17 يونيو، 2025 10:21 م

تحول البوصلة .. الإستراتيجية الأميركية حائرة في “الأسد” بين الإزاحة أو البقاء

تحول البوصلة .. الإستراتيجية الأميركية حائرة في “الأسد” بين الإزاحة أو البقاء

كتبت – ابتهال مخلوف :

يسود عالم العلاقات الدولية لغة المصالح.. ولا يختلف موقف الولايات المتحدة الأميركية من قضايا الشرق الأوسط عن حسابات المكاسب والخسائر.. وهو ما يفسر ما أعلنته الولايات المتحدة على لسان أثنيْن من كبار دبلوماسيها بشأن مصير الرئيس السوري “بشار الأسد”.

وطرح تحليل إخباري بصحيفة “لوموند” الفرنسية تحولات الموقف الأميركي من نقطة هامة تعرقل دومًا حل الأزمة السورية، وهي بقاء الرئيس السوري “بشار الأسد” في البلاد بعد ست سنوات من الحرب في بلاده.

اعتبرت “لوموند” أن إدارة الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” تفضل الحرب على الجماعات الجهادية ومنها “داعش” على مناقشة مصير بقاء الأسد في السلطة.

تقرر الصحيفة الفرنسية حقيقة واقعة.. أنه لا مجال للشك أن النظام السوري استقبل الخطوة الأميركية بترحاب شديد باعتبارها انتصارًا.

.

دبلوماسية “العصا والجزرة” مع بشار

في 30 آذار/مارس الماضي خرج تصريحان خطيران من وزير الخارجية الأميركي “ريكس تيلرسون” و”نيكي هالي” السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة يميطان اللثام عن نوايا إدارة ترامب تجاه بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة.

اكد “ريكس تيلرسون” وزير خارجية ترامب خلال زيارته للعاصمة التركية أنقرة أن مصير الأسد مسئولية السوريين على المدى الطويل، وأشار أن واشنطن تبحث مع أنقرة إنشاء مناطق آمنة داخل سوريا، تسمح بعودة اللاجئين السوريين.

ونقلت “لوموند” تصريحات نيكي هالي من مقر الأمم المتحدة بنيويورك، التي أكدت فيها على انه: “يجب أن ننتقي معاركنا.. وبالنظر للوضع القائم، يجب أن نعيد ترتيب أجندتنا وأولوياتنا ولا نركز على إزاحة الأسد من السلطة”.

مستدركة “هالي” أن الدبلوماسية الأميركية لا تزال تؤمن أن الأسد عقبة في طريق حل الأزمة السورية، لكن بديلًا عن التركيز على كيفية رحيله من الأفضل ممارسة إدارة دونالد ترامب ضغوط لإجباره على تغيير الوضع السوري.

وهو ما يعتبره خبراء العلاقات الدولية عودة الأميركيين لمنهجهم العتيد في ممارسة الدبلوماسية وهو “سياسة العصا والجزرة”.

توضح صحيفة “لوموند” أنه بعبارة أخرى، تقبل الولايات المتحدة رسميًا ببقاء رئيس الدولة السورية متغاضية عن مسؤوليته عن قتل عشرات الآلاف من أبناء الشعب السوري.

ويفسر الباحث “غوزيف باحوط”، المتخصص في الصراع السوري في مؤسسة “كارنيغي للشرق الأوسط”، أن واشنطن تتبني الموقف الروسي، مضيفًا أن الفريق الرئاسي الأميركي الجديد قطع خطوط الإتصال مع دبلوماسية البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق “باراك اوباما”.

الأسد في مرآة أوباما وترامب

وتستعرض الصحيفة الموقف الأميركي السابق وتحولاته تجاه مصير الأسد، حينما أصر الرئيس السابق باراك أوباما في آب/أغسطس 2011، بعد خمسة أشهر من بدء الثورة السورية، على ضرورة تنحي اﻷسد كجزء من حل الأزمة لمصلحة الشعب السوري. وحينها كانت الثورة السورية سلمية في طبيعتها إلى حد كبير.

وعلى مدى الصراع السوري، ظل مصير نظام الأسد عقبة كبرى في طريق إنهاء الأزمة، وزاد الأسد من عناده، بتشجيع من رفض واشنطن التدخل العسكري في سوريا على خلفية الهجوم بالسلاح الكيماوي على المعارضين للنظام في الغوطة شرق دمشق في آب/أغسطس 2013، ما أسفر عن تحول تدريجي في موقف إدارة أوباما.

