خاص: كتبت- نشوى الحفني:
في الوقت الذي تصُّمم فيه الفصائل العراقية المسُّلحة على ضرورة خروج القوات الأميركية من البلاد، أثار قرار الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، منتصف الأسبوع الماضي، تمّديد حال الطواريء في “العراق” عامًا إضافيًا، موجة من ردود الفعل المتبّاينة في الداخل العراقي، حيث ترى قوى سياسية شيعية أن القرار يُعزّز النفوذ الأميركي في البلاد، يرى بعض المراقبون أن “العراق” لا يزال بحاجة إلى متابعة المجتمع الدولي، لتحصّين ديمقراطيته الفتيّة.
وقال “بايدن”؛ في رسالة وجهّها إلى “الكونغرس” الأميركي ونشرها “البيت الأبيض”، إن: “العوائق التي تعترض إعادة الإعمار المُّنظم للعراق واستعادة السلام والأمن والحفاظ عليهما وتطوير المؤسسات السياسية والإدارية والاقتصادية في العراق، لا تزال تُّشكل تهديدًا غير اعتيادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للعراق وللولايات المتحدة أيضًا”.
وأوضح؛ أنه: “لذلك فإن حال الطواريء الوطنية الخاصة باستقرار العراق ستستمر سّارية المفعول بعد 22 آيار/مايو 2024 لعام إضافي”.
ويمّنح القرار (13303)؛ الخاص بـ”العراق” والصادر في عام 2003 خلال عهد الرئيس الأميركي الأسبق؛ “جورج بوش الابن”، الحق للرئيس الأميركي: “إصدار أوامر تخص التجارة الدولية، وكل ما يتعلق بأي تهديد للأمن القومي الأميركي”.
خرق للأعراف الدبلوماسية..
وانتقد عضو تحالف (الفتح)؛ أبرز قوى (الإطار التنسّيقي) الشيعي؛ “علي الزبيدي”، قرار الإدارة الأميركية بتمديد حالة الطواريء في “العراق” لعامٍ آخر، فيما أكد انه لا يوجد أي مسّوغ أو سبب يدعو إلى الاستمرار بتمديد القرار الذي يتحمل “العراق” تبعّاته على الصّعيد الخارجي.
وتحدث “الزيدي” معلقًا على قرار “بايدن”؛ لمواقع إخبارية تابعة لـ (الإطار)، أنه: “بالرُغم من السياسة المتزنة التي يمضي بها العراق من ناحية السياسة الخارجية؛ إلا أن واشنطن تستمر بفرض القرارات الجائرة ضد البلد”، مشيرًا إلى أن: “مثل هكذا قرارات لا تتخذ ضد دولة لديها علاقات دبلوماسية مع أغلب دول العالم، فضلاً عن الاستقرار الذي يعيشه البلد الآن”.
واعتبر أن: “مضمون القرار يُعد خرقًا للأعراف الدبلوماسية والدولية بين العراق والولايات المتحدة الأميركية”، لافتًا إلى أن: “الحكومة العراقية مطالبة بالتحرك السياسي والدبلوماسي لرفع هذا القرار الذي يخلف تداعيات كبيرة على البلد”.
واعتبر “الزيدي”؛ أنه: “لا توجد أي أهمية أو فائدة من تمّديد حالة الطواريء، بالنظر إلى السيّطرة الأمنية والتطور الاقتصادي والاستثماري الحالي”، منوهًا بأنه: “لا يوجد أي مسّوغ يدعو إلى الاستمرار بتمديد القرار الذي يتحمل العراق تبعاته على الصعيد الخارجي”.
رغبة أميركية بإبقاء حالة التحكم بأموال “العراق”..
بينما دعا المراقب للشأن السياسي العراقي؛ “كاظم الحاج”، السلطتين التشّريعية والتنفيذية إلى مواجهة قرار الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، بتمّديد حال الطواريء لعام إضافي في “العراق”.
وذكر أن: “هذا القرار يُعبّر عن الرغبة الأميركية بإبقاء حالة التحكم بأموال العراق وموارده النفطية؛ واستمرار التواجد العسكري”، مشدّدًا على ضرورة: “التحرك باتجاه المؤسسات الأممية، والتأكيد على أن العراق دولة مستقلة؛ وأنه لا يشُّكل خطرًا على المجتمع الدولي”.
لا يزال “العراق” خاضعًا للوصاية الأميركية..
من جانبه؛ يقول المحلل السياسي العراقي؛ “علي البيدر”، لـ (القدس العربي)، إن: “القرار يعني بأن العراق لا يزال خاضعًا للوصاية الأميركية، وإن النفوذ الأميركي في البلاد كبير، وإن إدارة شؤونه لا تزال بحاجة إلى حضور أو دعم أميركي”، مبينًا أن: “الولايات المتحدة الأميركية؛ ترى في التجربة الديمقراطية في العراق الفتيّة، بأنها بحاجةٍ ماسّة إلى التحصّين وإبعادها عن كل ما من شأنه أن يُعرقل هذه التجربة. القرار مُدّد وفقًا لهذه الرؤية”.
معتبرًا أن عدم تعليق “العراق” على القرار الأميركي الأخير، يأتي لسببين؛ الأول يتعلق: بـ”مناورة سياسية، وإن العراق لا يُريد إثارة الموضوع أكثر”، في حين إن السبب الآخر قد يعود لأخذ مزيد من الوقت: لـ”صياغة خطاب أو بيان دبلوماسي إلى حدٍّ كبير”؛ يأخذ بنظر الاعتبار عدم انتقاد القرار وأيضًا لا يُبيّن: “ضعف البلاد”.
وبخصوص توقيّت إصدار قرار الإدارة الأميركية؛ يرى “البيدر” بأنه: “يأتي ردًّا على الطروحات العراقية بشأن استقرار البلاد والقدرة على إدارة شؤونه”، لافتًا إلى أن: “هناك اختلاف في إدارة شؤون العراق داخليًا. الحكومة نجحت في تحقيق حالة من الاستقرار، لكن الإدارة الخارجية – وهي الأصعب – تحتاج إلى جهود كبيرة ومضاعفة، خصوصًا فيما يتعلق بأموال البلاد والدور الأمني”.
حسابات استراتيجية مختلفة..
وأكد أن: “حسابات الولايات المتحدة الأميركية استراتيجية وتختلف عن حسابات العراق، لذلك لجأت إلى هذا القرار؛ (تمّديد حال الطواريء)، ووفق رؤيتها فإنها تنظر إلى الواقع الذي تشهده المنطقة ومستوى تأثيره على المشهد العراقي”، لافتًا إلى أن: “المراقبين للشأن العراقي، يرون أن التجربة العراقية لا تزال بحاجة إلى متابعة المجتمع الدولي، كون السلوك السياسي يذهب في كثير من الأحيان إلى اتجاهات تؤثر على الديمقراطية وحقوق الأقليات وطبيعة إدارة الدولة، وأن الفاعل السياسي يُريد في مناسبات معينة احتكار المشهد لصالحه وتوجيهه باتجاهٍ معين قد يكون خاطئًا ويحمل أبعادًا كارثية بالنسبة لسُّمعة الدولة وطبيعة النظام السياسي”.
موجبات اقتصادية ومالية..
كما أكد الخبير في الشؤون الأميركية؛ البروفيسور “عقيل عباس”، أن قرار “البيت الأبيض”، بتمّديد حالة الطواريء في “العراق”، ينطلق من موجبات اقتصادية ومالية، وليس له جانب عسكري أو أمني.
قائلاً إن “الولايات المتحدة” تحمّي الأموال العراقية من الحجز بموجب هذا القرار، إذ أن هناك عددًا غير معروف من الشركات والجهات التي قاضت “العراق” حول العالم على خلفية غزو “الكويت”، وفي حال إلغاء هذا القرار بالحماية، فإن الأموال العراقية خارج البلاد تتعرض للحجز.
وأضاف “عقيل عباس”، في تصريح لشبكة (964)، أن تمّديد هذا القرار اقتصادي مالي وليس عسكريًا أو أمنيًا، وهو يحمّي “العراق” من أحكام قضائية صادرة من محاكم في دول عدة ضد “العراق”؛ وبعضها لا نعرفها حتى الآن، لأن الدولة العراقية لم تقّم بحصّر القضايا المرفوعة على خلفية غزو “الكويت”، فشركات كثيرة تضررت حينها ورفعت قضايا في دول مختلفة.
في حال عدم تمّديد القرار الأميركي ستُحجز أموال عراقية كثيرة، وسيكون من الصعب على “العراق” نقل أموال النفط إلى “البنك المركزي”.
اليوم “الولايات المتحدة” هي حاميّة الأموال العراقية، فالأموال تذهب إلى بنك أميركي في “نيويورك” ثم تُنقل إلى “العراق”.
مخالف لما طرحه “السوداني”..
فيما أكد المحلل السياسي؛ “صباح العكيلي”، أن قرار الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، بتمّديد حالة الطواريء لعامٍ أضافي، يحمل بُعدين أقتصادي وأمني ويُخالف ما طرحه “السوداني” بتبّديل العلاقة مع “واشنطن” إلى علاقة شراكة مسُّتدامة.
وقال “العكيلي”؛ لـ (المعلومة)، إن: “تجديد بايدن لحالة الطواريء؛ التي بدأها الرئيس دبليو بوش منذ عام 2003، لعامٍ آخر اسّتند إلى أساس استمرار وجود عوائق أمام الإعمار والأمن، إلا أنها في الحقيقية مجرد أكاذيب”، مبينًا أن: “قرار بايدن؛ يُخالف ما طرحه السوداني بتبّديل العلاقات مع واشنطن إلى علاقات شراكة مسُّتدامة، كذلك يُخالف اتفاقية (الإطار التنسّيقي)، كما أن العراق يمُّر بحالة استقرار أمني وسياسي”.
مضيفًا أن: “قرار تمّديد حالة الطواريء لعام إضافي له هدفين؛ الأول أمني ويهدف إلى استمرار ترسّيخ التواجد الأميركي العسكري في العراق، والثاني اقتصادي ويهدف إلى الإبقاء على هيمنة البنك الفيدرالي الأميركي على الأموال العراقية نتيجة بيعه للنفط والتحكم باقتصاده وتحييّد الحكومة من تأسيس مشاريع كبيرة وعملاقة التي تحتاج أموال كبيرة”.
واستغرب “العكيلي” من: “صمت الحكومة لحّد الآن؛ وعدم الرد على القرار الذي اتخذه بايدن”.
لضمان تواجدها في القواعد العسكرية..
إلى ذلك؛ يؤكد المحلل السياسي؛ “قاسم بلشان”، أن “الولايات المتحدة الأميركية” مسّتمرة بممارسّة الضغوطات على “العراق” في العديد من الملفات، مضيفًا أن العلاقات والصفقات التي عُقدت مع البلد لا تتماشى مع تمّديد حالة الطواريء.
ويقول “بلشان”؛ في حديث لوكالة (المعلومة)، إن: “واشنطن تستخدم هذه القرارات من أجل ضمان تواجدها في القواعد العسكرية”، مشيرًا إلى أن: “أميركا عملت على إثارة الأزمات بعد توجه العراق نحو التقرب من محور الشرق”.
ويُتابع؛ أن: “هذا القرار بمثابة إرسال رسائل إلى دول العالم بأنها المتحكم بالوضع الأمني العراقي”، مبينًا أن: “التلاعب بأمن البلد يعود إلى ضعف شخصية المفاوض العراقي والدبلوماسية الخارجية للعراق”.
ويتم “بلشان” حديثه: أن “الحكومة يجب أن تُهدد بإلغاء جميع الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية والسياسية”، مردفًا أن: “الولايات المتحدة الأميركية؛ مسّتمرة بممارسّة الضغط على العراق في العديد من الملفات الحيوية”.
ويأتي القرار الأميركي في وقتٍ أعلنت فيه السلطات العراقية تقليّص أجواء “العراق” المخصّصة لقوات “التحالف الدولي”، بزعامة “واشنطن”، المناهض لتنظيم (داعش).
وأكدت “الشركة العامة لإدارة المطارات والملاحة الجوية” العراقية، دخول قرار تقليّص الأجواء المخصّصة لطيران “التحالف الدولي” العسكري في “العراق” حيّز التنّفيذ.
وتشّهد البلاد انقسّامًا حادًا بشأن وجود قوات “التحالف” في “العراق”، ففيما تصُّر القوى الشيعة على وجوب انسّحابها، موكلة أمر ذلك إلى نتائج اللجنة العسكرية وحواراتها مع قوات “التحالف”، يرى المسؤولون الأكراد أهمية في الاستعانة بتلك القوات لحفظ أمن البلاد.
وعلى لسان نائب رئيس حكومة “إقليم كُردستان العراق”، والقيادي في حزب (الاتحاد الوطني) الكُردستاني؛ “قوباد طالباني”، خلال زيارته قيادة قوات مكافحة “الإرهاب” في “كُردستان العراق”، أكد قائلاً: “نحن نعيش في منطقة غير آمنة وغير مسُّتقرة، لذا ينبغي للقوات الأمنية في كُردستان؛ وخاصة مكافحة الإرهاب، أن تُلائم نفسها مع التهديدات الجديدة، وقوات مكافحة الإرهاب أثبتّت دومًا قدرتها كقوة رصّينة ومُجربة، على الملاءمة مع الظروف والتهديدات والمخاطر الجديدة”.
وأشار إلى أن: “قوات التحالف وأصدقاؤنا معجبون بقدرات قوات مكافحة الإرهاب، لذا لديهم رغبة كبيرة في تنفيذ عمليات مشتركة معهم، وهذا مبعث فخر وأعتزاز كبير لهذه القوة”، مجددًا دعمه التام للقوات الكُردية: “من أجل التنفيذ الأمثل لمهامهم في مواجهة الإرهاب والمخاطر المختلفة، ورفع مستوى التنسّيق مع قوات التحالف والتشكيلات الأمنية الأخرى في كُردستان والعراق”.