خاص: كتبت- نشوى الحفني:
رُغم انتظار الانسّحاب الفعلي؛ أعلنت “وزارة الخارجية” العراقية، تأجيل موعد إنهاء مهمة قوات “التحالف الدولي”؛ بقيادة “الولايات المتحدة”، في “العراق”، وهو الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول انعكاسات ذلك القرار على الواقع الأمني والسياسي في البلاد، خاصة بعد تصّعيد الفصائل العراقية هجماتها على القوات العسكرية.
وكانت “الخارجية العراقية” قد أكدت؛ خلال بيانٍ لها، الخميس، بأن “بغداد” تُعلن تأجيل موعد إعلان انتهاء مهمة “التحالف الدولي”؛ بقيادة “الولايات المتحدة” بسبب: “التطورات الأخيرة”، لكن الوزارة لم تُحدد هذه التطورات.
إتاحة استهداف القواعد الأميركية..
وكانت حركة (النجباء) العراقية؛ قد قالت مؤخرًا إن الهُدنة التي كانت تهدف لمنح الحكومة الوقت للتفاوض على انسّحاب القوات التابعة لـ”الولايات المتحدة” من البلاد انتهت، وباتت خيارات استهداف القواعد الأميركية بالبلاد متاحة.
وقال “حيدر اللامي”؛ عضو المجلس السياسي لحركة (النجباء)، لصحيفة (ذا ناشيونال): “أنهت فصائل المقاومة في العراق هذه الهدنة؛ وبالتالي فإن جميع الخيارات متاحة لقوات المقاومة لاستهداف جميع القواعد الأميركية داخل العراق”.
واعتبر “اللامي”؛ أن هناك: “تسّويفًا وممُاطلة” من “أميركا” بشأن انسحاب قواتها أثناء المحادثات مع الحكومة العراقية.
استبعاد الانسّحاب مع حكومة “الإطار”..
وحول انعكاسات تأجيل الانسّحاب الأميركي على الواقع العراقي؛ قال المحلل السياسي؛ “عصام حسين”، لموقع (عربي21)، إن: “واشنطن شّنت قصفًا قاسيًا قبل أسبوعين على مدينة جرف الصخر، وقُتل أكثر من: (10) أشخاص من (الحشد)، ولم نجد أي رد فعل من فصائل المقاومة”.
وأضاف “حسين”؛ أن: “المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية؛ (البنتاغون)، تحدث قبل مدة بكل وضوح أنه لم يتم مناقشة موضوع سحب قوات بلاده من العراق، وهذا الأمر أيضًا لم يدُر عنه أي أحد من الفصائل”.
وأردف: “كذلك هناك تدريبات عسكرية أميركية أعلن عنها مؤخرًا في العراق، وهذه قد تكون خوفًا من تطور الأحداث خلال المرحلة المقبلة أو ربما تكون هناك صواريخ إيرانية أو أخرى تابعة للفصائل المرتبطة بطهران، والتي قد تُطلق نحو القواعد المتواجد فيها الأميركيون”.
وأشار “حسين” إلى أن: “كل هذه المؤشرات ننظر لها على أن عملية الانسّحاب الأميركية من العراق؛ في ظل حكومة (الإطار التنسّيقي)، ربما تكون بعيدة، وهذا يعود إلى سبب وهو دعم الجانب الأميركي لأحزاب (الإطار) في تشكيل حكومة؛ محمد شيّاع السوداني”.
مضيفًا أنه: “ربما يكون هناك اتفاق حول بقاء القوات الأميركية داخل العراق بقوة أكبر، في مقابل دعم الإدارة الأميركية للحكومة الحالية؛ برئاسة محمد شيّاع السوداني، التي شّكلتها الفصائل المسلحة ذاتها”.
باتفاق مع الجانب الأميركي..
وتساءل “حسين”؛ قائلاً: “استهداف القوات الأميركية في العراق لم تكن تتبناها فصائل معروفة؛ وإنما كانت تحت عناوين مجاميع وهمية، وهذا يُعطي انطباعًا واضحًا جدًا أن هذه الفصائل لديها اتفاق مع الجانب الأميركي قبل تشكيل حكومة السوداني، مقابل أن تدعم الولايات المتحدة تشّكيلها”.
