14 أبريل، 2024 9:59 م
Search
Close this search box.

بيئة ملوثة بفعل الحروب والفساد .. “السرطان” ينهش أطفال “البصرة” !

Facebook
Twitter
LinkedIn

وكالات : كتابات – بغداد :

عشرات الأطفال المصابين بمرض السرطان يرقدون في “مستشفى الطفل التخصصي”، وسط مدينة “البصرة”، جنوبي العراق، انتهت حياة كثيرين منهم وتركوا الأسرّة لغيرهم.

هناك في القاعة الأخيرة في نهاية الرواق؛ أطفال صغار، تصارع أجسادهم الصغيرة الألم رغم انخفاض المناعة لديهم إلى أدنى مستوياتها، بحسب الأطباء.

أقراص الدم نفذت في المستشفى !

تستأنس طفلة صغيرة بوجود طبيبها، الذي قام بتقبيلها أثناء إعطائها العلاج، وكأنه يعلن بذلك الأيام المعدودة المتبقية لمريضته الصغيرة. طفل آخر، في غرفة محاذية، (9 سنوات)، تحاول والدته إخفاء دموعها كي لا يصاب الطفل بالإحباط.

لقد أخبرها الطبيب؛ بأن أقراص الدم نفذت في المستشفى وعليها توفيرها بنفسها، إنما الخبر الصادم بالنسبة لها هو أن جسد ولدها لم يُعد يستجيب للأدوية؛ إنه إعلان نهاية طفل أنهكه مرض السرطان في هذه المدينة الجنوبية المصابة بتلوث الهواء والتربة والمياه.

بيئة جالبة للأمراض..

وشخصت إحصائيات رسمية، في محافظة “البصرة”، زيادة ملحوظة في أعداد الإصابات بمرض السرطان؛ بنسبة ألفي إصابة خلال عام 2019.

ويرجع مدير دائرة البيئة والصحة في المنطقة الجنوبية، “وليد الموسوي”، أسباب الزيادة الحاصلة في انتشار المرض المستعصي؛ إلى تصاعد نسبة التلوث البيئي، مشيرًا إلى رمي المخلفات وتفريغ مياه الصرف الصحي لقرابة خمسة عشر مستشفى من مستشفيات “البصرة” في الأنهار الداخلية، وذلك لعدم وجود محطات بيولوجية خاصة بتلك المستشفيات. “أغلب تلك المستشفيات لا تلتزم بمعايير البيئة”، يقول “الموسوي”.

البصرة لم تُعد آمنة للعيش..

وبحسب خبير البيئة في جامعة البصرة، الدكتور “شكري الحسن”: “لم تُعد البصرة آمنة للعيش، بسبب عدم معالجة مصادر التلوث المتنوعة مثل الأنهار، التي لم تُعد صالحة للاستخدام البشري والاستخدامات الأخرى، وهي ذات الأنهر التي كانت تشكل البيئة الصالحة للتنوع الأحيائي في السابق، يضاف إلى ذلك ملوحة التربة وإنقراض الكائنات الحية، الأمر الذي يهدد النظام البيئي في المنطقة”.

ويقول الباحث في هذا الصدد: “بالإمكان القضاء على التلوث من خلال إيقاف مصادره أو إنشاء محطات معالجة كبيرة متطورة”، مضيفًا أن: “التلوث مازال في تزايد؛ فيما يستمر تدني مياه شط العرب جراء صرف مياه الصرف الزراعي والمخلفات الصناعية، والمياه الثقيلة، ومجاري المدينة، دون معالجتها، حيث يتم تصريفها إلى شط العرب؛ ما يعني أنه أصبح بمثابة مكب يجمع كل أنواع الملوثات”.

ورغم تشكيك مدير إعلام وزارة الصحة والبيئة، “سيف البدر”، في إحصائية مديرية الصحة والبيئة في المنطقة الجنوبية، وحديثه عن أهمية أخذ مقارنة التوزيع السكاني بين “البصرة” والمناطق الأخرى في الحسبان، في ما خص انتشار مرض السرطان، تحدث “وليد الموسوي”، لموقع (موازين نيوز)؛ عن وصول الملوثات البيئية والمواد المشعة إلى المياه الجوفية المستخدمة في سقي المحاصيل الزراعية، سيما في “قضاء الزبير”.

وأكد “الموسوي” أن مياه تلك المنطقة ملوثة بمادة (الكادميوم)، منوهًا إلى: “اعتماد القضاء على الآبار في سقي جميع المحاصيل الزراعية”. وجاء كلام مدير البيئة في المنطقة الجنوبية متوافقًا مع ما ذكره عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية، “عبدعون العبادي”، إذ أكد أن: “هناك أكثر من إثني عشر موقعًا ملوثًا في محافظة البصرة، بمادة (الكادميوم) وملوثات بيئية أخرى مختلفة، وتلوث المحاصيل الزراعية بسبب السقي بالمياه الملوثة”.

يُذكر أن سنوات الحرب “العراقية-الإيرانية”، (1980 – 1988)، التي تم استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة والذخائر الملوثة بـ (اليورانيوم) فيها، تركت هي الأخرى أثرًا كبيرًا على صحة المواطنين في هذه المحافظة الجنوبية.

ما تركته الحرب أشد من الحرب !

ويشير الباحث بهذا الشأن، “شكري الحسن”، إلى أن مخلفات الأسلحة والحروب، يبدو أنها قاتلة وأكثر فتكًا من الحرب ذاتها، وتشكل مصدرًا خطيرًا من مصادر تلوث البيئة في جنوبي “العراق”، وقال: “لقد أصبحت أرض البصرة مقبرة كبيرة لمخلفات الأسلحة والذخائر المتنوعة، وقد ساهمت هذه الملوثات الخطيرة في زيادة نسبة الإشعاع في المناطق التي ترتكز فيها، لاسيما مناطق شرق المحافظة؛ مثل قضاء شط العرب، ومناطق أخرى جنوب وشرقي المدينة”.

كما أشار الباحث إلى وجود إشعاعات وتأثيرات بيئية خطيرة للألغام بعد تقادمها وتحويلها إلى معادن ثقيلة ملوثة للتربة. أما بخصوص التأثيرات المباشرة للتغير المناخي على المنطقة فتطرق “الحسن”؛ إلى العواصف الغبارية المستمرة، والتي تحتوي على أنواع مختلفة من المعادن، وهو ذي تأثير خطير على الصحة العامة، فضلاً عن تعدد أنواع من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض.

تُعد بيئة “العراق”، بحسب مدير قسم زراعة النخيل في مديرية زراعة البصرة، “عبدالعظيم كاظم”، إحدى أكثر بيئات المنطقة تلوثًا جراء تغير مناخي كوني من جانب، والحروب المتتالية ومخلفاتها وانعدام برامج فعالة لحماية وتحسين البيئة من جانب آخر.

“يمكننا ملاحظة آثار التغير المناخي؛ من خلال تزايد مرضى الجهاز التنفسي، والأمراض الأخرى المرتبطة به، وكذلك تصاعد نسبة المصابين بالحساسية الشديدة والربو قياسًا بالنسب السابقة المسجلة قبل 2003″، كل ذلك جراء تفاقم التلوث البيئي في الهواء والتربة والمياه، بحسب “كاظم”.

آثار اليورانيوم ومخلفات حرب الخليج الثانية..

يضاف إلى كل ذلك الآثار التي نتجت عن استخدام (اليورانيوم) المنضب، من قبل الجيش الأميركي ضد الجيش العراقي في “حرب الخليج”؛ واستمرار زراعة الألغام والقصف الذي طال المنشأة الصناعية والنفطية ومحطات الكهرباء، ما أطلق التلوث على نطاق واسع من دون معالجة في جميع المجالات لغاية اليوم.

هذا ما يذهب إليه المتخصص في شؤون المياه والزراعة، “علاء البدران”. ويضيف هذا الباحث الزراعي؛ بأن معالجة أزمة التلوث في “البصرة” تشمل مشاريع المجاري والمياه الثقيلة ومعالجة مياه الصرف والفضلات الكيمياوية الخطرة والمعادن، التي أصبحت واضحة في المصب العام.

ويوضح الباحث بأن المياه الملوثة الناتجة عن عوامل داخلية ومشاركة دول جوار العراق، (تركيا وإيران)، في زيادة مصادر التلوث، تُعد سببًا من أسباب تزايد مرض السرطان في محافظة “البصرة”.

ويشير عضو مجلس النواب العراقي، “رامي السكيني”، إلى أن شعبة الأورام في مستشفى الصدر التعليمي؛ أصبحت غير قادرة على استيعاب المصابين الذين تصل أعدادهم إلى آلاف، بحسب المعلومات التي بحوزته.

وكشف “رامي السكيني”، عن مدى خطورة الوضع البيئي في “البصرة”، وعدها من ضمن المحافظات العراقية الأكثر تأثرًا بالتلوث البيئي، مما جعل مواطنيها الأكثر تعرضًا للإصابة بالأمراض السرطانية.

ويقول “السكيني”: “أزمة الماء المالح في البصرة؛ ثبت بالدليل القاطع أنها تسببت بأمراض سرطانية، كما أن الشركات النفطية العاملة في البصرة لا تتبع إجراءات السلامة البيئية”.

وأكد قائمقام قضاء الزبير، “عباس ماهر”، على الأمر ذاته، مبينًا بأن حكومة “الزبير” المحلية خاطبت رئاسة الوزراء لاتخاذ قرار يُلزم الشركات النفطية العاملة في “البصرة”؛ الإلتزام بمعايير البيئة، ذلك أن المحافظة تعرضت لتلوث بيئي كبير جراء عدم إلتزام تلك الشركات بالمعايير البيئة الملزمة.

تكمن المشكلة الأساسية التي تواجه محافظة “البصرة” والمدن والبلدات التابعة لها، في غياب جهة رسمية تحدد حجم التلوث ونوعه والأمراض الناتجة عنه. وأدى الأمر ذاته إلى توقف الإجراءات القانونية بحق الشركات النفطية العاملة في “البصرة”، بعدما رفعت حكومة “قضاء الزبير” المحلية عدة دعاوى قضائية بحقها نتيجة إهمال الشروط البيئية في أعمال التنقيب والحفر والإنتاج.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب