12 يوليو، 2025 12:50 م

تجاوز أوركرانيا وبيلاروسيا .. “بولتون”: يجب ردع طموح بوتين بالـ”ناتو” لوقف استغلاله “المنطقة الرمادية” !

تجاوز أوركرانيا وبيلاروسيا .. “بولتون”: يجب ردع طموح بوتين بالـ”ناتو” لوقف استغلاله “المنطقة الرمادية” !

وكالات – كتابات :

نشر موقع (1945) الأميركي، المعني بشؤون الأمن القومي؛ مقالًا كتبه، “جون بولتون”، مستشار الأمن القومي السابق في عهد الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، يتناول فيه خطط “روسيا” الكبيرة التي تتجاوز: “أوكرانيا وبيلاروسيا”؛ والخطوات الضرورية لمواجهتها.

يستحضر “بولتون”، في مستهل مقاله؛ موقف الرئيس الأميركي الأسبق، “جون كينيدي”؛ أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، في عام 1962، مشيرًا إلى أن “كينيدي”، وبعد أن علم أن الزعيم السوفياتي، “نيكيتا خروتشوف”؛ قد خرق إلتزامه بعدم نشر صواريخ (باليستية) قادرة على حمل أسلحة نووية في الجزيرة، وصف “كينيدي”، “خروتشوف”؛ بأنه: “كاذب حقير” و”رجل عصابات عديم الأخلاق”. وبعد ساعات قال، “جون كينيدي”؛ لكبار مستشاريه: “لقد كنا مخطئين بالتأكيد بشأن ما يحاول فعله في كوبا”.

ما أشبه الليلة بالبارحة..

ويعتقد “بولتون” أن الأمر يتكرر مع، “فلاديمير بوتين”؛ و”أوكرانيا”؛ فعلى الرغم من المناقشة واسعة النطاق في الغرب، تظل أهداف “روسيا” غامضة، وكذلك أهداف “بوتين”، و”ألكسندر لوكاشينكو”، في “بيلاروسيا” المجاورة. والواقع أن “بوتين” يتبنى إستراتيجية كبرى في مختلف أنحاء بلدان “الجوار القريب” من “روسيا”، في حين أن نهج الغرب بالغ الصغر. كذلك لا يجب أن ننسى أبدًا حزن “بوتين” بشأن حل “الاتحاد السوفياتي”، أو وصف المراقبين لوزير الخارجية الحالي، “سيرغي لافروف”؛ قبل 30 عامًا، بأنه: “ليس شيوعيًّا، ولكنه قيصر”.

ويقول “بولتون” إن “موسكو” تستكشف بدقة “المنطقة الرمادية” بالكامل بين الحدود الشرقية لـ”حلف شمال الأطلسي”، الـ (ناتو)، والحدود الغربية لـ”روسيا”: ليس فقط: “أوكرانيا” و”بيلاروسيا”، بل “مولدوفا” و”جمهوريات القوقاز” أيضًا، مشيرًا إلى أن: “الصراع المُجمد” بين “مولدوفا” و”جمهورية ترانس” – دنيستر التي أنشأتها “روسيا”، واحتلال “روسيا” المستمر لمقاطعتين جورجيتين، والتدخل الأخير لـ”موسكو” المؤيد لـ”أذربيجان” في صراعها مع “آرمينيا”، كلها تدل على سياسات الهيمنة والضم الصريح التي ينتهجها “الكرملين”، والتي تُربك دول المنطقة الرمادية الست. (تواجه جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق الخمس في آسيا الوسطى مشاكلها الخاصة بروسيا، وتستحق دراسة منفصلة). ويرى “بولتون” أن معالجة بلاده لكل صراع على حدة، وليس معالجة جميع الصراعات بطريقة إستراتيجية، يُوقِع في الفخ الذي نصبه “بوتين”.

ويتجلى المنظور الأوسع لـ”الكرملين” في زيادة التدريبات البحرية في “البحر الأسود”، والشكاوى المتزايدة بشأن الوجود “الاستفزازي” للبحرية الأميركية هناك. وأضاف “بولتون” أن هيمنة “البحر الأسود” من شأنها أن تُهدد ليس “أوكرانيا” فحسب، بل “جورجيا” أيضًا، وأن تُرهب كذلك عضوي الـ (ناتو): “بلغاريا” و”رومانيا”، وأن تُثير القلق في “تركيا”؛ التي وصفها “بولتون” بالتغريد خارج السرب في ظل حكم “إردوغان”. وقد بات أي من التهديدات الروسية العديدة وشيكًا وغير واضح بدرجة ما، كما حدث في عام 1962، عندما كان “كينيدي” يخشى أن يحتجز “خروتشوف”، “برلين”؛ رهينةً لإرغام “أميركا” على عدم القيام بأي رد قوي على المغامرة “الكوبية-الروسية”.