ورأى المحلل العراقي؛ أن: “الإدارة الأميركية تدعم بشكلٍ منقطع النظير؛ حكومة السوداني، والتي شّكلتها الفصائل، وهذه الأخيرة عامل دعم قوي للحكومة، إضافة إلى عمل الفصائل الاقتصادي الذي أصبح أكثر أريحية من عهد حكومة رئيس الوزراء السابق؛ مصطفى الكاظمي”.
وأشار إلى أن: “أصوات (الإطار التنسّيقي) تخرج بعد كل ضربة أميركية تستهدف الفصائل، فقد استهدفت إحدى مقار (الحشد الشعبي)، وهذه كانت ضربة إسرائيلية وجرى إنكار الموضوع، وذلك عندما كان رئيس الوزراء متواجدًا في الولايات المتحدة الأميركية؛ في نيسان/إبريل الماضي”.
وأردف بأن: “الضربة الثانية استهدفت مقار فصيل (عصائب أهل الحق)، وأعلن الأخير أنه استهدف إسرائيل، لكن هيئة (الحشد الشعبي) قالت إن عارضًا أدى إلى حدوث انفجارات. بالتالي فهؤلاء يُريدون إعطاء انطباع للإدارة الأميركية بأنهم أكثر سِلمية معهم، وأنه رُغم قصفكم مقارنا لكننا لم نُعلن ذلك”.
الأمر الآخر؛ بحسّب “حسين”، فإن: “هيئة (الحشد الشعبي)؛ لو أعلنت أن القصف كان أميركيًا، لكان عليها الرد لأن جمهورها سيُطالبها بذلك، وبالتالي فـ (الحشد)؛ والفصائل المنضوية تحته، لا تُريد الرد على الجانب الأميركي، ثم تذهب القضية ضد مجهول”.
وتوصّل “حسين” إلى أن: “الأمور كلها تجري بترتيب من أجل الضغط ليس أكثر، لذلك حتى لو حدث قصف ضد القوات الأميركية، فهذا يكون بتحريض إيراني وليس برغبة داخلية من الفصائل، جرّاء الأحداث الدائرة في قطاع غزة والمنطقة بشكلٍ عام”.
تأجيل لأهداف سياسية..
بينما؛ رأى المحلل السياسي العراقي؛ “وائل الركابي”، إن: “ما حصل ليس تأجيلاً للانسحاب بقدر ما هو تأجيل لاجتماعات اللجان المشتركة (الأميركية-العراقية) لمدة معينة، لذلك قد يستأنف إذا تهيأت الظروف، للوصول إلى اتفاق تُحدد فيه سقوف زمنية، ومدى حاجة العراق لهذه القوات”.
واستبعد “الركابي”؛ في حديث لـ (عربي21)، أن: “تكون للتأجيل أي انعكاسات على الوضع الأمني في العراق، لأن استهداف الفصائل للقوات الأميركية لن يؤثر بالشكل الذي يُعيد البلاد إلى المخاوف التي يشعر بها المواطن بأنه مقبل على مرحلة مظلمة ومجهولة”.
ورجّح الخبير العراقي؛ أن: “يكون الأميركيون قد تذرعوا بالقصف الذي حصل على قاعدة (عين الأسد)؛ غرب العراق، من أجل تأجيل إعلان الانسحاب، لكن أعتقد أن الأمر هدفه سياسي، ويتعلق بالشأن الداخلي الأميركي المرتبط بالانتخابات الرئاسية”.
ورقة بالانتخابات الأميركية..
وأوضح “الركابي”؛ أنه: “مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ لا يُريد الأميركيون جعل الانسحاب من العراق ورقة ضمن أوراق النجاح التي يستثمرها أحد المرشحين لصالحه في الداخل الأميركي”.
وأردف الخبير العراقي؛ قائلاً: “لا خشّية على الوضع الأمني أو عدم التزام الفصائل و(الحشد الشعبي) لأوامر وتعليمات القائد العام للقوات المسلحة؛ محمد شيّاع السوداني”.
ولفت “الركابي” إلى أن: “(الإطار التنسّيقي)؛ متفق تمامًا مع توجهات الحكومة في التفاوض والحوار السياسي مع الجانب الأميركي لإخراج القوات الأجنبية، وبالتالي فلا يمكن له أن يضغط، بل قد يتحاور في إيجاد فرصة بالتأثير على فصائل المقاومة في هذا السيّاق”.
وأكد “الركابي”؛ أنه: “كان متوقعًا جدًا ضمن الحوارات المشتركة بين بغداد وواشنطن أن تنسّحب القوات الأميركية نهاية عام 2025، لأن عملية الانسحاب ليست بالأمر الهيّن، ولدينا تجربة في انسحابهم عام 2011، وهذا حصل بعدما تم توقيع الاتفاقية عام 2009”.
استهداف “عين الأسد”..
وأعلن مستشار رئيس الوزراء العراقي؛ “ضياء الناصري”، السبت، أن: “استهداف قاعدة (عين الأسد)؛ والتطورات الأمنية التي حصلت في الأسبوع الأول من شهر آب/أغسطس الجاري، أجل الإعلان عن انتهاء مهمة التحالف الدولي في العراق، لحين إعادة تقييّم الوضع الحالي ومعرفة الجهة التي تقف وراء الاستهداف، هل هي بالفعل جهة تابعة للفصائل أم جهة جديدة ؟”.
في 06 آب/أغسطس الجاري؛ أعلنت جماعة (الثوريون)، وهي تشّكيل غير معروف ضمن فصائل (المقاومة الإسلامية في العراق)، مسؤوليتها عن الهجوم الصاروخي على قاعدة (عين الأسد)، في محافظة “الأنبار”، ما أسّفر عن إصابة خمسة من جنود القوات الأميركية المتواجدين فيها.
انسحاب كارثي..
ورأت صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية؛ أن خطة الرئيس الأميركى؛ “جو بايدن”، للانسحاب من “العراق”، ستكون فخًا للرئيس القادم.. قائلة: إن “بايدن يُريد إعلان انتهاء هذه (الحرب الأبدية)، غير أن سحب جميع القوات الأميركية من العراق قد يكون كارثيًا”.
وذكرت الصحيفة – فى سيّاق مقال تحليلى نشرته؛ 21 آب/أغسطس – أنه فى عام 2021، أعلن “بايدن” انتهاء المهمة القتالية فى “العراق”، لكنه ترك: (2500) جندى أميركى هناك؛ و(900) جندى في “سورية” لقيادة “التحالف الدولى” لإبقاء تنظيم (داعش) تحت السيّطرة.
وأضافت الصحيفة الأميركية: الآن ومع بقاء خمسة أشهر فقط أمامه في المنِصب، تعمل إدارة “بايدن” مع حكومة “العراق” على خطة لإعلان نهاية هذه المهمة أيضًا؛ والإعلان عن جدول زمني لإعادة هذه القوات إلى “الولايات المتحدة”، وقد يسمح هذا لـ”بايدن” بالقول إنه أنهى: “حربًا أبدية” أخرى؛ كما تفاخر بعد سحب القوات الأميركية من “أفغانستان”.
تُهييء الساحة لأزمة متفاقمة في الشرق الأوسط..
وأشارت (واشنطن بوست) إلى أنه على الرُغم من رغبة “بايدن” في إعلان: “إنجاز المهمة”، إلا أنها لم تكتمل، ولا تزال خطة المتابعة بعيدة كل البُعد عن الاكتمال، وعلى الرُغم من النوايا الحسّنة فإن موافقة “بايدن” رسميًا على إنهاء مهمة مكافحة تنظيم (داعش) قد تُهييء الساحة لأزمة متفاقمة في الشرق الأوسط سوف يتحملها من يخُلفه في الحكم.
وبحسّب الصحيفة؛ ظل المسؤولون العسكريون الأميركيون والعراقيون لأشهر يُصرحون علنًا بأنهم يتفاوضون على اتفاق من شأنه أن يُنهي رسميًا: (عملية العزم الصلب)، “التحالف الدولي”، الذي تقوده “الولايات المتحدة”، والذي تم إنشاؤه لهزيمة (داعش) في عام 2014، ومن المتوقع أيضًا أن يدعو إلى انسحاب جميع القوات الأميركية ذات الصِلة في “العراق” في غضون عامين.
ردع “داعش” وإيران..
ورأت (واشنطن بوست)؛ أن الإعلان عن انسحاب القوات الأميركية؛ حتى مع وجود جدول زمني لمدة عامين، من شأنه أن يُشير إلى تخلي “الولايات المتحدة” عن المنطقة؛ في الوقت الذي يتطلع فيه الحُلفاء إلى “واشنطن” لزيادة الردع ضد “إيران”، والأسوأ من ذلك أن الاتفاق قد يُضعف قدرة الدول الـ (77) المشاركة في التحالف على التنسّيق ضد تنظيم (داعش)، بينما يسّتعد للعودة.
وأوضحت الصحيفة الأميركية؛ أن الجدول الزمني لمدة عامين بين الإعلان عن نهاية مهمة مكافحة (داعش) وإعادة القوات إلى “الولايات المتحدة” يهدف إلى منح الجانبين مساحة كافية للمناورة لتعديل الخطة إذا تضخم التهديد أو إذا لم تتمكن قوات الأمن العراقية من تولي مسؤوليات مكافحة الإرهاب في الوقت المناسب، ولكن هذا الغموض المتعمد أدى إلى ارتباك واسع النطاق.
فعلى سبيل المثال؛ قال متحدث باسم “وزارة الخارجية” الأميركية؛ الأسبوع الماضي، إن “الولايات المتحدة” لا تتفاوض على: “انسحاب” القوات الأميركية من “العراق”، بل على: “الانتقال” إلى ترتيب أمني ثنائي.
وقال مسؤولون أميركيون: إن اتفاقية أمنية ثنائية لاحقة بين “الولايات المتحدة” و”العراق”؛ قد تؤدي في نهاية المطاف إلى بقاء معظم القوات الأميركية هناك؛ لمواصّلة القتال ضد تنظيم (داعش)، ومن الناحية النظرية، قد يُخفف هذا من خطر حل التحالف المناهض لـ (داعش).
تفاوض الرئيس الأميركي القادم..
غير أن الصحيفة الأميركية أوضحت؛ أن هذا الاتفاق اللاحق يجب أن يتفاوض عليه الرئيس الأمريكي القادم، وإذا فشلت هذه المفاوضات، فسيتّعين على القوات الأميركية الانسحاب بالكامل.
وأشارت إلى أن هذا هو ما حدث في عام 2008؛ بعد أن وقّع الرئيس الأميركي الأسبق؛ “جورج دبليو بوش”، على اتفاق لسحب جميع القوات الأميركية من “العراق”، ثم حاول “باراك أوباما”، ولكنه فشل في التفاوض على اتفاق لاحق لإبقاء بعضها هناك، وبعد ثلاث سنوات، انتهى الأمر بـ”أوباما” إلى إرسال آلاف القوات الأميركية إلى “العراق” عندما استولى (داعش) على مساحة من الأراضي بحجم ولاية “فرجينيا”.
وفي عام 2021؛ تُرِك “بايدن” نفسه لتنفيذ اتفاقية الانسحاب من “أفغانستان”، التي وقّعها سلفه؛ “دونالد ترامب”، وعندما ساءت عملية الانسحاب، وجد “بايدن” أنه من غير المُجدي الإشارة إلى أن الخطة لم تكن فكرته، والآن، يضع “بايدن” خليفته في مُعضلة مماثلة: إما عكس خطة “بايدن” للانسحاب والمعاناة سياسيًا، أو المُضي قُدمًا والمخاطرة بكارثة أمنية.
واختتمت الصحيفة الأميركية تحليلها؛ بتأكيد أن لا أحد يُريد أن يرى القوات الأميركية تبقى في “العراق وسورية” إلى الأبد، لكن إعلان انتهاء المهمة لا يعني أنها انتهت بالفعل.. قائلة: “إن إنهاء الحروب الأبدية أسهل قولاً من الفعل، وإذا تخّلت الولايات المتحدة عن التزامها بأمن الشرق الأوسط الآن، فقد تضطر إلى تعلم هذا الدرس بالطريقة الصعبة مرة أخرى”.