، إلا أن الإيرانيين ربما سيتجنبون شن عمليات قوية خشية اندلاع حرب ضد القوات الأميركية أو ضد “إسرائيل”.
يؤكد “بن يشاي”؛ أن تصفية “سليماني” – بالإضافة إلى مسؤول كبير في ميليشيات “الحشد الشعبي” العراقي – تُعدُّ ضربة معنوية ونفسية قاسية لـ”الحرس الثوري” وللنظام الإيراني، لكنها لن تغير الإستراتيجية الإيرانية في الشرق الأوسط، بل قد تدفع المساعي لتصدير “الثورة الشيعية” لبسط الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط، وهو ما كان يقوم به “سليماني”.
يضيف “بن يشاي”؛ أن الإيرانيين سيتحينون الظرف المناسب للانتقام، الذي ربما سيكون عبر قيام الميليشيات الشيعية في “سوريا” باستهداف مواقع داخل الأراضي الإسرائيلية، أو قيام فصائل فلسطينية مسلحة في “غزة” باستهداف “إسرائيل”.
أما في حال أرادت “طهران” شن هجمات انتقامية مؤثرة، فربما سيحتاج الإيرانيون لبعض الوقت حتى يتأهبون لذلك استخباراتيًا وعملياتيًا.
الاغتيال سيربُك أداء “فيلق القدس”..
بحسب “بن يشاي”؛ فإن (فيلق القدس)، التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، يُعَدُّ تنظيمًا إرهابيًا بكل معنى الكلمة، وهو يعتمد على وكلائه من الميليشيات الشيعية المتواجدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وسيؤدي اغتيال “سليماني” إلى إرباك ذلك التنظيم، مثلما أدى اغتيال، “عماد مُغنية”، إلى إرباك نشاط “حزب الله” اللبناني، الذي لم يسترد عافيته حتى اليوم. ولن يؤدي اغتيال، “سليماني”، إلى إنتهاء دور (فيلق القدس)، ولكنه سيربُك أداءه ويجبره على التصرف بمزيد من الحيطة والحذر.
النظام الإيراني لن يتهور !
يشير “بن يشاي” إلى أن النظام الإيراني لن يرد على تلك العملية الأميركية القوية، بتهور أو بشكل إرتجالي، وإنما قد يواصل إستراتيجيته الحالية وينتظر نتائج الانتخابات الأميركية، المقرر إجراؤها في تشرين ثان/نوفمبر من العام الجاري، محاولًا الحد من الأضرار الاقتصادية وضمان بقاء النظام، إلى أن يتضح ما إذا كان، “دونالد ترامب”، سيبقى في “البيت الأبيض” أم لا.
ردود متباينة داخل إيران..
أما مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة “تل أبيب”، “عوزي رابي”، فقد علَّق على عملية اغتيال، “سليماني”، قائلًا: هناك ردود فعل متباينة داخل “إيران”، ففي حين شاهدنا الصدمة والحزن داخل أوساط النظام، لأن الاغتيال يمثل ضربة قاسية للعمود الفقري للدولة الإيرانية. سمعنا في الوقت نفسه، أصواتًا مثيرةً للدهشة، ترى أن ما جرى هو بمثابة عقاب لدولة لا تهتم بشؤون مواطنيها بينما تهتم بشؤون دول أخرى.
الانتقام سيكون قاسيًا..
يرى “رابي”؛ أن الانتقام الإيراني سيكون قاسيًا، حيث سيتوجب على “إيران” أن ترد على تلك العملية الأميركية، حتى تُثبت للجميع أنها لا تزال في أوج قوتها. غير أن “طهران” لا تريد الزج بنفسها في حرب شاملة، لأن “نظام الملالي” يقع حاليًا بين المطرقة والسندان.
ويعتقد “رابي” أن عملية الاغتيال، التي نفذها “ترامب”، جاءت في وقتها المناسب. مضيفًا: “هذه ميزة النهج الذي يتبعه، ترامب، في منطقة الشرق الأوسط – فهو يتصرف بعقلية مختلفة عن العقلية الغربية، إنه يتبنى منهجًا مُختلفًا”.
العالم أفضل بدون “سليماني”..
أما رئيس جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية السابق، “عاموس يادلين”، فيقول إن “الولايات المتحدة” وجهت، من خلال اغتيال “سليماني”، رسالة واضحة لـ”طهران”، مفادها أن قواعد اللعبة قد تغيرت في الشرق الأوسط، وأن “إيران” تجاوزت الخط الاحمر.
وفيما يتعلق بالانتقام الإيراني المحتمل، يرى “يادلين”؛ أنه من غير المؤكد أن تكون “إسرائيل” هي من يتعرض للانتقام الإيراني، لكن هذا لا يعني ألّا تكون “تل أبيب” على أهبة الاستعداد. مُضيفًا أن العالم بدون “سلماني” سيكون أفضل.
الاغتيال خَلَطَ الأوراق !
فيما أكد المحلل، “تسفيكا يحزقيلي”، إن عملية الاغتيال الأميركية في “بغداد” وتصفية قائد (فيلق القدس) الإيراني، “قاسم سليماني”، قد أربكت المشهد وخلطت الأوراق في الشرق الأوسط، والآن يتوقع المسؤولون الغربيون أن يكون الرد الانتقامي الإيراني، خلال الأسابيع المقبلة.
ورحَّب “يحزقيلي” بعملية الاغتيال قائلًا: “أخيرًا هناك من استمع لنصيحتي”. مؤكدًا: “لم يأتِ التنفيذ من جانب إسرائيل، بل من جانب، ترامب، الذي فاض به الكيل أخيرًا ليقول: كفى عند هذا الحد”.
رغم قطع الرأس.. لازالت الأفعى على قيد الحياة !
مضيفًا: “سليماني”؛ كان هو المسؤول عن بسط النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، منذ عشر سنوات، وهو نفسه الذي قام بإنشاء جيوش كاملة في “لبنان وسوريا والعراق واليمن” – وهو من قام أيضًا بتطويق الدول العربية بالجيوش الشيعية.
إن “سليماني”، من وجهة نظري، هو الشخصية السياسية والعسكرية الأكثر أهمية في “إيران”، بعد المرشد الأعلى، آية الله “على خامنئي”، إن لم يكن في نفس منزلته. لذلك كان لزامًا على من يريد ترتيب الأوضاع في المنطقة أن يبدأ بالتخلص منه. لكن المهمة لم تنتهي بعد، لأن رأس الأفعى هي التي سقطت، بينما الأفعي ذاتها ما زالت على قيد الحياة.