خاص : ترجمة – محمد بناية :
عاش “إقليم كردستان” العراق مرحلة صعبة من حياته السياسية مؤخراً، لا سيما بعد الاستفتاء على الإستقلال، والآن نشهد زيارة وفد رفيع المستوى برئاسة “نيجرفان البارزاني”، رئيس وزراء إقليم كردستان، إلى طهران هي الأولى منذ سنتين تقريباً. تأتي الزيارة بعد يوم على لقاء “البارزني” مع “حيدر العبادي”، رئيس الوزراء العراقي، في بغداد.
والسؤال الذي تطرحه صحيفة (الأيام) الإيرانية، ما أهمية هذه الزيارة وتداعيات اللقاء مع المسؤولين الإيرانيين على المعادلات في العراق ؟.. وفي الحقيقة وبخلاف جميع التعقيدات التاريخية، كانت لإيران علاقات وطيدة مع أكراد العراق على مدى العقود التاريخية. علاوة على ذلك، يتبنى الإيرانيون نظرة إيجابية تقوم على التجانس مع الأكراد؛ وهم يعتبرونهم أساساً جزءً من إيران القديمة. وعليه لطالما كانت العلاقات بين الطرفين على مستوى جيد.
نظرة تحليلية إيرانية لأكراد العراق..
من المنظور السائد في الدراسات الأكاديمية الإيرانية، تعرضت المسألة الكردية لإعادة قراءة على مدى التاريخ. والأكراد من منظور الإيرانيين يمثلون جزءً مهماً من تاريخ سلسلة الحكومات القديمة في إيران، منها الإمبراطورية الميدية، (728 – 550 ق. م)، والهخامنشية، (550 – 331 ق. م)، والأشكانية، (247 ق. م – 226 م)، والساسانية، (226 – 936 م)، ولذا فاللغة الكردية أحد فروع اللغات الفارسية، ودائماً ما تُطرح في قالب اللهجة.
لكن من جهة أخرى، وفيما يخص موقف الإيرانيين من مسألة إنفصال الأكراد، لابد من الإهتمام لمسألة أن المسؤولين السياسيين في إيران لطالما نظروا إلى قضية تحريك الأكراد للإستقلال بإعتبارها مؤامرة من أعداء إيران ولا يمكن تحقيقها على أرض الواقع. وعليه فالأكراد من منظور الإيرانيين يمثلون جزءً من الهوية الإيرانية التاريخية المدعومة إيرانياً، وهذا الإشتراك كان عاملاً مهماً في اتصال الطرفين. من هذا المنطلق تحوز زيارة “نيجرفان” إلى طهران على أهمية استثنائية بالنظر إلى السوابق التاريخية والعرقية المشتركة بين الطرفين.
استراتيجية إيرانية من جزئين: الاتحاد المتزامن مع بغداد وأربيل..
علاوة على التاريخ والقومية المشتركة لأكراد العراق مع الإيرانيين، فالقضية المهمة في زيارة “نيجرفان” والوفد المرافق له الحالية إلى طهران؛ إنما تتعلق بوساطة إيران بين أربيل وبغداد لحل المشكلات العالقة بينهما. إذ فرض المسؤولون السياسيون العراقيون عقوبات موسعة على “إقليم كردستان” عشية إجراء الاستفتاء على الإنفصال، وأزداد ضعف موقف أربيل، بخاصة، بعد سيطرة الحكومة المركزية على “كركوك”، ودعا مسؤولي الإقليم بغداد مراراً للمباحثات، لكن كانت الحكومة المركزية ترفض باستمرار إجراء المفاوضات حتى تقبل “كردستان” بشروط بغداد الإستبقاية.
في ظل هذه الأوضاع يأمل “نيجرفان” أن تقبل إيران، بإعتبارها الشقيق الأكبر، الوساطة بين أربيل وبغداد. والحقيقة أن إيران تتبنى استراتيجية من جزئين تقتضي بالمحافظة الدائمة على علاقاتها مع طرفي الأزمة بالعراق. وفي ظل الأزمة الراهنة تأمل أربيل نجاح المسؤولون الإيرانيون في إقناع بغداد بقبول التفاوض مع “إقليم كردستان”.
توسيع التعاون الاقتصادي بين طهران وأربيل..
ترتبط أهمية زيارة “البارزاني”، من جهة أخرى، بالعلاقات الاقتصادية. وفي هذا الصدد يمكن إعتبار العلاقات وحجم التبادل الاقتصادي بين إيران وإقليم كردستان، هو تابع للعلاقات الاقتصادية الرئيسة الإيرانية مع العراق.
والواقع أن السنوات الأخيرة شهدت، بالنظر إلى المجالات الثقافية والقومية المشتركة بين أربيل وإيران والعلاقات الجيدة بين الطرفين، إرتفاع معدلات التبادل التجاري والاقتصادي اليومي بين المواطنيين في إيران وكردستان العراق بشكل ملحوظ، لدرجة أنه، ورغم تشكيل الأكراد لنسبة 20% من التركيبة السكانية العراقية، لكن تركزت نصف المعاملات التجارية الإيرانية تقريباً مع إقليم كردستان.
وبخلاف العلاقات الاقتصادية في “قطاع الطاقة”، يمكن القول إن كردستان العراق أحد الدول الرئيسة التي تستهدفها إيران بالصاردات غير النفطية، تلك العلاقات التي قد تلعب دوراً مهماً في الإزدهار الاقتصادي للبلدين.
كذلك فقد وقع مسؤولي البلدين، حتى الآن، على عدد من الاتفاقيات في مجالات النفط والاتصالات وإنتاج الكهرباء والجمارك والترانزيت والسكك الحديدية والتعاون الصناعي والتأمينات والاستثمارات في التجارة والسياحة.
لكن بالنسبة للعلاقات التجارية مع كردستان العراق؛ يمكن القول إنه بعد الهجوم الأميركي على العراق والإطاحة بحكومة “البعث” في بغداد، تهيأت الظروف بالنسبة لإيران لإتخاذ وجهة نظر جديدة حيال كردستان العراق. لذا زادت أهمية كردستان العراق من المنظور الاقتصادي بالنسبة لإيران بعد العام 2003، وأرتفع حجم التبادل التجاري بين الطرفين إلى أكثر من 2 مليار دولار خلال العام 2009. وعليه يمكن تقييم زيارة “نيجرفان” الحالية إلى إيران بإعتبارها فصل جديد للتعاون الاقتصادي بين البلدين.