خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في جمعة جديدة في “الجزائر”؛ ليست كسابقاتها. فهي الأولى بعد استقالة الرئيس، “عبدالعزيز بوتفليقة”، من منصبه وإقالة مدير المخابرات، التي عادت مجددًا تحت إدارة “وزارة الدفاع”.
حيث لم تثنِ استقالة “بوتفليقة”، الجزائريين عن التظاهر استكمالًا لمطالبهم، فقد أحتشدت أعداد ضخمة من المتظاهرين وسط العاصمة الجزائرية، مرددين شعارات ترفض إطالة المرحلة الانتقاليّة ولرحيل مقرّبي “بوتفليقة” عن السلطة، وهي تظاهرات حملت اسم “رحيل الباءات الثلاث”، في إشارة إلى: “عبدالقادر بن صالح”، و”الطّيّب بلعيز”، و”نورالدين بدوي”، الذين يُعدّون شخصيات محورية ضمن البنية التي أسس لها “بوتفليقة”، وينص الدستور على توليهم قيادة المرحلة الانتقالية.
ويصعب تحديد أعداد المتظاهرين في غياب إحصاءات رسمية، لكن الحشود كبيرة في التظاهرة التي بلغت أوجها في بداية الظهيرة مع إنتهاء صلاة الجمعة، بحيث يمكن أن تساوي على الأقل عدد المشاركين في التظاهرات الحاشدة جدًا، أيّام الجمعة الماضية.
إقالة رئيس جهاز المخابرات وتجديد الجيش لتأييد مطالب الشارع..
وأستبقت، السلطات الجزائرية، تظاهرات الجمعة، بالإعلان عن إقالة رئيس جهاز المخابرات، “عثمان طرقاق”، الذي يُعد حليفًا وثيقًا لـ”بوتفليقة”؛ وبثت قناة (النهار) التليفزيونية الخاصة خبر الإقالة، وقالت إن منصبه الذي يتبع الرئاسة حاليًا سيعود ليصبح تحت إِشراف “وزارة الدفاع”، دون الإعلان عن بديل له.
من جانبه؛ جددت قيادة الجيش الجزائري أيضًا “تأييدها التام” لمطالب الشارع في افتتاحية، عدد نيسان/أبريل 2019، من مجلة (الجيش)، لسان حال المؤسسة العسكرية بـ”الجزائر”.
وحسب ما ورد في المقال: “أكد الجيش الوطني الشعبي، تأييده التام لمطالب الشعب المشروعة، وسانده إنطلاقًا من قناعته النابعة من تمسكه بالشرعية الدستورية”.
وأوضح أنّ موقفه “حيال التطورات التي تشهدها البلاد سيبقى ثابتًا، بما أنه يندرج ضمن إطار الشرعية الدستورية، ويضع مصالح الشعب الجزائري فوق كل اعتبار”.
وأعادت قيادة الجيش تقديم تصورها للخروج من الأوضاع الراهنة، في أعقاب استقالة “بوتفليقة”، بالتأكيد على أنها “ترى دائمًا أن حل الأزمة لا يمكن تصوره إلا بتفعيل المواد (102) و(7) و(8) من الدستور”، وهي عبارة مستنسخة من خطاب لقائد الأركان الفريق، “أحمد قايد صالح”، في 30 آذار/مارس الماضي.
وإذا كان تفعيل المادة (102) من الدستور، قد تم باستقالة “بوتفليقة”، الثلاثاء الماضي، إلا أن المادتين (7) و(8) من الدستور؛ اللتين تنصان على أن: “الشعب مصدر السيادة والسلطة”؛ ما زالتا محل نقاش قانوني ودستوري في البلاد حول طريقة تفعيلهما.
لاعب رئيس فيما يدور خلف الكواليس..
وكانت المخابرات عنصرًا مهمًا في نفوذ الجيش القوي على أمور البلاد، ولعبت دورًا خلف الكواليس على الساحة السياسية؛ وكذلك في الحرب الأهلية، التي دارت رحاها في تسعينيات القرن الماضي.
لكن، في عام 2016، ألغى “بوتفليقة” تبعيتها لـ”وزارة الدفاع” ووضعها تحت سلطة “الرئاسة”، سعيًا لإخراجها تدريجيًا من الحياة السياسية.
