خاص : كتبت – نشوى الحفني :
محاولات تسير في خط موازٍ للسعي وراء إيجاد حلول للمسألة السياسية بـ”سوريا”، في ذلك كشف الأمين العام الأممي، “أنطونيو غوتيريس”، أمس الأول، أنه تم التوصل إلى اتفاق لتشكيل لجنة صياغة دستور جديد في “سوريا”، تضم أعضاء من السلطة وآخرين من المعارضة ضمن خطوة أولى لإسكات لغة الرصاص وفتح الطريق أمام تنظيم انتخابات ديمقراطية في هذا البلد الممزق بحرب أهلية مدمرة.
وقال “غوتيريس” ـ على هامش “قمة المناخ” التي عقدت أمس الأول، بمقر “الأمم المتحدة” ـ إن التوصل إلى اتفاق لتشكيل هذه اللجنة سيكون بمثابة بداية لحل سياسي توافقي ووضع حد نهائي للحرب في هذا البلد.
وأضاف أن مبعوثه الخاص إلى “سوريا”، “غير بيدرسون”، سيجتمع مع أعضاء اللجنة الدستورية خلال الأسابيع القادمة.
اتفاق مسبق في “سوتشي”..
يُذكر أن فكرة “اللجنة الدستورية” تم طرحها خلال مفاوضات الحكومة والمعارضة؛ رعتها السلطات الروسية بمنتجع “سوتشي”، شهر كانون ثان/يناير 2018، بعد أن تم طرح فكرة الحل السياسي للأزمة السورية.
ووقع الاتفاق حينها على تشكيل هذه اللجنة من 150 شخصية، تقوم السلطات السورية بتعيين 50 من بينهم وتعيين مثلهم من طرف مختلف أطياف المعارضة، بينما تقوم “الأمم المتحدة” باختيار 50 آخرين من بين فعاليات المجتمع المدني السوري.
وبقي مقترح تشكيل اللجنة يراوح مكانه بسبب خلافات حادة بين “دمشق” و”الأمم المتحدة” حول تركيبتها البشرية وبسبب التحفظات التي أبدتها السلطات السورية حول بعض الأسماء التي اقترحتها الهيئة الأممية حول دورها داخل اللجنة.
مهمة صعبة جدًا..
ورغم التفاؤل الذي أبداه “غوتيريس”، حول بداية نهاية الأزمة السورية، فإن ذلك لا يمنع من الإقرار بصعوبة مهمة هذه اللجنة؛ كون حلحلة الأزمة السورية لن يكون بالسهولة التي يمكن تصورها بسبب تراكمات سنوات الحرب ودرجة العداء التي خلفتها بين أبناء الشعب الواحد.
كما تطرح زيادة على ذلك، تساؤلات حول الدور الحقيقي لـ”الجنة الدستورية”؛ هل ستقتصر فقط على صياغة دستور جديد، كما تُصر على ذلك مختلف أطياف المعارضة، أو الإكتفاء فقط بعملية إعادة صياغة وتنقيح مواد الدستور الحالي؛ كما أكدت الحكومة السورية على ذلك في العديد من المرات.
وهي إشكالية تفرض نفسها وتجعل مسألة التوصل إلى توافقات بين أطراف الأزمة السورية تأخذ مدة أطول قد تصل إلى عدة شهور.
“بيدرسون” في سوريا والنظام يرحب..
في الوقت ذاته؛ توجه “غير بيدرسون”، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، إلى “دمشق”، أمس الأول، وأبدى تفاؤله بعد التقدم الذي أحرزه بخصوص تشكيل هذه اللجنة وإمكانية إعادة إطلاق العملية السياسية في هذا البلد ووضع أولى لبنات إنهاء الحرب الأهلية المندلعة فيها منذ سنة 2011.
والتقى المبعوث الأممي بوزير الخارجية السوري، “وليد المعلم”، الذي بحث معه إعداد دستور جديد للبلاد، يأخذ في الحسبان المعطيات التي أفرزتها الحرب المدمرة في “سوريا”.
وقال في تصريحات لدى وصوله إلى دمشق: “منذ زيارتي إلى سوريا، شهر تموز/يوليو الماضي، تم إحراز تقدم بخصوص تشكيل اللجنة الدستورية التي ينبغي تكليفها بمراجعة وتعديل الدستور السوري”.
