خاص : ترجمة – لميس السيد :
بما أن الرئيس التركي، “رجب طيب إردوغان”، هو من يصف المقاتلين الأكراد السوريين بأنهم إرهابيون، لإنه من المؤكد أنها شهادة لا يُعتد بها من راوي غير موثوق به.
إنحدرت “سوريا” في حالة من الفوضى، منذ مطلع الأسبوع الماضي، عند غزو “تركيا” المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في شمال “سوريا”؛ بعد إعلان إدارة “ترامب” عن انسحاب القوات الأميركية، في موقف يشبه طعنة الظهر في مواقف الخيانة.
في حين تعتبر القوات الكُردية، المتمركزة في “سوريا”، إن “الولايات المتحدة” تخلت عنها دون سابق إنذار ودون مبرر بعد سنوات من التعاون في القتال ضد تنظيم (داعش) الإرهابي، تعتبر “تركيا” إن قرار “الولايات المتحدة” بالمشاركة في المقام الأول مع القوات السورية الكُردية، التي تعتبرها “أنقرة” فرعًا لـ”حزب العمال الكُردستاني”، (بي كا كا)، وهي جماعة انفصالية كُردية مقرها “تركيا”، كان في حد ذاته بمثابة “خيانة لواحد من حلفاء واشنطن في حلف شمال الأطلسي”، بحسب وصف إدارة “تركيا”.
اعتبرت مجلة (فورين بوليسي) الأميركية أن الإدعاء الكُردي هو الرجح في هذه القضية، قدم الجيش الأميركي وعودًا للأكراد، أو على الأقل إلتزامات ضمنية، فشل في الوفاء بها، بينما الإدعاء التركي الذي يزعم أن القوات السورية الكُردية متحالفة مع الإرهابيين هو أكثر تعقيدًا وتشويشًا، وإليكم الأسباب..
من هم الأكراد ؟
ظهر الأكراد، لأول مرة في القرن العاشر، وأصبحوا اليوم أكبر مجموعة عرقية في العالم دون دولة مستقلة، على الرغم من أنهم وعدوا بالحكم الذاتي في “معاهدة سيفر”، لعام 1920. وكتب المؤرخ، “بريان ر. غيبسون”، في مقال نُشر مؤخرًا بالمجلة الأميركية، يقول فيه: “إن قوتين اليوم العظيمتين، بريطانيا وفرنسا، تراجعتا عام 1923 وقسما الأراضي الكُردية إلى تركيا وإيران والعراق وسوريا الحديثة”.
ظل الأكراد يقاتلون من أجل الاستقلال منذ ذلك الحين، وغالبًا ما يكون ذلك في ظل فظائع الدولة؛ مثل استخدام الرئيس العراقي، “صدام حسين”، للحرب الكيماوية ضد المدنيين الأكراد. أقرب ما وصل إليه الأكراد إلى دولة مستقلة هي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي في شمال “العراق”، منذ الغزو الأميركي، عام 2003.
ما هو “حزب العمال الكُردستاني” ؟
تأسس “حزب العمال الكُردستاني”، المعروف باسم اختصار، (بي كا كا)، كمجموعة ماركسية في “تركيا”، في عام 1978، استجابة للتمييز المدعوم من الدولة ضد الأكراد الأتراك، تستهدف تأسيس “كُردستان” مستقلة. لكن بدأ تمرد “حزب العمال الكُردستاني” ضد الدولة التركية، في عام 1984، واستمر القتال بين الجانبين بشكل متقطع منذ ذلك الحين، مصحوبًا بقمع تركي قاسي في المناطق الكُردية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 40.000 شخص، معظمهم من المدنيين الأكراد.
ركز “حزب العمال الكُردستاني” هجماته على الجيش التركي على مر السنين، لكنه ضرب أيضًا أهدافًا مدنية. صنفت “تركيا” و”الولايات المتحدة”، “حزب العمال الكُردستاني”، على أنه منظمة إرهابية.
ما هي “القوات الديمقراطية السورية” ؟
تم تأسيس “القوات الديمقراطية السورية”، رسميًا في شمال “سوريا”، في 11 تشرين أول/أكتوبر 2015، للدفاع عن المنطقة وسط الحرب الأهلية السورية وتنظيم (داعش) الناشيء.
تضم المنظمة ميليشيات عربية وآشورية، لكن مكونها الأساس هو “وحدات حماية الشعب”، المكونة من الأكراد. شجعت “الولايات المتحدة” تشكيل “قوات سوريا الديمقراطية” وشاركتها في القتال ضد (داعش).