وكان لصعود الحركات الجهادية وتشرذم المعارضة المسلحة تحت رايات متباينة، أثر كبير في هذا التطور، حيث تخلت واشنطن عن خيار الحل العسكري لرحيل الأسد بالقوة.

قدرت الحكومة الأمريكية في بادئ الأمر أن الممارسات الوحشية ضد الشعب السوري تمنع الأسد من أن يكون طرفًا في حل سياسي مستقبلي لسوريا، وفي أيلول/سبتمبر 2015 تحول الموقف الأميركي بإتجاه رحيل الأسد ولكن وفقًا لجدول زمني ومفاوضات.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، انتقد “دونالد ترامب” تناقض موقف بلاده المناهض لكل من تنظيم داعش ونظام بشار الأسد، وفي مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” خلال تموز/يوليو عام 2016، وصف الرئيس “بالشخص السئ” الذي ارتكب أفعال رهيبة ضد شعبه، لكن أداراته سوف تعطي الأولوية للحرب ضد الإرهاب الإسلامي.

إيران وداعش.. أيهما كلمة السر ؟

وأفردت الصحيفة الفرنسية عدة عوامل قادت للتحول الأميركي.. منها الحرب على تنظيم داعش ولعل الإشارات التي دفع بها الرئيس السوري من تحت الطاولة لإدارة ترامب أن الحرب على الإرهاب يجب أن تبدأ من تحت أقدامه وبتنسيق معه، ينسحب بالضرورة على اعتراف التحالف الدولي بقيادة واشنطن ضد تنظيم داعش بنظام الأسد كشريك ومفاوض رئيسي.

وتلمح الصحيفة إلى أن إدارة ترامب تضع في حسبانها إيران حين تتخلى عن مبدأ رحيل بشار الأسد، عبر التعاون مع موسكو شريكة طهران الرئيسية في الحرب السورية بهدف الحشد ضد إيران التي يعبرها المراقبون “كلمة السر” في الموقف الجديد، حيث تنظر لها إدراة ترامب بالعدو الأخطر وتهدد بإلغاء الإتفاق النووي معها.

كما أن الاختلافات الجوهرية بين أطياف المعارض السورية وظهور الفصائل الإسلامية طرفًا في ميدان المعركة دفع الغرب والولايات المتحدة إلى تغيير مواقفهم. والبرهان على ذلك رفض وكالة المخابرات الأميركية “سي. آي. آيه” تسليح المعارضة السورية بصواريخ “أرض – جو” خشية وقوعها في يد الحركات الإسلامية المتطرفة.

نصر الحريري

وناقش التقرير عواقب موقف إدارة ترامب الجديد، خاصة على الحرب السورية، إذ يؤكد على أن الإستراتيجية الأميركية الجديدة تكتب شهادة وفاة لمحادثات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، حيث تسقط الورقة الأخيرة في جعبة المعارضة السورية عبر دعم قوة كبرى كالولايات المتحدة لهم، ما دعا “نصر الحريري” رئيس وفد الهيئة العليا للمفاوضات السورية إلى رفض الطرح الأميركي الجديد، مشيرًا إلى  أن الحرب على الإرهاب تتم عبر إزاحة بشار الأسد من السلطة فورًا.

كما شدد “منذر ماخوس” المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات لقوى المعارضة السورية على أن المعارضة لا يمكن أن تقبل بأي دور للأسد في أي مرحلة من المراحل المقبلة.

كما اعتبرت الصحيفة أن استراتيجية ترامب طعنة جديدة للدبلوماسية الفرنسية، فرغم أنها لم تعد تدعو إلى رحيل فوري للرئيس السوري، تستمر في التأكيد على أنه لا يمكنه أن يجسد مستقبل سوريا.

وسوف تطال انعكاسات موقف إدارة ترامب من الأسد العلاقات التركية الأميركية بصورة سلبية، خاصة مع دعم أميركا للقوات الكردية في الرقة شمال سوريا، وهو ما تعتبره تركيا تخليًا عنها.

في ضوء ما سبق، يرى مراقبون أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي يبدو أنها شهدت إلى حد كبير تقاربًا مع السياسة الروسية تجاه سوريا، قد تفتح الطريق أمام إمكانية الإبقاء على الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، وتزداد الاحتمالات أن يمنح الموقف الجديد للولايات المتحدة دورًا اوسع في “الملهاة السورية”.. قد يؤهلها للعودة لدور الراعي الرسمي لحل الصراع.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة