خاص : بقلم – عبدالناصر محمد :
في عام 2008؛ طرح شخص أطلق على نفسه الاسم الرمزي: “ساتوشي ناكاموتو”، فكرة (بيتكوين) – وهي عُملة إلكترونية وليست مادية ملموسة – للمرة الأولى في ورقة بحثية، ووصفها بأنها نظام نقدي إلكتروني يعتمد في التعاملات المالية على مبدأ الند للند، وهو مصطلح تقني يعني التعامل المباشر بين مستخدم وآخر دون وجود وسيط كـ”البنوك” مثلاً، ويؤكد القائمون على (بيتكوين) أن الهدف من هذه العُملة، التي طرحت للتداول للمرة الأولى سنة 2009، هو تغيير الاقتصاد العالمي بنفس الطريقة التي غيرت بها “الويب” أساليب النشر.
تمت أول عملية شراء بواسطة (بيتكوين)، مقابل قطعتان بيتزا، حينما قام مبرمج يدعى: “لازلو هانيتش”، بنشر نقاش على منتدى (بيتكوين) يطلب فيه شراء قطعتين بيتزا كبيرتا الحجم مقابل: 10.000 (بيتكوين)، في 18 آيار/مايو 2010، وبعد 11 عام على تلك الصفقة تجاوزت قيمة: الـ 10.000 (بيتكوين)، التي تم دفعها مقابل قطعتا البيتزا: 318 مليون دولار !
وإلى الآن لم يتوصل أحد إلى هوية “ساتوشي ناكاموتو”، أو من وراء هذه العُملة الوهمية الإليكترونية، وفي عام 2016، أعلن رجل الأعمال الأسترالي، “كريغ رايت”، أنه هو: “ساتوشي ناكاموتو”، مقدمًا دليلاً تقنيًا على ذلك، ولكن تم كشف زيف أدلّته بسهولة. وأصبحت العُملات الرقمية تُمثل تجارة ضخمة بلغت قيمتها السوقية، حتى وقت قريب: 2.5 تريليون دولار، قبل أن تتعرض مؤخرًا لضربات متتالية أفقدتها مئات المليارات، لتصل إلى قيمة تناهز: 1.6 تريليون دولار، بحسب موقع (كوين ماركت كاب)؛ المتخصص في تحليل هذا النوع من العُملات.
التعاملات بالعُملات الرقمية..
ومن بين 9.944 عُملة، وهو العدد الرسمي للعُملات الرقمية، تتربع عُملة (بيتكوين) على قمة هذا النوع من العُملات. وبعد أن تجاوزت قيمة الوحدة منها: 60 ألف دولار، بدأت في التراجع عقب إعلان الرئيس التنفيذي لشركة (تسلا)، “إيلون ماسك”، تعليق مبيعات السيارات التي تنتجها الشركة باستخدام (بيتكوين). وخسرت عُملة (بيتكوين)، خلال أسبوع؛ نحو: 33 في المئة من قيمتها، لتسجل الوحدة منها نحو: 37 ألف دولار، وهذا هو أدنى مستوى لها عندما وصل سعرها، منذ شهور؛ إلى ما دون: 40 ألف دولار.
وتوالى الإنهيار حتى فقدت (بيتكوين) نحو: 50 في المئة من قيمتها، ثم لحقتها في هذا الإنهيار بقية العُملات، لتتداعى الأسباب التي عمقت من الإنهيار، وكان آخرها قرار الحكومة الصينية، بمنع التعامل بالعُملات الرقمية. وهنا يتوقف البعض ليتساءل من وراء هذه المنظومة من العُملة الرقمية التي تحتاج إلى أعلى تقنيات تقارب تقنيات دول متقدمة في ذلك المجال ؟.. وما الهدف من هذه العُملة التي لا تتبع بنوكًا مركزية ؟.. ومن الذي يُروج بشدة لهذه العُملة ويجعل دولاً كثيرة تعترف بها ؟
من المعلوم أن هذه العُملة الرقمية لا يمكن تتبع نشاطها أو من وراءها؛ مما يجعل البعض يؤكد أن وراءها “الماسونية” العالمية، التي تُريد أن تستحوذ على اقتصاد العالم من خلال هذه العُملة، ثم فجأة تختفي فيختفي معها كافة الأموال الضخمة التي تعامل بها الناس على هذه العُملة، وهي كما سبق وذكرنا بالمليارات، مما قد يوقع اقتصاد الدول لصالح تلك “الماسونية” العالمية، كما أن هذه العُملة تساعد تجار المخدرات والإتجار في البشر والسلاح إلخ من الأنشطة المجرمة في العمل بحرية من خلال استخدام هذه العُملة وغسل الأموال من خلالها؛ لأنه لا يمكن تتبع مصدرها أبدًا.
خطورة الـ”بيتكوين”..
وقد حذر رئيس بنك التجارة والتنمية لمنطقة البحر الأسود، “دميتري بانكين”، من الاستثمار في عُملة الـ (بيتكوين)، التي تُعد أشهر عُملة رقمية في العالم، ويأتي ذلك في وقت تتعرض فيه العُملة لضغوطات. وقال المصرفي الروسي، خلال مشاركته في “منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي”: إن أكبر مخاطر الاستثمار في عُملة الـ (بيتكوين) يتمثل في أن العُملة الرقمية مستقلة عن البنوك المركزية في العالم، كما أنه ليس لديها أي أساس اقتصادي.
وأضاف “بانكين”، أن: “العُملات المشفرة لديها آلية تسجيل فقط، وثقة في خوارزمية الكمبيوتر، لا يمكن لأحد الضمان في أن يتم غدًا تعدين عُملات (بيتكوين) جديدة”. وعن الاستثمار في عُملة الـ (بيتكوين)، أكد المصرفي أنه لم يشتري عُملات (بيتكوين)، وقال: “هناك الكثير من المخاطر في سوق الأوراق المالية؛ وفي سوق العُملات (التقليدية)، لكن هناك (سوق العُملات الرقمية) الكثير من المخاطر التي لا يمكن التنبؤ بها”.
وهناك مصطلح ملازم للعُملة وهو: “التعدين”؛ ويُقصد بتعدين الـ (بيتكوين)؛ هو استخراجه وتنقيبه، ولتبسيط المفهوم فالعملية تُشبه استخراج “الذهب”، “الذهب” لاستخراجه من باطن الأرض يتطلب معدات معينة مخصصة لذلك الغرض وجهد كبير، الأمر مشابه لتعدين الـ (بيتكوين) فهو يتطلب معدات وبرامج مخصصة تقوم بفك الشفرات والعمليات الحسابية المُعقدة، هذه البرامج مجانية على “الانترنت” تستطيع تعدين الـ (بيتكوين) على أجهزة الكمبيوتر عالية الأداء التي تستطيع تحمل الضغط العالي جدًا لهذه البرامج.
ونظرًا لخطورة تلك العُملة؛ فهي مجرمة في “مصر”؛ ومحرمة أيضًا، فقد حرم فضيلة المفتي تداول عُملة الـ (بيتكوين) الافتراضية معتبرًا إياها وسيطًا غير مقبول للتبادل وتشتمل على أضرار: “الغرر والجهالة والغش الخفي”. وقال الدكتور “شوقي علام”، في بيان أصدرته “دار الإفتاء” المصرية؛ إن: “ضرب العُملة وإصدارها حق لولي الأمر أو من يقوم مقامه من المؤسسات النقدية، وإن تداول الـ (بيتكوين) يُعد تطاولاً على ولي الأمر ومزاحمة لاختصاصاته وصلاحياته التي خصه بها الشرع، وإن شيوع هذا النظام غير المنضبط يخل بمنظومة نقل الأموال التقليدية والتعامل فيها كالبنوك ويسهل بيع الممنوعات وغسل الأموال والتهرب من الضرائب، ويؤدي لإضعاف قدرة الدول على الحفاظ على عُملتها المحلية والسيطرة على حركة تداول النقد واستقرارها.” واعتبر البيان التعامل بهذه العُملة من المحظورات الشرعية التي يجبُ أن: “يُضرَب على يَد مرتكبيها حتى لا تشيعَ الفوضى”.