خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في حكم ناعم، صدم الكثيرين حيث كان سقف التوقعات أكثر علوًا، وبعد إدانته بالفساد المالي، في واحدة من عدة قضايا ضده، منذ أطاحه الجيش تحت ضغط الشارع، في 11 نيسان/أبريل الماضي، قضت محكمة في “الخرطوم”، يوم السبت، بإرسال الرئيس السوداني المعزول، “عمر البشير”، إلى “دار للإصلاح الاجتماعي لمدة عامين”.
وأُدين “البشير”، البالغ 75 عامًا؛ بـ”الثراء الحرام” و”التعامل بالنقد الأجنبي”. وتحمل التهمتان عادة عقوبة السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات.
وكان قد وجد في منزله أكياس من اليورو والدولار والجنيه السوداني؛ بقيمة 100 مليون جنيه إسترليني.
وكان سقف التوقعات، حول الحكم، قد وصل في حالة إذا ثبت أنه مذنب إلى أن يواجه السجن لمدة عقد خلف القضبان، وتُعتبر هذه هي القضية الأولى فقط في مجموعة من الإجراءات القانونية المحتملة ضد الزعيم السابق، الذي حكم البلاد لمدة 30 عامًا، حتى تمت الإطاحة به، في نيسان/أبريل الماضي.
وأعترف “البشير” بحصوله على 90 مليون دولار من حكام “المملكة العربية السعودية”، لكن القضية التي حكم بها تتعلق فقط بتلقي 25 مليون دولار من ولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، قبل أشهر من سقوط حكمه.
ورأى القاضي، “الصادق عبدالرحمن”، الذي ترأس محكمة “خاصة” لمحاكمة الرئيس السابق؛ أن: “المدان تجاوز 70 عامًا … ولا يجوز إيداعه السجن، لذا قررت المحكمة إرساله إلى دار الإصلاح الاجتماعي لمدة عامين”.
وأمر القاضي أيضًا بمصادرة ملايين من اليورو والجنيه السوداني؛ عُثر عليها في مقر إقامة “البشير”، بعد الإطاحة به. و”البشير” مطلوب أيضًا لدى “المحكمة الجنائية الدولية”، التي أصدرت مذكرتي اعتقال بحقه، في عامي 2009 و2010، لتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في منطقة “دارفور” السودانية. واُتهم “البشير” بالتحريض والضلوع في قتل المتظاهرين؛ وجرى استدعاؤه لاستجوابه في دوره في “انقلاب 1989” وأتى به إلى السلطة.
وبحسب موقع (باج نيوز) الإلكتروني السوداني، شهدت المحاكمة احتجاجات من أنصار “البشير”، واعتبروا أنّها تمّت وسط ظروف سياسية.
أقل مما يستحقه..
وما بين مرحبٍ ومعارض، لهذا الحكم، توالت ردود الأفعال، فقال الناشط السياسي السوداني، “د. أمجد فريد”، إن هذا الحكم أقل بكثير مما يستحقه “البشير”؛ جراء الجرائم التي إرتكبها خلال ثلاثين عامًا من حكمه، لكن هذا الحكم جاء في قضية واحدة، وهي قضية الفساد المالي والتعامل غير المشروع في النقد الأجنبي.
محاكمة سياسية..
في المقابل؛ قال العميد السابق في الجيش السوداني، “خالد الصوارمي سعد”، إن محاكمة “البشير” لا تخلو من السياسة؛ مهما كانت هناك محاولات لإخراجها من هذا الإطار السياسي، فالرجل سياسي وكل علاقاته سياسية وحتى الأموال التي ضبطت في مكتبه، والذي يحاكم بسببها أيضًا، أمر سياسي، وكان من الأنسب أن يقال أنها محاكمة سياسية خاصة، لأن الأمر متعلق بالوطن.
فيما قال الكاتب والمحلل السياسي، “طارق عثمان”، إنه لا يمكن القول إن محاكمة “البشير” ذات طابع سياسي، أو أنها تأثرت بالأجواء السياسية المحيطة بالبلاد، لافتًا، إلى أن المحاكمة كفلت لهيئة الدفاع كل الفرص للدفاع عن المتهم كما أتاحت لهم تقديم الشهود والأدلة التي يرون أنها في صالح “البشير”.
وأضاف “عثمان”؛ أن البعض أرجع قرار المحكمة الصادر بشأن الرئيس المعزول، “عمر البشير”، إلى أنه قرار مُسيس؛ وهذا يتنافى مع واقع الأحداث، فلو أرادت المحكمة إصدار قرار سياسي بشأن المحاكمة لكانت قد خرجت عن الإطار القانوني.
وأشار المحلل السياسي، إلى أن النظام المخلوع هو من أصدر قانون الثراء الحرام، ولم يُطبق طيلة الفترة الماضية بشكله الصحيح، بل كان يُطبق فقط على المعارضين للسلطة، موضحًا أن هناك تحركات من قِبل اللجان القانونية لتحريك الجرائم التي تتعلق بالإبادة الجماعية في “دارفور”.
أول خطوة نحو محاكمة كل الفاسدين..
وفي تصريحات صحافية؛ قال الدكتور “سليمان صندل”، الأمين السياسى لحركة “العدل والمساواة”: “حكمت المحكمة المختصة على المتهم، عمر حسن البشير، بتهمة حيازة أموال بطريقة غير مشروعة بسنتين مع مصادرة الأموال المضبوطة. هذا اول حكم قضائي يُصدر بعد الثورة ضد رأس النظام السابق. هذا الحكم دون شك يمثل أول خطوة نحو محاكمة كل الذين أفسدوا الحياة السياسية وتلاعبوا بقيم الحق والعدل وخدعوا الشعب ثلاثين عامًا بإسم الدين وأحتكروا السلطة والمال وجوعوا الشعب السوداني. وقتلوا شعوب الهامش فقط لأنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة في العيش الكريم والمواطنة المتساوية. لا شك أن الشعب ينتظر محاكمة كل من إرتكب جريمة في حق هذا الشعب وأن تسود العدل والمساواة في كل الشأن الوطني والشفافية وإعلاء مصالح الوطن على المصالح الحزبية. الشعب الآن يحتفل بمرور عام على ثورته المنتصرة ويأمل أن يتعلم القادة من التاريخ وألا يكرروا الأخطاء القاتلة التي تنخر في عظم الثورة الظافرة التي دكت حصون النظام السابق بدماء ودموع؛ إلا أن بعض أعضاء منظمومة (قحت) تقتفي في بعض تصرفاتها ذات أثر النظام المقبور، ممثلة في موقفهم من السلام العادل الشامل، وكذلك تبديل التمكين الممقوت بتمكين آخر مبغوض، فليعلم الجميع أن الشعب السوداني الذي ثار سلمًا وحربًا ضد الظلم لا أحد يستطيع بعد اليوم أن يحتكر السلطة فى ثلة أو حفنة من الذين إعتادوا على سرقة الثورات وخداع الشعب. سوف تستوى سيقان العدل والحرية والمساواة في كل ربوع بلادي الحبيبة بعزيمة وإرادة شعبها اللماح الثائر”.
خطوة تجاه تحقيق العدالة..
كما قال الكاتب والمحلل السياسي، “إسماعيل مرسال”، إن محاكمة “البشير” خطوة مهمة تجاه تحقيق العدالة، لافتًا إلى أن النظام البائد يدفع ثمن جرائمه في حق الإنسانية وحق الشعب السوداني.
وأضاف “مرسال” أن القانون السوداني يكفل حرية التعبير والرأي، موضحًا أن الحكومة السودانية الحالية لن تسمح بأي مظاهر للفوضى والشغب للتأثير على سير العدالة.
وأشار المحلل السياسي، إلى أن النظام المخلوع إرتكب جرائم في “دارفور” و”جنوب كُردستان” و”النيل الأزرق”، أبشع من تلك التي يُحاكم عليها.
مخاوف من تهرب “البشير”..
وقبل المحاكمة؛ ركزت صحيفة (الإندبندنت) البريطانية، على مخاوف ضحايا نزاع “دارفور” المسلح من إمتلاك الرئيس السوداني السابق، “عمر البشير”، لحلفاء بين قادة محاكمة الفساد، الأمر الذي قد يؤدي إلى تهربه من العدالة.