وتدير “حكومة تصريف أعمال” أمور البلاد الآن، ومن غير المرجح أن تهديء الغضب في الشوارع، وستبقى هذه الحكومة حتى إجراء انتخابات خلال ثلاثة أشهر. ولم يظهر خليفة واضح لـ”بوتفليقة”.
وفي الأسابيع السابقة لاستقالة “بوتفليقة” تضاءلت الدائرة المحيطة به نتيجة استقالة عدد من حلفائه المقربين من مواقع مؤثرة في مجالي السياسة والأعمال.
خيارات صعبة..
ووصفت المحللة السياسية الجزائرية ورئيس تحرير جريدة (الفجر) الجزائرية، “حدة حزام”، الخيارات التي تنتظر “الجزائر” في مرحلة ما بعد استقالة الرئيس، “بوتفليقة”، بأنها “صعبة”.
وأشارت إلي أن الجيش متمسك بالدستور؛ الذي ينص على إن يترأس المرحلة الانتقالية أحد رجال الرئيس “بوتفليقة”، وهو رئيس مجلس الأمة، “عبدالقادر بن صالح”، مشيرة إلى أن هذا الشخص مرفوض شعبيًا، كما أن حكومة “بدوي” أيضًا مرفوضة شعبيًا.
بداية صراع خطير على السلطة..
وفي مقال “غينادي بيتروف”، في (إكسبرت أونلاين)، تحت عنوان: (الجزائر: حقبة التحولات الكبرى)؛ حول التطورات المرتقبة في “الجزائر” بعد استقالة “بوتفليقة”، ومصير عائلة الحكم.
وجاء في المقال: في “الجزائر”، تغيرت السلطة رسميًا. استقال رئيس البلاد، “عبدالعزيز بوتفليقة”، عن 82 عامًا. لكن رحيله لا يشير إلى النهاية، بل على العكس من ذلك، بداية صراع خطير على السلطة.
سيشارك في هذا الصراع؛ الجيش وحاشية الزعيم السابق، الذي حكم البلاد لمدة عشرين عامًا، والمعارضة، “غير النظامية”، والقوى السياسية غير المعروفة؛ التي تظهر في حقبة التغييرات الكبرى التي أزفت في “الجزائر”.
كان واضحًا أن “بوتفليقة” على وشك الرحيل، منذ تخليه عن الترشح لولاية رئاسية خامسة. وكان السؤال متى يرحل. كانت “الجزائر” تنتظر فترة من عدم اليقين، لا تناسب السياسيين “غير النظاميين” واللاعبين السريين في أعلى مستويات السلطة…
في نهاية آذار/مارس 2019، تحدث “أحمد قايد صالح”، رئيس الأركان العامة للجيش، على شاشات التليفزيون، داعيًا الرئيس مباشرة إلى الاستقالة.
ومنذ الـ 11 من آذار/مارس 2019، تتكبد “العائلة” هزيمة تلو الأخرى في الصراع مع “الجيش”. وبات حدثًا بارزًا دالًا على تراجع نفوذ عائلة “بوتفليقة”؛ اعتقال الرئيس السابق للمنتدى الجزائري لرؤساء الشركات، “علي حداد”، في 31 آذار/مارس 2019. تحت التحقيق مع مجموعة من 12 شخصًا، من بينهم رجل الأعمال، “رضا كونيناف”، الذي كان، مثل “حداد”، شخصية مقربة بشكل خاص من الرئيس، وممن يضغطون لترشيحه إلى ولاية جديدة.
ويرى المقال؛ أنه من غير الواضح بعد ما إذا كانت حملة مكافحة الفساد ستتوج باعتقال، “سعيد بوتفليقة”، وحتى الرئيس نفسه. وفي جميع الأحوال، يعاني أفراد الأسرة، التي طالما أمتلكت السلطة الكاملة، مرارة الخيبة ممن رعوه. فـ”سعيد بوتفليقة”، هو من عين الفريق، “أحمد قائد صالح”. وقد تم تعيينه رئيسًا لهيئة الأركان العامة لموازنة تأثير مسؤول أمني آخر، وهو رئيس المخابرات، “محمد مدين”. إلا أن “أحمد قايد صالح” طموح للغاية.