خاص : كتبت – نشوى الحفني :
في الوقت الذي تُخاطر فيه إدارة الرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، بارتكاب أخطاء كبيرة نتيجة مراجعة سياستها الصناعية، أكد “بايدن”، أن اقتصاد “الولايات المتحدة”: “قوي في الوقت الحالي”، وأنه لا يتوقع حدوث ركود.
كما راهن على أدائه الاقتصادي لإعطاء دفعة لحملته الانتخابية من أجل البقاء في “البيت الأبيض”؛ عبر الانتخابات الرئاسية المقررة في “الولايات المتحدة” العام المقبل، عارضًا على الناخبين هذا الأسبوع ما حققته سياسته التي أطلق عليها تسّمية: “الازدواجية”.
وبعدما ورث “بايدن” اقتصادًا منهكًا بفعل تبعات وباء (كورونا) ثم التضخم الحاد وتعثر سلاسّل الإمداد، واجه صعوبة في حصد تأييد الأميركيين.
ثُلث الأميركيون يوافقون على تعامل “بايدن” مع الاقتصاد !
وأعرب نحو ثُلث الأميركيين عن رضاهم على الطريقة التي تعامل بها الرئيس؛ “جو بايدن”، مع الاقتصاد في استطلاع جديد، يأتي في الوقت الذي دخل فيه “البيت الأبيض” بالكامل في مصطلح: (بيدنوميكس).
ومن بين البالغين الأميركيين الذين شملهم الاستطلاع، قال: 34 في المئة إنهم يوافقون على طريقة تعامل الرئيس الأميركي مع الاقتصاد، وهي تقريبًا نفس النسّبة؛ حسّب استطلاع آيار/مايو الماضي، وفقًا لاستطلاع رأي جديد أجراه مركز (آسوشيتد برس-نورك) لأبحاث الشؤون العامة.
ووجد الاستطلاع أن: 60 بالمئة من الديمقراطيين يوافقون على طريقة تعامل “بايدن” مع الاقتصاد؛ و72 بالمئة يوافقون على الأداء الوظيفي العام لـ”بايدن”.
وقال سبعة من كل عشرة بالغين، شملهم الاستطلاع، إنهم يعتقدون أن الظروف الاقتصادية في “الولايات المتحدة” سّيئة؛ وهو ما يُمثل انخفاضًا طفيفًا عن: 75 في المئة الذين قالوا ذلك الشهر الماضي.
وبشكلٍ عام؛ وجد الاستطلاع أن: 41 في المئة من البالغين في “الولايات المتحدة” يوافقون على أداء “بايدن”؛ وهو ما يتماشى مع استطلاعات الرأي الأخرى الأخيرة التي أظهرت أن الرئيس: “يُكافح”؛ للوصول إلى نسّبة موافقة أعلى بكثير من: 40 في المئة.
تغيّير الوضع لصالحه..
ورأى “البيت الأبيض” أن بإمكان “بايدن” تغيّير الوضع لصالحه بتركيزه على سياسته الاقتصادية في خطاب الأربعاء بـ”شيكاغو”؛ ويُطلق فيه عبارة: “الازدواجية”، على ما أوضحت مساعدة المتحدثة باسم البيت الأبيض؛ “أوليفيا دالتون”، للصحافيين.
وقالت “دالتون” إن هذه التسّمية: “هي كلمة اليوم، كلمة الأسبوع، كلمة الشهر، كلمة العام هنا في البيت الأبيض”.
تعود إلى “رونالد ريغان”..
وتذكر تسّمية: “الازدواجية”؛ ولو بصورة عكسية، بتسّمية (ريغانوميكس) نسّبة إلى السياسة الاقتصادية المثيرة للجدل التي انتهجها الرئيس الجمهوري الأسبق؛ “رونالد ريغان”، في الثمانينيات.
ونسّب إليها البعض الازدهار الذي عاشته “الولايات المتحدة” بفعل مبدأ: “توزيع الثروات من الأعلى إلى الأسفل”؛ الذي قامت عليه، غير أنها تواجه انتقادات لإعطائها الأفضلية للأثرياء والشركات الكبرى معتبرة أن ازدهارها سينعكس في نهاية المطاف على الجميع.
وأفاد “البيت الأبيض” أن “بايدن” يعتزم طي صفحة: (ريغانوميكس).
خارطة طريق للفوز في الانتخابات..
وأوضحت مديرة المجلس الوطني الاقتصادي؛ “لايل براينارد”، للصحافيين؛ أن الرئيس: “رفض الاقتصاد العمودي، والنظرية القائلة بأن التخفيضات الضريبية في الأعلى سوف تنعكس إلى الأسفل، وأن كل ما نحتاج إليه هو ألّا تقف الحكومة في الطريق”.
وقالت “دالتون”؛ إن “بايدن” سيُركز على عكس ذلك على: “القناعة بأن الاقتصاد ينمو حين تنمو الطبقة الوسطى”.
ويعتقد “بايدن” أن الخطط الحكومية الضخمة والباهظة التي طبقها خلال ولايته الأولى حتى الآن، ستُحفز النمو الاقتصادي على المدى البعيد، ما يؤدي إلى إنعاش قطاع التصنيع في “الولايات المتحدة” وينهض بالطبقات الأقل ثراءً في البلد.
وليست هذه حجة اقتصادية فحسّب؛ بل قد تُشكل خارطة طريق للفوز في الانتخابات التي يتوقع أن تشهد معركة شرسة بين الديمقراطيين والجمهوريين حول عدد ضئيل من الولايات المتأرجحة.
وما يُعزز حجج “بايدن” في توجهه إلى الناخبين؛ هو القائمة الملفتة من الانتصارات التشريعية التي حققها في السنتين الأخيرتين.
فالقوانين الكبرى؛ التي أقرها “الكونغرس”، ضخت قدرًا تاريخيًا من الأموال في تكنولوجيا الاقتصاد الأخضر وقطاع أشباه الموصلات، كما رصد ما لا يقل عن: 550 مليار دولار لخطة واسعة لترميم البنى التحتية من طرقات وجسّور وغيرها في البلد.
وقالت “براينارد”؛ إن نظرية تقطير الثروات بصورة تنازلية، الموروثة من عهد “ريغان”، أدت إلى انهيار مدن صناعية أميركية بسبب نقل الشركات مراكز إنتاجها والتخلي عن تطوير البنى التحتية بصورة طموحة.
غياب المكاسّب السياسية..
في المقابل؛ فإن سياسة “بايدن” الصناعية تستخدم، بحسّب “براينارد”، التمويل الحكومي كحافز لإحداث: “فورة إنفاق في القطاع الخاص على تطوير النشاط التصنيعي”.
ولفتت إلى التمويل لتوسّيع شبكة الإنترنت العريض النطاق إلى كل زاوية من “الولايات المتحدة”، وهو مشروع يُذكر على حد قولها ببرنامج مد الكهرباء الذي طبقه الرئيس؛ “فرانكلين روزفلت”، في ثلاثينيات القرن العشرين لتطوير البلد.
غير أن المشكلة التي يصطدم بها “بايدن”؛ هي أن إنجازاته الاقتصادية لا تنعكس مكاسّب سياسية لدى الناخبين. وتظهر استطلاعات الرأي أن الأميركيون قلما ينسّبون إليه الفضل في تدني معدل البطالة وفي الازدهار الاقتصادي.
وإن كان التضخم في تراجع بطيء إنما متواصل منذ 11 شهرًا على التوالي، فإنه يبقى في طليعة هواجس الناخبين.
وقالت “دالتون”؛ إن الأميركيون سينظرون إلى الوضع بصورة مختلفة حين تظهر أخيرًا ثمار البرامج التي طبقها “بايدن”.
وأضافت: “إننا نرى استثمارات خاصة تعود إلى البلد، نرى ملايين الوظائف المسّتحدثة. حان الوقت الآن مع كل هذه الإنجازات، ليحمل الرئيس هذه الرسالة إلى الشعب الأميركي ويؤكد أن هذا ما تُحققه سياسة الازدواجية”.
تُخاطر بأخطاء كبيرة..
فيما يرى تقرير نشرته مجلة (فورين بوليسي) الأميركية؛ أن إدارة “بايدن” تُخاطر بارتكاب أخطاء كبيرة نتيجة مراجعة سياستها الصناعية، الأمر الذي قد يقود البلاد للعُزلة التجارية.
وتحت عنوان: “تحول بايدن ضد التجارة يجعل من الصعب كسب الأصدقاء”، قال التقرير إن السياسة الصناعية الطموحة الجديدة لـ”الولايات المتحدة” تُخاطر برفض نموذج المفاوضات التجارية التي لطالما دعمته “واشنطن” لعقود، ومن ثم فهي تُخاطر بتبني نهج يستبعد معظم العالم.
وبعد مرور ثلاثين شهرًا على الولاية الأولى للرئيس الأميركي؛ “جو بايدن”، يمكن القول إنه نجح في تنفيذ أكثر ثورة دراماتيكية في السياسة الاقتصادية الأميركية منذ الثمانينيات؛ التي أعلن خلالها الرئيس؛ “رونالد ريغان”، أن الحكومة هي المشكلة، وقام بتخفيض الضرائب، وأطلق أكثر مفاوضات التجارة الحرة شمولاً في تاريخ “الولايات المتحدة”.
ويمكن لـ”بايدن” كذلك أن يدعي تحقيق إنجازات تاريخية في إعادة الحكومة إلى الاقتصاد، والعمل مع “الكونغرس” الأميركي المنقسّم لتمرير تشريع لإعادة بناء البنية التحتية الأميركية، ودعم الإنتاج المحلي لأشباه الموصلات، وتحفيز وظائف التصنيع الجديدة في المجتمعات المتخلفة وتسّريع مسّاعي الانتقال إلى الطاقة النظيفة، لكن الإدارة لم تعرف كيف يندمج بقية العالم في ذلك.
ويمكن للدول أن تتنافسّ على الاستثمار ليس فقط من خلال تقديم قوة عاملة أفضل أو بنية تحتية أكثر كفاءة، ولكن أيضًا من خلال خفض الأجور وخفض الضرائب وإضعاف اللوائح.
وشهدت الدول النامية ارتفاعًا حادًا في حصتها من التصنيع العالمي خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث أصبحت “الصين والمكسيك وفيتنام وبولندا” ودول أخرى؛ حيوية لسلاسّل التوريد العالمية، وليس من الغريب أن هذه الدول أعجبت في الغالب بالنظام التجاري الذي تبنته “واشنطن” في الأصل، وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة (إيبسوس).
معالجة مخاوف الشركاء التجاريين..
ويخشى الشركاء التجاريون من الدول أن يتدفق الاستثمار الخاص الآن خارج اقتصاداتها إلى “الولايات المتحدة”، حيث تطارد الشركات في جميع أنحاء العالم الإعانات والإعفاءات الجديدة الهائلة الخاصة بالاستثمار في “الولايات المتحدة”.
وتسّعى الإدارة إلى تحقيق هدفين، أولهما بناء سلاسّل توريد عالمية أكثر مرونة لتقليل الاعتماد على “الصين”؛ وكذلك جذب الاستثمار ووظائف التصنيع إلى “الولايات المتحدة”. ولذلك كان وضع سياسة تجارية تضم كلا الهدفين بعيد المنال حتى الآن.
ولم يُسّاعد خطاب الممثلة التجارية الأميركية؛ “كاثرين تاي”، الأسبوع الماضي؛ حول السياسة التجارية الأميركية من التقليل من المخاوف، حيث قالت: “إن جزءًا أساسيًا من أهدافنا يتمثل في إعادة الولايات المتحدة إلى مسّار التجارة الحرة”، وهي المخاوف التي تُعّززت عند الشركاء التجاريين بشأن مكانهم في النظام الجديد. ومن المتوقع أن يستمر الارتباك بشأن قضية التجارة ما لم يوضح “بايدن” نفسه النهج الأميركي الجديد.
تحتاج لمعايير وبيئة عمل أعلى..
وقالت “تاي” إن على “الولايات المتحدة” أن تنتهج سياسة تجارية: “تُنشط الإنتاج في الولايات المتحدة وتُعيّد العمال إلى المركز لأنهم أساس المرونة”. وانتقدت “تاي” بشدة استراتيجية “ريغان” للسوق الحرة، حيث قالت: “عندما تكون الكفاءة والتكلفة المنخفضة هما الدافعان الوحيدان، فإن ذلك يؤدي إلى خروج الإنتاج خارج حدود الولايات المتحدة”. ووصفت ذلك بالسباق نحو القاع، حيث يُكافأ الاستغلال ويتم التخلي عن المعايير العالية من أجل المنافسة والبقاء.
وأضافت: “لكن خطة إدارة بايدن البديلة؛ لن تحظى بشعبية في كثير من أنحاء العالم.. فالدول التي ترغب في توسّيع نطاق التجارة مع الولايات المتحدة يجب أن تتبنى جميعها معايير عمل وبيئية أعلى بكثير، مثل تلك الواردة في الاتفاقية الجديدة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا”.
وتُشير “تاي” إلى أن الاتفاقيات التجارية السابقة؛ قد أخطأت في السماح: “بمحتوى هام يأتي من دول ليست حتى أطرافًا في الاتفاقية، وهذا يعني أن هذه القواعد تُفيد الدول ذاتها التي استخدمت المنافسة غير العادلة لتُصبح مراكز إنتاج”.
وتتطلب الاتفاقيات التجارية عادة حد أدنى من محتوى المُنتج المتداول، يأتي إنتاجه في البلد أو المنطقة التي تغطيها الصفقة، وذلك لإلغاء التعريفة الجمركية، وينطبق ذلك على الاتفاق بين “أميركا وكندا والمكسيك”.
وكان أحد أسباب انسّحاب “الولايات المتحدة”؛ من “اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهاديء”، هو أن النقابات العمالية الأميركية اعترضت على متطلبات المحتوى الأقل بكثير في تلك المعاهدة بشأن السيارات، خوفًا من أن هذا سيُفيد “الصين” إلى حدٍ كبير.
تراجع التجارة الأميركية..
وقامت “الولايات المتحدة”، في بعض الأحيان، بتقييّد التجارة مع الدول التي فشلت بطرق كبيرة في تلبية معايير العمل أو المعايير البيئية، لكنها لم تقترح من قبل أن الدول خارج شبكة “الولايات المتحدة” لاتفاقيات التجارة الحرة هي: “دول حرة”.
وإذا تم تطبيق هذا النظام بصرامة؛ سوف يؤدي ذلك إلى تراجع تجارة “الولايات المتحدة” مع الدول النامية ومن غير المُرجّح أن يفي الكثير منها بمعايير التجارة مع “أميركا” في أي وقتٍ قريب.
ومن الغريب أن الإدارة لم تبذل أي جهد حتى الآن لتوسّيع نموذج اتفاقية التجارة بين “أميركا وكندا والمكسيك” ليشمل دول أخرى على الرغم من “اتفاقية التجارة الحرة” الحالية؛ بين “الولايات المتحدة” وست دول من “أميركا الوسطى” و”منطقة البحر الكاريبي”، على سبيل المثال، ستكون خيارًا واضحًا لإعادة التفاوض.
و”اتفاقية التجارة الحرة” الحالية؛ بين “أميركا الوسطى” و”جمهورية الدومينيكان” بين “الولايات المتحدة” وست دول من “أميركا الوسطى” و”منطقة البحر الكاريبي”، على سبيل المثال، ستكون خيارًا واضحًا لإعادة التفاوض.
وقد يُساّعد الاتفاق المعزز هذه الدول – رغم ما يُسببه من مشاكل سياسية للإدارة كمصدر مستمر للمهاجرين إلى “الولايات المتحدة” – على أن تُصبح وجهات استثمارية أكثر جاذبية فيما تبحث الشركات عن بدائل لـ”الصين”.
وتتضمن المشاورات الأكثر مرونة التي تقودها “واشنطن” الآن؛ بشأن الإطار الاقتصادي لمنطقتي “الهند” و”المحيط الهاديء” وشراكة الأميركتين من أجل الازدهار الاقتصادي، بالفعل مناقشات حول معايير العمل والبيئة الأعلى.
ولكن في هذه المفاوضات؛ رفضت إدارة “بايدن” جميع الدعوات لزيادة فتح السوق الأميركية، مما يحد من دوافع هذه الدول إلى الالتزام.
ولا تزال النقابات الأميركية تُعارض بشدة أي إحياء للمفاوضات التجارية التقليدية. لكن كبار المسؤولين الآخرين رسّموا رؤية أكثر شمولاً في الأسابيع الأخيرة، ربما لأنهم أدركوا أن موقف “بايدن” الرافض للتجارة يتعارض بشدة مع محاولات تنشيّط التحالفات والشراكات الأميركية من أجل المنافسة الجيوسياسية.
استمرار الارتباك التجاري..
وسيستمر الارتباك بشأن التجارة ما لم يوضح “بايدن” نفسه النهج الأميركي الجديد. لكن من غير المُرجّح أن يحدث هذا في الفترة التي تسّبق الانتخابات الرئاسية لعام 2024، حيث إن “بايدن” مُصّمم على الحفاظ على الوحدة في الحزب (الديمقراطي). وبالتالي تتطلب السياسة الداخلية لـ”الولايات المتحدة” من الإدارة الحفاظ على الغموض في الوقت الحالي، يمكن إخبار العمال الأميركيين أن السياسات الصناعية الجديدة تدور حول خدمة مصالحهم، في حين يمكن طمأنة الحلفاء والشركاء التجاريين بشكلٍ غامض بأنهم سيستفيدون أيضًا.
لكن المعضلة لا يمكن التخلص منها، كان نموذج التجارة الحرة القديم، رغم كل عيوبه، شاملاً عالميًا، يمكن لمعظم البلدان أن تجد مكانًا في نظام وعد على الأقل؛ (وحقق في الغالب)، نموًا أسرع في الداخل منه في الخارج.