خاص : كتبت – هانم التمساح :
لم تنتهي معركة المحتجين العراقيين في سبيل استعادة وطنهم المنهوب عند استقالة رئيس الوزراء، “عادل عبدالمهدي”، فالجميع يعلم أن “عبدالمهدي” ما هو إلا أداة في يد “إيران”، تحركها كيفما تشاء وأنها لا تجد غضاضة في الاستغناء عن “عبدالمهدي” وإستبداله بأحد رجالاتها الكثيرين، وهو ما يدركه المتظاهرون جيدًا والذين لم يعتبروا استقالة “عبدالمهدي” نصرًا، لكنها خطوة نحو إسقاط “نظام المحاصصة” يتبعها طريق طويل من النضالات في هذا الشأن. وتداولت الأوساط السياسية العراقية عدة أسماء مرشحة لرئاسة الحكومة العراقية، بعد أن أعلنَ “عادل عبدالمهدي” عزمَه تقديمَ “استقالتِه” إلى “البرلمانِ العراقي”، وذلك بعد ساعاتٍ على دعوةِ المرجعيةِ الدينية العليا في البلاد إلى سحبِ الثقةِ من الحكومة.
من يُخلف “عبدالمهدي” ؟
وبحسب سياسيين عراقيين؛ فإن الأسماء المرشحة كثيرة، ولكن جاء أبرزها: “محمد شياع السوداني”، (وزير العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة “العبادي” 2014)، و”علي علاوي”، (وزير المالية في الحكومة العراقية المؤقتة في 2005)، و”قصي السهيل”، (وزير التعليم العالي والبحث العلمي)، و”علي الشكري”، (شغل منصب وزير التخطيط منذ 4 أيار/مايو 2011 حتى عام 2014؛ ومنصب عضو في مجلس النواب العراقي منذ عام 2014 حتى 2018)، ثم “فائق زيدان”، (رئيس مجلس القضاء الأعلى)، و”أسعد العيداني”، (المحافظ الحالي لمحافظة البصرة).. كل هذه الأسماء مطروحة الآن أمام الكتل السياسية والبرلمانية، لكن الخيار النهائي ستحسمه الاتفاقيات السرية والمحاصصة بين الكتل السياسية؛ وهو ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة.
اتفاقات سرية وترقب بين الكتل..
حالة توتر بين الأحزاب والكتل السياسية نتجت عن استقالة “عبدالمهدي”؛ فالكل يترقب من سيخلف “عبدالمهدي”، ويتابع الأخبار صحيحة كانت أم غير مؤكدة؛ ناهيك عن الإشاعات والتسريبات بالترشح والتكليف وتقديم السير الذاتية للحزب (س) أو (ص)؛ وإجراء المقابلات؛ رافقها إنهاء تكليف هذا أو ذاك وترشيح البديل عنه، لا سيما وأن إجراءات اختيار الحكومات والوزراء قد يفتقر إلى الوضوح والمصداقية ومصارحة المكلفين المتأرجحين بما عليهم من مؤشرات فساد أو خلل في الأداء وقلة خبرة؛ إذ أبقت الأمور غامضة ما جعل الكل يترقب الحسم؛ في وقت نحتاج فيه إلى صفاءِ ذهنٍ وإعمال فكرٍ في تنفيذ الخطط والإلتفات إلى أداء المهام اليومية التي تنعكس إيجابيًا على خدمة المواطنين الغاضبين وتهدئة الشارع.
وخلال خطبة الجمعة؛ أكد ممثل المرجعية في “كربلاء” المقدسة السيد، “أحمد الصافي”، حرمة الإعتداء على المتظاهرين السلميين، وشدد على ضروة رعاية حرمة الأموال العامة والخاصة وعدم تركها عُرضة لإعتداءات المندسين، داعيًا، المحتجين، لتمييز صفوفهم ومحاربة المخربين.
ودعا “الصافي”، “مجلس النواب”، إلى التصرف بما تمليه عليه مصلحة البلاد والإسراع في إقرار حزمة التشريعات الإصلاحية؛ تمهيدًا لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، معتبرًا أن التسويف والمماطلة سيكلفان البلاد ثمنًا باهظًا.
إصرار على “المحاصصة” رغم الرفض الشعبي !
وفي وقت تنازلت فيه الأحزاب والكتل السياسية عن حصصها، في العلن، وطالبت بها، في السر، في أثناء المفاوضات؛ إذ أصبحت هذه الموائمات عنوانًا للتنافس السياسي والحزبي، ففي الأيام الماضية الكل يتابع المزاد الذي فُتِحَ والنهم الكبير بدا واضحًا على الأحزاب والتيارات السياسية الرئيسة لتشكيل الحكومة وإستحواذها على المناصب، ومنذ اندلاع “تظاهرات تشرين” والكل حبيس ظرفه، وقد بات شغله الشاغل ماذا سيفعل إذا ما فقد منصبه الحالي ؟.. في الوقت نفسه كانت تدار صفقات وتُعقد اجتماعات لتعيين مرشحين، (مستقلين)، قدموا فروض الطاعه والولاء.
وفي ظرف استثنائي مثل هذا الذي نعيشه؛ من ارتفاع في نسب الفقر والبطالة مع سوء الخدمات وإستشراء الفساد، وقد قدر العجز في موازنة العام الحالي، 35%، والذي من المتوقع أن يصل إلى 72 ترليون دينار، عام 2020، مع وجود مخاطر جدية في تعثر تصدير “النفط”.
هذه الظروف كلها؛ ولّدت تحديات تنتظر معالجات وإصلاحات لا تتم إلا من خلال حكومة فاعلة تمتلك الصلاحية والاستقلالية والمساحة والخبرة القانونية والعملية في تنفيذ واجباتها وفق الخطط المرسومة، أما ما يجري على حساب تنفيذ الخطط وتقديم الخدمات؛ هو تداعيات خطيرة، فـ”المحاصصة” لاتزال موجودة على الرغم من المواقف المعلنة وأصحابها مازالوا يعملون بها بكل جرأة من دون أي اعتبار للرفض الشعبي والنخبوي لأسلوب لم نجنِ منه سوى الفشل والفساد، طوال السنوات الماضية، بل أن هناك إصرار شديد من القوى السياسية، التي تسعى لتشكيل الحكومة، على ترسيخ “المحاصصة” المقيتة في أبشع صورها وفي المواقع كلها وتجاهل الرفض الشعبي لتبني “المحاصصة”.
ولا يخفى على مُطلع؛ ما لـ”المحاصصة” من عميق صلة بالفساد الإداري وهدر الأموال التي ترصد في الموازنات الحكومية العامة، ما جعل “العراق” بيئة طاردة للاستثمار، وزاد من الفجوة بين فئات المجتمع، وفي ظل استحقاقات مشروعة وملحة للمواطن وتطورات داخلية وخارجية تحيط البلد؛ لا يمكن الركون إلى مبدأ التوافق و”المحاصصة” في إدارة الدولة.