قِصَر نظر الغرب !

ويلفت “بولتون” إلى أن عجز الغرب الجماعي عن حشد سياسات معارضة فعَّالة يؤكد قِصَر نظر الغرب. وفي مواجهة سوء سلوك “الكرملين” الواسع النطاق، ترد “واشنطن” متساءلةً والألم يعتصرها: هل تُمثل مناورات الـ (ناتو) أي مشكلة أم لا ؟. وهو ما يراه “بولتون” أمرًا مثيرًا للسخرية كونه يأتي من، “جو بايدن”، مستدعيًا إلى الأذهان الاهتمام الترامبي بانتقادات “كيم جونغ-أون” للتدريبات المشتركة بين “الولايات المتحدة” و”كوريا الجنوبية”، في حين كان يُقلل من شأن تهديدات “كيم” الأكثر خطورة.

وفي غضون ذلك؛ يرى “بولتون” أن “أوروبا” تواصل انخراطها في عملية من التأمل الذاتي المفرط، وآية ذلك أن اتفاقية التحالف الحاكم الجديد في “ألمانيا” لم تأتِ على ذكر تعهد الـ (ناتو) بأن ينفق الأعضاء ما لا يقل عن: 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، بل إنه يدعم على نحو مُثير للدهشة المزيد من التعاون بين جيوش “الاتحاد الأوروبي”، وهو ما وصفه بأنه وَهْم أوروبي قديم الأزل. وبالمثل تلتزم “معاهدة كويرينال”، “الفرنسية-الإيطالية” الجديدة؛ بتعزيز إستراتيجية الدفاع لـ”الاتحاد الأوروبي”، بدلًا عن التأكيد على إستراتيجية الـ (ناتو) الدفاعية.

ويضيف “بولتون” أن هذا التجاهل المستمر والإنكفاء على الذات يمنحان “بوتين” مساحة كبيرة للمناورة لتكتيكات الحرب الهجينة التي تُناسب أهداف “موسكو” المؤقتة، لا سيما فيما يتعلق بالتسلسل والتوقيت، وتمهيد الطريق للصراعات المستقبلية. واليوم قد تأتي استفزازات جديدة عاجلًا غير آجل ليس بسبب القوة الروسية، ولكن لأن “روسيا” تخشى الضعف السياسي، أو الاقتصادي الوشيك. ويمكن للمعتدي أن يستنتج أن له مزايا مؤقتة فقط، ومن ثم يُشجع على الضرب قبل تغير الموازين. والأسوأ من ذلك أن “بوتين” يمكن أن يُنسق مع الرئيس الصيني، “شي جين بينغ”؛ إذ قد يستهدف خطاب أحد النظامين، (الصين تجاه تايوان، على سبيل المثال)، صرف الإنتباه عن التهديد في “أوروبا”، في مقابل الحصول على مساعدة مماثلة متبادلة من “بوتين” إلى “شي جين بينغ” في وقت لاحق، أو العكس بالعكس.

خطوات ضرورية..

ويرى “بولتون” أن الاستجابات الغربية الفعَّالة لا بُدَّ أن تُدرك أن “موسكو” تنتهج أجندة أوسع نطاقًا وأكثر ترابطًا وأطول أجلًا مما جرى الاعتراف به حتى الآن. وعبر “بولتون” عن تأكده من أن “بوتين” يرتجل، ولا يُخطط تحركاته، ويرى أن هذا يعني اغتنامه الفرصة فور ظهورها؛ الأمر الذي يدل على رشاقة “روسيا”، وليس عدم اليقين الإستراتيجي، وهو ما عبر “بولتون” عن أسفه حياله. لذلك، وفي حين أن زيادة المساعدة العسكرية لـ”أوكرانيا” وإغلاق خط أنابيب الغاز (نورد ستريم 2)، ومقاطعة “النفط الروسي”، والعقوبات الدبلوماسية والاقتصادية الأخرى، تبدو جميعها إجراءات مبررة، إلا أنها لن تكون كافية أبدًا.

