خاص : كتبت – نشوى الحفني :
يبدو أن “العراق” بدأ يدخل، بشكل رسمي، في أزمة مع “أميركا” و”إيران”، حيث وجهت “بغداد” رسالة إلى “مجلس الأمن الدولي”، تشكو فيها، “إيران”. واعتبرت، “بغداد” في رسالتها؛ أن قصف الأراضي العراقية بحجة دفاع “إيران” عن نفسها مرفوض بتاتًا، وينتهك مباديء حُسن الجوار.
كما شجبت الشكوى العراقية لـ”مجلس الأمن”؛ إقحام البلاد في صراعات إقليمية أو دولية.
وكان رئيس الوزراء العراقي المستقيل، “عادل عبدالمهدي”، قد أكد، في وقت سابق الجمعة، أن بلاده ترفض جميع العمليات التي تنتهك سيادته، بما في ذلك العملية الإيرانية الأخيرة التي استهدفت (عين الأسد) في “الأنبار”؛ و(الحرير) في “أربيل”، لافتًا إلى أنه يبذل جهودًا حثيثة ويتصل بجميع الأطراف لمنع تحول “العراق” إلى ساحة حرب.
رفض الانسحاب..
في حين رفضت “واشنطن”، الجمعة، طلبًا عراقيًا للإعداد لسحب قواتها؛ وسط تصاعد التوتر بين “الولايات المتحدة” و”إيران” بعد مقتل “سليماني” في الهجوم الأميركي في “بغداد”، وقالت إنها تدرس توسيع وجود “حلف شمال الأطلسي” هناك.
وفي محاولة لتكثيف الضغط على خصمها اللدود، فرضت “الولايات المتحدة” عقوبات إضافية على “إيران”؛ ردًا على الهجوم الإيراني ضد القوات الأميركية في “العراق”؛ انتقامًا لمقتل الجنرال، “قاسم سليماني”.
ونتيجة ما يحدث على أرض “العراق”؛ فإنه يتحمل عبء تصاعد العنف نظرًا لأنه الساحة الرئيسة للمواجهة العسكرية بين “الولايات المتحدة” وجارته، “إيران”. ويواجه زعماؤه مأزقًا لأن “واشنطن” و”طهران” حليفتان رئيسيتان أيضًا للحكومة العراقية ويتنازعان على فرض النفوذ هناك.
وفي محاولة لتبرير فعلته، قال الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، إن “إيران” خططت على الأرجح لمهاجمة سفارة “الولايات المتحدة”، في “بغداد”، وكانت تهدف إلى مهاجمة أربع سفارات أميركية عندما قتلت ضربة أميركية بطائرة مُسيرة، “سليماني”.
وقال “ترامب”، في مقتطف من مقابلة مع محطة (فوكس نيوز) التليفزيونية: “سنبلغكم بأنها على الأرجح كانت السفارة في بغداد”. وأضاف: “يمكنني أن أكشف عن أنني أعتقد أنها ربما كانت أربع سفارات”.
طلب عراقي بتنفيذ قرار البرلمان..
وفي بيان من مكتب رئيس الوزراء العراقي، “عادل عبدالمهدي”، ذكر إنه قدم طلبه خلال اتصال مع وزير الخارجية الأميركي، “مايك بومبيو”، يوم الخميس؛ بما يتماشى مع تصويت “البرلمان العراقي”، الأسبوع الماضي.
وأضاف البيان؛ أن “عبدالمهدي” طلب من “بومبيو”: “إرسال مندوبين إلى العراق؛ لوضع آليات تطبيق قرار مجلس النواب بالانسحاب الآمن للقوات من العراق”.
وتابع البيان: “هناك قوات أميركية تدخل للعراق ومُسيّرات أميركية تُحلق في سمائه بدون إذن من الحكومة العراقية، وإن هذا مخالف للاتفاقات النافذة”.
أميركا لن تناقش انسحاب القوات !
وشددت “وزارة الخارجية” الأميركية على إن أي وفد أميركي لن يناقش انسحاب القوات الأميركية؛ لأن وجودها في “العراق”، “مناسب”.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية، “مورغان أورتاغوس”، في بيان: “بيد أن ثمة حاجة للحوار بين الحكومتين، الأميركية والعراقية، ليس فيما يتعلق بالأمن فحسب، لكن بشأن شراكتنا المالية والاقتصادية والدبلوماسية”.
وقال “ترامب”، خلال المقابلة مع (فوكس نيوز)؛ إنه إذا أراد “العراق” مغادرة القوات الأميركية فسنقول له: “عليكم أن تدفعوا لنا الأموال التي دفعناها”، مضيفًا: “أعتقد أنهم سيوافقون على الدفع. وبغير ذلك سنبقى هناك”.
أما “مايك بومبيو”، وزير الخارجية؛ قال للصحافيين إن وفدًا من “حلف شمال الأطلسي” في “واشنطن”، يوم الجمعة، لمناقشة مستقبل المهمة في “العراق” وخطة “لتقاسم العبء في المنطقة”.
ومن ناحية أخرى؛ قالت “وزارة الخارجية”؛ إن “بومبيو” ناقش مسألة “إيران” مع وزير الخارجية الكندي، “فرانسوا-فيليب شامبين”، فضلًا عن “فرصة توسيع قوة الحلف في العراق؛ وتقاسم العبء بشكل متناسب”.
وفي سلسلة من الصراع الطويل، بدأ أحدث تصعيد للحرب بالوكالة بين البلدين الغريمين بمقتل، “قاسم سليماني”، قائد (فيلق القدس)؛ التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني، في ضربة جوية أميركية في “بغداد”، في الثالث من كانون ثان/يناير 2020. وهو ما جعل “إيران” ترد، يوم الأربعاء، بإطلاق صواريخ على قوات أميركية في “العراق”.
ومع تنفيذ هذه الضربة الإيرانية، بدأ الجانبان عملية التهدئة لتعلن “طهران” تنفيذ انتقامها، لكن التوتر ما زال يخيم على المنطقة إذ يهدد القادة العسكريون الإيرانيون بشن مزيد من الهجمات.
“السيستاني” يندد بالمواجهة العسكرية “الأميركية-الإيرانية”..
في سياق تلك التوترات؛ ندد آية الله “علي السيستاني”، المرجعية الدينية العليا لشيعة “العراق”، الجمعة الماضي، بالمواجهة العسكرية بين “الولايات المتحدة” و”إيران” على أرض “العراق”، وقال إنها تهدد بجر البلد ومنطقة الشرق الأوسط إلى صراع أكبر.
وقال “السيستاني” إن الهجمات المتبادلة بين الجانبين داخل “العراق”، هذا الشهر؛ تنم عن تجاهل صارخ لسيادة “العراق”، مضيفًا أن شعب “العراق” يتحمل الخسارة الأكبر من الصراع بين “واشنطن” و”طهران”.
وأضاف “السيستاني”، في خطبة الجمعة؛ التي ألقاها ممثل عنه في مدينة “كربلاء”؛ أن سلسلة الهجمات تنتهك سيادة “العراق”، مضيفًا أنه لا يتعين السماح لأي قوى أجنبية بتحديد مصير “العراق”.
وقال ممثل “السيستاني”: “إن التعامل بأسلوب المغالبة من قِبل الأطراف المختلفة التي يملك كل منها جانبًا من القوة والنفوذ … سيؤدي إلى استحكام الأزمة واستعصائها على الحل”.
وأشار “السيستاني”، الذي يملك نفوذًا كبيرًا على الرأي العام العراقي؛ إلى: “إن ما وقع في الأيام الأخيرة من إعتداءات خطيرة وإنتهاكات متكررة للسيادة العراقية … هو جزء من تداعيات الأزمة الراهنة”.
وأضاف: “كفى الشعب ما عاناه من حروب ومحن وشدائد على مختلف الأصعد طوال عقود من الزمن في ظل الأنظمة السابقة وحتى النظام الراهن … (ينبغي أن) يكون العراق سيد نفسه يحكمه أبناؤه ولا دور للغرباء في قراراته”.
تهديد المصالح الأميركية في العالم..
وفي صلاة الجمعة، في “طهران”، قال رجل دين إيراني؛ إن المصالح الأميركية في أنحاء العالم صارت مهددة الآن.
وقال “محمد جواد حاج علي أكبري”؛ للمصلين في أحد المساجد: “هذا النظام المهيمن يملك العديد من القواعد العسكرية … خاصة في المنطقة، من الآن فصاعدًا لن تكون هذه القواعد بمثابة ميزة لهم”.
ومنذ مقتل “سليماني”؛ طالبت “طهران” برحيل القوات الأميركية من “العراق”. وقال الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله “علي خامنئي”، إن الضربات الانتقامية الإيرانية ليست كافية، مضيفًا أن إنهاء الوجود العسكري الأميركي في المنطقة هو الهدف الرئيس.
تواجد غير شرعي.. إلا أن العراق هو المخطيء !
حول آخر المستجدات في المشهد العراقي، قال “هاشم الشماع”، عضو مركز “العراق” للتنمية القانونية، لـ (كتابات)؛ أن القوات الأميركية المتواجدة حاليًا في “العراق” من الأساس هي مخالفة لشروط الاتفاق بين البلدين، حيث أن الاتفاق نص، في 2014، على تواجد مدربين ومستشارين وخبراء أميركيين لتدريب القوات العراقية ولمحاربة (داعش)، إلا أن الأمر تطور إلى القيام بمهام عسكرية أميركية دون إذن، أو موافقة الحكومة العراقية، وعلى هذا الأساس تُعد تواجدها غير شرعي، لكن الخلل يبدو من الجانب العراقي، الذي لم يقدم طلبًا رسميًا إلى حكومة “الولايات المتحدة الأميركية” بضرورة الانسحاب من “العراق”، وهذا ما أكده “ترامب”، الذي صرح: بأن المسؤولين العراقيين لم يطلبوا منا الانسحاب من “العراق” في الجلسات الخاصة، وهذا ما يدلل على عدم وجود إرادة حكومية في هذا الإتجاه؛ ويبدو أن التأثير الكُردي وجزء من القوى السُنية الرافضة للانسحاب الأميركي؛ إنعكست على حكومة تصريف الأمور اليومية بعدم الطلب من “واشنطن” بالانسحاب على الرغم من وجود التخويل البرلماني لها.
يريد إثبات استقلاليته..
أما ما يخص الشكوى المقدمة من “العراق” إلى “مجلس الأمن”؛ يقول “الشماع” أن “العراق” يريد إثبات استقلاليته وعدم السماح للتأثير الإقليمي والدولي بالتدخل في شؤونه الخاصة أو تجاوز الحكومة في الممارسات المخالفة للأعراف الدبلوماسية والقانونية.
كما أن خطبة الجمعة للمرجع، “السيستاني”، جاءت في هذا الإطار الذي يؤكد فيه سيادة “العراق” على أراضية، ورسم نظامه السياسي دون تدخل الغرباء؛ لأن “العراق” سيد نفسه، وهذا التنديد من قِبل المرجعية لم يكن الأول، وهذا ما دعى، “عبدالمهدي”، بالإسراع بالطلب من وزير الخارجية الأميركي بإرسال مندوبين للتفاهم بآلية الانسحاب الأميركي، أعتقد أن الانسحاب سيتحقق، لكن مع وجود عدد مفتوح من المستشارين والخبراء والمدربين لتدريب القوات العراقية.