خاص: ترجمة- د. محمد بناية:
يتساءل المحللين والخبراء في مجال البيئة وحوكمة المياه: هل هناك جهات أو أفراد جشعون يقفون خلف الترويج لشراء خزانات ومضخات المياه، وكذلك المشاريع المرتبطة بالمياه السطحية؟.. لا سيّما وأن تعديل نمط الاستهلاك وترشيّد الاستخدام هو أهم استراتيجية للتعامل مع أزمة شُح المياه. بحسّب تقرير أعدته ونشرته صحيفة (تجارت) الإيرانية.
ويرى المحللون أن تشجيع الناس على تركيب مضخات مياه قوية لا يؤدي إلا إلى امتلاء جيوب المستّوردين والمضاربين بسرعة، ويؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار هذه المعدات في السوق الإيرانية.
وتؤدي هذه الأدوات في كثيرٍ من الحالات إلى زيادة مشاكل المياه، بدلًا من تحسيّن إدارة التعامل مع الأزمة؛ حيث أن تركيب المضخات في المنازل يُزيد من الضغط على موارد المياه والمياه الجوفية، لأنها تسّحب المياه من أعماق الخزانات الجوفية وتستنّزف ما تبقى من المياه في الشبكات الحضرية.
ويكشف تحقيق صحيفة (تجارت)؛ عن تورط شبكة بإمارة “دبي”، في الترويج الإعلامي لبيع مضخات المياه بغرض تحقيق أرباح ضخمة. لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد، وإنما بخلاف ذلك تنتشر مجموعة واسعة من الممارسات الانتهازية في قطاع المياه، تُشرّف على تنفيذ مشاريع مائية لا لحل مشكلات المياه، بل من أجل ملء جيوب المستَّفيدين، منها الاعتماد على المياه السطحية والسدّود غير الضرورية بدلًا من معالجة مشاكل المياه الجوفية.
تعطيل التوزيع العادل للمياه..
في هذا الصدّد تطرق “أنوش نوري إسفندياري”؛ عضو مركز أبحاث (إدارة مياه إيران)، للحديث عن تشجيع الناس على شراء المضخات والخزانات، ما أدى إلى اضطراب في خطط توزيع المياه وزيادة في
الاستهلاك، وقال: “فور تصريح مسؤولي شركة المياه، اصطف الناس في شارع سعدي، وارتفعت أسعار المضخات والخزانات إلى عدة أضعاف”. وأضاف: “تجاوز عُمر بعض أنابيب المياه في طهران الـ (70) عامًا؛ وقد انتهى عمرها الافتراضي، وهي مسؤولة عن تسَّربات هائلة. ومع ذلك، لا يتم استبدالها بسبب التكاليف والمصاعب، رغم أن هذا أمر لا بُدّ منه”.
ونوه إلى عدم اهتمام الجهات المستَّفيدة بإصلاح الأنابيب القديمة، لأنها تُفضل استخدام مصادر مياه جديدة، لكونها أسهل وأكثر ربحًا. علمًا أن شركات المياه لا تشتري المياه بأسعارها الحقيقية، وبالتالي فإن الحصول على مياه جديدة أكثر ربحًا من إصلاح البُنية التحتية، وتابع: “مع كل مشكلة تطرأ، تُنشر الأخبار بطريقة تُفيّد هذه المافيا. حتى وإن كانت تصريحات المسؤولين غير مقصودة، فإنها تصَّب في صالح هؤلاء الكارتلات. ومن أبرز الأمثلة على ذلك شراء المضخات والخزانات، الذي يضَّر بضبط ضغط الشبكة، ويؤدي إلى اختلال التوزيع العادل للمياه، ويُعطل برامج إدارة المدينة”.
من يقف وراء مافيا المياه ؟
سألت الصحيفة؛ “مهدي آذرنيا”، رئيس اتحاد الآلات الصناعية والإنشائية في “إيران”، عمّن يقودون مافيا شُح المياه في “إيران”؟.. وماذا يُريدون؟.. وأجاب: “مع بداية أزمة المياه في طهران، بدأت مافيا المضخات عملها من دبي، وجعلت الناس يشترون المضخات بزيادة: (50%) عن أسعارها الحقيقة. وقد تضاعف الطلب هذا العام بنسبة: (100%)، وأصبح الأمر أشبه بهجوم جماهيري”.
وأضاف: “تشهد السوق ضجة غير مبَّررة حول شراء المضخات. وأقول: لا داعي لذلك، فالتجار قادرون على توفير الكميات المطلوبة”.
وكشف عن توقف بعض المنتَّجين عن توزيع المضخات في السوق لمدة أسبوع؛ بهدف رفع الأسعار، وتورط المستّوردين في “دبي” بتوجيّه السوق، وتابع: “يبدأ الأمر بترويج إعلامي يُثيّر قلق الناس ويدفعهم لشراء المضخات. يليها تعطيش السوق وبالتالي رفع الطلب على حساب العرض، وصولًا للمرحلة الأخيرة بتحقيق أرباح خيالية”.
صمت مرَّيب: التجار يعملون بهدوء !
بدوره؛ يقول “محمد حسن پاپلي زاده”، الأستاذ بجامعة (فردوسي)، بمدينة “مشهد”: “لم تخصَّص وزارة الطاقة، خلال السنوات الأخيرة، سوى: (3%) من ميزانية الوزارة لإحياء المياه الجوفية. ونتيجة لتلك السياسات جفّت الكثير من السهول؛ حيث لم ترى الشركات الاستشارية الكبرى أرباحًا في مشاريع المياه الجوفية، بينما توجد في مشاريع السدّود مليارات التومانات. وهناك شبكة ضخمة تقف خلف هذه المافيا. كل التصريحات والمقابلات هي مجرد مسرحية. هذه المافيا معقدَّة جدًا لدرجة أننا لا نشعر بها، كما لا نشعر بالهواء الذي نتنفسه. الإعلام، والإدارة، والسياسات كلها مغطاة بهذه الشبكة”.
وتساءل: “منَ هؤلاء الذين يُطالبون بنقل المياه من طاغيكستان؟.. هناك (26-27) نائبًا. هل هم ممثلو الشعب أم تُجار مياه؟ الجميع يُريد أن يلتحق بركب المنتفعين للحصول على حصة من الأرباح. الشجاعة مطلوبة لنقول لوزير الطاقة: سيدي الوزير، هناك سرقات بمليارات الدولارات في ملف المياه. افيقوا! لكن السؤال الحقيقي: هل هناك إرادة حقيقية للتصدي لشبكات المافيا في قطاع المياه؟ أم ستواصل هذه الفئة جني الأرباح، بينما تتأخر الإصلاحات الحقيقية في حوكمة المياه؟”.