حث “بولتون”، “واشنطن”؛ على التحرك إلى ما هو أبعد من رد الفعل على الاستفزازات الروسية الواحدة تلو الأخرى، ومن خلال حلف الـ (ناتو)، وليس “الاتحاد الأوروبي”. إن لعبة “روسيا” على الرغم من انخراط الحكومة كلها في تنفيذها هي لعبة سياسية عسكرية أكثر من كونها لعبة اقتصادية. والسؤال “الجيو-إستراتيجي” الجوهري لمنظمة الـ (ناتو) هو كيفية التعامل مع “المنطقة الرمادية” بوصفها مجموعة متكاملة من المشكلات.

والواقع أن التوسع الشرقي للحلف لم ينظر على نحو كافٍ في أي مكان يمكن أن يتوقف، أو العواقب المترتبة على ذلك فيما يخص الدول التي تُركت خارج نطاق ضمانات معاهدة الـ (ناتو)، أي في “المنطقة الرمادية”. والمهمة العاجلة لا تكمن في إلقاء اللوم على هذا التاريخ، بل في اتخاذ قرار الآن بشأن أي من دول “المنطقة الرمادية” مرشحة بجدية للإنضمام إلى حلف الـ (ناتو)، وتخفيف أي قبضة يملكها “الكرملين” عليها، والحيلولة دون فرض قيود جديدة، (مثل انقلاب محتمل في أوكرانيا). كما عبر “بولتون” عن أنه يجب على “موسكو” أن تسمع بوضوح نوايا بلاده وإرادتها على حد سواء لتحقيقها.

وفيما يتعلق بمن لم يكن على لائحة الإنضمام لـ (الناتو)، يتعين على الـ (ناتو) أن يُقرر كيفية حماية مصالحه وردع “روسيا”، في حين الاعتراف بأن الدول المتبقية في “المنطقة الرمادية”، بحكم تعريفها، أكثر ضعفًا من الدول الأعضاء في حلف الـ (ناتو)، (إذ إن كل الدول الست معرضة الآن للخطر من جهود الكرملين التي لا تكِل). وبينما تتصدى “الولايات المتحدة” لهذه القرارات المصيرية، يتعين على الـ (ناتو) أن يخبر “روسيا”، (مرةً أخرى)، بأن التغييرات العسكرية على الوضع الراهن غير مقبولة. وأضاف “بولتون” مشككًا: بعد سنوات من الخطاب المماثل، أصبح من غير المؤكد هل يُصدِّقنا “بوتين” أم لا.

وبمجرد اتخاذ القرار يجب أن يبدأ الـ (ناتو) في حل “النزاعات المجمدة” وغيرها من التشابكات التي فرضتها “روسيا” على الأعضاء الجدد المحتملين في الـ (ناتو). وإحدى الحالات التي يجب أن تكون ذات أولوية هي القضاء على “جمهورية ترانس-دنيستر”، وهي كيان مصطنع يعتمد سياسيًّا بالكامل على “روسيا”. ومن شأن الضغط على “موسكو” من أجل إعادة التوحيد الكامل لـ”مولدوفا” أن يصرف إنتباه “بوتين” عن “أوكرانيا”. وثمة إلهاء آخر لـ”موسكو” يتمثل في زيادة الاهتمام الدولي بالأقاليم الجورجية التي استولت عليها “روسيا”، “أبخازيا” و”أوسيتيا الجنوبية”. وكان فشل الغرب في مواجهة هجوم “روسيا” على “جورجيا”، في عام 2008، قد أدَّى مباشرةً إلى استيلاء “روسيا”، في وقت لاحق؛ على شبه جزيرة القرم ومنطقة “دونباس”. وسيخفِّف هذا الاهتمام الدولي من الضغوط على “أوكرانيا” ويُسلِّط الضوء أيضًا على نمط السلوك الروسي الذي يحتاج الـ (ناتو) إلى ردعه.

وشدَّد “بولتون”، في ختام مقاله؛ على أن هناك الكثير مما يتعين القيام به، موضحًا أن مجرد اتخاذ مواقف دفاعية ضد تحركات “الكرملين” العدوانية ليست طريق دول “المنطقة الرمادية” إلى السلام والأمن، ولا طريق حلف الـ (ناتو) كذلك. وقد حان الوقت الآن لحلف الـ (ناتو) لإثبات أنه فعَّال وقوي في منطقته المركزية، خاصة في أعقاب الانسحاب الكارثي لـ”الولايات المتحدة” والـ (ناتو) من “أفغانستان”. ويجب أن تكون الرسالة الموجَّهة إلى “موسكو” هي أن المستقبل لا يحمل إليهم أيامًا يسيرة.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة