13 أبريل، 2025 10:42 م

بين تضرر سوق السندات والاستراتيجية الجديدة .. حقيقة تراجع “ترمب” عن تعريفاته الجمركية

بين تضرر سوق السندات والاستراتيجية الجديدة .. حقيقة تراجع “ترمب” عن تعريفاته الجمركية

خاص: كتبت- نشوى الحفني:

فيما يبدو اصطفافًا ضد سياسات الرئيس الأميركي؛ “دونالد ترمب”، كثّف الديمقراطيون هجومهم عليه، مستَّغلين ارتباكه الاقتصادي الأخير وتداعيات قراراته الجمركية المثَّيرة للجدل، بحسّب تقرير نشرته صحيفة (بوليتيكو) الأميركية.

وركّز التقرير على تحرّك واسع داخل الحزب (الديمقراطي)، حيث بدأ مشرّعون واستراتيجيون إعلاميون بتحضير حملات إعلانية تستهدف “ترمب” مباشرة، متّهمين إياه بالفشل في الوفاء بوعده الرئيس بتحسّين الاقتصاد.

وقالت الصحيفة إن هذا التصعيد الديمقراطي يأتي في وقتٍ شهد فيه “ترمب” تراجعًا في شعبيته، خصوصًا في استطلاعات الرأي المرتبطة بإدارته للاقتصاد ومواجهة التضخّم.

وأشارت (بوليتيكو) إلى أن قرار “ترمب” الأخير بتعليق بعض الرسوم الجمركية لم ينجح في تهدئة الأسواق، حيث أعلن الخميس أن إجمالي الرسوم المفروضة على البضائع الصينية بلغ: (145%)، بينما حافظت معظم الدول الأخرى على تعرفة أساسية بنسبة: (10%). هذا القرار أثار ذعر الأسواق، حيث هبطت الأسهم الأميركية بشكلٍ حاد.

فرصة تاريخية للديمقراطيين..

واعتبر الديمقراطيون؛ بحسّب الصحيفة الأميركية، أن حالة التخبّط هذه تمثّل: “ثغرة انتخابية نادرة”، يمكن من خلالها تقويض الصورة التقليدية للجمهوريين كحزب قوي اقتصاديًا.

وأكد “كورنيل بيلتشر”؛ خبير الاستطلاعات لدى الحزب، أن: “ترمب يمنح الديمقراطيين فرصة تاريخية لضرب أهم نقاط قوته”.

ولم يقتصر التصعيد على التصريحات، إذ أطلقت مجموعات سياسية موالية للحزب إعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تستهدف ترمب، وتنتقد قراراته الضريبية والجمركية، إلى جانب دعوات لعقد فعاليات في دوائر انتخابية يُسيّطر عليها الجمهوريون.

وذكرت الصحيفة أن هذه الاستراتيجية الدعائية تُبنى على مشاعر القلق لدى الأميركيين من التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.

كما نقلت عن المستشار الإعلامي؛ “جوليان مولفي”، دعوته للحفاظ على بساطة الرسائل السياسية: “الناس لا يريدون تعقيدات اقتصادية، فقط أخبرهم أن ترمب سبب في ارتفاع الأسعار وعدم الاستقرار”.

انخفاض نسبة التأييد لـ”ترمب”..

وأبرز التقرير استطلاعات أظهرت انخفاضًا في التأييد لـ”ترمب”، منها استطلاع لـ (يوغوف/ إيكونوميست)، كشف تراجعًا في شعبيته بنسبة (05) نقاط، واستطلاع آخر من (نافيغيتور) أظهر أن: (55%) من الناخبين المسجلين يرفضون طريقة إدارته للاقتصاد.

وفي ردّ مباشر؛ قال المتحدث باسم البيت الأبيض؛ “كوش ديزاي”، إن: “الرئيس ترمب؛ هو أول رئيس في التاريخ الحديث يتخذ خطوات جادة لمواجهة الصين”، مضيفًا أن الديمقراطيين: “يُفسّرون حماية الأميركيين على أنها نقطة ضعف، وهو ما سيُكلفهم نتائج الانتخابات المقبلة”.

وختمت (بوليتيكو) بأن الديمقراطيين يُراهنون على استمرار الانكماش الاقتصادي لتثبيّت سرديتهم بأن “ترمب”، رغم خلفيته كرجل أعمال، لا يمتلك الحلول التي تمكّنه من معالجة هموم المواطن الأميركي العادي، خاصة في ما يتعلق بتكاليف المعيشة والتجارة العالمية.

يتأثر بردود الفعل..

كذلك؛ تناول تقرير مشترك لـ”جيمس بوليتي”، و”ستيف تشافيز”، و”أيمي ويليامز”، في صحيفة (فايننشيال تايمز) البريطانية: “الخطوة المفاجئة” للرئيس الأميركي؛ حين تراجع عن: “أقسى الرسوم الجمركية” التي فرضها على شركاء التجارة الأميركيين، باستثناء “الصين”، معلنًا عن فترة توقف مدتها (90 يومًا)، لإعطاء الأسواق فسحة لالتقاط الأنفاس وفتح المجال أمام المفاوضات.

وبحسّب التقرير؛ مثّل هذا التراجع نكسة واقعية لرئيس قال إنه كان: “يُحرّر” الأميركيين من نظام تجاري عالمي غير عادل، على حد تعبيره، مدعيًا أنه وحده يمتلك الشجاعة لإعادة ترتيبه.

ووفق التقرير؛ فإن قرار الرئيس الأميركي بالتراجع، ولو جزئيًا، يُعدّ إشارة إلى أن “ترمب” لا يزال يتأثر بردود الفعل القادمة من المستثمرين والمشرعين والمتبرعين حتى في ما يخص أحد أبرز وعوده السياسية.

وقال “ترمب” إنه كان يُفكر في هذه المهلة: “على مدار الأيام القليلة الماضية”، وإن هذه الخطوة بدأت تتبلور: “في وقتٍ مبكر من صباح الأربعاء الماضي”، وبرر تراجعه عن فرض الرسوم بأن الناس: “بدأوا يشعرون… بقليل من الخوف”.

وأضاف: “أعتقد أن البعض بدأ يتصرف خارج السياق قليلًا، كانوا يبدون توترًا مفرطًا”. وفي نهاية المطاف قال إن هذا التوقف: “صدر من القلب”.

ويقول “ديك مولاركي”؛ رئيس شركة (SLC) لإدارة الأصول: “أعتقد أن هذا يثبَّت أنه يصَّغي للأسواق ويدرك متى تجاوز الحد، أرى أن هذه إشارة إيجابية على أن هناك آليات كبح لا تزال قائمة، وأن السوق لا يزال يحتفظ بقوته ولا يمكن ترهيبه”.

وحتى يوم الأحد الماضي؛ ورغم عمليتي بيع قاسيتين في أسواق الأسهم الأميركية، تعهد “ترمب” بالاستمرار على نهجه المتشدَّد.

وقضى ساكن “البيت الأبيض” معظم عطلة نهاية الأسبوع في “فلوريدا” يلعب الغولف، ووضع شروطًا صعبة لأي مفاوضات مع شركاء تجاريين قلقين، متجاهلًا التقلبات في الأسواق باعتبارها مجرد هزة مؤقتة، ولكن الضغوط بدأت تظهر بوضوح.

موجة تمرد..

فحتى الجمهوريون في “الكونغرس”، الذين يدعمون “ترمب” في معظم الأمور، بدأوا فجأة في التعبير عن انتقاداتهم.

وقد اشتدت موجة التمرد ضد سياسة “ترمب” الحمائية من قبل المستثمرين وبعض كبار داعميه في عالم الأعمال، من بينهم “إيلون ماسك”، الملياردير التكنولوجي وأحد كبار مستشاري “البيت الأبيض”.

بداية التراجع..

وبحلول يوم الإثنين الماضي؛ بدأ “ترمب” في تعديل موقفه. وأطلق محادثات تجارية مع “اليابان وكوريا الجنوبية”، وعيّن وزير الخزانة؛ “سكوت بيسنت”، الذي يُعتبّر الأوفر مصداقية في (وول ستريت) بين مساعدي الرئيس لقيادة المفاوضات مع الشركاء التجاريين.

وأما “بيتر نافارو”؛ المعروف بموقفه المتشدَّد في القضايا التجارية، والذي نشر مقال رأي في صحيفة (فايننشال تايمز)، يُحذر فيه الشركاء من أن “ترمب” لا يتفاوض على الإطلاق، بالتزامن مع تصريحات “بيسنت”؛ التي تؤكد عكس ذلك فقد بدا أن نفوذه بدأ يتراجع.

وقال “ترمب” إنه حين كان يُفكر في المهلة، ناقش الأمر مع “بيسنت” ووزير التجارة؛ “هوارد لوتنيك”، ولم يذكر “نافارو”.

تضرر سوق السنّدات..

ولكن لم يتخذ القرار الحقيقي بالتراجع؛ إلا بعد أن امتدت الأزمة إلى سوق السندات الحكومية الأميركية هذا الأسبوع، ما دفع اقتصاديين مثل وزير الخزانة السابق؛ “لورانس سامرز”، إلى التحذير من أزمة مالية محتملة، وهنا فقط رضخ “ترمب” وأوقف معظم الرسوم الجديدة المرتبطة: بـ”يوم التحرير”.

وقال أحد المقربين من “البيت الأبيض”: “ترمب لا يُمانع أن تتلقى (وول ستريت) ضربة، لكنه لا يُريد أن ينهار البيت بالكامل”.

وكرجل أعمال كانت مسّيرته في تطوير العقارات قائمة على استخدام الديون، فقد أدرك “ترمب” الإشارات التحذيرية في سوق السنّدات الأميركية. وقال الرئيس الأميركي موضحًا تغييّره للموقف: “سوق السنّدات صعب جدًا، كنت أراقبه… والناس بدأوا يشعرون بالغثيان قليلًا”.

وأشار أيضًا إلى أنه تأثر بمقابلة أجراها؛ “جيمي ديمون”، الرئيس التنفيذي لبنك (JPMorgan)، على قناة (Fox Business)، حيث حذر من أن “الولايات المتحدة” تتجه على الأرجح نحو ركود اقتصادي.

رواية “البيت الأبيض“..

وسعى مسؤولو “البيت الأبيض”؛ إلى تقديم التراجع الكبير لـ”ترمب” على أنه جزء من خطة استراتيجية كبرى.

ففي حديث للصحافيين أمام “البيت الأبيض”؛ بعد ظهر الأربعاء، قال “بيسنت” إنه قضى جزءًا من يوم الأحد مع “ترمب” في “فلوريدا”، واصفًا أحداث الأسبوع الماضي؛ بأنها تعكس: “استراتيجية الرئيس منذ البداية”. وأوضح أن “الولايات المتحدة” ستدخل الآن في محادثات: “بنية حسنة”، مضيفًا: “نحن مستعدون للاستماع إليكم”.

وكان “بيسنت” قد أشاد قبل أيام بخطط “ترمب” بشأن الرسوم الجمركية في مقابلة مع “تاكر كارلسون”، مدعيًا أنها ستساعد “الولايات المتحدة” على تحقيق عدالة أكبر في السوق العالمية، وإعادة التصنيع، ومعالجة: “مشكلات توزيع الثروة الهائلة” في الاقتصاد الأميركي.

ولكن مسؤولًا تنفيذيًا من (وول ستريت) مقربًا من “البيت الأبيض”، قال إن “بيسنت” ساعد “ترمب” في التوصل إلى قرار يقضي بضرورة تعليق زيادة الرسوم الجمركية، على الدول ذات العلاقات التاريخية الجيدة مع “الولايات المتحدة”، وحصر العقوبات الأشد على “الصين” فقط.

مخاوف من تذبذب سياسة “ترمب”..

وشعرت مجموعات الأعمال بالارتياح؛ لكنها أكدت أن التذبذب في سياسة “ترمب” لا يزال قائمًا وفق ما ذكر التقرير. فأشاروا إلى أن الرسوم الجمركية بنسبة (10%) لا تزال مفروضة على معظم الدول، وأن “الولايات المتحدة” قد صعّدت من حربها التجارية مع “الصين”، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، كما أن الرسوم المحتملة على قطاعات محددة مثل السيارات والأدوية لا تزال غامضة.

وقال رئيس مجلس التجارة الخارجية الوطني؛ “جيك كولفين”: “رغم أن هذه المهلة المؤقتة قد تخفف الألم الفوري، إلا أنها لا تقلل من حالة عدم اليقين التي تشل حسابات الشركات بشأن التجارة والتوريد والاستثمار”.

وأضاف: “نشجع الإدارة على الاستمرار في التهدئة وتحديد مسارات دائمة للمضي قدمًا لإلغاء هذه الرسوم، واستعادة الثقة، وتقليل عدم اليقين المستقبلي مع شركائنا الاقتصاديين”.

خلق فوضى عالمية..

ورغم التراجع؛ واصل الديمقراطيون انتقاداتهم اللاذعة للرئيس. وقال السناتور “ديك دوربين”، من ولاية “إلينوي”، في بيان: “الفوضى، وحالة عدم اليقين، والضرر الحقيقي الناتج عن ضريبة الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب لن تختفي خلال (90 يومًا). الخلاصة: الرئيس خلق فوضى عالمية على حساب العائلات والشركات الأميركية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة