وكالات – كتابات :
أصبح “العراق” على مقربة من انسحاب القوات الأميركية القتالية من البلاد، والتي تتهيأ للمغادرة نهاية العام الحالي، وفقًا لمخرجات جولة “الحوار الإستراتيجي” الرابعة والأخيرة التي اتفق عليها رئيس الوزراء، “مصطفى الكاظمي”، مع الأميركيين، خلال زيارته إلى “واشنطن”، في تموز/يوليو الماضي.
إلتزام أميركي بعلاقة طويلة الأمد مع “بغداد”..
وأكد السفير الأميركي في العراق، “ماثيو تولر”، قرار بلاده السابق بسحب القوات القتالية من “العراق”، وذلك خلال لقاء جمعه بمستشار الأمن القومي العراقي، “قاسم الأعرجي”، في “بغداد”، مساء أمس الثلاثاء.
ونقل بيان لمستشارية الأمن القومي، عن “تولر”؛ قوله إنّ مهمة الأميركيين: “ستتحول إلى غير قتالية”، مبينًا أنّ “الولايات المتحدة”: “ستواصل دعمها للقوات العراقية لضمان قدرتها على مواجهة التهديدات”.
وأشار إلى أنّ “العراق”: “له دور مهم في أمن المنطقة”، مؤكدًا إلتزام بلاده بعلاقة طويلة الأمد مع “بغداد”.
من جانبه؛ أوضح “الأعرجي”؛ أنّ: “العلاقة مع الولايات المتحدة هي شراكة طويلة الأمد؛ ولا تقتصر فقط على الملف الأمني، بل في جميع المجالات”، مجددًا التأكيد على أنّ: “الجانبين اتفقا على أن يكون تاريخ: 31/12/2021، هو آخر موعد لخروج القوات المقاتلة من العراق”.
محاولة تهدئة المخاوف..
ويشهد “العراق” مخاوف بشأن الفراغ الذي يمكن أن يخلفه خروج القوات الأجنبية القتالية من البلاد، واحتمالات تصاعد هجمات تنظيم (داعش)، وتنامي نفوذ الميليشيات.
وحاول رئيس أركان الجيش العراقي، “عبدالأمير يارالله”، تبديد تلك المخاوف من خلال الإشارة إلى أنّ القوات العسكرية العراقية قادرة على حفظ الأمن والاستقرار في البلاد؛ بعد خروج القوات الأميركية.
وأشار خلال كلمة في “ملتقى الرافدين” الذي اختتم أعماله، أمس الثلاثاء، في “بغداد”، إلى أنّ: “القوات الأميركية أوقفت دعمها للقوات العراقية، منذ شهر آيار/مايو الماضي، وقواتنا جاهزة لمرحلة ما بعد خروج القوات الأميركية من العراق”، مضيفًا أنّ: “قواتنا قادرة على تأمين بلادنا وحمايتها”.
ولا تزال الفصائل العراقية المسلحة، المرتبطة بـ”إيران”، والمناوئة للوجود الأجنبي في “العراق”، تُشكك بحقيقة انسحاب القوات القتالية الأميركية من البلاد، بعد 04 أشهر، إلا أنها أوقفت منذ أسابيع الهجمات الصاروخية على المطارات والقواعد العسكرية التي تضم قوات أميركية، واقتصر نشاطها على مهاجمة أرتال “التحالف الدولي”، والتي لا توقع خسائر تُذكر في كثير من الأحيان.
اختبار نوايا وترقب !
عضو بتحالف (الفتح)، (الجناح السياسي للحشد الشعبي)، قال، في تصريح صحافي؛ إنّ الفصائل المسلحة تمر اليوم بحالة من الترقب، موضحًا أنها: “في طور اختبار النوايا الحقيقية للأميركيين”.
وتابع أنّ: “الهدوء النسبي الحالي؛ قد يستمر حتى نهاية العام”، مستدركًا بالقول: “إلا أنّ الأمور قد تخرج عن السيطرة بأي لحظة؛ في حال شعرت الفصائل أنّ الانسحاب الأميركي غير حقيقي، أو جرى استهداف قادتها أو عناصرها أو مقراتها مجددًا”.
وأكد عضو البرلمان عن تحالف (الفتح)، “حامد الموسوي”، أمس الثلاثاء، أنّ: “الأميركيين يخططون للبقاء في العراق”، معتبرًا، في تصريح صحافي، أنّ “الولايات المتحدة” لا تُريد الخروج من العراق: “مفلسة”، على حد قوله.
شبح “أفغانستان” مازال يحوم فوق العراق..
في السياق ذاته؛ يتساءل بعض المراقبين ما إذا كانت “أفغانستان” تُعد نموذجًا لسياسة الرئيس الأميركي، “جو بايدن”، في الشرق الأوسط، أم لا.
نُشر في مقال بموقع (فورين بوليسي)، في 19 آب/أغسطس المنصرم؛ أن العراقيين يشعرون بالقلق من أن “بايدن” قد يتخلى عن “العراق” أيضًا. كما طرح مقال نُشر بتاريخ: 29 آب/أغسطس؛ في موقع (ناشيونال نيوز) الإماراتي، التساؤل نفسه.
وأوضح “بايدن” أسباب مغادرته لـ”أفغانستان”، في تصريحات بـ”البيت الأبيض”؛ في 16 آب/أغسطس. كان أمام إدارة “بايدن” الجديدة خياران واقعيان فقط لسياستها في “أفغانستان”، في الربيع الماضي. تعلق أحد الخيارات بإلغاء اتفاقية الانسحاب التي أبرمها، “دونالد ترامب”، مع (طالبان)، عام 2020، ما يعني انتهاء حالة وقف إطلاق النار بين القوات الأميركية وحركة (طالبان)، مع استئناف القتال العنيف مجددًا. وعندما غادر “ترامب”، “البيت الأبيض”، لم يكن الجنود الأميركيون الموجودون في “أفغانستان”، والبالغ عددهم: 3500 جندي، يكْفون لإحتواء هجوم جديد لـ (طالبان). وقد رأينا توًا مدى قوة حركة (طالبان).
التقيد بـ”اتفاق ترامب”..
إذا كان “بايدن” قد ألغى “اتفاق ترامب”، لَكان لزامًا عليه إرسال آلاف الجنود الأميركيين الإضافيين إلى “أفغانستان”.
ولم يكن هناك سوى قليل من الدعم لدى الشعب الأميركي لقبول تصعيد كبير وجديد. يملك “بايدن” خبرة طويلة من العمل بـ”الكونغرس”، ومن توليه منصب نائب الرئيس ومعرفته بخطط الجنرالات الأميركيين. وشكك في أن التصعيد الذي وافق عليه “أوباما”، عام 2009، سوف ينجح في إرساء السلام بـ”أفغانستان”، ونعلم من التاريخ أن “بايدن” كان مُحقًا. وقد رفض “بايدن” أي تصعيد، واختار بدلاً منه الانسحاب الكامل. والتركيز على التهديدات الناشئة من “الصين” و”روسيا”، جعل قراره بتجنب التصعيد في “أفغانستان” أيسر كثيرًا.
ما بين “طالبان” والميليشيات الإيرانية في العراق..
وعلى النقيض من “أفغانستان”، لا يواجه “بايدن”؛ أي حاجة إلى تصعيد كبير في “العراق” و”سوريا”. (طالبان) خصم أكثر قوة وخطورة من شراذم (داعش) أو الميليشيات العراقية الموالية لـ”إيران”.
بالإضافة إلى ذلك، وفي عهد “بايدن”، لدى المهمة العسكرية الأميركية في “العراق” و”سوريا” هدف محدد بمساعدة القوات المحلية على محاربة (داعش)، ليس أكثر. حتى إن أحد كبار المسؤولين في “وزارة الخارجية” الأميركية؛ صرح في مقابلة أُجريت معه، في تموز/يوليو الماضي، بأن “الولايات المتحدة” ليست في “حرب مفتوحة” مع الجماعات المسلحة بـ”العراق”. وهذه رسالة مختلفة تمامًا عن نوعية رسائل الحرب الأميركية ضد (طالبان) لما يقرب من 19 عامًا. وتأمل “واشنطن” في أن ينجح رئيس الوزراء العراقي، “مصطفى الكاظمي”، في تعزيز قوة الحكومة، بـ”بغداد”، وهي مستعدة لدعمه، لكنها لا تتوقع إرسال قوات قتالية كبيرة للدفاع عن “بغداد” ضد (داعش) أو ضد الجماعات الخارجة عن القانون.
الغموض في “شرق سوريا”..
ويتعين علينا تذكر أنه من دون الوجود العسكري الأميركي في “العراق”؛ لا يمكن أن يكون هناك وجود عسكري أميركي في “شرق سوريا”، إذ إن جميع الإمدادات تأتي من “كُردستان العراق”. والهدف العسكري الأميركي في “شرق سوريا”، أقل وضوحًا منه في “العراق”، لأن هناك هدفًا أمنيًا مباشرًا بهزيمة (داعش)، وهدفًا جيو-إستراتيجيًا أكثر غموضًا يتمثل في منع “إيران” و”روسيا” من السيطرة على “شرق سوريا”.
على العكس من “أفغانستان”، فإن الوضع في “شرق سوريا” مستقر نسبيًا من الناحية العسكرية، ولا يجد “بايدن” ضرورة للتصعيد. ومن المحتمل ارتفاع ضغوط الميليشيات الموالية لـ”إيران”، في “العراق” أو “سوريا” بمرور الوقت، ولكن حتى الآن، لا تزال المخاطر على الجنود الأميركيين طفيفة.
وأخيرًا، فإن السياسة في “واشنطن”، على النقيض من “أفغانستان”، تقف بقوة ضد الانسحاب من “العراق” و”سوريا”.
أولاً، وافق “الحزب الجمهوري”، مع “ترامب”، على اتفاق عام 2020، بشأن الانسحاب من “أفغانستان”، وبالتالي أمتلك “بايدن” الغطاء السياسي المطلوب. (إذا راقبت انتقادات سياسة بايدن في أفغانستان داخل الولايات المتحدة، فإن كثيرًا من الجمهوريين والديمقراطيين ينتقدون التخطيط السييء الذي أدى إلى انسحاب غير منظم، لكنهم يتفقون على أن الولايات المتحدة كان يلزمها الانسحاب إن عاجلاً أو آجلاً).
وبالمقارنة، يعتقد معظم المراقبين في “واشنطن”؛ أن الانسحاب الأميركي من “العراق”، خصوصًا “سوريا”، سيكون مكسبًا إستراتيجيًا لـ”إيران وروسيا”، وسيرفع من حدة الانتقادات ضد “بايدن” للغاية، خصوصًا بعد أزمة “أفغانستان”. والقلق الإسرائيلي من الوجود الإيراني في “سوريا” له ثقله السياسي أيضًا في “واشنطن”.
بالإضافة إلى ذلك، تزداد المخاوف من صعود جديد في الجماعات الإرهابية بعد الانسحاب من “أفغانستان”، وانسحاب “بايدن” من “العراق” وسوريا” سوف يعزز التصورات بأن إدارة “بايدن” تتجاهل خطر الإرهاب.
وأخيرًا، وهذا جديد ومهم، هناك لوبي الآن في “واشنطن” يدعم الأكراد ويؤيد مطالبهم بحقوق الإنسان والحريات الأساسية. وقوبل قرار “ترامب” بالانسحاب من “سوريا”، عام 2019، بانتقادات شديدة من الجمهوريين والديمقراطيين على حدًا سواء، وإذا أعلن “بايدن” عن قرار مماثل، خصوصًا بعد “أفغانستان”، فإن الانتقادات ستكون أكبر. فعلى المستوى السياسي، وعلى النقيض من “أفغانستان”، فمن الأكثر أمانًا بالنسبة لـ”بايدن” أن يحافظ على الوجود الأميركي الحالي في “العراق” و”سوريا”، وأن يُحيل “بايدن” هذه الحروب الصغيرة إلى الإدارة الأميركية المقبلة.