وسبق للأمين العام للأمم المتحدة، “أنطونيو غوتيريس”، أن أعلن يوم الأربعاء الماضي؛ أن جميع الأطراف السورية قد وافقت على تشكيل لجنة مُكلفة بإعادة صياغة دستور البلاد.
من جهته؛ أكد “المعلم” أن بلاده “ملتزمة” بالعملية السياسية واستعدادها لمواصلة التعاون مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة لإنجاح مهمته في تيسير الحوار (السوري-السوري) للوصول إلى حل سياسي بالتوازي مع ممارسة حقها الشرعي والقانوني في الاستمرار في مكافحة الإرهاب.
النظام يتهرب من كافة القرارات..
فيما أعلن المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض السورية، “يحيى العريضي”، أن: “النظام السوري يتهرّب، ليس فقط من اللجنة الدستورية، بل من كل القرارات الدولية وقرارات الأمم المتحدة وتدخل المبعوث الأممي”.
قائلًا لـ (العربية. نت)؛ إن: “انتظار أي تقدم مع النظام في عمل هذه اللجنة هو ضرب من الخيال، لأن النظام لا يرسو على برّ ونسي أنه غير مؤهل لقيادة البلد”.
كما رجح أن: “حصول أي تغييرات إيجابية من جانب النظام مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا لن يتم إلا بضغوط من الروس”، لافتًا إلى أن: “الروس هم المسؤولون عن بقاء بشار الأسد، وهم بحاجة لجني ثمار سياسية لن تأتي إليهم إلا من بوابة اللجنة الدستورية”.
وأضاف أنه: “يبدو أن اللجنة الدستورية، التي من المقرر أن تضم 150 ممثلاً عن النظام السوري والمعارضة، وشخصيات أخرى تحددها الأمم المتحدة من خبراء المجتمع المدني، لن تبدأ مهامها في وقت قريب رغم أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قد أعلنا قبل أيام عن بدء عملها قريبًا”.
وتتهم المعارضة، النظام، باستمرار بعرقلة تشكيل هذه “اللجنة” التي تُعد، بحسب “الأمم المتحدة”، مدخلاً أساسيًا للعملية السياسية الرامية إلى حل النزاع المستمر منذ أكثر من 8 أعوام، بينما يرفض النظام وضع دستور جديد للبلاد ويدعو إلى “مناقشة تعديلات على الدستور الحالي”؛ رغم أن القرار الأممي 2254 الخاص بـ”سوريا” يتحدث عن “وضع مسودة دستور جديد”.
مؤشر لوجود معطيات إيجابية..
ومن جهته؛ قال المحلل السياسي، “غسان يوسف”: “إن زيارة بيدرسون مهمة للاتفاق والإطّلاع على رأي الحكومة السورية بخصوص تشكيل اللجنة الدستورية وآلية عملها”.
وأضاف إنه: “لا يمكن فصل القمة الثلاثية، في أنقرة، عن زيارة بيدرسون إلى سوريا، لأن الاجتماع الثلاثي هو الذي أقرّ اللجنة الدستورية، وبيدرسون تلقى الضوء الأخضر من الدول الضامنة، وكان هناك تجاوب من دمشق للاتفاق على موعد إنطلاق هذه اللجنة”.
ورأى أن: “زيارة بيدرسون تؤشر وجود معطيات إيجابية ستؤدي إلى إنطلاق اللجنة الدستورية في جنيف خلال الأيام القادمة”.
كما استبعد أن يؤثر الوضع الميداني على عمل اللجنة الدستورية باعتبار “أن من يقاتل في إدلب هم المجموعات الإرهابية، وتركيا التي تدعم تلك المجموعات أصبحت محاصرة من قِبل روسيا وإيران والمجتمع الدولي”.
تعطيل لقرارات الأمم المتحدة..
فيما قال المحامي السوري وعضو “هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سوريا”، “ميشال شماس”، إن: “المشاركة في اللجنة الدستورية تعطيل لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بسوريا وخروج عنها، لأن مجلس الأمن حدد في بيان جنيف خطوات الحل في البلاد”.
موضحًا أن: “من أولى هذه الخطوات وقف إطلاق النار، وثانيًا إطلاق سراح المعتقلين لدى جميع الأطراف، وثالثًا إقامة هيئة حكم انتقالية، ورابعًا وعلى أساس تحقيق هذه الخطوات الثلاث، يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية، وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام، ثم تتم الانتخابات”.
وأضاف أن: “ما يعني أن العملية الدستورية تأتي في المرحلة الرابعة؛ وليس كما يجري اليوم. وكل القرارات والبيانات الصادرة عن مجلس الأمن والهيئات الدولية أكدت على التقيد بتنفيذ هذه الخطوات في بيان جنيف 2012”.
كذلك أشار إلى أن: “ما يجري الآن هو كمنْ يضع العربة قبل الحصان، وهذا سيؤدي إلى تشويه الحل في سوريا وتصويره على أنه مجرد خلاف دستوري”، لافتًا إلى أن: “المشاركة في أعمال اللجنة تشكل إهانة بالغة لكافة تضحيات السوريات والسوريين الذين ثاروا على نظام الأسد. كما تشكل إهانة لقضية المعتقلين والمختفين قسريًا، والأخطر أن مشاركتهم سوف تساعد روسيا وتركيا وإيران في الإلتفاف على المرحلة الانتقالية المنصوص عنها بالقرار 2254 وبيان جنيف”.
وعلق “شماس” على تشكيل اللجنة الدستورية بالقول إن: “ما رُشِح عن الأسماء المشاركة يكفي للقول إن نظام الأسد يمتلك فيها النسبة الأكبر”، مضيفًا: “في حين يجب أن يشكل المختصون الأغلبية في عضوية أي لجنة دستورية لأنهم الأقدر والأكثر معرفة في هذا المجال. ويجب أن يضاف إليهم عدد من الشخصيات الوطنية المشهود لها بالسمعة الطيبة”.
لجنة دستورية غير مؤهلة..
من جهته؛ قال الحقوقي، “جوان يوسف”، إن: “عمل هذه اللجنة لم يبدأ بعد، وأكاد أقول إنها لن تعمل ولا يمكن النظر إلى هذه الخلطة بوصفها لجنة دستورية تستطيع أن تضع دستورًا للبلاد، لأنها ليست أهلاً لذلك، فهي لا تملك المؤهلات باستثناء بعض أفرادها”.
وذكر أن: “هذه المجموعة تم إعدادها بتوافقات سياسية بين الأتراك والنظام وروسيا؛ وليس للسوريين أي دور في اختيارها، بمعنى هي أقرب إلى مجموعة سياسية لا تملك ضمانات ولا تفويضًا من السوريين، وهي لا تمثل بشكل أو آخر كيانات سياسية تحمل مشروعًا سياسيًا”.
وتابع: “عادة الدساتير يكتبها أصحاب اختصاص لهم تجربة وخبرة في المجال الدستوري والقانوني، أو تشكلها كيانات سياسية من أصحاب خبرة، أما في ما يتعلق باللجنة الحالية فلا ينطبق عليها هذا المعيار”.
المشاركة الكُردية مهمة للاستقرار..
وأشار إلى أنه: “لا توجد مشاركة كُردية في هذه اللجنة، والشخصيات الثلاث الموجودة في قائمة الأمم المتحدة والمعارضة لا تشكل أي تأثير، لا من حيث الخبرة والتجربة ولا من حيث الوزن السياسي ولا من حيث العدد”.
كذلك شدد على أنه: “لا يمكن أن تستقر سوريا دون مشاركة فاعلة من الأكراد في مستقبلها، وهذا يشمل الدستور والحل السياسي والعدالة والإدارة والاقتصاد، ومهما قيل عن منظومة الإدارة الذاتية فإنها تدير أكثر من ثلث مساحة سوريا، وقد استطاعت على الرغم من كل المحيط العدائي أن تنجز إدارة مدنية وإن لم تكن بمستوى الطموح، لكنها الأفضل على صعيد سوريا”.
لافتًا إلى أن: “تجاهل دور الإدارة الذاتية مفهوم ضمن سياقات التداخل الإقليمي والدولي في السباق السوري وبشكل واضح وصريح الدور التركي الذي يوظف كل جهوده وموقعه الجيوبوليتيكي في استبعاد الأكراد من العملية السياسية. وحتى الآن نجحت أنقرة في ذلك لكنها فشلت في تحجيم دورهم الواقعي والفعلي في الجغرافيا السورية، وفشلت أيضًا في إخراجهم من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب”.
يشار إلى أن “الأمم المتحدة” تسعى لتشكيل هذه اللجنة منذ أشهر. وقررت كل من “تركيا” و”روسيا” و”إيران” أن تباشر أعمالها في أقرب وقت ممكن خلال القمة الثلاثية التي عقدت، الأسبوع الماضي، في “أنقرة”.