ما هي العلاقة بين قوات “سوريا الديمقراطية” و”حزب العمال” ؟
“قوات سوريا”؛ تتألف في المقام الأول من ميليشيا “وحدات حماية الشعب”، وتأسست تلك الميليشيا نفسها رسميًا، في عام 2011، باعتبارها الجناح المسلح لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” الكُردي السوري، أو “حزب الاتحاد الديمقراطي”.
تدعي “تركيا” أن الحزب هو فرع من “حزب العمال الكُردستاني” التركي، الذي كان له يد في البداية لإنشاء “وحدات حماية الشعب”، إلا ان “حزب الاتحاد” ينفي هذه الروابط.
الأمر الذي لا جدال فيه هو أن “حزب العمال الكُردستاني” كان له وجود في “سوريا”، حتى عام 1998، عندما حظرت الحكومة السورية، الحزب، لكن فيما بعد تم تشكيل “حزب الاتحاد الديمقراطي” في “سوريا”، بعد خمس سنوات، مع الإحتفاظ بكثير من نفس الأعضاء.
وبالرغم من أن الأدلة المادية غير ملموسة، إلا أن “تركيا” تتهم “حزب الاتحاد الديموقراطي” و”حزب العمال الكُردستاني” بوجود تعاون وتنسيق مكثف بينهما. ولكن في عام 2016؛ أكد وزير الدفاع، “آشتون كارتر”، بشهادة أمام “الكونغرس” الأميركي، أن هناك “روابط جوهرية” بين الحزبين. كما ذكرت تقارير مستقلة أن هناك تداخل في عضوية بين أفراد الحزبين.
ومع ذلك؛ في مقال، نُشر عام 2017، بمجلة (فورين بوليسي)، نفى “الدار خليل”، وهو سياسي كُردي سوري رفيع المستوى، أي صلات من هذا القبيل، وكتب أن “حزب الاتحاد الديمقراطي”، مثل الجماعات السياسية الكُردية السورية الأخرى، يلتزم تمامًا بمذهب عدم التدخل في بلدان أخرى.
وكتب “خليل”: “من المؤلم أن نرى من يعيشون على الجانب التركي من الحدود يعانون من الإضطهاد والخوف تحت حكم إردوغان”. “لكن هذا ليس كفاحنا، وقد قلنا علانية وسوف نقول مرة أخرى؛ أن أراضينا ومواردنا لن تستخدم من قِبل حزب العمال الكُردستاني أو أي مجموعات أخرى تقاتل تركيا”.
ومع ذلك؛ سيكون من الخطأ الإشارة إلى أنه لا يوجد أي اتصال على الإطلاق بين “حزب العمال الكُردستاني”، المتمركز في “تركيا”، و”حزب الاتحاد الديمقراطي” السوري، وبالتبعية ليس هناك أي صلات مع “قوات حماية الشعب” أو “القوات الديمقراطية السورية”. وكما أوضح مقال “خليل” في المجلة، إن الأحزاب تشترك في نسب فكرية تتبع التعاليم السياسية لمؤسس “حزب العمال الكُردستاني” المعتقل، “عبدالله أوغلان”. بغض النظر عن مدى تعاون المجموعتين معًا في الممارسة العملية، فمن الواضح أنهم يتعاطفون مع الأهداف السياسية لبعضهم البعض.
هل “قوات سوريا الديمقراطية” إرهابية أم حلفاء للإرهابيين ؟
من وجهة نظر المجلة الأميركية، حدثت مبالغة في الخطاب التركي بشأن هذه النقطة، حيث يزعم الرئيس، “رجب طيب إردوغان”، والمؤسسات الإعلامية التركية، في كثير من الأحيان، أن الأكراد السوريين لا يختلفون عن (داعش) الذي ساعدوا في قتاله.
بأي تدبير معقول، هذا غير صحيح، حيث أن قوات “قسد”، (قوات سوريا الديموقراطية)، أداروا المناطق الواقعة تحت سيطرتهم بشكل أفضل من القوات الأخرى في المنطقة، مع غياب ملحوظ لأنواع المجازر الطائفية التي إرتكبتها العديد من الفصائل المسلحة السورية الأخرى، والدليل على ذلك أراضي “روغافا” المتعددة الأعراق، التي حازت على إشادة باعتبارها قصة نجاح ديمقراطية رائعة.